وأما الفريق الثاني فقد جعل ما يصيب كل عبد في دنياه دليلا على صحة أقواله وأفعاله أو بطلانها، فتراه ...
منذ 2025-10-25
                                            
  وأما الفريق الثاني فقد جعل ما يصيب كل عبد في دنياه دليلا على صحة أقواله وأفعاله أو بطلانها، فتراه يحكم على نفسه وغيره بناء على ما يصيبهم، اتباعا لمنهج المشركين الذين وصف الله تعالى حالهم بقوله : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11]، فحال هؤلاء أنهم إن أصابهم شيء من خير الدنيا قالوا نعم الدين ما نحن عليه، وإن أصابهم عذاب في الدنيا قالوا بئس ما نحن عليه..
 
وهذا كان حال المشركين في بدر لما أعجبتهم كثرتهم وقلة المسلمين طلبوا من الله تعالى أن يجعل نتيجة المعركة فيصلا في إثبات أنهم أهل الحق وأن محمدا عليه الصلاة والسلام على الباطل، فأخبر تعالى أنه أجاب دعاءهم ونصر أهل الحق، وجعل هذه الحالة الخاصة دليلا على حكمه فيها، ولم يجعل انتصار المشركين في أحد دليلا على غضبه على المؤمنين، بل بيّن أن ما أصابهم بمعصيتهم أميرهم وإرادة بعضهم الدنيا قد رفع به درجات المؤمنين وفضح به المنافقين.
 
• مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
 
ولو طلبنا من الفريقين أن يعمّموا أصلهم الفاسد الذي يبنون عليه اليوم أحكامهم الجائرة على كل من ابتلاه الله بمصيبة في الدنيا بل وأهلكهم عن بكرة أبيهم من الناس لتوقفوا وأحجموا دون ذلك، لأن في قولهم هذا الكفر البواح، لما فيه من تكذيب له سبحانه وتعالى في إخباره برضاه عن بعضهم، وهم الأنبياء والصالحون وأتباعهم الذين تسلط عليهم الكفرة والمشركون واستضعفوهم بل وقتلوهم واستأصلوهم، كما حدث مع يحيى وزكريا عليهما السلام وكثير من أنبياء بني إسرائيل، وأصحاب الأخدود وغيرهم من الصالحين الذين ثبتوا على دينهم حتى لقوا الله تعالى وهو راض عنهم.
 
والمحصلة من ذلك، أن العبد المسلم يعلم أن كل ما يصيبه أو سواه هو بقدر الله الحكيم، ولكنه لا يعلم مراد الله تعالى من هذا القدر إلا ما أخبر به سبحانه، كما في ذكره لقصص الأمم السالفة التي سلط عليها عذابه، كعاد وثمود وقوم نوح وقوم شعيب والظالمون من بني إسرائيل، وإن كان مؤمنا أن العبد الصالح مستحق للثواب من الله تعالى في الدنيا والآخرة، والعبد الظالم مستحق للعذاب في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وخاصة إن كان العبد المبتلى بالخير أو بالشر من أهل الإيمان، فإنه وكما لا يجوز الحكم على أحد من المسلمين بجنة أو بنار إلا من ثبت له ذلك بخبر من وحي، فكذلك لا يجوز الحكم على أحد منهم بأنه مغضوب عليه من الله أو مرضي عنه منه سبحانه، إلا من ثبت له ذلك بدليل صحيح، ونسأله تعالى أن يجعلنا من أهل رضوانه وأن يعيذنا من غضبه وسخطه.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 168
الخميس 2 جمادى الآخرة 1440 هـ
                    
                    
                                            
                    
                                            
                        
                        
                                        
                وهذا كان حال المشركين في بدر لما أعجبتهم كثرتهم وقلة المسلمين طلبوا من الله تعالى أن يجعل نتيجة المعركة فيصلا في إثبات أنهم أهل الحق وأن محمدا عليه الصلاة والسلام على الباطل، فأخبر تعالى أنه أجاب دعاءهم ونصر أهل الحق، وجعل هذه الحالة الخاصة دليلا على حكمه فيها، ولم يجعل انتصار المشركين في أحد دليلا على غضبه على المؤمنين، بل بيّن أن ما أصابهم بمعصيتهم أميرهم وإرادة بعضهم الدنيا قد رفع به درجات المؤمنين وفضح به المنافقين.
• مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
ولو طلبنا من الفريقين أن يعمّموا أصلهم الفاسد الذي يبنون عليه اليوم أحكامهم الجائرة على كل من ابتلاه الله بمصيبة في الدنيا بل وأهلكهم عن بكرة أبيهم من الناس لتوقفوا وأحجموا دون ذلك، لأن في قولهم هذا الكفر البواح، لما فيه من تكذيب له سبحانه وتعالى في إخباره برضاه عن بعضهم، وهم الأنبياء والصالحون وأتباعهم الذين تسلط عليهم الكفرة والمشركون واستضعفوهم بل وقتلوهم واستأصلوهم، كما حدث مع يحيى وزكريا عليهما السلام وكثير من أنبياء بني إسرائيل، وأصحاب الأخدود وغيرهم من الصالحين الذين ثبتوا على دينهم حتى لقوا الله تعالى وهو راض عنهم.
والمحصلة من ذلك، أن العبد المسلم يعلم أن كل ما يصيبه أو سواه هو بقدر الله الحكيم، ولكنه لا يعلم مراد الله تعالى من هذا القدر إلا ما أخبر به سبحانه، كما في ذكره لقصص الأمم السالفة التي سلط عليها عذابه، كعاد وثمود وقوم نوح وقوم شعيب والظالمون من بني إسرائيل، وإن كان مؤمنا أن العبد الصالح مستحق للثواب من الله تعالى في الدنيا والآخرة، والعبد الظالم مستحق للعذاب في الدنيا والآخرة، وأن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وخاصة إن كان العبد المبتلى بالخير أو بالشر من أهل الإيمان، فإنه وكما لا يجوز الحكم على أحد من المسلمين بجنة أو بنار إلا من ثبت له ذلك بخبر من وحي، فكذلك لا يجوز الحكم على أحد منهم بأنه مغضوب عليه من الله أو مرضي عنه منه سبحانه، إلا من ثبت له ذلك بدليل صحيح، ونسأله تعالى أن يجعلنا من أهل رضوانه وأن يعيذنا من غضبه وسخطه.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 168
الخميس 2 جمادى الآخرة 1440 هـ