أمام تحديات الحياة. كثيرا من الناس لا يفهمون لغة الحياة, فيجهلون أن فيها محطات مظلمة وأخرى ...

منذ 3 ساعات
أمام تحديات الحياة.

كثيرا من الناس لا يفهمون لغة الحياة, فيجهلون أن فيها محطات مظلمة وأخرى مشرقة، ويجهلون أن السماء عندما تتلبد غيومها، إنما ذلك بشرى خيرات تصيب الأرض وتنبت الزرع، يجهلون أن بعد الظلام نورًا، وبعد الموت حياة، وبعد الفشل نجاحاً، هؤلاء هم اليائسون في الحياة من الحياة, فتراهم يموتون في اليوم والليلة أكثر من ألف موتة؛ لأنهم لا يبصرون حقيقة الحياة ولا يفهمون لغتها الفصحى.
فلا تيأس ولا تكتئب! أما ترى السحاب الأسود كيف ينقشع، والليل البهيم كيف ينجلي، والريح الصرصر كيف تسكن، والعاصفة كيف تهدأ؟! ولهيب الشمس يطفئه وارف الظل، وظمأ الهاجرة يبرده الماء النمير، وعضة الجوع يسكنها الخبز الدافئ، ومعاناة السهر يعقبه نوم لذيذ، وآلام المرض يزيلها لذيذ العافية، فما عليك إلا الصبر قليلا والانتظار لحظة.
أما الذي يفهم الحياة بتفاصيلها، فهو الجدير بعيشها، لأنه يعي خير الوعي بأنه وُجد في هذه الحياة للعمل، وأن وجود الصعاب والعراقيل في درب الحياة أمر لا بد منه، فالسهم كي ينطلق ويندفع بقوة لا بدّ أن يرجع إلى الوراء قليلا .. وقلم الرصاص حتى يكتب يحتاج إلى براية تبريه .. ومفتاح النجاح هو خطوات الفشل.
هذا لا ينظر إلى الحياة إلا بمنظار الجمال والتفاؤل، فيبصر في الزهرة عبيرها، وفي الشمس دفئها، وفي الليلة نجومها، فينجح ويرتقي؛ لأنه يسير في دروب الحياة مؤمنًا بأنّ الحياة واليأس لا يجتمعان، فلا حياة مع اليأس, ولا يأس مع الحياة. حاله كحال المريض الذي يثق بأن الشفاء قادم من الله تعالى، وأن الحياة لا بد أن تبتسم له من جديد، وأن المرض ما هو إلا ظرف طارئ سيمر مرور الكرام.
مهما واجهتك الحياة بالصعوبات, وفرشت طريقك بالأشواك, وملئت بالعقارب والحيات, فعليك تذليل الصعاب ومواجهة العراقيل، برباطة جأش، وإرادة ضمير, وعزيمة نفس، فارفع رآية الإيمان بالله وانطلق في الحياة كالسهم من الرمية.
فالحياة لوحةٌ فنيةٌ, ألوانها التفاؤل والأمل، وأشكالها الهمة والعمل، وإطارها العمر، وأنت رسامها، فمتى تكن متفائلا تزخرف لوحتك بالألوان الزاهية، ومتى تكن يائسًا مستسلمًا للمتاعب تفقد اللوحة ألوانها ويطغى عليها السواد القاتم. هذه هي سنة الحياة، الأمل معمرها واليأس مدمرها، وما دام التفاؤل في مواجهة اليأس فعليك الخروج من المعركة منتصرا.
كل إنسان على ظهر هذه الحياة إلا وحصلت له من المتاعب ما الله به أعلم, ومن الصعوبات ما لو حملت جبلا لتفتت .. فما دام الأمر كذلك فإياك أن تظن أن غيرك في نعم متوالية.
عليك بتحدي الحياة مستمدا إيمانك من خالقها سبحانه وتعالى, فثق به ثقة الطفل بأمه, ولا تطلب المدد من غيره، وواصل سعيك وكفاحك بمفردك ولو سخر الجميع منك, ولو وقف العالم أجمع ضدك، وإن حاول الجميع أن يسلبوا منك حقك في الطموح والتمني، فلا تتوقف حتى وإن لم يرضى عنك أحد من البشر، ما دمت ترضي ربك, ولا تحاول الاختباء والهروب فهذا لن يجعلك تتقدم أبدا، وكن قويا بربك واسْعَ وكافح من أجل ما تطمح له، وتيقن تماما بأنك ستكون يوما ما عند شاطئ الحياة مستريح.
عليك أن تظل عزيزا فيما ترجوه وترغبه, لتقترب أكثر إلى ما تهدف له وتقصده، وعليك باستجلاب مصالح عديدة لتدفع عنك أضرارا كثيرة؛ لحياة الدنيا وحياة الآخرة.
أنت تعلم بأن الحياة هكذا, مملوءة بالعديد من المصاعب المتعبة, والمشاق القاسية, والويلات المهلكة, التي تعيق طريقك، وتوقف تقدمك؛ يلزمك أن تقوي إيمانك بالله تعالى الذي من وثق به سهلت أمامه كل الصعاب, وتؤمن بذاتك لكيلا تستسلم أمام الواقع، وحتما بإذن الله تعالى ستصل لشاطئ البر والأمان, والراحة والسلام, أبشر بالخير الدائم بإذن الله فلن تكن أبد الدهر في كدر ومشقة؛ لأنك بإيمانك بالله تأوي إلى ركن شديد, وقريبا تصبح شمس الأمل مشرقة في عالمك على الدوام. فكن دائما فخورا بنفسك لأنك شرفتها بسعيك وكفاحك, بثقتك بالله وإيمانك, وعزيمتك وإصرارك, حتى تصل لتحقيق أحلامك في مناكب الحياة، وتحديت الصعاب.
فاسْعَ في الحياة بإصرارك, وكافح بعزة من أجل طموحاتك, ولا تتوقف عن الركض وراء هدفك، ولا تستسلم أبدا للصعاب والعراقيل، وإن لم يكن هناك دافع يدعوك للاستمرار في المحاولة، وواجه ببسالة كل ما يقف ضدك ليحول بينك وبين ما ينبغي أن تكون عليه، انطلق في الحياة متوكلا على الله, واثقا من قدرتك على تحدي الصعاب, عندها تنال مرادك وتتجاوز ما يعرقلك وتسهل عليك ما صعب وأنت مرفوع الرأس.
هذا رسول الله عليه الصلاة والسلام, في زمن البلايا والمحن, والمصائب والفتن, كان يتحدى الصعاب بقوة إيمان وعزيمة مطلقة, يتفاءل بالأمل حتى وإن كان في أشد الحرج والضيق, حتى وإن كان في ساعة العسرة, حتى وإن كان في وقت الأزمة, وفي وقت المؤامرة, وفي وقت البلاء يقول: (( لا! ولكن أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ))(), ويقول في وقت يأس فيه أبا بكر الصديق في الغار: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}().
فيا حبيبي! ويا أخي! تفاءل بالخير, وإياك والشؤم, فإنه طريق أهلك صاحبه, وكان رسولك وقدوتك يقول: (( ويعجبني الفال ))().
فمهما واجهتك الحياة بما تكره فاثبت لتعطيك ما تحب, ولا تستسلم, فالاستسلام يعني قبول الهزيمة.
إياك ثم إياك من الاستسلام أمام متاعب الحياة, فالله يغير مجرى الكون في غضون لحظات, فيصبح المستحيل ممكنا, والممكن مستحيلا, وهذه هي سنة الله في الحياة, الليل يعميه ضوء الفجر المشرق, وحرارة الأرض يبردها مطر السماء, فلن يتم لك العيش حتى تسكن عند البلايا، وتتريّض عند الرزايا، وتصبر عند الضرايا، وتشكر عند السرايا، وتؤمن بالقضاء والقدر، وترضى بالمصائب والمحن، فقد رُفعت الصحف وجُفّ القلم، ووقع المكتوب، ووضع المقدور، ونُفّذ المأمور، سخط من سخط، ورضي من رضي، قُضِيَ الأمرُ واستوت على الجودي{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}().. ذكر أهل السير: أن رجلا أصابه الشلل، فأقعد في بيته، ومرت عليه سنوات طوال وهو على هذا الحال، عجز الأطباء في علاجه، وغاب الأمل من قلب أهله وأبناءه، وفي ذات يوم نزلت عليه عقرب من سقف منزله، ولم يستطع أن يتحرك من مكانه، فأتت إلى رأسه وضربته برأسها ضربات ولدغته لدغات، فاهتز جسمه من أخمص قدميه إلى مشاش رأسه، وإذا بالحياة تدب في أعضائه، وإذا بالبرء والشفاء يسير في أنحاء جسمه، وينتفض الرجل ويعود نشيطا، ثم يقف على قدميه، ثم يمشي في غرفته، ثم يفتح بابه، ويأتي أهله وأطفاله، فإذا الرجل واقفا، فما كانوا يصدقون وكادوا من الذهول يصعقون، فأخبرهم الخبر().
فإن من خلق الإنسان الناجح تحدي الصعاب والنظر إلى الحياة بعين التفاؤل، وعدم اليأس، والقدرة على تلافي الأخطاء، والخروج من الأزمات، وتحويل الخسائر إلى أرباح.
والمحن والبلايا والمصائب لك فيها من الفوائد ما لا يعلمها إلا الله, منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يدخره الله لك في الآخرة حيث النعيم المقيم, ولكن اعلم أنه لا يرجى في الشدائد إلا الله، ولا يقصد في الملمات سواه، ولا تطلب الحوائج إلا من بابه؛ المفزع إليه، لا سند إلا سنده، ولا حول ولا قوة إلا به، لا ملجأ منه إلا إليه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، هو المتصرف في الملك، لا معقب لحكمه، لا إله إلا هو مفرج الهموم، ومنفس الكروب، ومبدد الأحزان والأشجان والغموم، جعل بعد الشدة فرجا، وبعد الضيق والضر سعة ومخرجا، لم يخل محنة من منحة، ولا نقمة من نعمة، ولا نكبة ورزية من هبة وعطية.

📙📙دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان.
🖋🖋أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر.
  • 1
  • 0
  • 16

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً