المسارعة في الخيرات إنها طريقة الأصفياء الأخيار ودأب الأتقياء الأطهار وصفة محبوبة إلى الواحد ...

منذ 2025-10-04
المسارعة في الخيرات


إنها طريقة الأصفياء الأخيار ودأب الأتقياء الأطهار وصفة محبوبة إلى الواحد القهار أَثْنَى بها عَلَى عباده الصالحين، فقال سبحانه وتعالى:{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }[الأنبياء:90].

وقد قص الله سبحانه وتعالى لنا في كتابه المبين عن عباده الصالحين وكيف أنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويأخذون أوامر ربهم سبحانه للتطبيق ولا يعرضونها على العقول والأذواق والفهم العميق ولا يردونها لأجل قول بلعام فسيق وهذه حقيقة العبودية وحقيقة الاستسلام لله رب العالمين.

ومن ذلك قصة كليم الله موسى عليه الصلاة والسلام فقد كان صلى الله عليه وسلم سريع الاستجابة لأمر ربه سبحانه وتعالى فعندما أمره الله سبحانه وتعالى بإلقاء العصا التي كان يحتاجها لبى سريعا دون تردد قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّؤُاْ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}[طه:20-17] وبعد أن صارت حية تسعى أمره بأخذها بدون خوف فاستجاب سريعا لأمر الله، وكذلك عندما اجتمع بفرعون وزبانيته أمره الله بقوله: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]فاستجاب سريعا كما قال الله تعالى:{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَْ} [الشعراء:45]وهذه الاستجابة السريعة سبب في قوة الإيمان والثبات فعندما ألقى العصا وصارت حية ولى مدبرا بينما تغير الأمر عندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم فلم يفر بل أوجس في نفسه خيفة فقط بينما قال في كل ثبات عندما أدركهم فرعون وجنوده قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وهكذا كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ففي الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ، إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الكَعْبَةِ» هكذا وهم في صلاتهم، إنها الاستجابة السريعة لأمر الله سبحانه وتعالى وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بدون تردد ولا تفكير وبلا تأمل ولا تأخير.

وفي الصحيحين أيضا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الفَضِيخَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلاَ إِنَّ الخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ» قَالَ: فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ: اخْرُجْ، فَأَهْرِقْهَا، فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا، فَجَرَتْ فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ بَعْضُ القَوْمِ: قَدْ قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] الآيَةَ.

وفي رواية لمسلم:" فَمَا رَاجَعُوهَا، وَلَا سَأَلُوا عَنْهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ".

نعم أخي في الله تطبيق سريع لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وانتهاء سريع عما نهى الله عنه بل عدم السؤال عن ذلك المنهي عنه وهنا يعلم السر في المكانة المرموقة العالية والمنزلة المرفوعة السامية التي وصل إليها ذلك الجيل الفريد رضوان الله عليهم، ولا عجب فقد خالط التوحيد شغاف قلوبهم وسارت العقيدة في عروقهم فكما أن الاستجابة السريعة سبب في قوة الإيمان فإن الإيمان ينتج عنه تلك الاستجابة السريعة للأوامر، وهكذا فكلما حصل من العبد استجابة للأوامر زاد إيمانه وكلما زاد إيمانه حسنت أعماله واستجابته لأمر ربه.

وليس ذلك بمقتصر على الصحابة الكرام رضوان الله عليهم بل كل من سار على نهجهم واقتفى أثرهم نال ما نالوه ووصل إلى ما وصلوا إليه وليس الأمر بالتمني ولا بالتحلي وإنما هو الجد والاجتهاد والصبر والمصابرة.
وكما قيل:

دببت للمجد والساعون قد بلغوا
جُهد النفوس وألقوا دونه الأُزرا
وكابدوا المجد حتى ملَّ أكثرُهُم
وعانق المجد من أوفى ومن صبرا
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تَلْعَقَ الصَبِرَا

وقد ندب الله عباده إلى المسارعة والمسابقة في الخيرات في أكثر من آية فقال:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وهي طاعة الله واتباع شرعه، الذي جعله ناسخا لما قبله، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله. كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية.

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 3

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً