[3] لماذا نجاهد ؟ 56. المجاهدون هم الصادقون : لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ...

منذ 2025-09-26
[3] لماذا نجاهد ؟

56. المجاهدون هم الصادقون :
لقوله تعالى: " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " وقوله: " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا " وقوله: " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ باللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " وقوله: (وحين البأس) أي في وقت اشتداد القتال والإلتحام مع الأعداء .

57. المجاهد جمع بين الفوز الدنيوي والأخروي :
لقوله تعالى: " فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " فجمع لهم بين جزاء الدنيا وجزاء الآخرة، وقوله: " الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ " ولم يقل فائزون بالآخرة فقط ليعم كل فوز يخطر على البال .

58. أن كره الجهاد والتثاقل والتثبيط عنه من صفات أهل النفاق وحب الجهاد والمسارعة إليه من صفات أهل الإيمان :
لقوله تعالى: " فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيل اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ " وقوله: " وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ " وقوله: أولوا الطول أي أصحاب الغنى والسعة والقدرة. وقوله: (الخوالف) أي النساء والاطفال والشيوخ
القاعدين عن الجهاد فهم رضوا بالقعود مع هؤلاء وتخلفوا عن الجهاد، وقوله: " وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فإن أصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا " وقوله: (ليبطئن) أي يتثاقل الجهاد ويثبط غيره، وقوله : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " .

59. الشهادة في سبيل الله هي الصراط المستقيم :
لقوله تعالى: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ " وذكر في آية أخرى أن الشهداء هم الذين أنعم الله عليهم، وصراطهم أي طريقهم هو طريق الشهادة وهو الصراط المستقيم في قوله : " وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " وهذا تفسير للصراط ببعض أفراده .

60. أن ترك الجهاد تحصل به من المفاسد في الدنيا والآخرة ما هو خارج عن الحصر من الذل والهوان والفقر، وتسلط الأعداء، والاشتغال بالدنيا والغفلة عن الآخرة، وغلبة الكفر، والحرمان من ثواب الجهاد، وعلو الباطل والشرك والكفر،
والصد عن دين الله، ثم حصول سنة الاستبدال والوعيد الأخروي، وغيرها الكثير : كما قال تعالى: " إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ولم يذكر هل العذاب دنيوي أو أخروي ولا نوع العذاب ليشمل كل أنواع وصنوف العذاب: من تسلط الأعداء والفقر والذل والجوع وغير ذلك، وقوله: " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " وقوله: " وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ " والتهلكة الإشتغال بالدنيا وترك الجهاد والإنفاق فيه كما جاء في سبب النزول .

61. استحباب سؤال الشهادة وتمنيها خلافاً للموت :
لا يجوز تمني الموت ولا الدعاء به شرعا، لما جاء عند البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لا يتمنّين أحدكم الموت من ضرّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. وأما الشهادة فيُشرع سؤالها والدعاء بها وتمنيها، فأباح الشارع ذلك، بل واستحبّه، ورغب فيه وخص ذلك من عموم النهي، ، لما في الشهادة من الفضائل والكرامات والسعادة الأبدية في الدنيا والآخرة .

62. الشهداء أفضل من العلماء :
وهذه المسألة اختلف فيها في العلماء ورجح بعضهم أن الشهداء أفضل واستدلوا على ذلك بأنه ورد في الشهداء من الفضائل والخصائص مالم يرد في لا كثرة ولا عظمة، وحديث أنس عند مسلم "ما نفس تموت لها عند الله خير، يسرها أنها ترجع إلى الدنيا ولا أن لها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، فإنه يتمنى أن يرجع فيقتل في الدنيا لما يرى من فضل الشهادة "
والنفس هنا تعم العالم وغيره فبان بذلك فضل الشهيد على من سواه واستدلوا كذلك بقرب الشهداء من منزلة النبوة كما سبق، ولا فضل أعلى من ذلك واستدلوا كذلك بأن من أسباب تفضيل الوسيلة الغاية التي توصل إليها والجهاد الموصل الى الشهادة أفضل من طلب العلم الموصل إلى درجة العالمية . والحق في ذلك أن الأفضلية نسبية، ولا ينبغي إطلاق الأفضلية دون اعتبار للأمور المؤثرة في تفضيل العمل من الاحوال العارضة وحاجة الناس والزمان والمكان الأمور، والإخلاص والمشقة في العمل وغير ذلك من الأمور، وقد يكون العمل الفاضل في مكان وزمان مفضولا وقد يكون المفضول ،فاضلا وكذا العمل يختلف بحسب الاشخاص وما يقدرون عليه إذ قد يصلح لزيد ما لا يصلح لعمرو، وعلى كل فالقصد هنا هو التنبيه على فضل الجهاد. قال ابن القيم: " فأعلى هذه المراتب النبوة والرسالة ، ويليها الصديقية ، فالصديقون هم أئمة أتباع الرسل ، ودرجتهم أعلى الدرجات بعد النبوة فإن جرى قلم العالم بالصديقية ، وسال مداده بها ،
كان أفضل من دم الشهيد الذي لم يلحقه في رتبة الصديقية وإن سال دم الشهيد بالصديقية وقطر عليها كان أفضل من مداد العالم الذي قصر عنها. فأفضلهما صديقهما . فإن استويا في الصديقية استويا في المرتبة " والله اعلم .

63. الشهيد لا يشعر بآلام القتل ولا سكرات الموت :
كما جاء عند الترمذي من حديث أبي هريرة وقال حسن صحيح : ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مَس القَرْصَةِ. والقرصة قيل: هي عضة النملة ، وقيل : هو أخذ لحمة الإنسان بأصبعيك حتى تؤلمه ولسع البراغيث وكلها ألمها متقارب، لا يكاد يُذكر، ولا يجزع منه حتى الطفل. قال الزبيدي في الإتحاف: اعلم أنه لو لم يكن بين يدي العبد المسكين كرب ، ولا هول ولا عذاب ، سوى سكرات الموت بمجردها ، لكان جديرا بأن يتنغص عليه عيشه ، ويتكدر عليه سروره ، ويفارقه سهوه ، وغفلته وحقيق بأن يطول فيه فكره ، ويعظم له استعداده ، لا سيما وهو في كل نفس بصدده ; كما قال بعض الحكماء : " كرب بيد سواك لا تدري متى يغشاك .

64. الشهيد يرى مقعده من الجنة قبل أن يموت :
الجنة ونعيمها وما أعد للشخص فيها أمر غيبي لا يرى إلا بعد الموت والمؤمن بعد موته يعرض عليه مقعده فيها ومنزلته في قبره بالغداة والعشي ويراها.وأما الشهيد فإنه يرى مقعده من الجنة قبل موته، كما عند الترمذي بإسناد حسن صحيـح من حديث المقدام بن معديكرب : " للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ویری مقعده من الجنة ... إلخ، والمقعد هو المنزلة ومحل قعود الشخص ونزوله في الجنة، ومن رأى ذلك هان عليه الموت مع أنه يهون على الشهيد أصلا، ولعل هذا الأمر من أسباب ابتسام كثير من الشهداء عند الاحتضار ، وهذا أنس بن النضر كما رواه البخاري قبل أن يقتل بقليل يشم ريح الجنة، فقال: (يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد) وهذه الفضيلة هي رؤية حقيقية يرونها عيانا قبل موتهم ولا منامية ولا خيالية، وتعجل للشهداء قبل موتهم وخروج أرواحهم، ثم بعد ذلك يغدون إلى الجنة حقيقة بأجساد غير أجسادهم .

65. يضحك الله من الشهيد :
كما جاء عند البخاري من حديث ابي هريرة: " يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُما الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ: يُقاتِلُ هذا في سَبِيلِ اللَّهِ، فيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ على القاتِلِ، فيُسْتَشْهَدُ " وجاء عند أحمد وصححه الالباني من حدیث نعيم الغطفاني: " أفضلُ الشهداء الذين يُقاتِلونَ الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك يتَلَبَّطونَ في الغَرفِ الغلى من الجنة، يضحك إليهم ربُّك، فإذا ضحك ربُّك إلى عبدٍ في موطن فلا حساب عليه " وفي هذا شرف أي شرف، أن يضحك الله سبحانه بعظمته وسلطانه إلى ذلك الشهيد، وكم ترى من الناس من يتزلفون إلى المشاهير وغيرهم ليأخذ لقطة معهم أو قميص وربما يطير فرحاً إذا ظفر بذلك فكيف إذا كان الله بجلاله يضحك إلى هذا الشهيد!! .

