بقلم فضيلة الشيخ : أبو أحمد بسم الله الرحمن الرحيم مناقشة في معضلة الشر ( صخرة الإلحاد ) تعد ...

منذ 2025-10-17
بقلم فضيلة الشيخ : أبو أحمد

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقشة في معضلة الشر ( صخرة الإلحاد )
تعد "معضلة الشر" من أبرز الشبهات التي يثيرها الملاحدة، بل يسميها بعضهم "صخرة الإلحاد" وهي شبهة قديمة في جوهرها، وإن اختلفت صياغتها عبر العصور. ومفادها:
"الله سبحانه و تعالى كامل القدرة، وكامل الرحمة، وكامل العدل، فلماذا يسمح بوجود الشر والظلم والمعاناة في العالم؟ "
وللجواب على هذه الشبهة لا بد من تفكيكها إلى عناصرها الأساسية، والنظر في المسألة من جوانب متعددة: العقلي، والشرعي، والواقعي، والنفسي.
________________________________________
نجيب علي هذه المعضلة من ثلاثة أوجه :
الأول: إنكار عدل الله لا يغير من حقيقة ربوبيته
إن إنكار الإنسان لعدالة الله سبحانه وتعالى لا يؤثر في حقيقة كونه الخالق المدبر، العالم بغاية خلقه. فهو الذي خلق الإنسان لحكمة، وأمره ونهاه، وسيجازيه إن خالف أمره، سواء رضي الإنسان بحكمه أو سخط، أحب ذلك أو كرهه. قال تعالى:
{لَا يسأَل عَمَا يَفعَل وَهم يسأَلونَ} [الأنبياء: 23].
________________________________________
الثاني: فساد الاحتجاج بالعقل النسبي في ميزان العدل
العقل البشري ليس معيارًا مطلقًا للعدل، بل هو معيار نسبي تتغير أحكامه بتغير العمر، والجنس، والزمان، والمكان، والثقافة.
فما يعد عدلاً في زمان قد يعد ظلمًا في آخر، وما يعَد صوابًا في ثقافة قد يعَد خطأ في أخرى. وبذلك لا يصح اتخاذ هذا الميزان المتغير للحكم على عدل الله المطلق، الذي لا يعتريه النقص ولا التبدل.
________________________________________
الثالث: وجها النظر في مسألة الشر
لوقائع الشر في الحياة وجهان رئيسان:
وجه الناظرين (المتأملين)
وهم من يشاهدون المصيبة من الخارج.
فهؤلاء ينقسمون إلى فريقين:
• فريق خاشع رحيم، يخضع لحكمة الله، ويتعظ بما يرى.
• وفريق ساخط معاند، يعترض ويشكك في رحمة الله وعدله.
________________________________________
وجه المبتلى (من وقع عليه الشر)
وهو المصاب نفسه، وله حالتان:
أ. المؤمن
المؤمن إذا ابتلي تلقى البلاء برضا وتسليم، فصار البلاء في حقه رحمة ورفعة. فعن صهيب الرومي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ، إن أمرَه كلَه له خيرٌ، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ؛ إن أصابته سرَاء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَاء صبر، فكان خيرًا له» رواه مسلم (حديث رقم 2999)
و قال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :«ومن يتصبَر يصبِره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر»
متفق عليه : صحيح البخاري (حديث رقم 1469)، وصحيح مسلم (1053).
و عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» رواه الترمذي (2396)، وقال: حسن غريب
فالمؤمن إذا صبر ورضي، أعانه الله، وملأ قلبه طمأنينة. ونحن نرى الشيخ الكبير يعاني المرض، ومع ذلك ترى الرضا في عينيه، وكأن البلاء مرفوع عن قلبه وإن أحس بالألم و نرى من يفقد ابنه الصغير فيقول: «الحمد لله»، يعيش المصيبة لكنه يسلم لأمر الله.
قال يعقوب عليه السلام:
{بَل سَوَلَت لَكم أَنفسكم أَمرًا فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللَه المستَعَان عَلَى مَا تَصِفونَ} [يوسف: 18].
و عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاة ابنه إبراهيم قال :
«إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفِراقك يا إبراهيم لمحزونون» متفق عليه : صحيح البخاري (حديث رقم 1303)، وصحيح مسلم (2315).
ومن رحمته سبحانه أنه يلطف بعباده في المصائب، فيخفف الألم أو يرفعه، إما ابتداءً أو بلطفه المباشر، كما قال تعالى:
{قلنَا يَا نَار كونِي بَردًا وَسَلَامًا عَلَى إِبرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]
وقال في قصة يوسف:
{وَأَوحَينَا إِلَيهِ لَتنَبِئَنَهم بِأَمرِهِم هَذَا وَهم لَا يَشعرونَ} [يوسف: 15]
وقال في قصة أم موسى:
{وَأَوحَينَا إِلَى أمِ موسَى أَن أَرضِعِيهِ فَإِذَا خِفتِ عَلَيهِ فَأَلقِيهِ فِي اليَمِ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحزَنِي إِنَا رَادوه إِلَيكِ وَجَاعِلوه مِنَ المرسَلِينَ} [القصص: 7].
ومن أوضح صور اللطف الإلهي ما ورد في حق الشهيد، قال المقداد بن معدي كرب قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «للشهيدِ عندَ اللهِ ست خصالٍ: يغفر له في أولِ دفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنةِ، ويجار من عذابِ القبرِ، ويأمن من الفزعِ الأكبرِ، ويحلَى حلَةَ الإيمانِ، ويزوَج من الحورِ العينِ، ويشفَع في سبعين إنسانًا من أقاربِه » رواه الترمذي (1663)، وقال: حسن صحيح
و عن أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : «ما يجد الشهيد من مسِ القتلِ إلا كما يجد أحدكم من مسِ القرصةِ » رواه الترمذي (1668)، وقال: حسن صحيح .
بل إن بعض المؤمنين يحزنون إذا زال عنهم مرض أو ألم، لما كانوا يجدون فيه من تكفير للذنوب ورفعة للدرجات، فيرون في البلاء بابًا من أبواب الخير.
________________________________________
أما غير المؤمن
أما غير المؤمن، فلا ينال هذا اللطف، ولا يعان على الصبر، فتكون المصيبة عليه عذابًا خالصًا أو تمحيصًا بلا أجر، ويغلب عليه الجزع والسخط و يكون هذا عاجل عذابه و بعضاً من جزائه و عقابه.
________________________________________
الخلاصة
الاحتجاج على عدل الله بالعقل النسبي باطل، وفهم الشر لا يتم إلا من خلال الإيمان بحكمة الله ولطفه. فالمؤمن تنقلب في حقه المصائب إلى أبواب رحمة ورفع درجات، بينما تكون على غيره محض بلاء قد يجر إلى السخط و ربما الخروج من الملة.

68eba7bf13850

  • 0
  • 0
  • 46

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً