جمال الإحسان إلى الجير الشيخ السيد مراد سلامة الخطبة الأولى أما بعد: ...
منذ 2025-11-22
جمال الإحسان إلى الجير
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: .................................أيها الإخوة الكرام: دين لم يعاد الجمال بل سما به و لم لا و الله تعالى جميل يحب الجمال فالجمال" صفة مِن صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل، جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته، يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ مِن عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّل. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "(إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيل)( ): أَيْ حَسَنُ الأَفعَالِ، كَامِلُ الأَوصَاف".
وقال المناوي: «له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق». ( )
((إنَّ الله جميل)) جمَع الجمالَ كله، فالجمال منه وإليه؛ جمالٌ لا تُحِيطه العقول، ولا تُدرِكه الفهوم، ولا يمكن أنْ يصفه الواصفون، أو أنْ يبلغ كنهه الناعتون، له المثل الأعلى؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
واعلموا أن كل شيء جميل طالما أنه محاط بسياج الشرع الحكيم , والجمال في الأشياء من نعم الله تعالى علينا , ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة , قال تعالى : {واقرؤوا قولَه سبحانه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } . سورة النمل:60. وقوله سبحانه: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} . سورة الأنعام:99 , وقوله : \" {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}. سورة ق:10.
وكذا الجمال في خلق الحيوان , قال تعالى : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }. سورة النحل:5-8. وقال: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . سورة الغاشية:17-20.
✍جمال الإحسان إلى الجيران في القرآن:
إخوة الإيمان: و من بساتين الجمال نقتطف وردة الإحسان إلى الجيران لنرى نضرتها و جمالها و لنشم عبيرها و أريجها و نتذوق حلاوتها إن الإسلام أيها الكريم قد وضع دعائم الجمال الاجتماعي و الجمال السلوكي مع الجيران حتى يأسس مجتمعا يبهر العيون و يأخذ بالألباب مجتمعا متآلفا متحابا تعالى لترى ذلك الجمال الذي يبلغ بك ذرة الكمال قال الكبير المتعال : [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
✍يقول القرطبي - رحمه الله - قوله تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه. الا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) أي القريب. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي الغريب، قاله ابن عباس،..... فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم( )
✍جمال الإحسان إلى الجيران في سنة النبي العدنان
جمال الإحسان إلى الجار يتجلى في توثيق الروابط الاجتماعية وزيادة المحبة بين الناس، وتطهير المجتمع من الحقد وسوء الظن، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة الألفة.
و ها هو النبي المختار – عليه الصلاة و السلام – يخبرنا عن وصية جبريل عليه السلام – بالجار فكلما جاء جبريل فهو يوصي النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى خُيل للنبي – صلى الله عليه و سلم أن جبريل سيجعل للجار في الميراث حقا ،عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه( )
يقول بدر الدين العيني – رحمه الله - قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار)( )
✍الحجب والحرمان من دخول الجنان لمن آذى الجيران
و اعلم علمني الله و إياك: و من قبيح الخلال التي تشوه صورة الجمال في الإسلام أذية الجيران فما أقبح بإنسان يسيء إلى جاره و ما أقبح بإنسان لا يعلم للجار عليه حقا و لا يحمي له عرضا و لا يحفظ له مالا ، إن النبي -صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن الله تعالى يجب من آذى جاره عن جنته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )( )
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال أخلاقك الذي يزين ظاهرك؟
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال إيمانك الذي يزين باطنك؟
قل لي يا من تؤذي جارك قد تكون جميل الوجه جميل الثياب ولكنك قبيح الأفعال
جمال الوجه في قبح نفسٍ **** كقنديلٍ على قبر مجوسي.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم إ **** ذا كانت الأخلاق غير حسان
ومن قايس بين الجمال والفعال تبين له أن الملاحة بالقباحة لا تفي بالمقصود، فلله ماذا يعني لباس المظهر إذا كان المخبر عارياً باديةً للناس سوءته! قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:٢٦]
نهى النبي - صلى الله عليه و سلم - عن أذى الجار و عدَّ من أذى الجار من أسباب نقصان الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ( )
✍الأمر بإكرام
إكرام الجار دليل أيضا على رسوخ الإيمان بالله تعالى و رجاء ما عنده من أجر وثواب و دليل واضح على جمال فاعله فكل إناء بما فيه ينضح ،
لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا *** إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ ** إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( )
وقوله (فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) على هذا، يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، إكرام الجار بحفظ الجار في أهله، حفظ الجار في عرضه، في الاطلاع على مسكنه، ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له؛ في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تُطِلُّ على الجار، أو في موقف السيارات مثلا أو في إعتداء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، فيدخل هذا جميعا في إكرام الجار، ويدخل فيه أيضا أن يكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك؛ يعني أنه إذا كان عنده طعام فإنه يطعم جاره منه، وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما طها في بيته بعض اللحم فقال «أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم» وهذا في حق الجار الكافر، ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره، أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر، وإكرام الجار المسلم له حقان لإسلامه ولجواره.
فإذا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها:
✍ أداء ما له من الحقوق.
✍وكف الأذى عنه.
✍ وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه، وهذا أيضا مع قول الله جل وعلا { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون:6-7]، والماعون هو ما يحتاج إليه في الإعارة، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يعني يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تعيره شيئا من أدوات الطهي أو شيئا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك، أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي.)( )
أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أما بعد : عباد الله ....................................
✍جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان
اعلموا -بارك الله فيكم- أنَّ مجرَّد الجمال الظَّاهر في الصُّور والثياب لا ينظر الله إليْه، وإنَّما ينظر إلى القلوب والأعْمال، فإن كان الظَّاهر مزيَّنًا مجمَّلاً بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبَّحًا مدنَّسًا بقبْح الباطن، أبغضه الله؛ فإنَّه - سبحانه - يحبُّ الحسن الجميل، ويُبغض السيِّئ الفاحش.
وهيا أيها الأحباب لنرى الجمال في الفعال والإحسان إلى الجيران ترجمة حرفية فورية
لما روى أنس رضي الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلم، فأسلم،
عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-حيث ذبح شاةً فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟
ثلاث مرات.
ثم قال: سمعت النبي " يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"( )
ففهم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر.
وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
بل لقد وجدوا معاملةً وعدلاً لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملَّتهم.
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.
و تأمل إلى أحوال أهل الإيمان كيف كانوا يقابلون أذى الجيران ،عن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن فصارت النجاسة تنزل في داره واليهودي لا يعلم بذلك فدخلت زوجته يوما فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن فأخبرت زوجها بذلك فجاء اليهودي إليه معتذرا فقال أمرني جدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار فأسلم اليهودي وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن آذى جاره حرم الله عليه الجنة..( )
✍الإمام أبي حنيفة – رحمه الله و جاره :من المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، و مننن جميل أخلاقه رحمه الله ما روى أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحماً فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعُوا *** ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.
فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.
ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟
قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.
فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين.
فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟
فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعايته.
وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة. ( )
✍إذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم و شركهم إلا أنهم كانوا يحمون و يدافعون عن الجار في حضوره و في غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الخلاق التي تحلى بها مع جيرانه
وإني لأحمي الجار من كل ذلة *** وأفرح بالضيف المقيم وأبهج( ).
✍جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان
بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغة في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحد أن يخفر الجوار،
✍حق الجوار حتى مع النمل:
لقد تجلى الجمال جمال الأخلاق مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم ،و حموا جوارهم ،فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين .................
كان عدي بن حاتم الطائي صحابيا روى عن النبي ستة وستين حديثا وكان إذا ركب فرسه تخط رجلاه بالأرض وكان يفت الخبز لمن جاوره من النمل ويقول علينا حق الجوار حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات..( )
✍مجير الجراد
وكان أبو حنبل يقال له مجير الجراد،وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه فعدا الحي إليه فقال لهم:إلى أين؟
فقالوا أردنا جيرانك جراداً نزل بفنائك!فقال:أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبداً!فأمر قومه أن يسلو سيوفهم ويمنعوه؛وفيهم يقول الشاعر:
ومنّا ابن مرّ أبو حنبل *** أجار من الناس رجل الجراد ( )
✍و منهم من قضى على من قتل حمامة مجاورة للرجل بالدية
قدم زياد الأعجم خراسان على المهلب فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم: " من الوافر "
تغني أنت في ذممي وعهدي *** بأن لن يذعروك ولن تطاري
إذا غنيتي فطربت يوماً *** ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأراً *** بقتلهم لأنك في جواري
فأخذ حبيب سهماً فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد: " من الطويل "
فلله عينا من رأى كقضية قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ** من الطير حضان على البيض يتعب
رماه حبيب بن المهلب رمية *** فأنفذه بالسهم والشمس تغرب
فألزمه عقل القتيل " بن حرة *** فقال حبيب إنما كنت ألعب
فقال زياد لا يروع جاره *** وجاره جاري بل من الجار أقرب
فبلغ الحجاج فقال: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.)( )
✍لا يحب أحد لحسنه وجماله فقط بل لما فيه من الإيمان وكريم الخلال:
قال شيخ الإسلام : "وليس في دين الله محبَّة أحدٍ لحسنِه قطّ؛ فإنَّ مجرَّد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلِك كان يوسف - عليْه السَّلام - لمجرَّد حسنه أفضلَ من غيره من الأنبِياء لحسنه، وإذا استوى شخْصان في الأعمال الصَّالحة، وكان أحدُهُما أحسنَ صورةً، وأحسنَ صوتًا - كانا عند الله سواءً؛ فإنَّ ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم)) يعمُّ صاحبَ الصَّوت الحسَن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجْه، كصاحب المال والسُّلْطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنَّه بذلك الوجْه أفضل ممَّن لم يشْركْه في تلك الطَّاعة، ولم يمتحن بما امتُحِن به حتَّى خاف مقام ربِّه ونَهى النَّفس عن الهوى، ثمَّ ذلك الغير إن كان له عمَلٌ صالِح آخَر يُساويه به، وإلاَّ كان الأوَّل أفضل مطْلقًا".( )
الشيخ السيد مراد سلامة
الخطبة الأولى
أما بعد: .................................أيها الإخوة الكرام: دين لم يعاد الجمال بل سما به و لم لا و الله تعالى جميل يحب الجمال فالجمال" صفة مِن صفات الله عز وجل، فالله سبحانه جميل، جميلٌ في ذاته، جميلٌ في أسمائه، جميلٌ في أفعاله، جميلٌ في صفاته، يُحِبُّ الجَمال، ويُحِبُّ مِن عبادِه الاتِّصافَ بالتَّجمُّل. عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "(إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَمِيل)( ): أَيْ حَسَنُ الأَفعَالِ، كَامِلُ الأَوصَاف".
وقال المناوي: «له الجمال المطلق ومن أحق بالجمال من كل جمال في الوجود من آثار صنعته فله جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال ولولا حجاب النور على وجهه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه من خلقه (يحب الجمال) أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره وسر ذلك أنه كامل في أسمائه وصفاته فله الكمال المطلق». ( )
((إنَّ الله جميل)) جمَع الجمالَ كله، فالجمال منه وإليه؛ جمالٌ لا تُحِيطه العقول، ولا تُدرِكه الفهوم، ولا يمكن أنْ يصفه الواصفون، أو أنْ يبلغ كنهه الناعتون، له المثل الأعلى؛ ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11].
واعلموا أن كل شيء جميل طالما أنه محاط بسياج الشرع الحكيم , والجمال في الأشياء من نعم الله تعالى علينا , ولقد ذكرنا سبحانه ببعض سبحات الجمال في مخلوقاته الكونية التي سخرها لنا ومنها خلق النبات والحدائق المبهجة , قال تعالى : {واقرؤوا قولَه سبحانه: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ } . سورة النمل:60. وقوله سبحانه: {انظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} . سورة الأنعام:99 , وقوله : \" {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}. سورة ق:10.
وكذا الجمال في خلق الحيوان , قال تعالى : { وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ }. سورة النحل:5-8. وقال: { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} . سورة الغاشية:17-20.
✍جمال الإحسان إلى الجيران في القرآن:
إخوة الإيمان: و من بساتين الجمال نقتطف وردة الإحسان إلى الجيران لنرى نضرتها و جمالها و لنشم عبيرها و أريجها و نتذوق حلاوتها إن الإسلام أيها الكريم قد وضع دعائم الجمال الاجتماعي و الجمال السلوكي مع الجيران حتى يأسس مجتمعا يبهر العيون و يأخذ بالألباب مجتمعا متآلفا متحابا تعالى لترى ذلك الجمال الذي يبلغ بك ذرة الكمال قال الكبير المتعال : [وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ] (النساء: 36).
✍يقول القرطبي - رحمه الله - قوله تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ) أما الجار فقد أمر الله تعالى بحفظه والقيام بحقه والوصاة برعي ذمته في كتابه وعلى لسان نبيه. الا تراه سبحانه أكد ذكره بعد الوالدين والأقربين فقال تعالى: (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى ) أي القريب. (وَالْجارِ الْجُنُبِ) أي الغريب، قاله ابن عباس،..... فقوله_تعالى_: [وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى]: هو الذي بينك وبينه قرابة، وقيل: هو الذي قَرُبَ جوارُه، وقيل: المسلم، وقيل: الزوجة.
وقوله: [وَالْجَارِ الْجُنُبِ]: قيل: هو الذي يعد في العرف جارًا وبينك وبين منزله فسحة.
وقيل: هو الذي ليس بينك وبينه قرابة، وقيل: الزوجة: وقيل: غير المسلم( )
✍جمال الإحسان إلى الجيران في سنة النبي العدنان
جمال الإحسان إلى الجار يتجلى في توثيق الروابط الاجتماعية وزيادة المحبة بين الناس، وتطهير المجتمع من الحقد وسوء الظن، مما يؤدي إلى تماسك المجتمع وزيادة الألفة.
و ها هو النبي المختار – عليه الصلاة و السلام – يخبرنا عن وصية جبريل عليه السلام – بالجار فكلما جاء جبريل فهو يوصي النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى خُيل للنبي – صلى الله عليه و سلم أن جبريل سيجعل للجار في الميراث حقا ،عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه( )
يقول بدر الدين العيني – رحمه الله - قوله سيورثه أي سيجعله قريبا وارثا وقيل معناه أي يأمرني عن الله بتوريث الجار من جاره وهذا خرج مخرج المبالغة في شدة حفظ حق الجار)( )
✍الحجب والحرمان من دخول الجنان لمن آذى الجيران
و اعلم علمني الله و إياك: و من قبيح الخلال التي تشوه صورة الجمال في الإسلام أذية الجيران فما أقبح بإنسان يسيء إلى جاره و ما أقبح بإنسان لا يعلم للجار عليه حقا و لا يحمي له عرضا و لا يحفظ له مالا ، إن النبي -صلى الله عليه و سلم أخبرنا أن الله تعالى يجب من آذى جاره عن جنته عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال " لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )( )
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال أخلاقك الذي يزين ظاهرك؟
قل لي يا من تؤذي جارك أين جمال إيمانك الذي يزين باطنك؟
قل لي يا من تؤذي جارك قد تكون جميل الوجه جميل الثياب ولكنك قبيح الأفعال
جمال الوجه في قبح نفسٍ **** كقنديلٍ على قبر مجوسي.
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم إ **** ذا كانت الأخلاق غير حسان
ومن قايس بين الجمال والفعال تبين له أن الملاحة بالقباحة لا تفي بالمقصود، فلله ماذا يعني لباس المظهر إذا كان المخبر عارياً باديةً للناس سوءته! قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:٢٦]
نهى النبي - صلى الله عليه و سلم - عن أذى الجار و عدَّ من أذى الجار من أسباب نقصان الإيمان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ( )
✍الأمر بإكرام
إكرام الجار دليل أيضا على رسوخ الإيمان بالله تعالى و رجاء ما عنده من أجر وثواب و دليل واضح على جمال فاعله فكل إناء بما فيه ينضح ،
لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا *** إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَبِ
لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِدُهُ ** إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ
عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه( )
وقوله (فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ) على هذا، يدخل فيه إكرام الجار بالألفاظ الحسنة، إكرام الجار بحفظ الجار في أهله، حفظ الجار في عرضه، في الاطلاع على مسكنه، ويدخل في هذا حفظ الجار في أداء الحقوق العامة له؛ في الجدار الذي بينهما، أو النوافذ التي تُطِلُّ على الجار، أو في موقف السيارات مثلا أو في إعتداء الأطفال، أو ما أشبه ذلك، فيدخل هذا جميعا في إكرام الجار، ويدخل فيه أيضا أن يكرم الجار في المطعم والملبس، وأشباه ذلك؛ يعني أنه إذا كان عنده طعام فإنه يطعم جاره منه، وقد كان عليه الصلاة والسلام ربما طها في بيته بعض اللحم فقال «أرسلوا لجارنا اليهودي من مرقة هذا اللحم» وهذا في حق الجار الكافر، ولهذا رأى طائفة من أهل العلم كأحمد في رواية، وكغيره، أن إكرام الجار في هذا الحديث عام يدخل فيه إكرام الجار المسلم، وإكرام الجار الكافر، وإكرام الجار المسلم له حقان لإسلامه ولجواره.
فإذا إكرام الجار كلمة عامة يدخل فيها:
✍ أداء ما له من الحقوق.
✍وكف الأذى عنه.
✍ وبسط اليد له بالطعام وما يحتاجه، وهذا أيضا مع قول الله جل وعلا { الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [الماعون:6-7]، والماعون هو ما يحتاج إليه في الإعارة، (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) يعني يمنعون ما يحتاج إليه المسلمون في الإعارة، فإذا احتاج جارك إلى أن تعيره شيئا من أدوات الطهي أو شيئا من أدوات المنزل، أو من الأثاث، أو ما أشبه ذلك فإن من إكرامه أن تعطيه ذلك، أما إذا كان يتعدى على أشيائك، ويتلف المال فهذا لا يكون له الحق في إكرامه بذلك؛ لأنه مظنة التعدي.)( )
أقول قولي هذا و استغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
أما بعد : عباد الله ....................................
✍جمال الإحسان إلى الجيران في حياة أهل الإيمان
اعلموا -بارك الله فيكم- أنَّ مجرَّد الجمال الظَّاهر في الصُّور والثياب لا ينظر الله إليْه، وإنَّما ينظر إلى القلوب والأعْمال، فإن كان الظَّاهر مزيَّنًا مجمَّلاً بحال الباطن، أحبَّه الله، وإن كان مقبَّحًا مدنَّسًا بقبْح الباطن، أبغضه الله؛ فإنَّه - سبحانه - يحبُّ الحسن الجميل، ويُبغض السيِّئ الفاحش.
وهيا أيها الأحباب لنرى الجمال في الفعال والإحسان إلى الجيران ترجمة حرفية فورية
لما روى أنس رضي الله عنه أن غلاما ليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: أسلم، فأسلم،
عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنه-حيث ذبح شاةً فقال: هل أهديتم منها لجارنا اليهودي؟
ثلاث مرات.
ثم قال: سمعت النبي " يقول: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"( )
ففهم هذا الصحابي الجليل من هذا الحديث في حسن معاملة الجار أنه يشمل المسلم والكافر.
وفي ظل هذا التوجيه القرآني عاش أهل الكتاب في جوار المسلمين ينعمون بالأمن والطمأنينة على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
بل لقد وجدوا معاملةً وعدلاً لم يكونوا يجدونها بين أهليهم وبني جنسهم وملَّتهم.
وحين وجدوا تلك المعاملة الحسنة والعدل والخلق من المسلمين أحبوا دين الإسلام، وسارعوا إلى الدخول فيه عن قناعة ويقين.
و تأمل إلى أحوال أهل الإيمان كيف كانوا يقابلون أذى الجيران ،عن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أن جاره اليهودي انخرق جداره إلى منزل الحسن فصارت النجاسة تنزل في داره واليهودي لا يعلم بذلك فدخلت زوجته يوما فرأت النجاسة قد اجتمعت في دار الحسن فأخبرت زوجها بذلك فجاء اليهودي إليه معتذرا فقال أمرني جدي صلى الله عليه وسلم بإكرام الجار فأسلم اليهودي وقال الحسن البصري ليس حسن الجوار كف الأذى عن الجار بل حسن الجوار الصبر على أذى الجار وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن آذى جاره حرم الله عليه الجنة..( )
✍الإمام أبي حنيفة – رحمه الله و جاره :من المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، و مننن جميل أخلاقه رحمه الله ما روى أنه كان له جار بالكوفة إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحماً فطبخه أو سمكة فشواها، ثم لا يزال يشرب حتى إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول:
أضاعوني وأي فتىً أضاعُوا *** ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ
فلا يزال يشرب ويردد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.
وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.
فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وركب بغلة، واستأذن على الأمير. فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.
ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟
قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.
فقال: نعم، وكل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا. فأمر بتخليتهم أجمعين.
فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشي وراءه، فلما نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟
فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيراً عن حرمة الجوار، ورعايته.
وتاب الرجل، ولم يعد إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة. ( )
✍إذا نظرنا إلى أحوال أهل الجاهلية لرأينا كيف أنهم رغم كفرهم و شركهم إلا أنهم كانوا يحمون و يدافعون عن الجار في حضوره و في غيابه، فهذا عنترة المشرك يتغنى بمكارم الخلاق التي تحلى بها مع جيرانه
وإني لأحمي الجار من كل ذلة *** وأفرح بالضيف المقيم وأبهج( ).
✍جمال وروعة الإحسان إلى الجار وإن كان من غير الإنسان
بل لقد غالى العرب وبالغوا في المحاماة عن الجار؛ إذ لم تتوقف محاماتهم عن الجار الإنسان، بل لقد تعدوا ذلك، فأجاروا ما ليس بإنسان إذا نزل حول بيوتهم حتى ولو كان لا يعقل ولا يستجير؛ مبالغة في الكرامة والعزة، وتحديًا لأحد أن يخفر الجوار،
✍حق الجوار حتى مع النمل:
لقد تجلى الجمال جمال الأخلاق مع معرفة حقوق غير الآدميين فحفظوا جوارهم، وبسطوا فضلهم ،و حموا جوارهم ،فكانوا صورة مشرقة لذلك الدين .................
كان عدي بن حاتم الطائي صحابيا روى عن النبي ستة وستين حديثا وكان إذا ركب فرسه تخط رجلاه بالأرض وكان يفت الخبز لمن جاوره من النمل ويقول علينا حق الجوار حكاه النووي في تهذيب الأسماء واللغات..( )
✍مجير الجراد
وكان أبو حنبل يقال له مجير الجراد،وذلك أنه نزل عليه جراد بفنائه فعدا الحي إليه فقال لهم:إلى أين؟
فقالوا أردنا جيرانك جراداً نزل بفنائك!فقال:أما إذ سميتموه جاري فلا تصلون إليه أبداً!فأمر قومه أن يسلو سيوفهم ويمنعوه؛وفيهم يقول الشاعر:
ومنّا ابن مرّ أبو حنبل *** أجار من الناس رجل الجراد ( )
✍و منهم من قضى على من قتل حمامة مجاورة للرجل بالدية
قدم زياد الأعجم خراسان على المهلب فنزل على حبيب بن المهلب، فجلسا على شراب لهما، وفي الدار شجرة عليها حمامة فجعلت تدعو، فقال زياد الأعجم: " من الوافر "
تغني أنت في ذممي وعهدي *** بأن لن يذعروك ولن تطاري
إذا غنيتي فطربت يوماً *** ذكرت أحبتي وذكرت داري
فإما يقتلوك طلبت ثأراً *** بقتلهم لأنك في جواري
فأخذ حبيب سهماً فرماها فقتلها، فقال زياد: قتلت جارتي بيني وبينك المهلب، فأتى المهلب فقال: يا حبيب، ادفع إلى أبي أمامة دية جاره ألف دينار كاملة، فقال حبيب: إنما كنت ألعب، فقال المهلب: ليس مع هذا لعب، جاره جاري بل هو أفضل، فدفع إليه ألف دينار، فقال زياد: " من الطويل "
فلله عينا من رأى كقضية قضى لي بها شيخ العراق المهلب
قضى ألف دينار لجار أجرته ** من الطير حضان على البيض يتعب
رماه حبيب بن المهلب رمية *** فأنفذه بالسهم والشمس تغرب
فألزمه عقل القتيل " بن حرة *** فقال حبيب إنما كنت ألعب
فقال زياد لا يروع جاره *** وجاره جاري بل من الجار أقرب
فبلغ الحجاج فقال: ما أخطأت العرب حين جعلت المهلب رجلها.)( )
✍لا يحب أحد لحسنه وجماله فقط بل لما فيه من الإيمان وكريم الخلال:
قال شيخ الإسلام : "وليس في دين الله محبَّة أحدٍ لحسنِه قطّ؛ فإنَّ مجرَّد الحسن لا يُثيب الله عليه ولا يُعاقب، ولو كان كذلِك كان يوسف - عليْه السَّلام - لمجرَّد حسنه أفضلَ من غيره من الأنبِياء لحسنه، وإذا استوى شخْصان في الأعمال الصَّالحة، وكان أحدُهُما أحسنَ صورةً، وأحسنَ صوتًا - كانا عند الله سواءً؛ فإنَّ ((أكرم الخلق عند الله أتقاهم)) يعمُّ صاحبَ الصَّوت الحسَن والصورة الحسنة، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته، كان أفضل من هذا الوجْه، كصاحب المال والسُّلْطان، إذا استعمل ذلك في طاعة الله دون معصيته؛ فإنَّه بذلك الوجْه أفضل ممَّن لم يشْركْه في تلك الطَّاعة، ولم يمتحن بما امتُحِن به حتَّى خاف مقام ربِّه ونَهى النَّفس عن الهوى، ثمَّ ذلك الغير إن كان له عمَلٌ صالِح آخَر يُساويه به، وإلاَّ كان الأوَّل أفضل مطْلقًا".( )