الدولة الإسلامية - قصة شهيد: أبو كرم الحضرمي كريمٌ حَيِيٌ مِعْوانٌ في النائبات أبو كرم ...
منذ 2025-09-16
الدولة الإسلامية - قصة شهيد:
أبو كرم الحضرمي
كريمٌ حَيِيٌ مِعْوانٌ في النائبات
أبو كرم الحضرمي، أحمد بن سعيد العمودي، ولد أبو كرم - تقبله الله - في مدينة الرياض وترعرع في بيت ميسور الحال.
نشأ في بيئة عصفت بها الفتن والشهوات والأهواء فتأثرت بها قلوب كثير من الشباب، وما ذاك إلا حينما هيَّأ لها الطواغيت أسبابها طمعًا بصرف شباب الأمة عن مواطن عزهم المجيد.
تاه قلبٌ صغير لم يجد يدًا تقوده إلى الهدى والرشاد، فتلقفته أيادٍ خدّاعة أغرته بالمال والجاه وغيرها من الملذات التي جعلتْها ستارًا للأوهام والفساد والضياع، مضى برهة من الزمن عليها، ثم أُسِر على إثرِها، فمكث في السجن قرابة الأربع سنين، كان السجن لحظة فارقة غيَّرت مجرى حياته، وجعلت ذلك القلب يُفتّح عينيه لينظر في مجريات الأحداث ويُحللها ويضع نفسه جزءًا منها.
أحس أبو كرم بالصدع الحاصل بأمة الإسلام والذل الذي يُكرِّسه الطواغيت عليها، فعزم على التوبة والندم مما كان عليه وعزم على ألا يخرج من سجنه إلا وقد بدأ يعمل لدين الله.
امتن الله عليه بالخروج من السجن، ووفقه لتغيير رفقة السوء، وأنار الله بصيرته.
• بداية الطريق:
بدأ من بلاد الحرمين يبحث عن موطئ صدق يطأ فيه قدمه لينصر الدين، فلم يُرِہِ الله خيرا من أرض دولة الإسلام، فاختار فَيْلَقَها وانشرح لمنهجها.
ثم ظل يبحث عن جنود الدولة الإسلامية، ولم يكن العثور عليهم يسيرًا بادئ الأمر لكن الموفَّق من وفقه الله فوجد من أرشده إلى مسؤولٍ في الدولة الإسلامية في اليمن.
لكن واجهته مشكلة لطالما واجهت الكثير ممن رام الالتحاق بصف مجاهدي الدولة الإسلامية، وهي مشكلة عدم وجود من يُزكيه، لكن من علم الله صدقه هداه ويسَّر له أمره، فأعطى الله أبا كرم ما أراد فالتقى بإخوانه في الدولة الإسلامية في اليمن.
وبعد أن منَّ الله عليه بسلوكه طريق الجهاد ولقائه بإخوانه، طلب منهم أن يلتحق بالإخوة في الشام وكان ذلك متيسرًا له ولكن طلب الإخوة منه البقاء في أرض اليمن ليكون من حجر الأساس الذي تبنى عليه الدولة الإسلامية.
وافق أبو كرم على عدم المغادرة إلى أرض الشام لكن بشرط، ألا وهو تنفيذ عملية استشهادية، فوافق الإخوة على ذلك الشرط، وطلبوا منه أن يعمل معهم فترة لحاجتهم الماسة لمثله، فقد كان له الفضل بعد الله في إيواء الإخوة في حضرموت وفتح المضافات، واستقبال الشباب وقضاء حوائجهم، حتى صار من الإخوة المسؤولين عن سير الحركة في تلك الولاية.
ثم بعد ذلك انتدبه الإخوة في سير الحركة بين الولايات، وذلك لما برع به من إتقان لهذا العمل وحسن البلاء فيه، فكان يلبي حاجة الإخوة ويستقبل النافرين، وينقل المجاهدين، وبذل في ذلك جهدًا عظيم الأثر، جليل القدر، وتميَّز أبو كرم بوجهٍ بشوش وقلب كبير وصيت حسن، مع صبر وافرٍ رُزِق به، يأنس به كل من جالسه وعاشره.
• ساقٍ لإخوانه المجاهدين:
ثم بعد ذلك انتقل مع إخوانه إلى ولاية البيضاء -قيفة- وشارك مع إخوانه في غزوة حمة لقاح.
وكان من أهم الأعمال التي أسندت إليه وأحبها إلى قلبه سقيا الماء، فكان ينقل الماء إلى إخوانه في المواقع والجبهات، فينعم إخوانه بعذوبتين عذوبة الماء وعذوبة لقاء أبي كرم وحديثه، وعلى ما يحمل هذا العمل من مشقة إلا أنه كان محتسبًا فيه متلذذًا به، مستشعرًا -كما نحسبه- الأجر العظيم حينما يرطّب كَبِدَ مجاهدٍ رمى بنفسه في شواهق جبال البيضاء جائعًا ظامئًا بائعًا نفسه لله، يمتثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (في كل ذات كبد رطبة أجر) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم (أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء).
• أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين:
وما من قلب كقلب أبي كرم رقيقًا على إخوانه ذليلاً لهم، إلا وجدته شديد الغلظة على أعداء الله، فكم من مرة يطالب الإخوة ويؤكد عليهم تعجيل عمليته الاستشهادية وتجهيز سيارته المفخخة ليثخن في أعداء الله الكافرين ويمزقهم كل ممزق.
• استشهاد أبي كرم:
عرض عليه الإخوة الزواج ولكنه رفض ذلك؛ خشية أن يصرفه عن العملية الاستشهادية، فكان ممن ترك شيئًا لله كما نحسبه فرزقه الله خيرًا منه الشهادة في سبيل الله.
وأثناء جولات أبي كرم لسقيا الماء بين الجبهات، خبَّأ الله له خيرًا طالما طلب من إخوانه تعجيله، فعند استراحته في ذلك الموقع تناول مصحفه تاليًا ورده، فإذا بقذيفة من العدو تسقط بالقرب منه فتصيبه، لتصعد روحه الطاهرة محلِّقة في جوف طير خضر – كما نحسبه والله حسيبه – تسرح في الجنة حيث شاءت.
فكانت خير قِتلة أُعطِيَها مجاهد، سقْيُ الماء وتلاوة لكتاب الله اجتمعن في موطن رباطٍ يستمر أجر صاحبه إلى يوم القيامة.
تأثر لمقتله كل من عرفه أو سمع به، وما فتر لسان عن الدعاء له والترحم عليه، ولْتصدحِ القلوبُ التي كان يؤنسها أبو كرم، والأكبادُ التي كان يرطّبها أبو كرم مجتمعةً مُرَدِدَةً:
عليك سلامُ ربك في جنانٍ
مُخالِطُها نعيمٌ لا يزول
فرحمك الله يا أبا كرم، وأكرمك من فضله العظيم، وجمعنا بك في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 هـ
أبو كرم الحضرمي
كريمٌ حَيِيٌ مِعْوانٌ في النائبات
أبو كرم الحضرمي، أحمد بن سعيد العمودي، ولد أبو كرم - تقبله الله - في مدينة الرياض وترعرع في بيت ميسور الحال.
نشأ في بيئة عصفت بها الفتن والشهوات والأهواء فتأثرت بها قلوب كثير من الشباب، وما ذاك إلا حينما هيَّأ لها الطواغيت أسبابها طمعًا بصرف شباب الأمة عن مواطن عزهم المجيد.
تاه قلبٌ صغير لم يجد يدًا تقوده إلى الهدى والرشاد، فتلقفته أيادٍ خدّاعة أغرته بالمال والجاه وغيرها من الملذات التي جعلتْها ستارًا للأوهام والفساد والضياع، مضى برهة من الزمن عليها، ثم أُسِر على إثرِها، فمكث في السجن قرابة الأربع سنين، كان السجن لحظة فارقة غيَّرت مجرى حياته، وجعلت ذلك القلب يُفتّح عينيه لينظر في مجريات الأحداث ويُحللها ويضع نفسه جزءًا منها.
أحس أبو كرم بالصدع الحاصل بأمة الإسلام والذل الذي يُكرِّسه الطواغيت عليها، فعزم على التوبة والندم مما كان عليه وعزم على ألا يخرج من سجنه إلا وقد بدأ يعمل لدين الله.
امتن الله عليه بالخروج من السجن، ووفقه لتغيير رفقة السوء، وأنار الله بصيرته.
• بداية الطريق:
بدأ من بلاد الحرمين يبحث عن موطئ صدق يطأ فيه قدمه لينصر الدين، فلم يُرِہِ الله خيرا من أرض دولة الإسلام، فاختار فَيْلَقَها وانشرح لمنهجها.
ثم ظل يبحث عن جنود الدولة الإسلامية، ولم يكن العثور عليهم يسيرًا بادئ الأمر لكن الموفَّق من وفقه الله فوجد من أرشده إلى مسؤولٍ في الدولة الإسلامية في اليمن.
لكن واجهته مشكلة لطالما واجهت الكثير ممن رام الالتحاق بصف مجاهدي الدولة الإسلامية، وهي مشكلة عدم وجود من يُزكيه، لكن من علم الله صدقه هداه ويسَّر له أمره، فأعطى الله أبا كرم ما أراد فالتقى بإخوانه في الدولة الإسلامية في اليمن.
وبعد أن منَّ الله عليه بسلوكه طريق الجهاد ولقائه بإخوانه، طلب منهم أن يلتحق بالإخوة في الشام وكان ذلك متيسرًا له ولكن طلب الإخوة منه البقاء في أرض اليمن ليكون من حجر الأساس الذي تبنى عليه الدولة الإسلامية.
وافق أبو كرم على عدم المغادرة إلى أرض الشام لكن بشرط، ألا وهو تنفيذ عملية استشهادية، فوافق الإخوة على ذلك الشرط، وطلبوا منه أن يعمل معهم فترة لحاجتهم الماسة لمثله، فقد كان له الفضل بعد الله في إيواء الإخوة في حضرموت وفتح المضافات، واستقبال الشباب وقضاء حوائجهم، حتى صار من الإخوة المسؤولين عن سير الحركة في تلك الولاية.
ثم بعد ذلك انتدبه الإخوة في سير الحركة بين الولايات، وذلك لما برع به من إتقان لهذا العمل وحسن البلاء فيه، فكان يلبي حاجة الإخوة ويستقبل النافرين، وينقل المجاهدين، وبذل في ذلك جهدًا عظيم الأثر، جليل القدر، وتميَّز أبو كرم بوجهٍ بشوش وقلب كبير وصيت حسن، مع صبر وافرٍ رُزِق به، يأنس به كل من جالسه وعاشره.
• ساقٍ لإخوانه المجاهدين:
ثم بعد ذلك انتقل مع إخوانه إلى ولاية البيضاء -قيفة- وشارك مع إخوانه في غزوة حمة لقاح.
وكان من أهم الأعمال التي أسندت إليه وأحبها إلى قلبه سقيا الماء، فكان ينقل الماء إلى إخوانه في المواقع والجبهات، فينعم إخوانه بعذوبتين عذوبة الماء وعذوبة لقاء أبي كرم وحديثه، وعلى ما يحمل هذا العمل من مشقة إلا أنه كان محتسبًا فيه متلذذًا به، مستشعرًا -كما نحسبه- الأجر العظيم حينما يرطّب كَبِدَ مجاهدٍ رمى بنفسه في شواهق جبال البيضاء جائعًا ظامئًا بائعًا نفسه لله، يمتثل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (في كل ذات كبد رطبة أجر) ، ولما سئل صلى الله عليه وسلم (أي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء).
• أذلة للمؤمنين أعزة على الكافرين:
وما من قلب كقلب أبي كرم رقيقًا على إخوانه ذليلاً لهم، إلا وجدته شديد الغلظة على أعداء الله، فكم من مرة يطالب الإخوة ويؤكد عليهم تعجيل عمليته الاستشهادية وتجهيز سيارته المفخخة ليثخن في أعداء الله الكافرين ويمزقهم كل ممزق.
• استشهاد أبي كرم:
عرض عليه الإخوة الزواج ولكنه رفض ذلك؛ خشية أن يصرفه عن العملية الاستشهادية، فكان ممن ترك شيئًا لله كما نحسبه فرزقه الله خيرًا منه الشهادة في سبيل الله.
وأثناء جولات أبي كرم لسقيا الماء بين الجبهات، خبَّأ الله له خيرًا طالما طلب من إخوانه تعجيله، فعند استراحته في ذلك الموقع تناول مصحفه تاليًا ورده، فإذا بقذيفة من العدو تسقط بالقرب منه فتصيبه، لتصعد روحه الطاهرة محلِّقة في جوف طير خضر – كما نحسبه والله حسيبه – تسرح في الجنة حيث شاءت.
فكانت خير قِتلة أُعطِيَها مجاهد، سقْيُ الماء وتلاوة لكتاب الله اجتمعن في موطن رباطٍ يستمر أجر صاحبه إلى يوم القيامة.
تأثر لمقتله كل من عرفه أو سمع به، وما فتر لسان عن الدعاء له والترحم عليه، ولْتصدحِ القلوبُ التي كان يؤنسها أبو كرم، والأكبادُ التي كان يرطّبها أبو كرم مجتمعةً مُرَدِدَةً:
عليك سلامُ ربك في جنانٍ
مُخالِطُها نعيمٌ لا يزول
فرحمك الله يا أبا كرم، وأكرمك من فضله العظيم، وجمعنا بك في مستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 133
الخميس 8 رمضان 1439 هـ