الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 518 الافتتاحية: • (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا ...

منذ 2025-10-30
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 518
الافتتاحية:

• (سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُون)


قد يتطرق اليأس لبعض النفوس الضعيفة حين ترى تتابُع النكبات بأمة الإسلام، وتداعي الأمم الكافرة عليها كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فتهتز ثقة هذه النفوس بوعد ربها! وكأنه تعالى لم يجعل لمهلكهم موعدا.

والعبد مأمور باليقين أنّ هذه الأحداث المؤلمة، إنما هي أقدار العدل سبحانه، وأنّ وقوعها سنة كونية جارية فيها من الحِكم العظيمة ما لا يحيط بها إلا مُجريها، وفيها من المكاسب ما لا يتحقق إلا بها، بل وعليها تترتب غايات وأحكام ومآلات يظهرها الله عقب وقوعها، لذا اقتضت حكمة الله أن تقع ولو كرهتها النفوس، وما الدنيا بجميع محطاتها إلا دار اختبار وتمحيص للعبد من حياته وحتى مماته، لقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.

وإن كان الأمر كذلك؛ فالمؤمن لا ينفك عن عبوديته لله تعالى في جميع أحواله، في حال قوته أو ضعفه، في سرائه أو ضرائه، وقد حكى الله لنا حال الأنبياء وكيف كان تعبّدهم لله على تقلُّب أحوالهم عسرا ويسرا، شدة ورخاء، فما من نبي إلا وقد ابتُلي -وأتباعه- بتسلُّط الكافرين وطغيانهم؛ فكانت عبادتهم لله في تلك المرحلة؛ الصبر واليقين والتسليم لأمر الله، والتضحية لدينه، والتبشير بحتمية فرجه ونصره لعباده، والتراحم والتواصي بالصبر على سبيله، والترغيب بما أعده المولى لأهل طاعته، والترهيب من وعيده تعالى لأهل معصيته.

وإذا أدرك المؤمن أن المحنة مرحلة حتمية في طريق التوحيد؛ كان حريا به أن يوطّن نفسه لاستقبال هذا القدر الإلهي بما يليق به، ليخرج منه على أتم إيمان وأكمل يقين، وأن يربّي نفسه خلاله على أعلى المراتب في الإيمان والتسليم والعبادة والأخلاق والأخوة والإيثار والبذل، وغير ذلك مما علّمه النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه حال اشتداد المحنة، فلا تمر عليه إلا وقد فقه عن الله مراده من الابتلاء، وحكمته مما كتبه عليه من الشدة واللأواء، فلا أحد حينئذ أحسن ظنا بالله منه، ولا أحد أشد تمسكا بالتوحيد منه، ولا أصلب على المصائب وأشد تحملا للمصاعب منه، وتلك كلها كنوز حظي بها وثمرات قطفها في ظلال الشدة والمحنة فانقلبت منحة، فتأمل.

بهذا يُصيّر المؤمن محنته منحة؛ بحسن اتّباعه وتسليمه لأقدار ربه، وحرصه على ألا يخرج منها إلا فائزا حائزا أجور الصابرين الموقنين، ولا شك أن هذه الفضيلة الإيمانية تشتد الحاجة إليها في بيئة الجهاد أكثر من غيرها، لأنه لا قيام للجهاد إلا بها، والمجاهد له من الابتلاء والمحنة قدر كبير لأنه على درب الأنبياء مسيره، وعلى منهاج خاتمهم -صلى الله عليه وسلم- مستقره ومقيله، وهو في الذروة يذود عن المسلمين ويحمي حماهم ويصد عادية الأمم عنهم، فمحنته على قدر همته، وتمحيصه على قدر مهمته، وأجره على قدر مشقته.

ومهما اشتدت المحن وتوالت الخطوب، فالواجب على المسلم، ألا يحمله ذلك على استبطاء الفرج والنصر من خالقه ومالكه، وألا يسري لقلبه سوء الظن بمدبّر أمره، وليعلم أن للأمور ميقاتا عند رب العباد، وأجلا محتوما إذا جاء لن يتقدم ولن يتأخر، وله -جل جلاله- الحكمة البالغة في تحديد موعد إهلاك الكافرين كما قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}، قال القرطبي: "أي لهلاكهم وعذابهم وقت معلوم في علمه سبحانه، إذا جاء وقت انقضاء أجلهم، لا يمكنهم أن يستأخروا ساعة باقين في الدنيا، ولا يتقدمون فيؤخرون". أهـ، سواء كان هذا بعذاب من عند الله بالكلّية، أو بعذاب يجريه على أيدي عباده، أو بهذا وذلك، فالله هو مدبّر الأمور ومصرّفها.

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 4

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً