ويستدلّ بهذه القصّة وغيرها على مشروعية التظاهر بالقوّة أمام العدو، ولو كان من غير داعٍ شرعي آخر، بل ...

منذ 2025-10-30
ويستدلّ بهذه القصّة وغيرها على مشروعية التظاهر بالقوّة أمام العدو، ولو كان من غير داعٍ شرعي آخر، بل ولو كان ذلك خلافا لحقيقة ما عليه المسلمون من ضعف، وما كان مكروها أو محرّما في هذا الباب أصلا قد يصبح مندوبا أو واجبا إليه في حال القتال، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: (الخيلاء التي يحب الله اختيال الرّجل في القتال، واختياله في الصّدقة، والخيلاء التي يبغض الله الخيلاء في البغي أو قال: في الفخر) [رواه أحمد].

وحكى ابن حجر العسقلاني رحمه الله اتفاق فقهاء الإسلام على جواز صبغ الشعر بالسواد للمجاهد في الحرب [فتح الباري]، حتّى من رأى منهم حرمة ذلك لنفسه لنص الحديث، أو لغيره كمشابهة أهل الكتاب، أو مخادعة الخاطب والمخطوبة والمشتري للعبد أو الأمة، وذلك لإخفاء مشيب المجاهدين وهو مظهر ضعف، وخداع الأعداء بأن لا يروا أمامهم إلا شبابا أقوياء تُخشى فتوّتهم وترهب صلابتهم في القتال، فيضعفوا عن قتالهم، وقد قال عليه الصّلاة والسّلام: (الحَرْبُ خَدْعَةٌ) [متفق عليه].


• ألا تُجيبوا له

وكان من سنّة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، إغاظة الكفّار بإظهار صلابة إيمانهم بالله عزّ وجلّ ورسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وقوّة ثباتهم عليه، وعدم مبالاتهم بما يلقونه من العذاب في سبيل ذلك على أيدي المشركين.
فهذا خبيب بني عدي رضي الله تعالى عنه لما حضره القتل صلّى ركعتين ولم يطل فيهما راغبا عن ثواب الصلاة النافلة إلى ما هو أعظم منه وهو إظهار قوّة المسلم، وإغاظة أعداء الله تعالى بذلك، فقال: (لولا أن تروا ما بي جزعا من الموت لزدت) [رواه أحمد]، فكانت هذه العبادة من آخر ما تقرّب به ذلك العبد الصالح إلى باريه ذي الجلال والإكرام، ونسأل الله تعالى أن يجعل كلّ صلاة يصليها مسلم قبل القتل في ميزان حسناته، قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: "وكان أول من سن الركعتين عند القتل هو".

بل أمر النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أصحابه أن يصدعوا بقوّة الإسلام وعلوه، وهم في أشدّ حالات البلاء، وقد عظمت فيهم الجراح، وكثر فيهم القتل، وهم مختبؤون يخافون أن يجهز عليهم عدوّهم، كما حدث في غزوة أحد.

فقد كان أبو سفيان جعل يستفز الصحابة رضوان الله عليهم بعد المعركة يقول: " أعل هبل، أعل هبل، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ألا تجيبوا له)، قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: (قولوا: الله أعلى وأجلّ)، قال: إنّ لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (ألا تجيبوا له؟)، قال: قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قَالَ: (قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم)" [رواه البخاري].

وعلى كل مسلم مجاهد في سبيل الله تعالى، وكل مهاجرة صابرة على بلاء الله، قابضين على جمر دينهم بأياديهم، عاضين على أصل إيمانهم بنواجذهم، معتصمين بجماعة المسلمين، أن يسعوا في إغاظة الكفّار بكلّ مظهر من مظاهر القوّة والصّبر والثبّات، فأروا الله تعالى من أنفسكم ما يحبّ، وأروا المسلمين منكم ما يحبون، وأروا الكفّار منكم ما يكرهون، ولن يصيبنا وإيّاكم إلّا ما كتب الله ربّ العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 172
الخميس 30 جمادى الآخرة 1440 هـ

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً