النظام النصيري ودروس حرب لبنان (1) اعتمدت "الحرب اللبنانية" التي بدأت مطلع هذا القرن الهجري ...

منذ 21 ساعة
النظام النصيري ودروس حرب لبنان (1)


اعتمدت "الحرب اللبنانية" التي بدأت مطلع هذا القرن الهجري بشكل أساسي على مبدأ الإدخال المستمر لأطراف جديدة في الصراع كلما تحقق التوازن بين القوى المتصارعة على أرضه، فيكون دخول الطرف عاملا مساعدا في إمالة الكفة لصالح حلفائه، حتى يقترب من تحقيق النصر على أعدائه، الذين يسعون جهدهم في جر بعض الأطراف إلى صالحهم لإعادة التوازن من جديد على الأقل.

وهكذا دخل الجيش النصيري إلى "لبنان" بعد أن اقتربت الفصائل الفلسطينية العلمانية وحلفاؤها من القوميين (المنتسبين إلى أهل السنة) والاشتراكيين (ومنهم الدروز) من الانتصار على أعدائهم من النصارى، بفرضها الحصار على مناطقهم والتمهيد لاقتحام معاقلهم الجبلية، فوجد فيها النظام النصيري فرصة للتدخل في "لبنان" دون أن يلقى معارضة من الدول الصليبية أو الدولة اليهودية.

فتمكن الجيش النصيري خلال فترة وجيزة من كسر تقدم أعداء النصارى، وأعاد التوازن إلى ساحة المعركة نوعا ما، ولكنه في الوقت نفسه فرض سيطرته على مناطق النصارى في لبنان، الذين أرادوا أن تكون نتيجة المعركة كسر خصومهم في الداخل دون أن يؤدي ذلك إلى سيطرة نظام "قومي عربي" على البلاد بحيث تكون هذه السيطرة سبباً في تعطيل مشاريعهم الهادفة إلى إلحاق "لبنان" بالدول الصليبية الأوروبية وحلفائها من اليهود.


• لعبة الخطوط الحمراء:

ولما كانت الأحزاب والفصائل المسلحة اللبنانية أضعف من أن تجبر النظام النصيري على سحب جيشه من "لبنان" بعد إنقاذ النصارى من هزيمة محققة، وعجزت في الوقت نفسه عن إقناع أمريكا أو فرنسا أو أي من دول الطواغيت العرب بالتدخل لتحقيق ذلك، فإنها سعت إلى إقناع قادة اليهود بالضغط على الجيش النصيري لإجباره على الانسحاب، من خلال تذكيرهم بتشابه حال نصارى "لبنان" مع اليهود في فلسطين، لكونهم أقليات في محيط مليء بالمسلمين، ومن المفيد تحالفهم ضد أعدائهم، وكذلك تخويفهم من خطورة تثبيت وجود الجيش النصيري على حدودهم الشمالية، دون أن يستطيعوا خلق الذريعة الكافية لإقناع قادة اليهود للتدخل في هذه الحرب.

ولعلمهم بالخطوط الحمراء التي رسمها الجيش اليهودي على خارطة "لبنان"، والتي أعلم الجيش النصيري بخطورة تجاوزهم لها، فإن خطة الأحزاب النصرانية اللبنانية اعتمدت على مبدأ جر الجيش النصيري لتجاوز هذه الخطوط، وكان التدخل اليهودي في "لبنان" بعد ذلك لإعادة النصيرية إلى الحدود المرسومة لهم، وخاصة في منطقة سهل البقاع، حيث شن هجمات جوية قاتلة على القوات البرية للجيش النصيري، أعقبها سحق لسلاح الجو النصيري الذي تدخل لحماية قطعانه المنتشرة على الأرض، وبالرغم من أن هذا التدخل لم يجبر الطاغوت (حافظ الأسد) على سحب جيشه الضخم من لبنان، إلا أنه فتح الباب نحو سلسلة من التدخلات المستمرة من الجيش اليهودي في "لبنان" تكللت بالاجتياح الكبير الذي أقدم عليه مخترقا مناطق الجنوب التي كانت بؤرة الصراع بين اليهود والمنظمات الفلسطينية العلمانية ليكون هدف هذا الاجتياح القضاء التام على تلك المنظمات، من خلال السيطرة على مراكز قيادتها، وإجبارها على الخروج من "لبنان" باتجاه المنافي في تونس وليبيا واليمن وغيرها من المناطق البعيدة عن ساحة صراعها الأساسية مع اليهود، ثم إجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات والقبول بشروط مخزية تكون نتيجتها ما نراه اليوم واقعا حيا في حكومة (السلطة الفلسطينية) المرتدة الحاكمة صوريا لبعض المدن والقرى على أرض فلسطين.

تضرر الجيش النصيري كثيرا من اجتياح الجيش اليهودي للبنان رغم تمكنه لاحقا من إزالة كثير من آثاره، ولكنه في الوقت نفسه استفاد دروسا كبيرة في كيفية الموازنة بين الخصوم والأعداء في ساحة المعركة، وفق ما نراه اليوم من ملامح الصراع المرتسم بين كل من دولة اليهود ودولة إيران الرافضية على أرض الشام.


• ثمن التدخل الإيراني:

النظام النصيري استدعى إيران لإنقاذه من هزيمة مؤكدة على الأرض تهدد بسقوطه كليا، بعدما فقد السيطرة على أغلب مساحة البلاد، وانهار جيشه بفعل الانشقاقات والخسائر الكبيرة في صفوفه، وقد تمكن الإيرانيون بما لديهم من قوة عسكرية أساسها الميليشيات الرافضية التي استدعاها من كل مكان من إعادة التوازن إلى ساحة المعركة، مستفيدين من خيانة فصائل الصحوات، وقدرات الطيران الروسي المساند للنصيرية وميليشيات الروافض، ولكن النظام الإيراني في الوقت نفسه بدأ يعلن عن منّه على النظام النصيري ويطالبه بدفع الثمن المناسب للفائدة التي تحصل عليها جرّاء تدخلهم لصالحه، بل بات الكلام يجري عن سعي إيراني لفرض السيطرة على النظام النصيري نفسه، وخاصة مع اعتقادهم بقرب حسم الحرب خلال الأشهر القادمة في ظل اتفاقيات مع الطواغيت في دول الجوار والدول الصليبية التي كشفت عن دعمها لاستمرار حكم النظام النصيري لديار المسلمين في الشام.وفي الوقت نفسه بدأت الدويلة اليهودية بمحاولات لرسم خطوط حمراء على خارطة "سوريا" لحدود القوة والانتشار الإيراني الذي ستقبل به على الأرض، شبيهة بتلك التي سعت لرسمها من قبل للجيش النصيري في "لبنان"، وكانت ذريعة لاجتياحه فيما بعد للقضاء على الفصائل الفلسطينية وحلفائها.


• ثنائية "إيران - دولة اليهود":

وهنا نجد أنه من المفيد استدعاء "النموذج اللبناني" للصراع بين القوى الخارجية على ساحات أخرى، لفهم مستقبل الصراع بين كل من الروافض واليهود على أرض "سوريا".

فالنظام النصيري وإن كان سعيدا بالتدخل الإيراني لصالحه في معركته ضد أهل السنة، فإنه بالتأكيد ليس سعيدا من المساعي الظاهرة لإيران للسيطرة على الحكم وتحييد النصيرية عنه، مع علمه أن الحكومة الرافضية الإيرانية لن تكتفي ببعض المكاسب الاقتصادية والمالية كمقابل لما قدمته من مساعدة له، وخاصة في ظل عجزه الظاهر عن إبداء أي مقاومة ذاتية للهيمنة الإيرانية، ولو بمساعدة حلفائه الروس الذين يبدون الاكتفاء بمكاسب محدودة على الأرض يمكن تحصيلها بوجود النظام النصيري أو حتى بوجود حكومة أخرى موالية لإيران في دمشق، وكذلك فإن الحرب في الشام لم تحسم بعد، ومن المحتمل أن يؤدي أي ضعف في الدعم الإيراني إلى استعادة زخمها والتهديد بالتالي بخسارة كثير من المكاسب التي تحققت لهم خلال السنتين الماضيتين.

ولذلك كله فإن من مصلحة النظام النصيري أن يجري إضعاف الوجود الرافضي الإيراني في الشام دون فقدانه بالكلية، ريثما يستعيد قوته ويتمكن من فرض سيطرته على الأرض وهذا ما لن يتحقق في سنوات قليلة، وهو ما توافق على تحقيقه الدولة اليهودية ومن معها من الدول الصليبية أيضا، في ظل عجزهم الظاهر عن إجبار إيران على سحب قواتها وميليشياتها من المنطقة، في تكرار لما حدث سابقا في "لبنان".

وبالتالي فإن الإغارات المستمرة على قواعد الجيش الإيراني ستكون الوسيلة الأولى لمنعه من تحقيق وجود ثابت مستقل على الأرض، وتدفعه للعمل بشكل فصائل خاضعة للجيش النصيري وتحت قيادته، وفي الوقت نفسه يسعى الصليبيون واليهود إلى تقوية النظام النصيري حتى يقوى على التخلي عن الدعم الإيراني، مستفيدا من انضمام فصائل الصحوات إليه في المستقبل لتشكيل جيش جديد برعاية روسية، مع إمكانية تأمين الغطاء المناسب لمثل هذا التحرك من قبل علماء السوء ودعاة الكفر، في تكرار لما حدث في العراق عندما أفتوا للفصائل المسلحة هناك بالانضمام إلى الجيش الأمريكي الصليبي الذي كانوا يقاتلونه من قبل بدعوى التصدي للهيمنة الإيرانية، في إطار المشروع الذي أطلق عليه آنذاك مسمى (التصدي لأخطر الاحتلالين)، والذي كان في الحقيقة موجها ضد الموحدين وهادفا الى التمكين للصليبيين وعملائهم في الحكومة والذين تبين أنهم عملاء لإيران ووسائل تحقيق هيمنتها على العراق.


• الدرس اليمني:

النموذج الثاني الذي يجب أن نلفت إليه الانتباه هو "النموذج اليمني" والذي نقصد به أسلوب تعامل إيران مع الطاغوت (علي صالح) الذي تدخلوا للوقوف معه وتثبيت نظامه بعد موجة المظاهرات التي أجبرته على التنازل صوريا عن الحكم، فعندما وجدوا مساعي من أعدائهم لتقويته ليصبح ندا في وجه أتباعهم من رافضة اليمن "الحوثيين" لم يترددوا في القضاء عليه وقتله، بعد أن سيطروا على كل مفاصل النظام السياسية والعسكرية والأمنية والمالية، فتمكنوا من إدارة النظام من بعده دون معوقات أو معارضة داخلية.

وهذا النموذج ممكن التحقق في الشام أيضا في حال تمكن إيران من فرض هيمنتها على مختلف مفاصل النظام النصيري ووجدت نفسها قادرة على القضاء على رأس النظام (بشار الأسد) في حال محاولته الخروج من تحت هيمنتها، مع وجود الفارق أن النظام النصيري يعتمد على طائفة يهيمن أتباعها على كل مفاصل النظام، ولم تتمكن إيران من اختراقها بالشكل الكافي بعد.

والأيام القادمة كفيلة -والله أعلم- بإثبات أن الصراع في الشام لا زال بعيدا عن الحسم لأي من أطراف الصراع الكثيرة التي دخلت فيه، ولن تكون نتيجته النهائية إلا لصالح الموحدين بإذن الله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً