أيها المسلمون تمر علينا أيام من أيام الله التي يميز فيها سبحانه الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، ...

منذ 2025-10-04
أيها المسلمون تمر علينا أيام من أيام الله التي يميز فيها سبحانه الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب، والدعي وصاحب الدعوى، ولا زال أبناء الإسلام بفضل الله ومنه في دولة الخلافة يقفون موقف الثبات متوكلين على ربهم متجردين من حولهم وقوتهم في وجه أحلاف الكفر من صليبيين ويهود وملاحدة ومرتدين ومجوس، وقد كسروا أجفان سيوفهم وأسرجوا خيولهم، وكمنوا لأعدائهم وقعدوا لهم كل مرصد، فما أصغوا للائم جبان أعياه شظف العيش ووعورة الطريق وشدة الأهوال، وما تخلوا عن نهج ارتضوه طاعة لله سلكوه، وهم على يقين أن هذا الأمر دونه سيل من الدماء، وتكالب الأعداء، وعظيم البلاء من أسر وكسر وبتر، وعاقبته الفتح والتمكين بإذن الله لعباده الموحدين المتقين، قال ربنا الحكيم الخبير سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. وأخبرنا سبحانه أن التمحيص كائن لا محالة فقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]، وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] وقال عز شأنه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] وقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31]، قال الإمام الطبري في تأويل هذه الآية: ولنبلونكم أيها المؤمنون بالقتل وجهاد أعداء الله حتى نعلم المجاهدين منكم يقول: حتى يعلم حزبي وأوليائي أهل الجهاد في الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه فيظهر ذلك لهم ويعرف ذوو البصائر منكم في دينه من ذوي الشك والحيرة فيه وأهل الإيمان من أهل النفاق ونبلو أخباركم فنعرف الصادق منكم من الكاذب. انتهى كلامه رحمه الله.

وإن ميزان النصر أو الهزيمة عند المجاهدين أهل الإيمان والتقوى ليس مرهونا بمدينة أو بلدة سلبت، وليس خاضعا لما يملكه المخلوقون من تفوق جوي أو صواريخ عابرة أو قنابل ذكية، ولا لكثرة الأتباع والأشياع، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وينصر من يشاء، وما من شيء إلا وربنا آخذ بناصيته، وما أكثر الناس ولو حرص كل مؤمن مجاهد مبلغ بمؤمنين، بل إن كفتي هذا الميزان خاضعة لما يملكه العبد من يقين بوعد ربه، وثبات على توحيده وإيمانه وإرادته الحقة في قتال أعداء الدين، وعدم النكوص أو النكول عن ذلك، فبهذا يزن أهل الإيمان تقلب الأحوال، فمتى تخلوا عن دينهم وصبرهم وجهاد عدوهم ويقينهم بوعد خالقهم هزموا وذلوا، ومتى تمسكوا به عزوا وانتصروا ولو بعد حين، فإن العاقبة للمتقين، فلا سبيل لإعزاز هذا الدين بعد توحيد الله والإيمان به إلا بالقتال وحب الاستشهاد في سبيله، ومراغمة أعدائه من الكفرة المجرمين في كل موطن، فبذلك يقام الدين وتنصر الملة، فربنا الحكيم الخبير سبحانه يمن على عباده المؤمنين بالنصر أحيانا، ويبتليهم أحيانا أخرى، فيحرمهم من هذه النعمة، ويذيقهم طعم الابتلاء لحكم يقدرها ويعلمها، وقد عد ابن القيم رحمه الله نبذا من هذه الحكم فقال:

منها: أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر وطار لهم الصيت دخل معهم في الإسلام ظاهرا من ليس معهم فيه باطنا فاقتضت حكمة الله عز وجل أن سبب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة -يعني أحد- وتكلموا بما كانوا يكتمونه وعاد تلويحهم تصريحا وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساما ظاهرا وعرف المؤمنون أن لهم عدوا في نفس دورهم، وهو معهم لا يفارقونهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم.

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً