في هذه الأثناء، وبينما أطالع عن كثب كلّ ما يحدث، جاءتني أمّي لتقول لي: يا بنيّ متى نهاجر إلى ...

منذ 2025-11-02
في هذه الأثناء، وبينما أطالع عن كثب كلّ ما يحدث، جاءتني أمّي لتقول لي:

يا بنيّ متى نهاجر إلى الدّولة الإسلاميّة، فلا أريد الموت في أرض الكفر.

لقد فاجأتني رغبتها، فامرأة مثلها كبيرة في السّنّ، ومريضة تتوقُ نفسُها لكي تعيش ما بقي من عمرها في دار الإسلام، متحمّلة في سبيل تلك الغاية كلّ مخاطر الهجرة، بينما يهربُ شبابُ المسلمين من أرض الإسلام ليقدّموا أنفسَهم طعاماً للأسماك في أعماق البحار قبل أن يصلوا إلى بلادِ الكفّار...

قلتُ في نفسي: كيف يحدث هذا؟ فأمّي هذه المرأة، عاشت أكثر عمرها نصرانيّة تدعو إليها بعصبيّة، وتكره الإسلام وأهله، وما إِن أسلمت حتّى صار العيش بين المسلمين تحتَ ظلّ شريعةِ الإسلامِ أسمى غايتها.

لقد كانَ لها من العمر "63" سنة، وهي مصابة بمرض تشمّع الكبد، وكانت تشعرُ بالألم في رجليها، ومع أنّها كانت تسمعُ أنّ طريقَ الهجرةِ يتطلّب مشياً على الأقدام لمسافات طويلة، لم يُرهبها هذا، بل كانت تدعو الله تعالى، وتكثرُ البكاء، كلّ ذلكَ خوفا من أن يحول بينها وبينَ الهجرةِ إلى الدّولة الإسلاميّة حائل، فما إن سمعت بأنّ دولة قامت في العراق والشّام حتّى ما عاد يهدأ لها جفن من بكاء، حتّى صعب عليّ حال هذه المرأة المسكينة، فليسَ لها سؤال إلاَّ عن طريقِ الهجرة، فإن سمعت أنّ الطّريق أغلق بكَت، وإن سمعت أنّ الطّريق ميسّر استبشرت" انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

وهاجر تقبله الله هو وجميع أفراد أسرته، بما فيهم أمّه المريضة، الّتي كانت تتمنّى أن تختم حياتها في ديار الإسلام، وهو ما كان لها رحمها الله تعالى فيما بعد، وبعد صعوبات ومشاق كثيرة في الرّحلة مكّنه الله تعالى من دخول دار الإسلام والالتحاق بجنود الدّولة الإسلاميّة والجهاد في صفوفهم.

عمل أبو أنس تقبله الله تعالى أكثر فترة جهاده في إذاعة البيان مسؤولا عن تسجيل الدّروس والمحاضرات العلميّة، والعناية بالهندسة الصوتيّة، كما كان يقدّم النّصح والمساعدة لشقيقه أبي عثمان تقبله الله تعالى أحد كوادر مؤسسة أجناد، وعلى يديهما أنتجت الكثير من الأناشيد والمقاطع الصوتيّة التحريضيّة والدّعوية، مستفيدين من خبرتهما السّابقة في المجال والّتي استقياها من عملهما السّابق في مجال الموسيقى والمؤثّرات الصوتيّة، حيث كان أبو أنس مغنيا يرى نفسه يدعو من خلال أغانيه إلى الحقّ والعدالة، ويساعده أبو عثمان العامل معه في فرقته الموسيقيّة.

وخاض مع إخوانه الكثير من الغزوات دفاعاً عن ديار المسلمين وأصيب فيها مرّتين، كما فقد تقبله الله تعالى أفراداً من أسرته -نحسبهم من الشهداء والله تعالى حسيبهم- كان آخرهم في حياته ابنته الكبرى، الّتي قتلت في الباغوز، ولم يعش بعدها حياتاً طويلة إذ استهدفته طائرة صليبيّة فقتل تقبله الله تعالى، ولحق به شقيقه أبو عثمان بعد أيّام قليلة بنفس الطريقة، نسأل الله الكريم أن يتقبّل هجرتهم وجهادهم في سبيله سبحانه، وأن يرزقهم الفردوس الأعلى من الجنّة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 173
الخميس 7 رجب 1440 هـ

68715fd0aeabb

  • 1
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً