في المنشط والمكره والعسر واليسر يا أمير المؤمنين بيّن ربنا تبارك وتعالى التلازم بين النصر ...

منذ 2025-11-11
في المنشط والمكره والعسر واليسر يا أمير المؤمنين


بيّن ربنا تبارك وتعالى التلازم بين النصر والفتوح التي يمن بها على المسلمين وبين دخول الناس أفواجا في هذا الدين، كما في قوله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْہُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1-3]، وبالمثل فإن كثيرا منهم تتقلب قلوبهم مع تقلب الأحوال، فإن دخل المسلمون في محنة اعترى قلوبهم المرض، حتى باتوا يرون الفساد صلاحا، والخسران فلاحا، وهكذا كان حالهم مع الدولة الإسلامية خلال السنوات الخمس الماضية.

فعندما ظهر أمير المؤمنين في جامع الموصل بعد إعلان الخلافة ليبشر المسلمين بهذا الفتح المبين، وخطب فيهم خطبته المشهورة، وأمّ بالصلاة أمراء جيشه وطلبة العلم من جنوده وغيرهم من المجاهدين والرعية، في مظهر من أعظم مظاهر العز والتمكين لهذه الأمة المباركة، التفتت إلى الدولة الإسلامية القلوب والأبصار، ولهجت بذكر محامدها الألسن، وترقبت المزيد من فتوحاتها الأبصار.

وكان مما قال فيها محرضا نفسه وإخوانه: "وإن أردتم موعود الله، فجاهدوا في سبيل الله، وحرّضوا المؤمنين، واصبروا على تلك المشقّة، ولو علمتم ما في الجهاد مِن الأجر والكرامة والرفعة والعزة في الدنيا والآخرة، لَمَا قعد أو تخلّف منكم أحد عن الجهاد، فهو التجارة التي دلّ الله عليها، وأنجى بها مِن الخزي، وألحق بها الكرامة في الدارَين".

ولم يدر الكثيرون أن تلك الخطبة المباركة كانت التمهيد للدخول في واحدة من أكبر الحروب التي عرفها التاريخ بين أمة الإسلام وأمة الصليب ومن تولّاها من المشركين والمرتدين، لتنطلق على إثرها الحملة الصليبية الدولية التي شارك فيها قرابة 80 دولة، وحشدت لها القواعد العسكرية وحاملات الطائرات، لتصب حممها على جنود الخلافة في كل مكان وبالأخص في العراق والشام، وتنفذ أكثر من 35 ألف غارة جوية مستخدمة فيها أكثر من 120 ألف قذيفة وصاروخ لتدمر ما استطاعت من ديار الإسلام وتقتل من قدرت عليه من المسلمين.

حينها فقط أدرك أولئك حقيقة أنه وكما أن التمكين والخلافة لم يتحققا بالأحلام الجميلة والأماني الرقيقة، ولكن بالأشلاء والدماء، والأسر والكسر والبتر، والهجرة والتهجير، فكذلك لا يمكن الحفاظ على دين الله تعالى قائما في الأرض من غير بذل الكثير من العرق والأرق والدم والهدم، ولما ضعفت نفوسهم عن تحمل ذلك، ولوا مدبرين، وشعارهم أنهم كانوا عن تكاليف إقامة الدين وتبعاته غافلين.

واليوم ظهر أمير المؤمنين بين جمع من إخوانه يذكرهم ونفسه ومن بلغ من المسلمين بالصبر والثبات على هذا الطريق، مذكرا بعظيم فعال المجاهدين في الباغوز وغيرها من ديار الإسلام التي ثبت فيها المجاهدون ثبات الجبال، وضربوا في الصبر والنضال أعظم مثال، ويحرض على النهوض من جديد لحمل الراية من بعد أولئك السادة الأفذاذ، الذين ذكرهم في حديثه والذين لا يضرهم -كما نحسبهم- ألا يذكرهم أحد من العالمين، وإعظام النكاية في المشركين عامة والصليبيين منهم خاصة، ثارا للمسلمين، وسعيا لتطهير البلاد من الشرك، وإقامة الدين بين العالمين.

وشكر -أعانه الله تعالى على إقامة الدين- لمن استجاب لدعوته للنكاية في المشركين والمرتدين ثأرا للمسلمين في الشام في ساعة العسرة، ومن أطاع الله تعالى بدخوله في جماعة المسلمين ببيعته لإمامها، في وقت الفتنة والمحنة، سائلا الله تعالى لهم أن يعينهم على الوفاء بما عاهدوا الله تعالى عليه من السمع والطاعة في العسر والمكره، كما كانوا يسمعون ويطيعون في اليسر والمنشط.

ونسأل الله تعالى أن يجعل في ثبات المجاهدين على طاعة الله تعالى كفارة لذنوبهم، بوفاءهم بالعهد، وصبرهم على الضر، وجهادهم لعدوهم رغم القلة والضعف، وأن يرزقهم الثبات على ذلك أبدا، كما فعل مع أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام في أشد الظروف وأشق الأحوال، وأن يجعلهم ممن قال تعالى فيهم: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 180
الخميس 27 شعبان 1440 ه‍ـ

67944dd38c694

  • 1
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً