لصوص القلوب. جميعنا يكره السرقة بكل أنواعها، إلا أن هناك نوع من السرقة لا يكرهها أحد، ونحبها ...

منذ 8 ساعات
لصوص القلوب.

جميعنا يكره السرقة بكل أنواعها، إلا أن هناك نوع من السرقة لا يكرهها أحد، ونحبها حبًا شديدًا، إنهم الذين يسرقون قلوبنا بطيبهم, وكرم أخلاقهم, وطيب كلامهم, وسعة ضمائرهم, وابتسامة شفايفهم, وذوقهم في اختيار كلماتهم، حديثهم ترياق الهموم، ورقية الأحزان، وإكسير السلوان، لا تمله القلوب، ولا تجتويه الأسماع، وإنه ليمتزج بأجزاء النفس، ويمتزج بالأرواح، ويتصل بالقلوب، ويأخذ بمجامع الأفئدة، وإنه لحديث أشد تغلغلا إلى الروح من زلال الماء.
إنهم أطياف لطيفة تعبر حياتنا, ونسمات رقيقة تسكن أرضنا، تعلو وجوههم صفحات طيبة من البشاشة وهدوء النفس والسلام الروحاني, فلله درهم من بشر, فقد أكرمونا بتلك الألفاظ التي لا تكلف فيها ولا تملق, عبارات غسلت بزمزم القلوب, وطهرت بحلاوة ذلك اللسان الذي لا ينطق إلا بخير, وتلك العين التي لا ترى إلا النور.
كن أنت منهم في تعاملك مع الآخرين, أسمعهم العبارات الطيبة, والكلمات الحنونة, اختر لهم الألفاظ التي تحمل في طياتها النشاط المعنوي, أليست الراحة والسعادة والطمأنينة والسكينة والهدى كلها كلمات طيبة، وخيرات الأرض وخيرات السماء كلمات طيبة، والجنة في السماء وأنهارها وأشجارها كلمات طيبة، وخدمها وقصورها ووصفها كلمات طيبة؟!, لماذا نقسو على الآخرين بكلمات الخوف والوعيد, والتهويل والتهديد, دون أن نراعي مصلحة مشاعرهم, واختلاف طبائهم؟!, لماذا لا نجعل التخويف من عذاب الله بعد الترغيب برحمة الله بطريقة تحمل نفس المعنى؟!.
لماذا نقول للعاصي إن الله سيدخلك النار؟ لماذا لا نغير سياق الألفاظ إلى لفظ يحمل نفس المعنى بشكل آخر, فنقول له إن الله لن يدخلك الجنة؟!.
إنَّ هذه العبارات الجميلة التي تنتقيها بروح مثالية تأثيرها ساحر، فهي تحمل في طيها مشاعر التقدير والاحترام مختلطة بالحب والشفقة، وأنَّ كل كلمة قاسية في العتاب لها مرادف من الكلمات الطيبة، قال الصينيون في مثل سائر عندهم: نقطة العسل تصيد من الذباب ما لا يصيد برميل من العلقم ().
فالكلمة الطيبة تعمل عمل السحر في النفوس فترطبها من جفاء، وتلين القلب، وتهدئ روع النفس، وتسكن أعماق الوجدان، والكلمة الطيبة تبتسم لها الوجوه، وتنتبه لها الآذان، وهي لص خفي، ولكنه أطيب لص في الحياة!, لأنها تسرق القلوب وتأسرها بحبال المودة التي لا نراها؛ ولذلك نرى أغلب الشعوب يتعامل بعضهم مع البعض بالكلمات الطيبة؛ فيضفي على العمل رونقًا من النشاط والهمة؛ فالكلمة الطيبة تدفع للأمام والإنجاز, والهمة والإتقان, والثقة والإخلاص, والضمير الإنساني القيم.
فنصيحتي لك وللجميع: ألنْ جناحك للآخرين بقدر ما تستطيع, ودع فكرك يجري في سريان قلوبهم نسمة جميلة عابرة, وروح محبة هادئة، لأن الناس أمم شتى مختلفون فكرا وسلوكا، فإذا فهمت عقلية من أمامك واستوعبتها فثق أن قلبه سيكون غدا بين يديك وتكون قادرا على سرقته وجعله يهرول خلفك في ظلام دامس.
اكسب قلوب الناس فكل شيء في الحياة تشتريه من الناس بأموالك, إلا حبك وتقديرك واحترامك فإنك تفرضها عليهم بقوة أخلاقك, وحسن تواضعك, وخفض جناحك, وبذل معروفك لهم{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}().
فالخير حملا وديع طيب قلق ... والشر ذئب خبيث ماكرٌ نهِمُ
كن ذا دهاء وكن لصا بغير يدٍ ... ترى الملذات تحت يديك تزدحمُ.
واعلم أنه من أراد أن يسرق قلوب الناس، يجب أن ينثر لها حب الإحسان والإجمال، وينصب لها أشراك الفضل والإفضال, ويغذيها من لحمه ودمه.
وإن سرقة القلوب أمر لا يحتاج إلى ليلٍ للسرقة, ولا إلى تخطيط ومؤامرة, ولا إلى نصب ومحايلة, ولا إلى سلبٍ وجريٍ وهرولة, إنما يحتاج إلى تواضع في المعاملة, وخفض الجناح وعفوٍ ومسامحة, يحتاج إلى كلمات حساسة, ونظرات جذابة, وحركات صائبة, وشفايف باسمة (( إن من البيان لسحرا )) ().

انتهى هذا الدرب. من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان.
أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي، غفر الله له ولوالديه.
  • 1
  • 0
  • 15

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً