تفريغ / مؤسسة الفرقان تقدم: كلمة صوتية للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي الحسن ...

منذ يوم
تفريغ / مؤسسة الفرقان تقدم:
كلمة صوتية للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية
الشيخ المجاهد أبي الحسن المهاجر (تقبله الله)
بعنوان
(فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)


الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرِّف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدَّر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه، أما بعد:

ففي حومة الوغى، ورجع صدى آمال أهل الكفر بالقضاء على دولة الإسلام، يستمد حَمَلة الراية وحراس العقيدة قوَّتهم من خالقهم جل وعلا، فاعتمادهم وتوكلهم، عليه لأن الأمر بيديه، ادَّرعوا بالإيمان وصالح الأعمال، فلم يفتَّ في عضدهم انهزام المرجفين والخوَّارين والمبطلين، فكانوا بحق سادةً نجباءً أعزةً كرماءً، قرأوا قول الله: {إِلَّا تَنْفِرُوا} [التوبة: 39] فوثبوا، وأصغت آذانهم لنداء: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ} [التوبة: 40] فضحوا وبذلوا، خفافا وثقالا، كهولا وشبانا، لم يخلدوا إلى الدعة والنعيم، ولم يركنوا إلى حطام الدنيا الزائل، تجرَّدوا للحق فلزموا غرزه فأنبت وأينع طيب الثمر وأنماه، وضرب الجهاد بجِرانه في الأرض فاتسعت رقعته لتلفح بلهيبها أمم الصليب وحكومات الردة والعمالة، في جهاد لأعداء الله عز شأوه، وملاحمِ صدق سطَّرها الصابرون الموقنون بموعود الله لهم، قرأوا قول ربهم: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179]، فأدركوا فداحة الموقف مع تقادم الأيام، وأنَّ التمييز والتمحيص والابتلاء، آتٍ لا محالة، سنة الله الماضية، {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62]، فمع كل حدث ونازلة، يفيئون ويرتوون من معين الهدى الذي لا ينضب، فما خالط بشاشة قلوبهم الريب، وما أثقلت كواهلهم اللأواء ولا كثرة الأعداء.


غطارفةٌ مثل الجبال حُلومُهُم *** تكونُ لهم شم الجبال هضابا
إذا غضبوا للَّه أرضاك فتكهم *** وأَفتكُ ما تلقى الأُسودُ غضابا
وإِن جَزموا الأعمارَ في الحرب صَيّروا *** عوامِلَهُم في الدّارِعينَ حرابا
وتَحسَبُهُم تحت السوابغ والقنا *** ضراغمَ شقّتْ في العَرينِ سَرابا


أذهلوا أمم الكفر وأرعبوها، وسلبوها الراحة والأمان وشتتوها، فأصبحت تتمنى صفو العيش فلا تجده ولا تدري من أي باب ستؤتى، وغدا الموحد المجاهد المستضعف في الأرض، يرى -بفضل الله ومنِّه- العلج الصليبي الأوروبي والأمريكي، يُدهس ويُطعن ويُقتل في طرقات باريس ولندن ومنهاتن، مثلاً بمثلٍ وسواءً بسواءٍ جزاءً وفاقاً، فكما يَقتلون يُقتلون، وكما يَقصفون يُنسفون، وإلى جهنم سيحشرون.

قتلناهُمُ قَتلَ الكلاب فلم نَدَع *** لهم في جميع الناس يا صاحِ من فَخرِ

فلم يتعظ الأغرار دهاقنة الكفر بعد ولم يعتبروا، ولا زال سفهاؤهم يمنُّونهم ويغرونهم فيتمادون في إجرامهم، دون اعتبار بما ستبدي لهم الأيام، جرَّاء حمقهم وعسفهم بالمسلمين دون رحمة أو شفقة، فعلام نعجب؟! فهذا ديدنهم ودأبهم، كما أخبرنا العليم الخبير إذ قال في كتابه العزيز: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

فربنا الحكيم العليم قد جلَّى لنا في كتابه حقيقة هؤلاء الكفرة المجرمين، وأمرنا بقتلهم وقتالهم حتى يكون الدين كلُّه لله، فإما أن يسلموا أو يستسلموا لأمر الله وحكمه أذلةً صاغرين، فأوجب علينا أن نطهر الأرض من زهم شرك هؤلاء، من جاهلية هؤلاء، من عبث هؤلاء، من تجبُّرهم وطغيانهم في الأرض، وأمرنا ربنا -تبارك وتعالى- أن نقاتل المشركين كافة كما يقاتلوننا كافة، فلا فرق بين قتالنا الطاغوت المرتد سلمان وابنه السفيه وقتالنا السيسي وجيشه، ولا فرق بين قتالنا الصفوي الرافضي خامنئي وقتالنا عباس العلماني وحماس، لا فرق بين قتالنا لهؤلاء وبين قتالنا أولياءهم الصليبيين الأمريكان والروس والأوروبيين غير أن أولئك من أبناء يعرب أشد على الإسلام وأنكى وفي الدركات أهوى، قال ربنا: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 36]، وقال: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، وحذَّرنا فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].

فقتال الكفرة المشركين دين نتعبد الله به، ونتقرب به إليه -سبحانه- ليرضى عنا، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216]، وقال مذكرا ومرغبا عباده في عظيم أجر من جاهد في سبيله لقتال أعدائه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، وإنَّ القتال في سبيل الله لهو التجارة الرابحة التي دلَّ عباده عليها، فقال جلَّ من قائل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10 - 11]، فجعل الثواب والجزاء عظيما جليلا بيَّنه في قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 12 - 13].

قال ابن القيم في مدارجه: "فإن عبودية الجهاد من أحب أنواع العبودية إليه سبحانه، ولو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها، من الموالاة فيه سبحانه، والمعاداة فيه، والحب فيه والبغض فيه، وبذل النفس له في محاربة عدوه"، إلى أن قال: "ومنها عبوديةُ مخالفةِ عدوِّه، ومراغمته في الله، وإغاظته فيه، وهي من أحب أنواع العبودية إليه، فإنه -سبحانه- يحب من وليِّه أن يغيظ عدوه ويراغمه ويسوءه، وهذه عبودية لا يتفطَّن لها إلا الأكياس" انتهى كلامه رحمه الله.

وفي الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله) ]رواه البخاري[.
قال إمام الدعوة النجدية -رحمه الله- عندما سئل عن معنى "لا إله إلا الله" فأجاب: "اعلم -رحمك الله- أن هذه الكلمة هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي التي جعلها إبراهيم عليه السلام: {كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 28]، وليس المراد قولها باللسان مع الجهل بمعناها، فإن المنافقين يقولونها وهم تحت الكفار في الدرك الأسفل من النار، مع كونهم يُصلُّون، ويصومون، ويتصدقون، ولكن المراد معرفتها بالقلب، ومحبتها ومحبة أهلها، وبغض من خالفها ومعاداته، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله مخلصا) وفي رواية: (صادقا من قلبه) وفي لفظ: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله) إلى غير ذلك من الأدلة الدالة على جهالة أكثر الناس بهذه الشهادة" انتهى كلامه.

وقال -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 120]، "أما قولهُ تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}، لئلا يستوحشَ سالكُ الطريقِ مِنْ قلةِ السالكين، {قَانِتًا لِلَّهِ} لا للملوكِ ولا للتجارِ المترفين، {حَنِيفًا} لا يميلُ يميناً ولا شمالاً كفعلِ العلماءِ المفتونين، {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} خلافا لمن كثَّر سوادهم وزعم أنه من المسلمين".

فلا إله إلا الله، ما أكثر الناكصين المتنكبين عن كلمة الإخلاص، العاملين بضدها من المنتسبين لهذه الأمة، الهادمين لركنها، المدَّعين نصرتها، الموالين لأعدائها، المحاربين حَمَلَتها والذائدين عنها، وإن حال أهل الإسلام لا يستقيم ولن يستقيم، إلا بكتاب يهدي وسيف ينصر، وإحياء لسنة الصديق -رضي الله عنه- فيمن ارتد وندَّ عن حكم الله وشرعه، وقفز إلى معسكر أهل الكفر ووالى الطواغيت والمشركين والملحدين، وإن صلى وصام وطاف بالبيت الحرام، ففي موقف تجلت رعاية الله وحفظه لهذا الدين -ولا يقوم بمثله إلا ذوو العزمات المسددون الملهمون الموفَّقون من الرجال- قتالُ الصديق -رضي الله عنه- من ارتد من العرب، إذ قمع الله به كل عدو للدين وألف له الأمة وردهم إليه، بعد أن ارتد أكثرهم عن دينه وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين، إذ وقف -رضي الله عنه- كالطود الشامخ أمام ريح عاتية وفتنة مدلهمة حتى قال: "والله لأقتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها"، وذلك يوم أن قال له الصحابة -رضي الله عنهم- كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أقاتل الناس، حتى يقولوا: لا إله إلا الله) قال عمر -رضي الله عنه- فقلت يا خليفة رسول الله تألَّف الناس وارفق بهم فقال لي: "أجبار في الجاهلية وخوار في الإسلام قد انقطع الوحي وتم الدين أينقص وأنا حي؟".

حتى قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "والله لقد رجح إيمان أبي بكر بإيمان هذه الأمة جميعا في قتال أهل الردة".

وقال أبو بكر بن عياش: سمعت أبا حصين يقول: "ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر رضي الله عنه، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة".

قال ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين مع كونهم يصومون ويصلون، ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين".

بل ونقول في وقتنا هذا: فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله، من الطواغيت المبدِّلين لشرع الله وحكمه، خادما ذليلا مواليا مظاهرا للصليبيين والملحدين، وهو مع ذلك، يزفر غيظا وحنقا على جماعة المسلمين، متمنيا وراجيا زوال حكم الله وشرعه، مباهيا بذلك مستعلنا به محتفيا، كما حدث في الموصل وسرت والرقة وغيرها.
وإن من عجائب الزمان سفاهةَ من استمرأ الكذب والبهتان يشمت بدولة الخلافة، وانحسار نفوذها عن أرض حكمتها بشرع الله، في وقت لا يجد المسلم في الأرض دار إسلام يفيء إليها سوى ما تحت سلطان الخلافة، رغم شدة الحملة الصليبية وشراستها، وما زال جنود الخلافة في العراق والشام واليمن وخراسان وسيناء وليبيا وغرب إفريقية وغيرها من الولايات، يقدِّمون أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الحق والدين، فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام، وهم من أحرى الناس دخولا في الطائفة المنصورة، التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وقال: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة).

فيا أبناء الإسلام وحملة التوحيد في كل مكان، دونكم طلائع الخلافة كثِّروا سوادها والحقوا بركبها، فإنا مقبلون على فتح قريب ونصر عزيز بإذن الله، فلا يفوتنكم أجر السبق وحسن التمام.
وإن قتالنا لأهل الكفر والردة قدر محتوم وفرض واجب، ولا يسع من آمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا، التخلُّف أو النأي بالنفس عنه، دفعا لصيالهم، وسلبهم بلاد المسلمين، فمنذ عهد ليس بالقليل، والمسلمون كالغنم المطيرة فى الليلة الشاتية؛ لتسلط عدوهم وزوال سلطانهم، ولا ترى من كثير ممن ينتسبون للإسلام، إلا أهواءً متبعةً، وجنوحاً مريعاً عن الملة، في ردة وعمالة صارخة لأحفاد القردة والخنازير، فلم يُصَب أهل الإسلام على مر العصور بمصاب كهذا، من حرب عقدية ومنهجية واقتصادية وعسكرية وإعلامية، ولم تبتلَ الأمة بمن ينتسبون للعلم كهذا الابتلاء، بل وقد غدا هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم للعلم، حربة يقاتل بها كل من يسعى لإقامة حكم الله وشرعه في الأرض.

فواعجبا ممن يقرأ كتاب ربه، ثم يعيش في كنف الذلة والمهانة مسلوب الإرادة، يُملى عليه ما يجب اعتقاده، وما يجب عليه اجتنابه من دينه، في فصام نكد يعيشه وبعد حقيقي عن فهم الواقع، الذي لا يعرفه ولا يفقهه إلا من وثب من الدون، وارتقى بسنام الدين ذروة الصُّم الشواهق، فأبصر بمقال الفعال لا بمقال الهذرمة وحشو الكلام، حال المتخلفين المخذولين، وما هو السبيل لخلاص أهل الإسلام من هذا الكرب العظيم والشر المستطير، فإن هداية الله لمن جاهد في سبيله أسبق، ووعده لهم أصدق.

قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]، قال ابن القيم: "واعلم، أنه لا يستقر للعبد قدم في الإسلام حتى يعقد قلبه على أن الدين كله لله، وأن الهدى هدى الله، وأن الحق دائر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجودا وعدما، وأنه لا مطاع سواه ولا متبوع غيره، وأن كلام غيره يعرض على كلامه فإن وافقه قبلناه، لا لأنه قاله، بل لأنه أخبر به عن الله -تعالى- ورسوله، وإن خالفه رددناه، ولا يعرض كلامه -صلى الله عليه وسلم- على آراء القياسيين، ولا على عقول الفلاسفة والمتكلمين ولا أذواق المتزهدين، بل تعرض هذه كلها على ما جاء به، عرض الدراهم المجهولة على أخبر الناقدين، فما حكم بصحته فهو منه المقبول، وما حكم برده فهو المردود" انتهى كلامه رحمه الله.

فيا أيها المقتفي نهج نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الأخيار، يا من أبيت إلا السير على درب سلف هذه الأمة الأبرار، يا من دهمته طوارق الليل وأهمَّته تباريح النهار، يا من أسلمت وجهك لله، فاستبطأت الفرج وحلَّ الكُرب، بعد أن أيقنت أنه لا حل ولا سبيل ولا وسيلة، لفلاح هذه الأمة ونجاتها من دركات الشقاء، يرضاها ربنا جل في علاه، إلا بالجهاد في سبيله والقتل والقتال، ليعود المسلم حرا كريما لا عبدا تابعا ذليلا، ويسود الإسلام الأرض، وتخضع البرية جمعاء لله رب العالمين، اعلم بأنه لا يُوصل إلى الراحة واللذة إلا على جسر التعب والألم، وهذا يريك -أخي المجاهد- أن المصائب والآلام حشوها نعم ولذات ومسرات، كيف بك وأنت اليوم في موطن جليل مهيب، عز من يقفه في هذا الزمان، تنافح فيه عن ملة إبراهيم وسنة خير المرسلين، عليهم أفضل الصلاة والسلام، طاعة لله رجاء موعوده وإنفاذا لأمره، فإياك من كيد الغرور إياك، فإنه لا يزال بالعبد الصالح يغريه تارة ويمنيه تارة، حتى يقع في شراكه وحبائل كيده ومكره، فإن الخطب جلل، وليهنك وعد ربك لمن آمن به وصدق رسله وهاجر وأوذي في سبيله وقاتل حتى قتل صابرا محتسبا، فإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب.

فالصحابة -رضوان الله عليهم- خير القرون وأزكاها وأعلم الناس قاطبة بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، ما نكلوا عن قتال الكفرة المشركين مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زمانه، وما نكصوا عن قتال أهل الردة بعد وفاته، وقد ضربوا في ذلك أسمى المواقف وأجلِّها، فأعلوا منار الإسلام بعد أن كاد يُصطلم ويخرم.

ففي صورة من صور البذل والفداء لهذا الدين، وعزمة من عزمات السابقين الأولين، يرويها أنس -رضي الله عنه- حيث قال: غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: "يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليَرينَّ اللهُ ما أصنع"، فلما كان يوم أُحُد، وانكشف المسلمون قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين"، ثم تقدَّم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: "يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد"، قال سعد: "فما استطعت يا رسول الله ما صنع"، قال أنس: "فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قُتل وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه"، قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية" ]رواه البخاري[، وعنه أيضا قال: "انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقدِّمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)، فدنا المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)، قال: - يقول عمير بن الحمام الأنصاري: - يا رسول الله، جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: (نعم)، قال: بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟) قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: (فإنك من أهلها)، فأخرج تمرات من قَرَنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال: فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل" [رواه مسلم].

بل ولقد كان حملة القرآن من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- هم السبَّاقون المبادرون المتقحِّمون غمار الموت، نعم يا طالب العلم، ففي حروب الردة، خشي الفاروق والصديق رضي الله عنهما ذهاب كثير من القرآن لكثرة القتل فيهم، حتى قال الفاروق عمر -رضي الله عنه- لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القتل قد استحرَّ [أي: كثر] يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، فكان ذلك سببا لجمع القرآن وحفظه مكتوبا في المصاحف، فما أجلَّ موقف حامل العلم والقرآن يوم أن تكون ثمرة علمه بادية عليه، شجاعا مقداما غير هياب ولا مرتاب.

وهذا زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- يحمل راية المسلمين يوم اليمامة في حروب الردة، وكان يقول وهو يصيح بصوت الموقن بأن ما عند الله خير وأبقى وأن العاقبة للتقوى: "اللهم إنِّي أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة"، فلم يزل يتقدم بالراية في نحر العدو، ثم قاتل حتى قُتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، ولما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم وهو من حملة القرآن: "ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ فقاتل حتى قتل رحمه الله".

وعن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: "لما كان يوم اليمامة، واصطف الناس، كان أول من جُرح أبو عقيل، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأُخرج السهم، ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجُرَّ إلى الرحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عدي يصيح: يا للأنصار! الله الله والكَرَّة على عدوكم! قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال! قال: قد نوَّه المنادى باسمي، قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا، قال ابن عمر: فتحزَّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كَرَّة كيوم حنين! فاجتمعوا رحمكم الله جميعا، تقدَّموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم.

قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل، وقُتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدَّبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله".

أولئك جيل المكرمات فمن يكن *** له أثَرٌ بالعزم يسعى ويخطر
تراهم إلى الهيجاء صاح نذيرهم *** فأرخص روحا في الوغى يتبختر
وماذا عسى الأطراس تجديك عالما *** إذا ضاع منك الفعل والقول أبتر
بسيف وإقدام وصون عقيدة *** بها الدين يزهو والنجائب ضمَّر

وليعلم كل محارب لدولة الخلافة، أنها ماضية في إنفاذ وعيدها بأعدائها، فأسيافنا -بفضل الله- ما نبت، وإن الملاحم لتوها بدأت.

وما خاض أبناء الإسلام غمار هذا البحر اللُّجي المتلاطم، إلا وهم على يقين برسوِّهم ودنوهم من سعة الدنيا والآخرة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.

فإنما هي إحدى الحسنيين، إحدى الكرامتين، إما نصر وإما شهادة، حياة عز لا حياة ذل، حياة إباء لا حياة استخذاء واستجداء.

وإن الناظر اليوم ليرى بفضل الله ومنِّه ثم بثبات أبناء الخلافة وأنصارها، ربَّة القطب الأوحد فيما مضى أمريكا، وهي تعيش أحلام اليقظة، تمني نفسها القضاء على دولة الإسلام، ونسيت أو تناست، كيف آل بها الحال مع خصومها ومنافسيها من الأمم، ومن في حقيقة الأمر انتصر وظفر، من فقد الصدارة والريادة، وما عادت رياح السياسة تجري وفق ما يشتهي ويؤمِّل، فها أنت اليوم يا ربة السوء تائهة متخبطة متعثرة الخطوات مشتتة الأهداف، ذلَّت إرادتك فأصبحتِ تناغين خصومك المفترضين وتسايرين رغباتهم، وترضين بأنصاف الحلول ولا تقوين على الصدام المباشر معهم، وما حديثك عن احتواء النفوذ الصفوي في المنطقة عنَّا ببعيد، وهو خير دليل وشاهد، وإن الشقاء الذي حل بك اليوم من جراء عجزك الاقتصادي المدقع قد أفقدك السياسة التي تزعمين والكياسة مع الحلفاء، فما عدت تخجلين أن تظهري ابتزازك لأصدقاء الأمس واليوم أمام العالم، بل وترهنين بقاءك في الشام بدعمهم الغير مشروط أو أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم، أو تظنين أن قصفك للنظام النصيري المجرم القاتلِ لأهل السنة سيخضع الروس أو يغيِّر من المعادلة شيئا أم سينسي جرائمك بحق أهل السنة في العراق والشام، وما الغوطة ودوما إلا حلقة من قصة لم تنتهِ فصولها من الكرب الذي يعانيه أهل السنة، وما إقدامك على فعل ذلك إلا ذرٌ للرماد في العيون واستخفاف بالعقول، واختلاق لنزاع متوهم، لتحفظي شيئا من مصالحك مع طواغيت المنطقة من مرتدي أهل السنة، فأنت من أسلمت مناطق أهل السنة لدولة المجوس إيران، كيف وأساطيلك البحرية والجوية تواكب حشود الرافضة الصفويين في العراق، وتمهِّد لهم سلب ديار أهل السنة، بل وأصبح حزب اللات الرافضي ذراع إيران يحمد على فعله وما اقترفته يداه بحق أهل السنة في الشام، وتلك العصائب والميليشيات الرافضية في العراق تعتلي المناصب ويُشاد بتنكيلها واستباحتها لمناطق أهل السنة، الذين ما اندمل لهم جرح وما رقَّ لهم دمع، مذ أقبلتِ غازيةً تبشرين بتعاستهم واستعبادهم وحرب دينهم ونهب ثرواتهم.

فعن أي نصر يتحدث هؤلاء، عن أي نصر تتحدثين أمريكا، والمجاهدون -بفضل الله- في علو ورفعة وقوة ساعد، وشدة بأس وبعد نظر ووحدة صف، وحالٍ خير من الحال الذي وليت فيه مهزومة ذليلة من العراق منذ سنين؟ وما كانت إلا أعوام قلائل حتى فتح الله على عباده المجاهدين المدن والأرياف، وأغناهم من فضله، فعن أي نصر تتكلمين، وأنت اليوم خرَّاجة ولاجة من بلد لآخر، تخطبين ود دول وتناغين أخرى، بعد أن عاد للصدارة خصمُك الألد وعدوك الأبعد روسيا الصليبية، التي لم تهنأ هي الأخرى بنصرها المزعوم على أرض الملاحم، وحاولت آيسة وبحفاوة كاذبة، أن تظهر ولو إعلاميا بصورة المخلِّص لشركائها النصيرية في الشام، بعد أن استخدمت سياسة الأرض المحروقة في استعراض مفرط للقوة، مع مدن وبلدات أهل السنة، فلم يَرُقْ لك أمريكا ذلك المشهد، والصورة التي أراد أن يوصلها العلج الروسي للعالم، بأن قد عدتُ للصدارة، فأعجزك الدهاء، وما كان من رقيع بيتك الأخرق، إلا أن يوقِّع بقلمه أمام العالم بأن القدس عاصمة لدولة يهود، ليفسد بذلك على خصمه الروسي احتفاءه بالنصر، ويصرف عنه أنظار العالم، فأغضبتِ الغُثاء ممن يعتقدون فيك النفع والضر، وأنت اليوم تتعجلين أمرا لن تبلغيه، فكفي عنه وعودي خلف البحار ما لك وللمجاهدين وديار المسلمين، فاعتبري بما سلف فالعاقل لا يُجرب المجرَّب، وإن وعد الله لعباده المتقين المجاهدين بالتمكين أقرب، ثم هل سيجدي اعترافك هذا من أمر الله شيئا، حتى وإن نزلت وأتيت بكل بارجة وطائرة، وخبير ومستشار على أرض المسرى وأولى القبلتين لتحمي يهود، فإن لأجناد الإسلام معهم موعدا لن يخلفوه، وإنها الوعود ورب محمد صلى الله عليه وسلم، فصبرا يا أهلنا في مسرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صبرا، فوالله ما نسيناكم، وإنَّ إخوانكم في دولة الخلافة ما قاتلوا أمم الكفر، إلا وهم يتلمَّظون أسى وأسفا عن مجابهة يهود، لانشغالهم بدفع صيال عدوِّهم وإزالة حدود الذل والعار المكبِّلة لأهل الإسلام، وما صمود وثبات أجناد الخلافة في سيناء وصدُّهم الحملات تلو الحملات إلا برهان حق ودليل صدق وإن غدا لناظره لقريب.

فعن أي نصر تتكلمين أمريكا، وما زال أبناء المسلمين من أقطار الأرض يتوافدون على بيعة الخلافة ونصرتها، راجين أن يكونوا لبنة صالحة في تشييد صرحها وإعلاء بنيانها، بل ولا زال جنود الخلافة في العراق والشام واليمن وخراسان وسيناء وليبيا وغرب إفريقية والصومال والفلبين وتونس، ينازلون عملاءك وجنودك ويطاولونهم في جهاد يحبه الله ويرضاه، ولن يتوقف حتى ينزل عيسى ابن مريم -عليه السلام- حكما مقسطا، وإنَّ الكابوس الذي تجرَّعتم فصوله المرعبة لن ينهيَه حلم زائف، أو لحظة من غطاء جوي هائل، فإن القادم -بإذن الله- أدهى وأمر.

فمن أنت يا جندي الخلافة، لتجتمع على حربك أكثر من سبعين دولة؟!
من أنت يا جندي الخلافة، لتُعقد من أجلك المؤتمرات والتحالفات؟!
من أنت ليقبل العلج الأمريكي والروسي والأوروبي والغربي والشرقي لحربك وقتالك؟!
من أنت، لتقصف بأم القنابل والفسفور ويُصب من فوق رأسك كل ما جرَّموه وحرَّموه؟!
من أنت لتتنكر عن نصرتك أمة الغثاء بل وتقف مع عدوها لحربك، فمضيت ولم تلفت وجهك عن نصرة دينك؟!
من أنت ليضجَّ إعلامهم الفاجر لتحطيمك أكوام حجارة لا حياة فيها، ويقف شاخصا واجما وبصمت مطبق، وهو يرى بلاد أهل السنة تُباد وتدك على رؤوس ساكنيها، تُزهق فيها الأرواح وتنتهك الحرم بدعوى حربك وقتالك؟!
فمن أنت يا جندي الخلافة، لتوصم بالزندقة تارة، وبالعمالة تارة، وبالخارجية تارة، وبالكفر تارة، وبالإلحاد تارة، فاحتار البلاعمة المرتدون في وصفك ولمزك وغمزك، ثم أنت مع ذلك كله، تُلقي بنفسك في غمرات الموت تذب عن أمتك ودينك؟!
من أنت لله درُّك وعلى الله أجرك؟! فتَذَكَّر من أنت، لتعلم فضل الله عليك فأدِّ شكر هذه النعمة، بالثبات على دينه وجهاد أعدائه، فإنك على الحق. اللهم أمض لجنود الخلافة هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم.

وإن دولة الخلافة منذ إعلانها و نشأتها، قد بشرت الأمة بالجهاد والقتل والقتال في سبيل الله، ولم تعدها وتمنِّيها بشيء من الدنيا، فأقامت الدين وأحيت الولاء والبراء، وانخلعت من ضيق الأحزاب والتنظيمات إلى سعة الخلافة، فأعادت لجماعة المسلمين هيبتها وعزَّها بين الأنام، ولولا ذلك لما اجتمع عليها طواغيت الشرق والغرب ولما حاربتها الأمم، فبايع المجاهدون الصادقون أمير المؤمنين أبا بكر الحسيني القرشي البغدادي -حفظه الله- خليفة للمسلمين، فنحا الصراع بذلك الإعلان مع أهل الكفر شكلا آخر وسِمَة مغايرة عن كل جهاد سلف في زماننا، فكان ذلك من توفيق الله -تعالى- لأهل الجهاد في العراق والشام، فالإمام جُنَّة كما قال صلى الله عليه وسلم: (يُقاتل من ورائه، ويتقى به) [رواه البخاري ومسلم]، فتُحسم بذلك مادة الشر المتمثلة بالاختلاف، الذي يستثمره أهل الغدر والمكر والخيانة، ليبقى أبناء الإسلام فرقا وأحزابا وجماعات أشتاتا، فبإعلان الخلافة، عادت -بفضل الله- أواصر الأخوة الإيمانية، وتحقَّق معنى الجسد الواحد في هذه الأمة بين أبناء الإسلام وفي شتى البقاع، فترى الموحِّد الذي عزَّ عليه النفير والهجرة إلى دار الإسلام، القاطن بين ظهراني المشركين، من يهود وصليبيين ومرتدين، يقاتل على بصيرة من أمره نصرة لدينه، بعد أن وضح أمام ناظريه على أي شيء يقاتل ليُقتل، حتى غدت...

أسيافنا في كل غرب ومشرق *** بها من قراع الدارعين فلول
وأيامنا مشهورة في عدونا *** لها غرر معلومة وحجول

فيا جنود التوحيد في دولة الإسلام، إنها الخلافة فخر المسلمين وغيظ الكافرين، فاحمدوا المولى بأن أكرمكم برفع رايتها والذود والذبِّ عنها، وإنا لنحسب أن من بقي منكم كمن سلف من خياركم، فامضوا إلى فتح جديد إلى نصر مجيد، وإن جيلا تربى على التوحيد، وعاش الولاء والبراء واقعا حيا عمليا، وذاق عزة الجهاد ولذة البذل في سبيل الله، هو الأمة التي يُعقد عليها الآمال، ويعول عليه بعد الله -عز وجل- النهوض بالإسلام في هذا الزمان، وها أنتم اليوم تشهدون الملاحم على أرض العراق والشام وغيرها من البلدان فأروا الله من أنفسكم خيرا.

وما مُنعت دار ولا عزَّ أهلها *** من الناس إلا بالقنا والقنابل

وإن لأبناء الإسلام بحول الله وقوته مع أعداء الله الرافضة الصفويين، وعملائهم المرتدين المحسوبين زورا وبهاتانا على أهل السنة، موعدا وأجلا مضروبا معجَّلا، فما وضعت الحرب أوزارها، وما زال آساد الخلافة -بفضل الله- يسيرون وفق ما أرادوا ورسموا، فهم سائسو الحروب ومروِّضوها، وقاهرو أمم الكفر ومزلزلوها، فلا يظنن وضيع جبان أن يدا له امتدت على المجاهدين وأعراضهم سينعم بها، فقسما بمن أجرى السحاب وبنى السبع الشداد، وشتَّت عند الفتح جموع الكافرين في كل واد، لتقطعنَّ يداه ورجلاه، ولتسلَبنَّ روح حواها جسده ولينبذنَّ جيفة في رمسه، فما ضعفنا وما جَبُنَّا، نحن أحفاد الصديق وابن الوليد، ولنحيِينَّ سنته في كل من ارتد وناصب المسلمين العداء، من الدهماء والغوغاء، فاسمعوها وعوها منا يا رافضة العراق ومجوس إيران، فقسما قسما لتضيقَنَّ الواسعة من نتن موتاكم، وليشوبنَّ دجلة والفرات نجيع قتلاكم، وإن بكل مسلمة عفيفة طاهرة سيقت إلى مشانق الموت، ما سيخلع قلوبكم ويُدمي أيامكم.

فيا مسعِّرة الحروب في أرض السواد ومهد الخلافة، يا رجالات الدولة وحماة الدين والملة، لا تدعوا مفصلا أمنيا أو عسكريا أو اقتصاديا أو إعلاميا لحكومة الرافضة، إلا وجعلتموه أثرا بعد عين، ولا تُبقوا رأس عشيرة عفن مرتد إلا وقطفتموه، ولا قرية محاربة إلا وتركتموها آية لمعتبر وعظة لكل مغتر أشر، فهؤلاء هم من وقفوا أنفسهم خداما للرافضة وعبيدا لهم، وعينا ساهرة تحول بين المجاهدين وعدوِّهم، واكتموا أنفاس دعاة الفتنة والضلالة، من تواصوا وتعاهدوا على تبديل عقائد الناس، من الأئمة والخطباء والمعممين والأساتذة والمعلمين، فلا تأخذكم بهم رأفة أو شفقة في دين الله، فهم مرتدون زنادقة مجرمون، يذلِّلون الناس ليكونوا طوع قياد الرافضة، وافلقوا هام كل من آذى عباد الله الموحدين، ممن ارتد وإن كان يوما في ركاب المجاهدين، واقبلوا توبة من تاب قبل القدرة عليه، وأحسنوا إلى من آوى وناصر ورعى العهد ولم يخفُر ذمته مع المسلمين، وكونوا له عونا وسندا، وآتوه من مال الله الذي آتاكم، واخفضوا له الجناح.

ولتعلموا يا أهل السنة في العراق والشام وكل مكان أنه ما عاد لكم بعد الله سوى أجناد الخلافة في دولة الإسلام، فآووهم وانصروهم وكونوا لهم يدا على من سواهم، وننوِّه إلى أن حكومة الحشد الرافضي الإيراني في العراق، مقبلة على ما يسمونه انتخابات، فكلُّ من يسعى في قيامها بالمعونة والمساعدة فهو مُتَولٍ لها ولأهلها، وحكمه كحكم الداعين إليها والمظاهرين لها، والمرشحون للانتخاب هم أدعياء للربوبية والألوهية، والمنتخِبون لهم قد اتخذوهم أربابا وشركاء من دون الله، وحكمهم في دين الله الكفر والخروج عن الإسلام، فإنا نحذركم يا أهل السنة في العراق من تولي هؤلاء القوم الذين ما تركوا باب ردة إلا وولجوه، وإن مراكز الانتخاب ومن فيها هدف لأسيافنا فابتعدوا عنها واجتنبوا السير بقربها، ومن ضنَّ منكم بنفسه وأخلد إلى الأرض عن نصرة دولة المسلمين وموئل أهل السنة فليسعه بيته ولينشغل بخاصة نفسه، ولا يكونن نصيرا وظهيرا للرافضة المشركين وأذنابهم المرتدين المحسوبين على أهل السنة.

ويا جنود الخلافة وأنصارها في كل مكان، اعلموا أننا اليوم نمرُّ بمرحلة جديدة، ومنعطف شدة في طريق جهاد عدو حقود، يرجو السيطرة على بلاد المسلمين، وأن يرث ما خلَّفته أمريكا، بعد أن أنهكها المجاهدون بعملياتهم، ومطاولتهم لها ما يقرب عقدين من الزمان، فبدأت تعود القهقرى لا تلوي على شيء، وهي ترى تنكُّر الحلفاء لها، عاجزة عن كبح جماح الروس ودولة المجوس إيران، فاجعلوا هاتين الضُرَّتين هدفا لمسرح عملياتكم وجهادكم، ليذوق المجوس ومن ورائهم الروس شيئا من جحيم طغيانهم، وحرقهم مناطق أهل السنة في العراق والشام، فخذوا لهذه الحرب أهبتها، وتزوَّدوا لها فإن خير الزاد التقوى، ثم امضوا وأنتم على يقين بوعد الله ونصره، والزموا الطاعة واحفظوا وارعوا الجماعة، وإياكم والاختلاف، فإنه شر ما تُصابون به وهو أحدُّ عليكم من كل لهذم قاطع، واقضوا حوائجكم بالكتمان، واستنفذوا الوسع والطاقة في استطلاع الأهداف وكشف ثغرات العدو، واحذروا الجاسوس اللصيق، أجهزة الاتصال فإنها دليل النصال، واتخذوا كل وسيلة من شأنها النكاية بعدوكم والإثخان فيه، فهاهم الصليبيون الأمريكان قد استمرأوا ما فيه هلاكهم بإذن الله، وتجرأوا بالنزول بين فينة وأخرى، فلا يفوتن أحدَكم نصيبه منهم وقد حلُّوا بساحتكم.

وتذكروا في كل وقت وحين تذكروا دائما، أن قبَّة النصر -كما قال ابن القيم- لا تُبتنى إلا على خمسة أشياء ذكرها ربنا في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46]، ففي هذه الآية أمر الله المجاهدين بخمسة أشياء، ما اجتمعت في فئة قط إلا نُصرت وإن قلت وكثر أعداؤها؛ أولاها الثبات، وثانيها كثرة ذكره سبحانه وتعالى، وثالثها طاعته وطاعة رسوله، ورابعها اتفاق الكلمة وعدم التنازع، الذي يوجب الفشل والوهن، وهو جند يقوِّي به المتنازعون عدوهم عليهم، فإنهم في اجتماعهم كالحزمة من السهام، لا يستطيع أحدٌ كسرها، فإذا فرقها وصار كل منهم وحده كسرها كلها، وأما خامسها ملاكُ ذلك كله وقوامه وأساسه وهو الصبر، فهذه خمسة أشياء تُبتنى عليها قبة النصر، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسب ما نقص منها، وإذا اجتمعت قوَّى بعضها بعضا، وصار لها أثر عظيم في النصر، ولما اجتمعت في الصحابة لم تقم لهم أمة من الأمم، وفتحوا الدنيا ودانت لهم العباد والبلاد، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت، آل الأمر إلى ما آل، والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 129
الخميس 10 شعبان 1439 ه‍ـ

683b4f9a9ea34

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً