مركب الرجال لبلوغ المقاصد لا يبلغ المرء مراتب الشرف إلا بها، فهي دأب الطامحين، ومركب القاصدين، ...
منذ 4 ساعات
مركب الرجال لبلوغ المقاصد
لا يبلغ المرء مراتب الشرف إلا بها، فهي دأب الطامحين، ومركب القاصدين، وسبيل الراغبين، لا يلزمها إلا من قصد العُلى، وأتبع السعي للمُنى، فأرهق النفس للبلوغ، وأتعب الجسد للوصول.
فهي الدافع للعمل، والمحرِّض على النجاح، وقد شبَّهوها بجناحي الطائر، يطير بها المرء فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقة من القيود التي تكبل الأجساد.
إنها الهمة يجود صاحبها بأغلى ما يملك لبلوغ هدفه، وتحقيق غايته، ولا غنى له عنها في سعيه للمكارم والخيرات، وعلو الدرجات، ومن علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، أدرك أنه لا بد من البذل، ومن أيقن أن الشهادة غالية علم كذلك أنه لن ينالها بالقعود، فالدرب ورغم أنها مفروشة بالمشقة، إلا أنها مشقة محمودة مُسعدة، يرتاح الجسد في خِضمِّها عندما يستشعر مرضاة ربه، وتطمئن النفس إن استحضر أن ذلك ما هو إلا في سبيل ربه، ولقد مدح ربنا -عز وجل- علو الهمة بقوله، فقال جلَّ من قائل: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء: 19]، وقال تعالى { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 148].
ولا بد لعلو الهمة من زاد يدفعها نحو الاستمرار والتجدد، وإن خير الزاد التقوى وأفضله الصبر، فلا شيء من دون التقوى، ولا نتائج مرجوة من دون الصبر، قال تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].
وإن علو الهمة ليس أحد أجدر بها منك أخي المجاهد، فأنت على رأس الأمر، وهذه المرتبة لا بد لها من همة عالية.
ومن العوامل المساعدة عليها: الاستعانة بالله، وكثرة الذكر، والتزام النوافل وكثرة الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الموت واستحضار لقاء الله، وكثرة الدعاء، ومصاحبة أصحاب الهمم العالية، والابتعاد عن الكسالى والمثبِّطين، والمحبطين واليائسين والبائسين.
فالتحلي بها يجعلك أخي المجاهد تتطلَّع إلى كل شرف، وتبتعد عن كل نقيصة، وليكن هدفك مرضاة الله، وحذار أخي أن تستخدم علو همتك في التنافس على جاه أو سلطان أو إمارة، وارغب بما عند الله، وازهد بما عند سواه، واجعل سعيك وتنافسك مع إخوانك على الطاعات، واستحضر في كل أحوالك قول التابعي الجليل وهيب بن الورد -رضي الله عنه-: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل".
وقول الحسن البصري -رحمه الله-: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".
وقد ضرب الله لنا مثلا عن أصحاب الهمم المتدنية ليحذِّرنا من أعمالهم فقال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 175-176].
ومن الأسباب التي تؤدي إلى دنو الهمة: الوهن، والفتور، وإهدار الوقت في غير طاعة الله، والعجز، والكسل، والغفلة، والتسويف والتمني، وكثرة المعاصي، والسعي في ملذات الدنيا، فاحذر أخي المجاهد منها وابتعد قدر الإمكان عنها، ولتكن همتك مرتبطة بالسعي لأشرف مقصد، ألا وهو نشر التوحيد وقتال أعداء الله والشهادة في سبيله.
ولقد قال الشاعر قديما:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 هـ
لا يبلغ المرء مراتب الشرف إلا بها، فهي دأب الطامحين، ومركب القاصدين، وسبيل الراغبين، لا يلزمها إلا من قصد العُلى، وأتبع السعي للمُنى، فأرهق النفس للبلوغ، وأتعب الجسد للوصول.
فهي الدافع للعمل، والمحرِّض على النجاح، وقد شبَّهوها بجناحي الطائر، يطير بها المرء فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقة من القيود التي تكبل الأجساد.
إنها الهمة يجود صاحبها بأغلى ما يملك لبلوغ هدفه، وتحقيق غايته، ولا غنى له عنها في سعيه للمكارم والخيرات، وعلو الدرجات، ومن علم أن الجنة محفوفة بالمكاره، أدرك أنه لا بد من البذل، ومن أيقن أن الشهادة غالية علم كذلك أنه لن ينالها بالقعود، فالدرب ورغم أنها مفروشة بالمشقة، إلا أنها مشقة محمودة مُسعدة، يرتاح الجسد في خِضمِّها عندما يستشعر مرضاة ربه، وتطمئن النفس إن استحضر أن ذلك ما هو إلا في سبيل ربه، ولقد مدح ربنا -عز وجل- علو الهمة بقوله، فقال جلَّ من قائل: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا } [الإسراء: 19]، وقال تعالى { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [البقرة : 148].
ولا بد لعلو الهمة من زاد يدفعها نحو الاستمرار والتجدد، وإن خير الزاد التقوى وأفضله الصبر، فلا شيء من دون التقوى، ولا نتائج مرجوة من دون الصبر، قال تعالى: { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } [الأحقاف: 35].
وإن علو الهمة ليس أحد أجدر بها منك أخي المجاهد، فأنت على رأس الأمر، وهذه المرتبة لا بد لها من همة عالية.
ومن العوامل المساعدة عليها: الاستعانة بالله، وكثرة الذكر، والتزام النوافل وكثرة الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الموت واستحضار لقاء الله، وكثرة الدعاء، ومصاحبة أصحاب الهمم العالية، والابتعاد عن الكسالى والمثبِّطين، والمحبطين واليائسين والبائسين.
فالتحلي بها يجعلك أخي المجاهد تتطلَّع إلى كل شرف، وتبتعد عن كل نقيصة، وليكن هدفك مرضاة الله، وحذار أخي أن تستخدم علو همتك في التنافس على جاه أو سلطان أو إمارة، وارغب بما عند الله، وازهد بما عند سواه، واجعل سعيك وتنافسك مع إخوانك على الطاعات، واستحضر في كل أحوالك قول التابعي الجليل وهيب بن الورد -رضي الله عنه-: "إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل".
وقول الحسن البصري -رحمه الله-: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".
وقد ضرب الله لنا مثلا عن أصحاب الهمم المتدنية ليحذِّرنا من أعمالهم فقال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [الأعراف: 175-176].
ومن الأسباب التي تؤدي إلى دنو الهمة: الوهن، والفتور، وإهدار الوقت في غير طاعة الله، والعجز، والكسل، والغفلة، والتسويف والتمني، وكثرة المعاصي، والسعي في ملذات الدنيا، فاحذر أخي المجاهد منها وابتعد قدر الإمكان عنها، ولتكن همتك مرتبطة بالسعي لأشرف مقصد، ألا وهو نشر التوحيد وقتال أعداء الله والشهادة في سبيله.
ولقد قال الشاعر قديما:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر صغير
كطعم الموت في أمر عظيم
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 134
الخميس 15 رمضان 1439 هـ