" لا يضركم من ضل إذا اهديتم " *************************** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول ...

منذ 2018-08-09
" لا يضركم من ضل إذا اهديتم "
***************************

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد :
يتعرض مجتمع الملتزمين والملتزمات إلى هزات قوية إذاء انتكاس البعض منهم ، والذين كانوا في محل القدوة بالنسبة لهم ..
فتجد الشك والريبة يتسلل إلى القلوب شيئاً فشيئاً ، ويجد الشيطان مدخلاً سهلاً لتشكيكيهم في طريق الهداية ..
فهذا فلان ترك الإلتزام ورجع إلى الغناء ، وهذه خلعت النقاب وعادت إلى الفن ..
فترى الملتزمين في حيرة من أمرهم ! ..
كانوا معنا ، يصومون ويصلون ويتصدقون ويأخذون من الليل ويتضرعون إلى الله عز وجل . كيف حادوا عن كل هذا وكأن شيء لم يكن ؟!
فتجد الإجابة من الله عز وجل :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ " [المائدة:105]
عليكم أنفسكم ، ألزموا أنفسكم هدايتها وصلاحها وإصلاحها ، احفظوا أنفسكم من الوقوع في المعاصي ، وألزموها الهداية والطهارة بالإيمان والعمل الصالح وإبعادها عن الشرك والمنكرات .
ولا يضركم من ضل إذا اهتديتم أي أن ضلال غيركم غير ضار بكم إن كنتم مهتدين ، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى ، كل نفس تجزى بما كسبت لا بما كسب غيرها ، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها .
إلا أن من الاهتداء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن ترك المؤمنون هذا الأمر فلا يعتبرون مهتدين ، إذ بالسكوت عن المنكر يكثر وينتشر ويؤدي حتماً إلى أن يضل المؤمنون فيفقدون هدايتهم وينتكسوا .
إلى الله مرجعكم جميعاً ، اعلموا أن هذا الامتداد الإنساني سيتوقف يوماً ، وسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه الوجود الإنساني كله ، بل سيدمر فيه الكون كله بما عليه من متاع الدنيا التي يتسارع إليه المنتكسون .
ولكن هذا الفناء ليس النهاية .. بل هو مرحلة في الأطوار التي يمر الإنسان بها ، وسيأتي يوم نعود جميعاً فيه إلى الحياة ، لنحاسب على ما قدمنا وعملنا .
نرجع جميعاً ونقف بين يدي الله في مشهد جليل قال عنه الحق جل وعلا : "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ" [الأنبياء:47]
ويقول تعالى : "وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا " [الكهف:47]
فالكل موقوف بين يدي الله عز وجل والكل مسؤل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة .
ستقف الخلائق كلها صفاً للحساب ..
سيأتي أهل الصلاح والإلتزام للحساب ، وأيضاً أهل الإنتكاس وأهل العصيان .
ولكن شتان بين الفريقين ! ..
فأهل الإيمان والإلتزام الذين ثبتوا حين انتكس غيرهم والذين تمسكوا حين ترك غيرهم .. فهذا هو حالهم ، يقول تعالى : " يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " [الحديد:12]
ويقول : " إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ .لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ . لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ " [الأنبياء:101:103]
والسر في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده الأتقياء ، أن قلوبهم كانت في الدنيا عامرة مخافة الله ، فأقاموا ليلعم ، وأظمئوا نهارهم ، واستعدوا ليوم الوقوف بين يدي الله عز وجل .
ومن كان حاله كذلك فإن الله يقيه من شر ذلك اليوم ويؤمنه ، قال رسول الله-صل الله عليه وسلم- : " قال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ، لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين ، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي ، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم اجمع فيه عبادي " [حسنه الألباني].
وأما الفريق الآخر الذي باع آخرته بعرض من الدنيا قليل واتبع الشهوات وأهل الزيغ والهوى فقد قال الله تعالى : "أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ" [الجاثية:21] .
يقول ابن الجوزي : لَتُعَظَّمَنَّ عَلَى أَهْلِ الْمُخَالَفَاتِ الآفَاتُ ، وَلَتُقَطَّعَنَّ أَفْئِدَةُ الْمُفَرِّطِينَ بِالزَّفَرَاتِ ، وَلَيَشْتَهِرَنَّ الْفَاجِرُ فِي الْخَلَوَاتِ بِالْجَلَوَاتِ ، وَلَتَمُورَنَّ السُّوقُ يَوْمَ السَّوْقِ إِلَى سُوقِ الْمُحَاسَبَاتِ ، وَلَتَسِيلَنَّ الدِّمَاءُ بَعْدَ الدُّمُوعِ عَلَى الْوَجَنَاتِ ، وَلَيَتَحَسَّرَنَّ أَهْلُ الْمَعَاصِي إِذَا لاحَتْ دَرَجَاتُ الْجَنَّاتِ ، وَلَيُنَادِيَنَّ مُنَادِي الْجَزَاءِ يُخْبِرُ بِتَفَاوُتِ الْعَطَاءِ وَوَقْعِ السَّيِّئَاتِ ..
لذلك لا يغرنكم من حاد عن الطريق واتبع هواه وصار كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا .
انظر إلى عدد أهل النار تعرف شدة المرض وفتكه: قال النبي- صل الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا آدَمُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، قَالَ: يَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ» [متفق عليه].
- فهنيئاً لمن ثبت في وقتٍ تخلى فيه الكثير ، فالناس في المحن والشدائد على نوعين:
1- صابر محتسب: قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]، وقال تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22].
2 - ومنهزم ساقط منتكس: قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:10].
فانظر لنفسك أيها الملتزم في أي الفريقين تحب ! ..
ولا تحزن فإنما هو يوم واحد ، نعم ..
إن الإنسان لا يشعر الآن بأي لذة مضت ، ولا يشعر بآلام الماضي ... وأما المستقبل فهو من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله .. إذاً فلم يبق إلا اليوم فلماذا تحزن ؟
بل إنك إن عشت يومك في طاعة الله جل وعلا فأنت الفائز ، فلقد أخبر الحق عن حال المجرمين الذين عاشوا من أجل دنياهم ونسوا خالقهم ومولاهم أنهم سيعترفون يوم القيامة أن حياتهم من أولها إلى آخرها ما كانت سوى بضع ساعات : " قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ . قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ . قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" [المؤمنون:112:114]

أما أنت أيها الملتزم فكل لحظة عشتها في طاعة الله جل وعلا أغلى من أعمار هؤلاء جميعاً .
نسأل الله أن يثبتنا على الحق، وأن ينجينا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

كتبه الفقير إلى عفو ربه
بلال العربي

5975aaa5328d5

  • 9
  • 0
  • 1,292

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً