قصة كسرى والفلاح (درس مسجد). يُروى أن كسرى، ملك الفرس، خرج يومًا في موكبٍ مهيب، تحفّه الجيوش ...

منذ 2025-10-22
قصة كسرى والفلاح (درس مسجد).

يُروى أن كسرى، ملك الفرس، خرج يومًا في موكبٍ مهيب، تحفّه الجيوش والوزراء والحرس، متبخترًا بعظمته وكبريائه، حتى مرّ على فلاحٍ بسيط يحرث أرضه بثوبه المرقّع، وعلى وجهه سكينة المؤمنين.

فنظر كسرى إليه متعجبًا وقال:
– يا هذا، أما ترى من أنا؟ أنا كسرى، ملك الملوك، عندي من الجند والمال ما ترى!
فرفع الفلاح رأسه وقال بهدوء:
– وأنا عبدٌ من عبيد الله، أزرع أرضه، وآكل من رزقه، وأعيش بقدره، وأموت بأجله.

فقال كسرى مغتاظًا:
– ألا تهاب ملك الملوك؟
فقال الفلاح:
– إن كنت تملك كما تقول، فهل تملك أن تُميت من أحببت وتُحيي من شئت؟
فقال كسرى: لا.
قال الفلاح:
– فليس المُلْكُ لك، إنما الملك لمن يقدر على ذلك، وهو الله رب العالمين.

فسكت كسرى هنيهة، ثم قال:
– ما أغناك عني!
قال الفلاح مبتسمًا:
– أغناني من أغناك، وأطعمني من أطعمك، هو الله الذي رزقنا جميعًا.

فتأثر كسرى بكلامه، وقال لحاشيته:

"والله، لولا الهيبة ما رأيت على الأرض من هو أعظم مني غير هذا الفلاح."

فوائد القصة:

1. إثبات عظمة الله وحده:
المُلْك الحقيقي لله تعالى، فهو الذي يُحيي ويُميت، ويُعزّ ويُذلّ، وما سواه عبيد فقراء إليه.
قال تعالى:

﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الملك: ١].




2. الزهد في الدنيا وعدم الاغترار بالمنصب والمال:
فالفلاح لم تُغره هيبة كسرى ولا موكبه، لأنه علم أن الدنيا زائلة، والآخرة باقية.


3. القناعة غنى:
الفلاح مع فقره كان أغنى من كسرى بروحه وطمأنينته، لأن الغنى الحقيقي غنى النفس.
قال ﷺ:

«ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» (رواه البخاري).


4. هيبة الإيمان تفوق كل هيبة
كلمة الفلاح هزّت قلب كسرى، لأن قوة الإيمان أعمق من سلطان الدنيا.


5. التوحيد يورث العزة:
من عرف أن الله وحده المالك، لم يَخَف من أحد، ولم يُذلّ لمخلوق.
قال تعالى:

﴿وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ﴾ [الحج: ١٨].


6. الحكمة قد تكون في أفواه البسطاء:
فالفلاح الأميّ أبكم الملوك بحكمته وصدق إيمانه، لا بعلمه الواسع ولا بجاهه.


7. الدنيا دار ابتلاء، لا دار كمال:
فالغني يُبتلى بماله وسلطانه، والفقير يُبتلى بصبره وزهده، وكلاهما يُحاسب.


8. تواضع الحق أمام الحقيقة:
حين اعترف كسرى بعظمة الفلاح، دلّ ذلك على أن القلب إذا أُصيب بنور الحق خضع له ولو كان في أعتى الطغاة.

68c92c3c93122

  • 0
  • 0
  • 52

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً