آمنّا بالله ربّ أصحاب الباغوز آمنت أمّةٌ من الأمم لموقفٍ شهدتْه، غلام ثبّته الله تعالى في ...
منذ 11 ساعة
آمنّا بالله ربّ أصحاب الباغوز
آمنت أمّةٌ من الأمم لموقفٍ شهدتْه، غلام ثبّته الله تعالى في موقف الموت، فقُتل وهو صابر على إيمانه، موقنٌ أنّه منقلب إلى ربٍّ كريم، فقالت تلك الأمّة من النّاس: "آمنّا بربّ الغلام.. آمنّا بربّ الغلام .. آمنّا بربّ الغلام" [رواه مسلم].
فلمّا أوقف الطّاغوت تلك الأمّة المؤمنة في موقف الغلام، وخيّرهم بين الرّجوع عن دينهم أو الحرق بنار الأخدود، ما كانوا بأضعف من إمامِهم الغلام، ولا أقل صبراً وثباتاً على دين الله تعالى، حتّى نطق فيهم الصبيّ يحذّر أمّه أن تتقاعس عن تفضيل عذاب الدّنيا على عذاب الآخرة: "اصبري يا أمّاه فإنّك على الحقّ" [رواه مسلم].
وكما جعل الله تعالى صبر الغلام على قضائه سبحانه سبباً في ثبات أمّة من المؤمنين من بعده، فإنّه جلّ جلاله قد جعل من صبر أصحاب الأخدود سبباً لثبات المسلمين إلى يوم القيامة.
ورغم أنّ الكريم المنّان قد خفّف على هذه الأمّة المباركة فرفع عنها الحرج فيما استُكرهت عليه من الإثم، إلّا أنّ الأجر العظيم الّذي ناله أصحاب الأخدود الّذين قال فيهم ربّهم تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } [البروج: 11] يدفع الأكْمليْن إيمانا إلى طلبه بالثبات على توحيدهم والصبر على الأذى فيه، ولو لاقوا ما لاقوه في سبيل ذلك.
وهكذا أمر ربّنا جلّ وعلا نبيَّه الكريم أن يقتدي بأسلافه الصّابرين الّذين بيّن له ثباتهم على الحقّ وصبرهم فيه رغم كلّ ما أصابهم على أيدي المشركين، كما في قوله سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وما زال أهل البلاء من المسلمين يجدون -على مدى الزّمان- السّلوى في قصص وأخبار الصّابرين من الأنبياء وأتباعهم السّابقين، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يرينا في كلّ زمان من أهل الإسلام نماذجَ فذّة في الصّبر والثّبات، تكون حجّة على المنهزمين من أبناء جيلهم، الّذين يحسبون قصصَ الهداة حكايا تروى ولا يُقتدى بأصحابها، لا عبرةً لمن يأتي مِن بعدِهم من القوم المؤمنين.
ولقد أرانا الله تعالى في هذا الزّمان من قصص ثبات إخواننا من جنود الدّولة الإسلاميّة، ما تعجز الأقلام عن وصفه، وما تقصر الأذهان عن تصوّره بتمامه، فجزاهم الله الكريم عن أمّة الإسلام خير الجزاء، فقد أروهم منهم ما يحبّون، وأروا الكفّار منهم ما يكرهون.
وما أصحابُ الباغوز إلا ثمرةً طيبة لشجرة طيبة بإذن الله تعالى، وما هؤلاء الأبطال الأماجد إلّا كإخوانهم في الفلوجة والرّمادي والموصل ودمشق وسرت وماراوي وغيرها من حواضر الدّولة الإسلاميّة، الّذين قاتلوا أهل الشّرك حتّى أعذروا إلى ربّهم باستنفادهم الوسع وبذلهم أقصى ما قدروا عليه من العرق والدّم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا، نحسبهم كذلك والله تعالى حسيبهم ولا نزكّي على الله أحدا.
وإن كانت محنة الباغوز على أهل الإسلام قد أظهرت مجدداً بريق معدن أهل التّوحيد من الرّجال والنّساء والولدان، بشدّة ثباتهم ورسوخ اليقين في نفوسهم بموعود الله تعالى لمن صبر منهم بالنّصر في الدّنيا والآخرة، نحسبهم كذلك، فإنّها ما زادت مرضى القلوب ممن يخشون النّاس كخشية الله تعالى أو أشد خشية إلّا مرضا، فخرجوا يُخوّفون أولياءَهم بمصير أصحاب الباغوز بعد أن كانوا يخوفونهم بمصير أصحاب الرّقة والموصل، وكذلك حال النّاس مع كلّ آية قرآنية ينزلها الله تعالى عليهم أو كونيّة يريهم إيّاها سبحانه، { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [التوبة: 124، 125].
ولقد شكر إخواننا لمّا أعطاهم ربّهم الظّفر والتّمكين، بأن أقاموا دينه وحكّموا شرعه وجاهدوا عدوه حقّ الجهاد، كما صبروا لمّا ابتلاهم ربّهم بتسلّط الأعداء وخذلان الأولياء، بأن عضّوا على دينهم بالنّواجذ، وصبروا على ما أصابهم في ذات الله تعالى، ولم يعطوا الدّنيّة في دينهم، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله تعالى أحدا.
وعلى سبيلهم ستسير -بإذن الله تعالى- أممٌ من الموحّدين من بعدهم، كلّما دعاهم طاغوت من الطّواغيت إلى عبادته أجابوه كما أجاب سلفهم من أتباع الغلام الصالح: آمنا بالله ربِّ أصحاب الباغوز .. آمنا بالله ربِّ أصحاب الباغوز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 175
الخميس 21 رجب 1440 هـ
آمنت أمّةٌ من الأمم لموقفٍ شهدتْه، غلام ثبّته الله تعالى في موقف الموت، فقُتل وهو صابر على إيمانه، موقنٌ أنّه منقلب إلى ربٍّ كريم، فقالت تلك الأمّة من النّاس: "آمنّا بربّ الغلام.. آمنّا بربّ الغلام .. آمنّا بربّ الغلام" [رواه مسلم].
فلمّا أوقف الطّاغوت تلك الأمّة المؤمنة في موقف الغلام، وخيّرهم بين الرّجوع عن دينهم أو الحرق بنار الأخدود، ما كانوا بأضعف من إمامِهم الغلام، ولا أقل صبراً وثباتاً على دين الله تعالى، حتّى نطق فيهم الصبيّ يحذّر أمّه أن تتقاعس عن تفضيل عذاب الدّنيا على عذاب الآخرة: "اصبري يا أمّاه فإنّك على الحقّ" [رواه مسلم].
وكما جعل الله تعالى صبر الغلام على قضائه سبحانه سبباً في ثبات أمّة من المؤمنين من بعده، فإنّه جلّ جلاله قد جعل من صبر أصحاب الأخدود سبباً لثبات المسلمين إلى يوم القيامة.
ورغم أنّ الكريم المنّان قد خفّف على هذه الأمّة المباركة فرفع عنها الحرج فيما استُكرهت عليه من الإثم، إلّا أنّ الأجر العظيم الّذي ناله أصحاب الأخدود الّذين قال فيهم ربّهم تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ } [البروج: 11] يدفع الأكْمليْن إيمانا إلى طلبه بالثبات على توحيدهم والصبر على الأذى فيه، ولو لاقوا ما لاقوه في سبيل ذلك.
وهكذا أمر ربّنا جلّ وعلا نبيَّه الكريم أن يقتدي بأسلافه الصّابرين الّذين بيّن له ثباتهم على الحقّ وصبرهم فيه رغم كلّ ما أصابهم على أيدي المشركين، كما في قوله سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وما زال أهل البلاء من المسلمين يجدون -على مدى الزّمان- السّلوى في قصص وأخبار الصّابرين من الأنبياء وأتباعهم السّابقين، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يرينا في كلّ زمان من أهل الإسلام نماذجَ فذّة في الصّبر والثّبات، تكون حجّة على المنهزمين من أبناء جيلهم، الّذين يحسبون قصصَ الهداة حكايا تروى ولا يُقتدى بأصحابها، لا عبرةً لمن يأتي مِن بعدِهم من القوم المؤمنين.
ولقد أرانا الله تعالى في هذا الزّمان من قصص ثبات إخواننا من جنود الدّولة الإسلاميّة، ما تعجز الأقلام عن وصفه، وما تقصر الأذهان عن تصوّره بتمامه، فجزاهم الله الكريم عن أمّة الإسلام خير الجزاء، فقد أروهم منهم ما يحبّون، وأروا الكفّار منهم ما يكرهون.
وما أصحابُ الباغوز إلا ثمرةً طيبة لشجرة طيبة بإذن الله تعالى، وما هؤلاء الأبطال الأماجد إلّا كإخوانهم في الفلوجة والرّمادي والموصل ودمشق وسرت وماراوي وغيرها من حواضر الدّولة الإسلاميّة، الّذين قاتلوا أهل الشّرك حتّى أعذروا إلى ربّهم باستنفادهم الوسع وبذلهم أقصى ما قدروا عليه من العرق والدّم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلا، نحسبهم كذلك والله تعالى حسيبهم ولا نزكّي على الله أحدا.
وإن كانت محنة الباغوز على أهل الإسلام قد أظهرت مجدداً بريق معدن أهل التّوحيد من الرّجال والنّساء والولدان، بشدّة ثباتهم ورسوخ اليقين في نفوسهم بموعود الله تعالى لمن صبر منهم بالنّصر في الدّنيا والآخرة، نحسبهم كذلك، فإنّها ما زادت مرضى القلوب ممن يخشون النّاس كخشية الله تعالى أو أشد خشية إلّا مرضا، فخرجوا يُخوّفون أولياءَهم بمصير أصحاب الباغوز بعد أن كانوا يخوفونهم بمصير أصحاب الرّقة والموصل، وكذلك حال النّاس مع كلّ آية قرآنية ينزلها الله تعالى عليهم أو كونيّة يريهم إيّاها سبحانه، { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ } [التوبة: 124، 125].
ولقد شكر إخواننا لمّا أعطاهم ربّهم الظّفر والتّمكين، بأن أقاموا دينه وحكّموا شرعه وجاهدوا عدوه حقّ الجهاد، كما صبروا لمّا ابتلاهم ربّهم بتسلّط الأعداء وخذلان الأولياء، بأن عضّوا على دينهم بالنّواجذ، وصبروا على ما أصابهم في ذات الله تعالى، ولم يعطوا الدّنيّة في دينهم، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله تعالى أحدا.
وعلى سبيلهم ستسير -بإذن الله تعالى- أممٌ من الموحّدين من بعدهم، كلّما دعاهم طاغوت من الطّواغيت إلى عبادته أجابوه كما أجاب سلفهم من أتباع الغلام الصالح: آمنا بالله ربِّ أصحاب الباغوز .. آمنا بالله ربِّ أصحاب الباغوز.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 175
الخميس 21 رجب 1440 هـ