إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد الحمد لله الذي منّ علينا بالجهاد، وأقامنا فيه وهو خير مقام ...
منذ 5 ساعات
إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد
الحمد لله الذي منّ علينا بالجهاد، وأقامنا فيه وهو خير مقام بين العباد ويسّر لنا بالقتال تنغيص حياة أهل الردة والإلحاد، والصلاة والسلام على نبي الرحمة ونبي الملحمة وعلى آله وصحبه الرحماء بالمؤمنين وهم على الكافرين غلاظ شداد، وعلى من سلك سبيل التوحيد والجهاد إلى يوم التناد وبعد:
فإن الله كتب على المؤمنين القتال فقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216]، ولما كان أمر القتال شديدًا على النفوس لما فيه من إزهاق الأرواح وفراق الأهل والأوطان، رغّب سبحانه فيه أعظم ترغيب وأبدأ في فضائله وأعاد، ووعد عليه الوعود العظيمة وفرض لأهله الأُعطيات الربانية الجزيلة؛ فطارت نفوس المؤمنين شوقًا إليه وتسابق المٌحبّون في ميدان القتال حرصًا عليه، لِما رأوا من فضله الذي لا يضاهى وأجره الذي لا يتناهى، حتى استرخصوا في سبيله النفوس والمهج وركبوا لأجله لجج البحار والصحاري والقِفار ولمّا بَعُد العهدُ عن التحريض على الجهاد شمّرتُ للتحريض عليه عن ساعدِ الاجتهاد وسمّيتُ هذه الأسطر: "إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد"، وهي على ما يلي:
الأولى: أنه منجاة بإذن الله من أليم العذاب
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10-11] فيا من يخاف من عقاب الله وعذابه الأليم يا من يؤرّقه صوت أهل النار، قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] دونك باب الجهاد فإن الله وعد أهله بالنجاة من أليم العذاب فما الذي يقعدك عنه وأنت تسمع صوت حادي الجهاد في جميع البلاد ينادي يا خيل الله اركبي و يا راية الإسلام ارتفعي ويا حملة الراية قوموا، فمن يَطِيبُ له قعود بعد هذا النداء؟! نعوذ بالله من الحِرمان.
الثانية: أن الله وعد أهل الجهاد بمغفرة ذنوبهم.
قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...} [الصف-12] كم من الناس أرّقتهم الذنوب؟ حتى وقع أكثرهم في اليأس من رحمة الله، فيا من أرّقته الذنوب والآثام وناله منها العذاب النفسي والآلام، بُشْرَاك فلا دواء يُذهب بالذنوبِ وآثارها مثل الجهاد في سبيل الله، ولك في خَبر أبي محجن الثقفي عظة وعبرة فقد تداوى من مرض ذنوبه بدماءِ الكفار، فليس كمثلها تُكفرُ السيئات والأوزار.
إن المعاصيَ رجسٌ لا يطهرُها
إلا الصوارم في أيمانِ كُفارِ
الثالثة: أن الجهاد سبب لدخول الجنة
قال تعالى في تكملة الآية السابقة: {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيّمُ
وحيّ على روضاتِها وجِنانِها
وحيّ على عيشٍ بها ليس يَسْأَمُ
نعم بالجهاد تُنال الدرجات العلى في الجنة ففي الحديث الصحيح كما عند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فكيف تستبدل ذلك العيش الكريم والنعيم المقيم بهذه الأعطان الضيقة بين أرباب العاهات والبليات؟ وكيف تستبدل الحور الكواعب الأتراب بالتي هي أدنى من المخلوقات من التراب إلا المؤمنات الصالحات؟
تالله إنك لفي غبن عظيم وتظن نفسك من الفائزين، وكيف يطيب لك عيش وتترك هذا المعين
فأقدم ولا تقنع بعيشِ مُنغَّصٍ
فما فازَ باللذاتِ من ليس يُقدِمُ
الرابعة: أن الجهاد ترجمان التوحيد.
قد علم المسلم أنه لا يصح توحيد إلا بولاء وبراء ولا يكتمل إيمان المرء حتى يجاهِر الكفار بالعداوة والبغضاء قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ...الآية} [المجادلة: 22]، ولا يكون ذلك إلا بإظهار العداوة، إذ هي الفَيْصل بين أهل التوحيد وأهل النفاق، وإن ذلك يتجلى حقيقةً بالجهاد وقتال أهل الكفر والعناد، ويذوق الموحد ثمرةَ توحيده واقعًا معاشًا، لا كما يرى التوحيد أهل القعود دروسًا وحِلَقًا لا تحفظُ دينًا ولا تنصر شرعًا ولا ترد حقًا.
الخامسة: أن المجاهدين لا يساويهم أحد في الفضل والدرجة قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة-20]، فكيف يأتي بعد ذلك جاهل يسوي المجاهدين بغيرهم؟ بل كيف يأتي من يطعن بالمجاهدين ويصدُّ عن سبيل الجهاد؟ فإنه لا يفعلُ ذلك إلا أهل النفاق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، بل اسمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة كما عند مسلم حيث قال: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) ففي كلام نبينا صلى الله عليه وسلم القول الفصل، والمبتغي بعد هذه البينة بينة كان حالُه كمن يبحث للنهار عن دليل والشمس بازغة.
السادسة: أن المجاهد أفضل الناس
قال صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل والموت مظانه) [رواه مسلم]، وروى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (قيل يا رسول الله أي الناس أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله).
السابعة: هداية الله للمجاهد إذا ادلهمّت الفتن
فلا نجاة من الفتن إلا بالجهاد في سبيل الله فإن الفتن من معانيها اختلاط الأمور وعدم القدرة على معرفة الحق من الباطل والله سبحانه قد نجى المجاهد من الفتن ببركة الجهاد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 67]، من جاهد الجهاد الحق من أجل إعلاء كلمة الله لا تجد عنده حيرة القاعدين ولا اضطرابهم ولا تشتتهم، فالحق بركب المهتدين قبل أن يجرفك سيل الضلال.
الثامنة: الجوائز الست
قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ (15)} [التوبة:14-15]، فقد جعل الله للقتال في سبيل الله ست فضائل في هذه الآية،
أولها: تعذيب الكافرين بأيدي المؤمنين، وهذا تشريف وأي تشريف وتعظيم للمؤمن الذي يستشعر وهو يقاتل أنه عذاب الله الذي يتنزّل على الكافرين والمرتدين ويذيقهم الله بأسه وغضبه على يد عباده المجاهدين.
أما الثانية: أن الله يخزي الكافرين بأيدي المؤمنين، وذلك بهزيمة الكفار وإلحاق العار بهم وأخذ الجزية منهم وهم صاغرون.
والثالثة: النصر على الكفار وما فيه من عزةٍ وعلو للمؤمن على أمم الكفر التي طالما تطاولت ونكّلت بالمؤمنين.
الرابعة: شفاء صدور المؤمنين من أعدائهم الذين ساموهم سوء العذاب، فترى الأخت التي انتُهِك عِرضُها من فعلوا هذه الفعلة وهم يلقون جزاءهم على يد عباد الله الموحدين، وترى الأمُّ التي قتل ولدها وإخوانها يثأرون لها ممن أشعل صدرها غيظاً، وترى ذلك الجاني ودمه يسفك جزاءً وفاقًا على سوء فعله فيذهب بذلك ما في قلوب المؤمنين من الغيظ فتكون بذلك الفضيلة الخامسة.
السادسة: أن يمتنّ الله على من يشاء بالتوبة والأوبة إليه والهداية، إما ارتداعًا عن كفرهم وغيّهم، وإما مهابةً للحق وأهله بعد أن أعزهم الله بالجهاد والقتال، فتحصل بالجهاد ثمرة جليلة بالهداية لأقوام لولا الله ثم الجهاد لما ارعووا ولا انزجروا عما هم فيه من ضلال، وأقوام طالما ازدروا أهل الحق لضعفهم وقلتهم فما إن يروا شدة المجاهدين في القتال وتنكيلهم في العدو حتى يهابوهم ويطلبوا الانضواء تحت رايتهم.
ويختم الله ذلك بقوله الذي يؤذن بكمال علمه وحكمته فتقطع هذه الخاتمة البديعة لسان كل مخذل خوار فمن اعترض على القتال بعد ذلك فهو مدع أنه أعلم من الله وأحكم في عباده، {وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ}.
فمن المؤمن القتال، ومن الله التعذيب للكفار والنصر على الأعداء وشفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب والهداية لمن يشاء، فله الحمد أولاً وآخرًا.
التاسعة: أن الجهاد يذهب الله به الهم والغم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم) [رواه أحمد]، لقد كثرت في هذا الزمان الهموم والغموم حتى امتلأت العيادات النفسية بالزائرين والمرضى يبحثون عن حل لما يعانونه من الأمراض النفسية وليس ما بهم بسبب قلة مال أو عرض من الدنيا بل تجد أكثرهم من أصحاب الأموال وهم في هذه الغمرات يبحثون عمن يخرجهم من شقائهم وتعاستهم ولا يعلمون أن الحل بأيديهم وهو بامتثال ما أمر الله به من الجهاد في سبيل الله.
