أقضوا مضاجعهم بعد صراع طويل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته مع قريش، عُقد صلح الحديبية ...
منذ يوم
أقضوا مضاجعهم
بعد صراع طويل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته مع قريش، عُقد صلح الحديبية والذي كان فيه وقف للقتال بينهم لعشر سنين، ومن الشروط التي أصرت قريشٌ عليها أنّ من هرب من سلطة قريش قاصدا المدينة يرد إليهم، فكان من أول من هاجر إلى المدينة بعد الصلح الصحابي أبو بصير وقد لحقه رجلان من قريش فوافوه في المدينة عند رسول الله فذكروا له ما اصطلحوا عليه فأعيد أبو بصير رضي الله عنه معهما إلى مكة، فلم يسر معهما غير قليل حتى تحين فرصة قتل فيها أحدهما ولحق بالآخر حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، فقال رسول الله: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!) ومضى أبو بصير رضي الله عنه ينكل بقريش ويضيق عليهم عيشهم هو ومن لحق به من المستضعفين حتى خنع كفار قريش ونقضوا هذا الشرط بأنفسهم فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لهم بهم!
وإن في هذه الحادثة خيرُ سلف لتعامل المؤمن مع ما يعترضه في سبيل إقامة دينه، فلم يركن أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، ولم ينتظروا فرجا ينزل من السماء دون عمل، بل انتزعوا خلاصهم بأيديهم وأجبروا أهل الكفر أن يعودوا عن بعض غيهم واستكبارهم، ولم يكسر عزيمتهم عدم استطاعتهم اللحاق بالدولة النبوية والفيئة تحت ظلالها ولم يزعزع إيمانهم أن ردوا عن اللحاق بها.
وقد كانت قريش بمنعها المسلمين عن الهجرة قد تمادت في الغي لا لشيء سوى حرب الإسلام والكيد له، فكان لها أبو بصير وإخوانه رضي الله عنهم خير علاج، فأزالوا من رؤوسهم تلك الوساوس وصارت غاية أمانيهم أن تسلم ركائبهم وبضائعهم وأن يصل تجارهم ومواليهم إلى ديارهم، وبعد أن كانوا أحرص الناس على حبس المؤمنين ومنعهم من اللحاق بدولة الإسلام في المدينة صاروا يترجون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤويهم، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وكذلك فعل طواغيت هذا الزمان، فبعد أن قسمت ديار المسلمين عبر اتفاقية سايكس وبيكو، ورسمت الحدود وفرق بين المسلمين وأعليت رايات الوطنية والقومية واستثمر الطواغيت فيها هذه الحدود شر استثمار فجعلوها سجنا كبيراً لأبناء الإسلام حتى يمنعوهم من الهجرة والجهاد في سبيل الله خوفاً ورعباً من أن تقوى شوكة الدولة الإسلامية فتزيل عروشهم، وقد تشابهت أفعالهم مع كفار قريش فالحيلة نفسها والمقصد ذاته.
والمؤمن الصادق لا يركن إلى الدنيا ولا يكتفي بالانتظار مع القاعدين فنصرة دين الله لا تكون بغير عمل وجد واجتهاد وصبر ومصابرة وتعرض للأذى والخطر، فإن منعكم الطواغيت من الهجرة لدار من ديار الإسلام فعليكم بإرهابهم وبث الرعب في قلوبهم وزعزعة أمنهم حتى تتحول أمانيهم إلى مجرد العيش الآمن ويرجون الخلاص من وجودكم بينهم، وإن هذا الأمر وإن كان في ظاهره صعب المنال إن قيس بمقاييس الدنيا ولكنه على الله يسير {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]، وإنما يجعل الله هذا الأمر على يد من يطيعه ويعمل في سبيله فقال سبحانه في الآية التي تليها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 60].
فلم يكلف الله عباده المؤمنين بما لا يستطيعون بل أراد منهم الصدق والعمل وإعداد القوة بقدر طاقتهم فقط، ومن تدبر في سير أهل الإسلام في كل زمان رأى كيف يتنزل نصر الله عز وجل مهما كانت الفوارق المادية إن صدق المؤمنون مع ربهم وعملوا بقدر ما بأيديهم، والماضي القريب يشهد على ذلك، كيف عدة آلاف من المجاهدين في العراق تقيم دولة رغم أنوف الطواغيت بدأ بأمريكا وانتهاء بإيران وغيرها من طواغيت العرب والعجم.
فقوموا يا أبناء الإسلام ويا أحفاد أبي بصير ومحمد ابن مسلمة نغصوا على الطواغيت عيشهم، ولا تحقروا من المعروف شيئا، وإنما عمل كل رجل فيكم مكمل للآخر فالبناء مهما عظم فإنما هو من لبنات وعملك مهما صغر فهو لبنة مهمة في هذا البناء وقد تكون أكثر وأعلى أهمية مما تتصور ببركة الله وفضله.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 148
الخميس 10 محرم 1440 هـ
بعد صراع طويل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته مع قريش، عُقد صلح الحديبية والذي كان فيه وقف للقتال بينهم لعشر سنين، ومن الشروط التي أصرت قريشٌ عليها أنّ من هرب من سلطة قريش قاصدا المدينة يرد إليهم، فكان من أول من هاجر إلى المدينة بعد الصلح الصحابي أبو بصير وقد لحقه رجلان من قريش فوافوه في المدينة عند رسول الله فذكروا له ما اصطلحوا عليه فأعيد أبو بصير رضي الله عنه معهما إلى مكة، فلم يسر معهما غير قليل حتى تحين فرصة قتل فيها أحدهما ولحق بالآخر حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا، فقال رسول الله: (ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال!) ومضى أبو بصير رضي الله عنه ينكل بقريش ويضيق عليهم عيشهم هو ومن لحق به من المستضعفين حتى خنع كفار قريش ونقضوا هذا الشرط بأنفسهم فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم لما آواهم فلا حاجة لهم بهم!
وإن في هذه الحادثة خيرُ سلف لتعامل المؤمن مع ما يعترضه في سبيل إقامة دينه، فلم يركن أصحاب رسول لله صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا، ولم ينتظروا فرجا ينزل من السماء دون عمل، بل انتزعوا خلاصهم بأيديهم وأجبروا أهل الكفر أن يعودوا عن بعض غيهم واستكبارهم، ولم يكسر عزيمتهم عدم استطاعتهم اللحاق بالدولة النبوية والفيئة تحت ظلالها ولم يزعزع إيمانهم أن ردوا عن اللحاق بها.
وقد كانت قريش بمنعها المسلمين عن الهجرة قد تمادت في الغي لا لشيء سوى حرب الإسلام والكيد له، فكان لها أبو بصير وإخوانه رضي الله عنهم خير علاج، فأزالوا من رؤوسهم تلك الوساوس وصارت غاية أمانيهم أن تسلم ركائبهم وبضائعهم وأن يصل تجارهم ومواليهم إلى ديارهم، وبعد أن كانوا أحرص الناس على حبس المؤمنين ومنعهم من اللحاق بدولة الإسلام في المدينة صاروا يترجون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤويهم، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وكذلك فعل طواغيت هذا الزمان، فبعد أن قسمت ديار المسلمين عبر اتفاقية سايكس وبيكو، ورسمت الحدود وفرق بين المسلمين وأعليت رايات الوطنية والقومية واستثمر الطواغيت فيها هذه الحدود شر استثمار فجعلوها سجنا كبيراً لأبناء الإسلام حتى يمنعوهم من الهجرة والجهاد في سبيل الله خوفاً ورعباً من أن تقوى شوكة الدولة الإسلامية فتزيل عروشهم، وقد تشابهت أفعالهم مع كفار قريش فالحيلة نفسها والمقصد ذاته.
والمؤمن الصادق لا يركن إلى الدنيا ولا يكتفي بالانتظار مع القاعدين فنصرة دين الله لا تكون بغير عمل وجد واجتهاد وصبر ومصابرة وتعرض للأذى والخطر، فإن منعكم الطواغيت من الهجرة لدار من ديار الإسلام فعليكم بإرهابهم وبث الرعب في قلوبهم وزعزعة أمنهم حتى تتحول أمانيهم إلى مجرد العيش الآمن ويرجون الخلاص من وجودكم بينهم، وإن هذا الأمر وإن كان في ظاهره صعب المنال إن قيس بمقاييس الدنيا ولكنه على الله يسير {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]، وإنما يجعل الله هذا الأمر على يد من يطيعه ويعمل في سبيله فقال سبحانه في الآية التي تليها {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنفال: 60].
فلم يكلف الله عباده المؤمنين بما لا يستطيعون بل أراد منهم الصدق والعمل وإعداد القوة بقدر طاقتهم فقط، ومن تدبر في سير أهل الإسلام في كل زمان رأى كيف يتنزل نصر الله عز وجل مهما كانت الفوارق المادية إن صدق المؤمنون مع ربهم وعملوا بقدر ما بأيديهم، والماضي القريب يشهد على ذلك، كيف عدة آلاف من المجاهدين في العراق تقيم دولة رغم أنوف الطواغيت بدأ بأمريكا وانتهاء بإيران وغيرها من طواغيت العرب والعجم.
فقوموا يا أبناء الإسلام ويا أحفاد أبي بصير ومحمد ابن مسلمة نغصوا على الطواغيت عيشهم، ولا تحقروا من المعروف شيئا، وإنما عمل كل رجل فيكم مكمل للآخر فالبناء مهما عظم فإنما هو من لبنات وعملك مهما صغر فهو لبنة مهمة في هذا البناء وقد تكون أكثر وأعلى أهمية مما تتصور ببركة الله وفضله.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 148
الخميس 10 محرم 1440 هـ