66. يعجب الله من الشهيد ويباهي به الملائكة :
كما جاء عند ابن أبي داوود وأصلحه من حديث ابن مسعود: " عجِب رَبُّنا عزّ وجلَّ مِن رجُلٍ غزا في سبيل الله فانهزم - يعني أصحابه - فعَلم ما عليه، فرجع حتّى أُهرِيق دَمُهُ، فيقولُ اللهُ تعالى لملائكته: انظروا إلى عبدي رجع رغبةً فيما عندي، وشفقةً ممّا عندي حتّى أُهرِيق دَمُهُ " .

67. الشهيد تظلله الملائكة بأجنحتها :
كما عند البخاري من حديث جابر قالَ : لَمّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عن وجْهِهِ أَبْكِي، ويَنْهَوْنِي عنه، والنبي ﷺ لَا يَنْهَانِي، فَجَعَلَتْ عَمَّتِي فاطمة تَبْكِي، فَقَالَ النبي ﷺ تَبْكِينَ أَوْ لا تَبْكِينَ ما زالَتِ المَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بأَجْنِحَتِها حتَّى رَفَعْتُموهُ .

68. الشهيد لا تأكله الارض ولا يتعفن :
قد كتب الله سبحانه على ابن آدم عند موته أن يتعفن جسده، وتأكله الأرض والديدان ، ولا يبقى شئ من جسده إلا عجب الذنب كما عند مسلم من حديث ابي هريرة - قال:
" كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب " وهناك أناس اختصهم الله بكرامته كالانبياء فلا تأكلهم الارض، كما جاء عند أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه ابن خزيمة من حديث أوس بن أوس: " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الانبياء " أما الشهيد فقد ثبت أن الصحابة المقتولين زمن النبي كشفت قبورهم ووجدت أجسادهم محفوظة لم يصبها أي تغيير، وقد
وردت قصص كثيرة تدل على بقاء الشهداء كما جاء عند أنس في المستدرك: " أنَّ أبا طلحةَ قَرَأَ القرآن:انفِرُوا حِفافًا وَثِقالًا). [التوبة: ٤١]، فقال: أرى أن نُستَنفَرَ شُيوخًا وشُبّانًا فقالوا: يا أبانا، لقد غَزَوتَ مع النبي ﷺ حتى مات ومع أبي بكرٍ وعُمَرَ، فنحن نغزو عنك، فأبى، فرَكِبَ البحر حتّى مات، فلمْ يَجِدوا جَزيرةً يَدفنوه إلّا بعد سبعة أيّامٍ، قال: فما تَغَيَّرَ " .

69.الشهيد يدخل الجنة حالاً من قتله ومآلاً في الآخرة :
أعد الله الجنة لعباده المؤمنين جزاء لهم على أعمالهم، وجعل فيها من أصناف النعيم وأنواعه ما لا يحده الوصف، ولا يخطر على قلب بشر، والشهيد له مع الجنة حال آخر، ووضع خاص وكرامة عظيمة، فهو من حين يقتل يدخل الجنة حالا ومباشرة ويعجل له دخولهاونعيمها قبل يوم القيامة، ويبقى فيها إلى أن ينفخ في الصور نفخة البعث وترجع الأرواح إلى أجسادها، وذلك لكرامته على الله، ولعلو منزلته عنده، فالجنة تثبت للشهيد حالا .

70. الشهيد راض بعطاء الله :
قال تعالى: " لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ " وجاء عند البخاري من حديث أنس: " أنَّ رِعْلًا، وذكوانَ وعُصَيَّةً ، وبَنِي لَحْيانَ، اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ على عَدُوٌّ ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ، كُنَّا نُسَمِّيهِمُ القُرّاءَ فِي زَمَانِهِمْ، كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهارِ، ويُصَلُّونَ باللَّيْل، حتى كانُوا بِبِثْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النبيَّ ﷺ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو في الصُّبْحِ على أحْياءٍ مِن أحياءِ العَرَبِ، على رِعْلٍ، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيانَ قالَ أَنَسٌ : فَقَرَأْنا فيهم قُرْآنًا، ثُمَّ إِنَّ ذلكَ رُفِعَ: بَلِّغُوا عَنّا قَوْمَنا أَنا لَقِينَا رَبَّنا فَرَضِيَ عَنَّا وأَرْضانا " .

71. الشهداء لهم ما يشتهون في البرزخ :
كما جاء عند مسلم من حديث ابن مسعود : أن مسروق بن الأجدع قال : سَأَلْنا عَبْدَ اللهِ عن هذِهِ الآيَةِ: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)، قال: أما إنّا قد سَأَلْنا عن ذلك، فَقالَ : أَرْواحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَها قَنادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلى تِلكَ القَنادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُمُ اطلاعَةً، فَقَالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شيئًا؟ قالوا: أَيَّ شَيءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنا؟ فَفَعَلَ ذلكَ بِهِمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا من أَنْ يُسأَلُوا، قالوا: يا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْواحَنا في أَجْسادِنا حتَّى نُقْتَلَ في سَبيلِكَ مَرَّةً أُخْرى، فَلَمّا رَأَى أَنْ ليسَ لَهُمْ حاجَةٌ تُركُوا .

72. دار الشهداء هي أحسن الدور في الجنة :
كما جاء عند البخاري من حديث سمرة بن جندب : رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيانِي، فَصَعِدا بي الشَّجَرَةَ فأدْخَلاني دارًا هي أَحْسَنُ وأَفْضَلُ، لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ منها، قالا: أما هذه الدّارُ فَدارُ الشُّهَداء . فإذا كانت دار عامة المؤمنين كما قال - صلى الله عليه وسلم (لم أرى دارا قط أحسن منها فكيف بدار الشهداء التي صرح النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها أفضل وأحسن من دار عامة المؤمنين .

73. الشهيد يوضع على رأسه تاج الوقار :
فالشهيد ملك في الجنة كما سبق، فيتوج كما يتوج الملوك، وليس بأي تاج، بل تاج الوقار والعظمة والكرامة الدال على عظمة صاحبه، وأنه مكرم عند الله تعالى وعند ملائكته وخلقه، فإن الشهيد عظيم عند الله تعالى وعند الخلق وكريم على الله تعالى وعلى الخلق، وهذا التاج مكون ومرصع بالياقوت، والياقوتة منه خير الدنيا وما فيها، فكيف به كله كما جاء عند الترمذي من حديث المقدام بن معد يكرب وقال حسن : للشهيد عند الله ست خصال...وذكر منها: ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها .

74. الشهيد يرجى له النجاة من نفخة الصعق :
كما قَالَ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامُ يَنْظُرُونَ. ونفخة الصعق يَمُوتُ بِسَبَبِهَا جَمِيعُ الْمَوْجُودِينَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ: هُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَإِسْرَافِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ وَقِيلَ : هُمُ الشُّهَدَاءُ، وَقِيلَ: الانبياء، وقيل غير ذلك .

75. بالجهاد نطهر الارض من نجاسة الشرك :
كما قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ. وذكر الطبري عن قتادة في قوله : "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال: حتى لا يكون شرك. وعن ابن أبي نجيح عن مجاهد: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة" قال:الشرك ويكون الدين لله. وعن ابن عباس: "وقاتلوهم لا تكون فتنة" يقول : شرك. وقوله: (حتى) حرف غاية يفيد استمرار القتال إلى غاية وهي زوال الشرك، فإذا بقي شيء من الشرك ولو كان قليلاً فإن القتال واجب حتى يزول الشرك بالكامل من الارض .

76. بالجهاد يكون الدين لله وحده :
لقوله تعالى : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. والدين معناه الطاعة الطاعة والانقياد وقد يرد لمعاني أخرى بحسب السياق، قال صاحب المقاييس: فَالدِّينُ: الطَّاعَةُ يُقَالُ دَانَ لَهُ يَدِينُ دِينًا، إِذَا أَصْحَبَ وَانْقَادَ وَطَاعَ. وَقَوْمٌ دِينٌ، أَيْ مُطِیعُونَ مُنْقَادُونَ. والمعنى: وقاتلوهم حتى لا يكون شرك وحتى تكون الطاعة والانقياد لله وحده دون ما سواه من الطواغيت
والأنداد، مع إزالة الحواجز المادية المتمثلة في سلطان الطواغيت، وفي الأوضاع القاهرة للأفراد، فلا يكون هناك سلطان في الأرض لغير الله، ولا يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله . . فإذا أزيلت هذه الحواجز المادية ترك الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط على ألا تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين، ويحول بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى ، ويفتن بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان
إلا سلطان الله .

77. بالجهاد نرد على المعتدي :
لقوله تعالى: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " وقوله: " وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ " وقوله: " الشَّهْرُ
الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصُ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ " وقوله: " وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " وعليه فالرد على المعتدي حق لكل إنسان، ولو كان المعتدي مسلماً فإن قتاله ودفعه واجب ولو أدى لقتله، ولو قتلت وأنت تدافع عن نفسك أو دينك أو أهلك أو مالك لكنت شهيدا، كما جاء عند أبي داوود والترمذي وقال حسن صحيح: " منْ قُتِل دُونَ مَالِهِ فَهُو شَهِيدٌ، ومِنْ قُتل دُونَ دمِهِ فَهُو شهيدٌ، وَمَنْ قُتِل دُونَ دِينِهِ فَهُو شهيد، ومنْ قُتِل دُونَ أَهْلِهِ فَهُو شهيد " رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن. فكيف إذا اجتمع في العدو الواحد وصف الكفر، والحرابة والصيال والإفساد والتخريب، والتدمير، والسرق والنهب لخيرات المسلمين، وتمكين الطواغيت، واحتلال بلاد المسلمين، ودعم اليهود بكل ما لديه من سلاح ومال وإعلام ونفوذ لقتل المسلمين، فهل يشك أحد أن قتال هذا الصائل وطرده من ديار المسلمين أنه من أوجب الواجبات وأفرض الفرائض !! .

78. بالجهاد نرهب أعداء الله :
لقوله: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ، وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ، تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم. وإرهاب العدو مقاصد الجهاد العظيمة التي يحصل بها كفُّ شرّ الكفار عن المسلمين، ولولا خيار الردع لتمادى العدو في التقتيل والتنكيل والتسلط على المسلمين من المستضعفين، كما يحدث ولا يزال يحدث من تقتيل المسلمين، واستهانة بدمائهم، حتى أصبحت دماء المسلمين كدماء البعوض لا قيمة لها ولا وزن، لغياب خيار الردع أما إذا علم العدو حجم الخسائر التي ستلحقه من جراء اعتدائه فإنه سيتراجع، أو يكف شره قليلاً، وربما ينسحب انسحابًا نهائيًا، ولا يعود مرة أخرى .

79. بالجهاد نحرر الأسارى :
لحديث أبي موسى الأشعري عند البخاري: فُكُوا العاني، يَعْنِي: الأسِيرَ ، وأَطْعِمُوا الجائع، وعُودُوا المَرِيض. ويا للحسرة كم في سجون الطواغيت من النُّخب والقيادات والعلماء من المسجونين ظلمًا وعدوانًا، بلا تهم أصلًا أو بتهم ملفقة. ولك أن تعلم، بحسب مصادر أجنبية، أن عدد السجناء في مصر وحدها ۱۲۰ ألفًا، وهذا هو الرقم المعلن فقط، في ظل تكتم النظام عن الأرقام الحقيقية. وهذا في مصر وحدها، دون بقية الدول العربية .

80. بالجهاد نحرض المسلمين على القتال :
لقوله تعالى: " فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلِّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا " وقوله: " يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ " وهذا التحريض يحصل به التنشيط للمسلمين والتشجيع على القتال، ويكون بذلك قدوة لغيره من المسلمين، ويكون له أجر من سار على طريقه لحديث أبي هريرة عند مسلم: " مَن دَعا إلى هدى، كان له مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلك من أُجُورِهِمْ شيئًا " وهذا التحريض قد يكون من خلال الاشتباك المباشر مع العدو بتوجيه ضربات أو من خلال الإعلام أو غير ذلك .

81. بالجهاد نحكّم شريعة الله :
وهذا مفهوم من قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ. إذ كيف يكون الدين والطاعة والانقياد لله في ظل حكم الجاهلية؟ وكيف يكون الدين لله، في ظل علوّ أحكام الجاهلية من قوانين الأمم الكافرة، والدساتير الفاسدة الكفرية؟! ولا يلزم من ذلك إنكار التأني قليلًا في التطبيق – لا في التشريع - حتى يتمكن المسلمون من ذلك، ولكن لا ينبغي أيضًا التساهل بترك التطبيق بدعوى عدم القدرة والتمكن، حتى يؤدي ذلك مع الوقت - إلى إسقاط
تحكيم الشريعة من أساسه .
  • 0
  • 0
  • 52

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً