إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى ...
منذ 2025-09-14
إيَّاكم والظن فإنه أكذب الحديث
بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى العفيف، ويُدان المظلوم، وهو باب من أبواب الظلم، يتلبس بأصعب المواقف التي يتعرض لها المرء في حياته، وقد حذرَنا رب العزة منه، وأمرنا باجتنابه والابتعاد عنه فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12].
إنه سوء الظن، له محرضات كثيرة أولها الادِّعاء بمعرفة ما في القلوب، والزعم بالاطلاع على خبايا الصدور، ولقد علَّمنا الشرع الحنيف ألا نحكم على الناس من خلال السرائر، فالله تعالى -هو الوحيد- المطلع عليها، ولم يسمح لنا بالتفتيش فيها والتنقيب بها.
أخي المجاهد: إن الحكم على ما في قلوب الناس يدفع المرء لإساءة الظن بهم، فيرى الخطأ غير المقصود مفتعلا ومدروسًا، بل عن سابق قصد وترصد، ويسمع الكلمة -حمَّالة الأوجه- ذما، ويرى الابتسامة استهزاء، والمزاح ازدراء، والنصيحة اتهاما، والعون انتقاصا.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانها) [أخرجه البخاري وأحمد].
ففي الحديث تحذير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التحسس والتجسس، لأن بهما اطلاع على جزء من الأمر وليس كله، وقد يكون الحق فيما خفي، كذلك الحسد مدخل من مداخل سوء الظن بالناس، فهو يحرض عليه، فما مبرر تمنيه زوال النعمة عن أخيه إلا أن الأخير فعل كذا وقال كذا وقصد كذا، فهو بذلك يبرر حسده ولن يرى كسوء الظن معينا له على ذلك، وقل ذلك أيضا عن التباغض، فإذا ما أبغض المرء أخاه أساء الظن به.
وإن الأولى بالمسلم الانشغال بذكر الله عن الانشغال بعورات الناس وتتبعها، والعمل على علاج أمراضه بدل السعي لعلاج أمراض غيره، فمن انشغل بنفسه لن يجد الوقت للانشغال بالآخرين.
وليس المقصود هنا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المقصود أن يبتعد المرء عن إساءة الظن إن لم يكن لديه دليل قاطع واضح بيِّن، وتحسين الظن فيما يستوعب ذلك.
قال أحدهم: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه".
وقال تعالى: { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28].
أخي المجاهد إن الشيطان متكفل بسوء الظن، فهو الوقود الذي يستعمله لزرع الخصومات والعداوات بين الإخوة، ولا يكاد يفتر عن التحريش بينهم، وأهم الأمور الواجب اتباعها لقطع الطريق على الشيطان في هذا الباب هو إحسان الظن بإخوانه والمسلمين.
• قالوا عن سوء الظن:
"من حكم بشرٍ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه، والتواني في إكرامه، وإطالة اللسان في عرضه، وكلها من المهلكات، فليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد".
"ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]".
- وعن الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين عدَّد بعضهم أمورا، أهمها:
حمل الكلام على أحسن المحامل، واستحضار آفات سوء الظن، ودعاء الله تعالى والالتجاء إليه لتخليصه من هذه الآفة، وإنزال النفس منزلة الآخر، فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجَّه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 هـ
بسببه يُتهم البريء، ويُكذَّبُ الصادق، ويخوَّن المُؤتمن، ويُرمى العفيف، ويُدان المظلوم، وهو باب من أبواب الظلم، يتلبس بأصعب المواقف التي يتعرض لها المرء في حياته، وقد حذرَنا رب العزة منه، وأمرنا باجتنابه والابتعاد عنه فقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ } [الحجرات: 12].
إنه سوء الظن، له محرضات كثيرة أولها الادِّعاء بمعرفة ما في القلوب، والزعم بالاطلاع على خبايا الصدور، ولقد علَّمنا الشرع الحنيف ألا نحكم على الناس من خلال السرائر، فالله تعالى -هو الوحيد- المطلع عليها، ولم يسمح لنا بالتفتيش فيها والتنقيب بها.
أخي المجاهد: إن الحكم على ما في قلوب الناس يدفع المرء لإساءة الظن بهم، فيرى الخطأ غير المقصود مفتعلا ومدروسًا، بل عن سابق قصد وترصد، ويسمع الكلمة -حمَّالة الأوجه- ذما، ويرى الابتسامة استهزاء، والمزاح ازدراء، والنصيحة اتهاما، والعون انتقاصا.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانها) [أخرجه البخاري وأحمد].
ففي الحديث تحذير من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التحسس والتجسس، لأن بهما اطلاع على جزء من الأمر وليس كله، وقد يكون الحق فيما خفي، كذلك الحسد مدخل من مداخل سوء الظن بالناس، فهو يحرض عليه، فما مبرر تمنيه زوال النعمة عن أخيه إلا أن الأخير فعل كذا وقال كذا وقصد كذا، فهو بذلك يبرر حسده ولن يرى كسوء الظن معينا له على ذلك، وقل ذلك أيضا عن التباغض، فإذا ما أبغض المرء أخاه أساء الظن به.
وإن الأولى بالمسلم الانشغال بذكر الله عن الانشغال بعورات الناس وتتبعها، والعمل على علاج أمراضه بدل السعي لعلاج أمراض غيره، فمن انشغل بنفسه لن يجد الوقت للانشغال بالآخرين.
وليس المقصود هنا التوقف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المقصود أن يبتعد المرء عن إساءة الظن إن لم يكن لديه دليل قاطع واضح بيِّن، وتحسين الظن فيما يستوعب ذلك.
قال أحدهم: "إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل في نفسك: لعلَّ لأخي عذراً لا أعلمه".
وقال تعالى: { وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا } [النجم:28].
أخي المجاهد إن الشيطان متكفل بسوء الظن، فهو الوقود الذي يستعمله لزرع الخصومات والعداوات بين الإخوة، ولا يكاد يفتر عن التحريش بينهم، وأهم الأمور الواجب اتباعها لقطع الطريق على الشيطان في هذا الباب هو إحسان الظن بإخوانه والمسلمين.
• قالوا عن سوء الظن:
"من حكم بشرٍ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره، وعدم القيام بحقوقه، والتواني في إكرامه، وإطالة اللسان في عرضه، وكلها من المهلكات، فليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد".
"ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه فقال: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]".
- وعن الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين عدَّد بعضهم أمورا، أهمها:
حمل الكلام على أحسن المحامل، واستحضار آفات سوء الظن، ودعاء الله تعالى والالتجاء إليه لتخليصه من هذه الآفة، وإنزال النفس منزلة الآخر، فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه، وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجَّه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 132
الخميس 1 رمضان 1439 هـ