واسأل المجاهدين من أجل إعلاء كلمة الله ولن تجدهم إلا في صفوف دولة الإسلام -أعزها الله - سلهم عن حالهم هل يجدون همًا أو غمًا؟ هل يحتاجون إلى الأقراص المنومة لكي يناموا؟ فإن الإجابة ستكون بالنفي، بل سيقولون لك منذ أول قدم وضعناها في أرض الجهاد نسينا الهم والغم وأحسسنا من السعادة النفسية والراحة ما عوضنا عن كل ما فقدناه وخلّفناه وراء ظهورنا هذا مع ما يعيشه المجاهد من القتال والملاحقة والحصار والإصابات وغيرها من الآلام ومع ذلك تجد المجاهد منشرح الصدر مرتاح البال مطمئن النفس، مما جعل حال المجاهد هذا يصيب أعداء الله بالحيرة والاندهاش مما يرونه أمام أعينهم ولم يقرؤوا عنه في كتاب ولم يسمعوا عنه فالحمد لله الذي بلّغ المجاهدين هذه المنزلة التي قال عنها الإمام المجاهد المبارك عبد الله بن المبارك "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".
وختامًا: أقول لك ما قاله الإمام المجاهد ابن النحاس رحمه الله: "فتيقظ لنفسك يا هذا قبل الهلاك وأطلق نفسك من أسرها قبل أن يعسر الفكاك وانهض على قدم التوفيق والسعادة عسى الله أن يرزقك من فضله الشهادة ولا يقعدك عن هذا الثواب سبب من الأسباب فذو الحزم السديد من جرد العزم الشديد وذو الرأي المصيب من كان له في الجهاد نصيب ومن أخلد إلى الكسل وغره الأمل زلت منه القدم وندم حيث لا ينفع الندم وقرع السن على ما فرط وفات إذا شاهد الشهداء في أعالي الغرفات".
والحمد لله رب العالمين
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 150
الخميس 24 محرم 1440 هـ
الحمد لله الذي منّ علينا بالجهاد، وأقامنا فيه وهو خير مقام بين العباد ويسّر لنا بالقتال تنغيص حياة أهل الردة والإلحاد، والصلاة والسلام على نبي الرحمة ونبي الملحمة وعلى آله وصحبه الرحماء بالمؤمنين وهم على الكافرين غلاظ شداد، وعلى من سلك سبيل التوحيد والجهاد إلى يوم التناد وبعد:
فإن الله كتب على المؤمنين القتال فقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216]، ولما كان أمر القتال شديدًا على النفوس لما فيه من إزهاق الأرواح وفراق الأهل والأوطان، رغّب سبحانه فيه أعظم ترغيب وأبدأ في فضائله وأعاد، ووعد عليه الوعود العظيمة وفرض لأهله الأُعطيات الربانية الجزيلة؛ فطارت نفوس المؤمنين شوقًا إليه وتسابق المٌحبّون في ميدان القتال حرصًا عليه، لِما رأوا من فضله الذي لا يضاهى وأجره الذي لا يتناهى، حتى استرخصوا في سبيله النفوس والمهج وركبوا لأجله لجج البحار والصحاري والقِفار ولمّا بَعُد العهدُ عن التحريض على الجهاد شمّرتُ للتحريض عليه عن ساعدِ الاجتهاد وسمّيتُ هذه الأسطر: "إرشاد العباد إلى بعض فضائل الجهاد"، وهي على ما يلي:
الأولى: أنه منجاة بإذن الله من أليم العذاب
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10-11] فيا من يخاف من عقاب الله وعذابه الأليم يا من يؤرّقه صوت أهل النار، قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] دونك باب الجهاد فإن الله وعد أهله بالنجاة من أليم العذاب فما الذي يقعدك عنه وأنت تسمع صوت حادي الجهاد في جميع البلاد ينادي يا خيل الله اركبي و يا راية الإسلام ارتفعي ويا حملة الراية قوموا، فمن يَطِيبُ له قعود بعد هذا النداء؟! نعوذ بالله من الحِرمان.
الثانية: أن الله وعد أهل الجهاد بمغفرة ذنوبهم.
قال تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...} [الصف-12] كم من الناس أرّقتهم الذنوب؟ حتى وقع أكثرهم في اليأس من رحمة الله، فيا من أرّقته الذنوب والآثام وناله منها العذاب النفسي والآلام، بُشْرَاك فلا دواء يُذهب بالذنوبِ وآثارها مثل الجهاد في سبيل الله، ولك في خَبر أبي محجن الثقفي عظة وعبرة فقد تداوى من مرض ذنوبه بدماءِ الكفار، فليس كمثلها تُكفرُ السيئات والأوزار.
إن المعاصيَ رجسٌ لا يطهرُها
إلا الصوارم في أيمانِ كُفارِ
الثالثة: أن الجهاد سبب لدخول الجنة
قال تعالى في تكملة الآية السابقة: {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيّمُ
وحيّ على روضاتِها وجِنانِها
وحيّ على عيشٍ بها ليس يَسْأَمُ
نعم بالجهاد تُنال الدرجات العلى في الجنة ففي الحديث الصحيح كما عند البخاري من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ كُلُّ دَرَجَتَيْنِ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، فكيف تستبدل ذلك العيش الكريم والنعيم المقيم بهذه الأعطان الضيقة بين أرباب العاهات والبليات؟ وكيف تستبدل الحور الكواعب الأتراب بالتي هي أدنى من المخلوقات من التراب إلا المؤمنات الصالحات؟
تالله إنك لفي غبن عظيم وتظن نفسك من الفائزين، وكيف يطيب لك عيش وتترك هذا المعين
فأقدم ولا تقنع بعيشِ مُنغَّصٍ
فما فازَ باللذاتِ من ليس يُقدِمُ
الرابعة: أن الجهاد ترجمان التوحيد.
قد علم المسلم أنه لا يصح توحيد إلا بولاء وبراء ولا يكتمل إيمان المرء حتى يجاهِر الكفار بالعداوة والبغضاء قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ...الآية} [المجادلة: 22]، ولا يكون ذلك إلا بإظهار العداوة، إذ هي الفَيْصل بين أهل التوحيد وأهل النفاق، وإن ذلك يتجلى حقيقةً بالجهاد وقتال أهل الكفر والعناد، ويذوق الموحد ثمرةَ توحيده واقعًا معاشًا، لا كما يرى التوحيد أهل القعود دروسًا وحِلَقًا لا تحفظُ دينًا ولا تنصر شرعًا ولا ترد حقًا.
الخامسة: أن المجاهدين لا يساويهم أحد في الفضل والدرجة قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة-20]، فكيف يأتي بعد ذلك جاهل يسوي المجاهدين بغيرهم؟ بل كيف يأتي من يطعن بالمجاهدين ويصدُّ عن سبيل الجهاد؟ فإنه لا يفعلُ ذلك إلا أهل النفاق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، بل اسمع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه أبو هريرة كما عند مسلم حيث قال: (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ وَلاَ صَلاَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى) ففي كلام نبينا صلى الله عليه وسلم القول الفصل، والمبتغي بعد هذه البينة بينة كان حالُه كمن يبحث للنهار عن دليل والشمس بازغة.
السادسة: أن المجاهد أفضل الناس
قال صلى الله عليه وسلم: (من خير معاش الناس رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغى القتل والموت مظانه) [رواه مسلم]، وروى البخاري من حديث أبي سعيد الخدري (قيل يا رسول الله أي الناس أفضل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله).
السابعة: هداية الله للمجاهد إذا ادلهمّت الفتن
فلا نجاة من الفتن إلا بالجهاد في سبيل الله فإن الفتن من معانيها اختلاط الأمور وعدم القدرة على معرفة الحق من الباطل والله سبحانه قد نجى المجاهد من الفتن ببركة الجهاد، قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 67]، من جاهد الجهاد الحق من أجل إعلاء كلمة الله لا تجد عنده حيرة القاعدين ولا اضطرابهم ولا تشتتهم، فالحق بركب المهتدين قبل أن يجرفك سيل الضلال.
الثامنة: الجوائز الست
قال تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ (15)} [التوبة:14-15]، فقد جعل الله للقتال في سبيل الله ست فضائل في هذه الآية،
أولها: تعذيب الكافرين بأيدي المؤمنين، وهذا تشريف وأي تشريف وتعظيم للمؤمن الذي يستشعر وهو يقاتل أنه عذاب الله الذي يتنزّل على الكافرين والمرتدين ويذيقهم الله بأسه وغضبه على يد عباده المجاهدين.
أما الثانية: أن الله يخزي الكافرين بأيدي المؤمنين، وذلك بهزيمة الكفار وإلحاق العار بهم وأخذ الجزية منهم وهم صاغرون.
والثالثة: النصر على الكفار وما فيه من عزةٍ وعلو للمؤمن على أمم الكفر التي طالما تطاولت ونكّلت بالمؤمنين.
الرابعة: شفاء صدور المؤمنين من أعدائهم الذين ساموهم سوء العذاب، فترى الأخت التي انتُهِك عِرضُها من فعلوا هذه الفعلة وهم يلقون جزاءهم على يد عباد الله الموحدين، وترى الأمُّ التي قتل ولدها وإخوانها يثأرون لها ممن أشعل صدرها غيظاً، وترى ذلك الجاني ودمه يسفك جزاءً وفاقًا على سوء فعله فيذهب بذلك ما في قلوب المؤمنين من الغيظ فتكون بذلك الفضيلة الخامسة.
السادسة: أن يمتنّ الله على من يشاء بالتوبة والأوبة إليه والهداية، إما ارتداعًا عن كفرهم وغيّهم، وإما مهابةً للحق وأهله بعد أن أعزهم الله بالجهاد والقتال، فتحصل بالجهاد ثمرة جليلة بالهداية لأقوام لولا الله ثم الجهاد لما ارعووا ولا انزجروا عما هم فيه من ضلال، وأقوام طالما ازدروا أهل الحق لضعفهم وقلتهم فما إن يروا شدة المجاهدين في القتال وتنكيلهم في العدو حتى يهابوهم ويطلبوا الانضواء تحت رايتهم.
ويختم الله ذلك بقوله الذي يؤذن بكمال علمه وحكمته فتقطع هذه الخاتمة البديعة لسان كل مخذل خوار فمن اعترض على القتال بعد ذلك فهو مدع أنه أعلم من الله وأحكم في عباده، {وَاللهُ عَلِيْمٌ حَكِيْمٌ}.
فمن المؤمن القتال، ومن الله التعذيب للكفار والنصر على الأعداء وشفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب والهداية لمن يشاء، فله الحمد أولاً وآخرًا.
التاسعة: أن الجهاد يذهب الله به الهم والغم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى فإنه باب من أبواب الجنة يُذهب الله به الهم والغم) [رواه أحمد]، لقد كثرت في هذا الزمان الهموم والغموم حتى امتلأت العيادات النفسية بالزائرين والمرضى يبحثون عن حل لما يعانونه من الأمراض النفسية وليس ما بهم بسبب قلة مال أو عرض من الدنيا بل تجد أكثرهم من أصحاب الأموال وهم في هذه الغمرات يبحثون عمن يخرجهم من شقائهم وتعاستهم ولا يعلمون أن الحل بأيديهم وهو بامتثال ما أمر الله به من الجهاد في سبيل الله.
واسأل المجاهدين من أجل إعلاء كلمة الله ولن تجدهم إلا في صفوف دولة الإسلام -أعزها الله - سلهم عن حالهم هل يجدون همًا أو غمًا؟ هل يحتاجون إلى الأقراص المنومة لكي يناموا؟ فإن الإجابة ستكون بالنفي، بل سيقولون لك منذ أول قدم وضعناها في أرض الجهاد نسينا الهم والغم وأحسسنا من السعادة النفسية والراحة ما عوضنا عن كل ما فقدناه وخلّفناه وراء ظهورنا هذا مع ما يعيشه المجاهد من القتال والملاحقة والحصار والإصابات وغيرها من الآلام ومع ذلك تجد المجاهد منشرح الصدر مرتاح البال مطمئن النفس، مما جعل حال المجاهد هذا يصيب أعداء الله بالحيرة والاندهاش مما يرونه أمام أعينهم ولم يقرؤوا عنه في كتاب ولم يسمعوا عنه فالحمد لله الذي بلّغ المجاهدين هذه المنزلة التي قال عنها الإمام المجاهد المبارك عبد الله بن المبارك "لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف".
وختامًا: أقول لك ما قاله الإمام المجاهد ابن النحاس رحمه الله: "فتيقظ لنفسك يا هذا قبل الهلاك وأطلق نفسك من أسرها قبل أن يعسر الفكاك وانهض على قدم التوفيق والسعادة عسى الله أن يرزقك من فضله الشهادة ولا يقعدك عن هذا الثواب سبب من الأسباب فذو الحزم السديد من جرد العزم الشديد وذو الرأي المصيب من كان له في الجهاد نصيب ومن أخلد إلى الكسل وغره الأمل زلت منه القدم وندم حيث لا ينفع الندم وقرع السن على ما فرط وفات إذا شاهد الشهداء في أعالي الغرفات".
والحمد لله رب العالمين
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 150
الخميس 24 محرم 1440 هـ