قصة شهيد - الشيخ المحدّث عبد الحسيب اللوجري • الشيخ المحدّث عبد الحسيب اللوجري -تقبله ...
منذ 2025-11-24
قصة شهيد - الشيخ المحدّث عبد الحسيب اللوجري
• الشيخ المحدّث
عبد الحسيب اللوجري -تقبله الله-
(تفقّهَ قبل أن يسود وملك قلوب إخوانه بحسن أخلاقه)
إن علماء الإسلام كالشمس للدنيا، من غيرها تظلم الأرض، وكالنور للعين، من دونه تعمى الأبصار، وكالعافية للأبدان، تفنى من دونها بالأدواء والأسقام، فهم الذين يبينون للناس مراد الله تعالى من وحيه ليطيعوه على بصيرة، وهم الذين يدلونهم على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ليتّبعوه على هدى، وهم الذين يذودون عن حياض الدين كل مبتدع يُدخل في الدين ما ليس منه، وكل جاهل يُفسد من حيث أراد الإصلاح.
وما من خسارة للأمة أكبر من خسارتها لعلمائها، فبغيابهم عن ميادين جهادها يتخذ الناس رؤوساً جُهالاً يضلون الناس وهم يحسبون أنهم مهتدون، وما من نعمة ينعم الله بها على المجاهدين خير من العلماء العاملين الذين يعلمونهم إن جهلوا، ويصوّبونهم إن أخطأوا، ليحققوا لعملهم شرط الصحة والاتباع، بعد شرط التوحيد والإخلاص.
وقد منّ الله تعالى على الدولة الإسلامية في مختلف ولاياتها بطائفة من أهل العلم وطلابه، الذين نفع الله بهم أهل الإسلام، فكان منهم المُفتون والقضاة، وأهل الحسبة والدعاة، وقادة الحرب الكماة، وأمراء الدواوين والولاة، وكان منهم والي خراسان الأسبق، الشيخ المجاهد والعالم المحدّث "أبو عمير" عبد الحسيب اللوجري -تقبله الله تعالى-.
تولى أمر الولاية في فترة من أصعب الفترات، حين ظن الصليبيون أنهم قصموا ظهرها بقتل واليها الأول الشيخ "الحافظ سعيد خان" تقبله الله، فأحسن رعاية جندها وأهلها، ونشر التوحيد والمعروف في أنحائها، وحفظ مع إخوانه ثغورها، وحمى جماعة المسلمين أن يقدر على هدمها منافق، أو يتمكن من شقّها مارق، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، فجزاه الله تعالى عن أمة الإسلام خير الجزاء.
- من طلب العلم بالسنة إلى الدعوة إليها
ولد الشيخ -واسمه- (حياة الله بن محمد شاه خان) مهاجراً غريباً في باكستان، بمنطقة (كرم أجنسي)، بعد أن شردّهم الملاحدة الروس حين غزو أفغانستان، وهناك صبا وشب، فدرس في مدارسها العامة وأتقن اللغات العربية والإنكليزية والفارسية، بالإضافة إلى معرفته بلغتي البشتو والأوردو.
ثم التحق -تقبله الله- بمعهد شرعي فيها لمدة 8 سنين أخذ فيها مفاتيح العلم ومبادئه العامة وفنونه المختلفة، قبل أن يقرر التخصص في علم الحديث، الذي أخذه عن بعض علمائه وأهله في مدينة (بيشاور) حيث استقر هناك لهذا الغرض
4 سنوات، درس خلالها الكتب الستة وغيرها من كتب الحديث والأثر.
بعد أن أنهى الشيخ مرحلة الطلب تلك، قرر أن يدخل إلى أفغانستان ليدعو إلى ما تعلمه في ساحة هي أحوج ما تكون للعلم في ظل فشو الشرك والتصوف فيها، وغلبة الجهل بالسنة على أهلها، فانتقل -رحمه الله- من باكستان مرباه ومرعاه، إلى مسقط رأسه في قرية (محمد أكبر خيل) التي تتبع لمديرية (أذرة) في (لوجر) حيث استقر فيها، لينذر عشيرته الأقربين، ويدعوهم للتمسك بالتوحيد، ويعلمهم القرآن والسنة، ويحرضهم على جهاد الصليبيين والمرتدين، ويبقى على هذا الحال عاماً كاملاً، دون أن يشغله ذلك كله عن القيام بالجهاد بنفسه، حيث كان يتعاون مع بعض المجاهدين في المنطقة ويعينهم بما يقدر عليه، وقد حاول المرتدون اعتقاله بعد كشفهم لحاله، فخرج من قريته خائفاً يترقب، لينتصر بالمجاهدين وينصرهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
- من ضيق الأحزاب إلى سعة الخلافة
لما أيقن الشيخ عبد الحسيب أن جنود الطاغوت يأتمرون به ليُثبتوه أو يقتلوه أو يرجعوه عن دينه ويفتنوه، كان موقناً كذلك أن أرض الله تعالى واسعة، وأن من يهاجر في سبيل الله يجد فيها مراغماً كثيراً وسعة، فألقت به عصا الترحال في (كنر) والتحق بمجموعة من المجاهدين تقاتل تحت راية "طالبان" إذ كانوا -آنذاك- يحسنون الظن بالحركة وقادتها، فتولى تدريس علوم الشريعة في تلك البلاد مدة عامين، حتى ولّي إمارة "الدورات الشرعية" في (كنر) من قبل أمراء "طالبان" هناك.
وفي هذه الأثناء كان الشيخ المجاهد (حافظ سعيد خان) -تقبله الله- وبعض إخوانه يؤسسون لإقامة دين الله في المناطق الحدودية بعد أن أيسوا من قيام "طالبان" بذلك في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، وقد بان لهم انحرافات قادتها وتبعيتهم لحكومة باكستان المرتدة وارتباطاتهم بمخابراتها المنفذة لمخططات الصليبيين، وقد مكّنهم الله تعالى من تحكيم الشريعة في بعض الأنحاء من (أوركزاي) داخل باكستان، وبعض ما جاورها من مناطق في ننجرهار بأفغانستان، وهم يتشوقون لأن تكون ديار الإسلام التي أقاموها مهدا لإعادة الخلافة الإسلامية، أو ولاية من ولايات دولتها إن أذن الله تعالى بإقامتها في أي بقعة أخرى من الأرض.
فلما فتح الله على عباده الموحدين في العراق والشام، ومكّن لهم في الأرض، شكروه سبحانه على ما أنعم به عليهم، بأن أقاموا الدين، ولموا شمل جماعة المسلمين، وبايعوا الشيخ المجاهد أبا بكر البغدادي حفظه الله تعالى أميراً للمؤمنين، وكان الشيخ حافظ وإخوانه من أوائل المبايعين، فولاه الخليفة أمر خراسان وما جاورها من الأصقاع والبلدان، ليدعوا الناس هناك إلى الاعتصام بالجماعة ونبذ الفرق والأحزاب، فيستجيب له المسلمون زرافات ووحدانا، وكان منهم الشيخ عبد الحسيب وعدد من طلبة العلم والمجاهدين الذين ظل يدعوهم ويتواصل معهم حتى بعد هجرته.
- نائبا للشيخ الحافظ
لم تقتصر مهارات الشيخ عبد الحسيب على تدريس العلوم الشرعية التي انهمك فيها معلماً لجنود الخلافة فدرس على يديه المئات من المجاهدين، بل صار محطّ أنظار الإخوة بما برز فيه من مهارات إدارية وقيادية وحسن خلق وطيب معشر وزهد في الدنيا ومتاعها، وانهماك في حوائج المسلمين حتى ينشغل بها عن قضاء حوائجه، وإقدام في الحرب وثبات لدى الملمات قلّ له مثيل.
هذه الصفات وغيرها بوّأته لأن يُولّى -بالإضافة لعمله في التعليم- مسؤولية مركز الفيء والغنائم في الولاية، ويُختار عضواً في مجلس شوراها، ثم بجعله الوالي نائبا له في إدارة شؤونها في (14 محرم 1437 هـ)، فما زاده كل ذلك إلا تواضعا لإخوانه وبذلا في سبيل دينه، وهذا ما رفع قدره بينهم، ونشر محبته عند كل من التقاه، وكان في ذلك سببا -بإذن الله- لبيعة مجموعات من المجاهدين في مناطق أخرى من أفغانستان جاؤوا ليستقصوا عن أحوال جنود الخلافة ويتعرفوا على حقيقة دعوتهم ويسمعوا من أمرائهم وطلبة العلم فيهم، كما حدث مع إخوة من (كنر) ألحقوا المناطق التي يسيطرون عليها بديار الإسلام بعدما جلسوا إليه وسمعوا منه.
- ولي أمر المسلمين في خراسان
قتل الشيخ الوالي (حافظ سعيد خان) -تقبله الله- بقصف صليبي في (21 شوال 1437 هـ)، فولى أمير المؤمنين الشيخ عبد الحسيب أمر ولاية خراسان بناء على توصية مجلس شوراها، فكان نعم الراعي لنعم الرعية، وسد مكان الشيخ السابق الذي ظن إخوانه أن لا أحد يسد مكانه في الإمارة ولا في قلوبهم.
كان تقبله الله تعالى -وهو يدرك تربص الصليبيين والمرتدين به- يكاد لا ينقطع عن زيارة المجاهدين في ثغورهم ويشاركهم في غزواتهم، وإن دهمهم خطب أو ألمّ بهم أمر وجدوه في مقدمة الصفوف يثبت جمعهم ويسد نقصهم، حتى تعرض في حاله ذاك إلى كثير من المخاطر التي أنجاه الله تعالى منها.
وكان من أخطرها، حين تقدم حشد كبير من مرتدي الجيش الأفغاني والصليبيين إلى مواقع للمجاهدين في مديرية "أشين" بننجرهار، وتمكنوا من تطويق بعض النقاط الأمامية التي كان والي خراسان نفسه مرابطاً فيها، وهم لا يعلمون، واستمر الاشتباك عدة ساعات، حتى قتل كثير من الإخوة في النقطة التي يقاتل فيها الشيخ، فظل صامداً فيها تقبله الله، يقاتل بأسلحة متنوعة ثابتا في نقطة رباطه، مدافعاً عن إخوانه المصابين معه، حتى رد الله عادية المرتدين وتمكن المجاهدون من كسر هجومهم.
كما سرّع -رحمه الله- من تأسيس الدواوين في ولاية خراسان، والذي تأخر قليلا بسبب انشغال سلفه -تقبله الله- في تجميع صف المجاهدين وقتال أعداء الدين، وفي الوقت نفسه لم ينشغل عن التنكيل بأعداء الله، فأمر بتنفيذ الهجمات الكبيرة ضد المرتدين في كابل، أشهرها العملية الانغماسية على المشفى العسكري، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المرتدين.
وفتح الله على يديه مناطق واسعة من مديرية (بجير) في ننجرهار، وكان همه الأول في كل منطقة يفتحها الله لجنود الخلافة أن ينشر التوحيد ويعلم الناس أمر دينهم، فحين أسر المجاهدون 70 من مقاتلي القبائل الذين وقفوا في وجه الدولة الإسلامية في (بجير) متأثرين بدعاية السوء التي يبثها مرتدو "طالبان" أمر بالإحسان إليهم واستتبابتهم وأقام لهم دورات شرعية درّسهم فيها بنفسه التوحيد والولاء والبراء، ثم أطلق سراحهم ليدخل الإسلام من جديد إلى نفوسهم وقلوبهم بعد أن دخل أرضهم وديارهم، وكذلك امتدت الولاية إلى مناطق في (كنر) و(جوزجان) بانضمام مجاهديها إلى جماعة المسلمين، وتأسيس مراكز من دواوين الولاية فيها.
وكان -وهو أمير المجاهدين- لا يجد في نفسه حرجاً أن يخدمهم بنفسه حين يزورهم في نقاط رباطهم وأماكن إقامتهم وعملهم، وكان -وهو المتصرف في بيت مال المسلمين- ليس في بيته قوت يومه أحيانا، ولم يعلم بحاله هذا أحد إلا بعد مقتله.
ولم تشغله تكاليف الولاية عن مهمته الكبرى في تبليغ دين الله للعباد، وأداء الأمانة التي تحمّلها منذ سلك طريق العلم بتعليمه للناس، فكان يجد الوقت وسط انشغالاته لمتابعة تدريس بعض طلبة العلم المجاهدين، منهم الأخ "مسلم" -تقبله الله- الذي قتل معه في نفس الليلة، و"قاري نافذ" الذي قتلته طائرة مسيرة صليبية في وزيرستان، و"عبد الرحمن" الذي استشهد أثناء التصدي لهجوم صليبي في (جرجري)، و"صالح" الذي استشهد رفقة الأخ "سعد الإماراتي" أثناء التصدي لهجوم للمرتدين والصليبيين، ولا زال بعض تلاميذه بين مجاهدي ولاية خراسان نسأل الله تعالى لهم الثبات حتى يلقوا ما لقي شيخهم تقبله الله.
قتل عبد الحسيب وبقيت راية التوحيد عالية
تمكن الصليبيون من تحديد مكانه، وقرروا تنفيذ عمل كبير أملاً في اعتقاله، فقاموا بإنزال عدد كبير من القوات التي تحرسها الحوامات والمقاتلات لتداهم منزله في مديرية "أشين"، فلما شعر بتحركاتهم وسمع صوت طائراتهم حمل سلاحه رافضاً الاستسلام لهم، واشتبك معهم فقتل اثنين من الجنود الأمريكيين قبل أن يقتلوه، وانتقم الصليبيون بأن دكت طائراتهم المنطقة بالقذائف والصواريخ، مدمرة منازل المسلمين، وقتلت وأصابت أكثر من مائة منهم جلهم من النساء والأطفال، وكان ذلك في (30 رجب 1438 هـ).
لقد قتل الصليبيون الشيخ (عبد الحسيب اللوجري) كما قتلوا من قبل الشيخين الجليلين حافظ سعيد خان ومقبول الخراساني تقلبهما الله، وبقيت راية التوحيد مرفوعة في ذرى جبال خراسان يتعاقب على حملها سادة نجباء، كلما قتل منهم سيد قام مكانه قائم بما قام أخوه، ونحسب من ينتظر نحبه منهم ماضين على خطى من قضوا إلى أن يُسلّم آخرهم مع إخوانهم من جنود الخلافة الراية إلى المسيح عليه السلام، ويلقوا الله تعالى وهو راض عنهم.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 189
الخميس 1 ذو القعدة 1440 هـ
• الشيخ المحدّث
عبد الحسيب اللوجري -تقبله الله-
(تفقّهَ قبل أن يسود وملك قلوب إخوانه بحسن أخلاقه)
إن علماء الإسلام كالشمس للدنيا، من غيرها تظلم الأرض، وكالنور للعين، من دونه تعمى الأبصار، وكالعافية للأبدان، تفنى من دونها بالأدواء والأسقام، فهم الذين يبينون للناس مراد الله تعالى من وحيه ليطيعوه على بصيرة، وهم الذين يدلونهم على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- ليتّبعوه على هدى، وهم الذين يذودون عن حياض الدين كل مبتدع يُدخل في الدين ما ليس منه، وكل جاهل يُفسد من حيث أراد الإصلاح.
وما من خسارة للأمة أكبر من خسارتها لعلمائها، فبغيابهم عن ميادين جهادها يتخذ الناس رؤوساً جُهالاً يضلون الناس وهم يحسبون أنهم مهتدون، وما من نعمة ينعم الله بها على المجاهدين خير من العلماء العاملين الذين يعلمونهم إن جهلوا، ويصوّبونهم إن أخطأوا، ليحققوا لعملهم شرط الصحة والاتباع، بعد شرط التوحيد والإخلاص.
وقد منّ الله تعالى على الدولة الإسلامية في مختلف ولاياتها بطائفة من أهل العلم وطلابه، الذين نفع الله بهم أهل الإسلام، فكان منهم المُفتون والقضاة، وأهل الحسبة والدعاة، وقادة الحرب الكماة، وأمراء الدواوين والولاة، وكان منهم والي خراسان الأسبق، الشيخ المجاهد والعالم المحدّث "أبو عمير" عبد الحسيب اللوجري -تقبله الله تعالى-.
تولى أمر الولاية في فترة من أصعب الفترات، حين ظن الصليبيون أنهم قصموا ظهرها بقتل واليها الأول الشيخ "الحافظ سعيد خان" تقبله الله، فأحسن رعاية جندها وأهلها، ونشر التوحيد والمعروف في أنحائها، وحفظ مع إخوانه ثغورها، وحمى جماعة المسلمين أن يقدر على هدمها منافق، أو يتمكن من شقّها مارق، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا، فجزاه الله تعالى عن أمة الإسلام خير الجزاء.
- من طلب العلم بالسنة إلى الدعوة إليها
ولد الشيخ -واسمه- (حياة الله بن محمد شاه خان) مهاجراً غريباً في باكستان، بمنطقة (كرم أجنسي)، بعد أن شردّهم الملاحدة الروس حين غزو أفغانستان، وهناك صبا وشب، فدرس في مدارسها العامة وأتقن اللغات العربية والإنكليزية والفارسية، بالإضافة إلى معرفته بلغتي البشتو والأوردو.
ثم التحق -تقبله الله- بمعهد شرعي فيها لمدة 8 سنين أخذ فيها مفاتيح العلم ومبادئه العامة وفنونه المختلفة، قبل أن يقرر التخصص في علم الحديث، الذي أخذه عن بعض علمائه وأهله في مدينة (بيشاور) حيث استقر هناك لهذا الغرض
4 سنوات، درس خلالها الكتب الستة وغيرها من كتب الحديث والأثر.
بعد أن أنهى الشيخ مرحلة الطلب تلك، قرر أن يدخل إلى أفغانستان ليدعو إلى ما تعلمه في ساحة هي أحوج ما تكون للعلم في ظل فشو الشرك والتصوف فيها، وغلبة الجهل بالسنة على أهلها، فانتقل -رحمه الله- من باكستان مرباه ومرعاه، إلى مسقط رأسه في قرية (محمد أكبر خيل) التي تتبع لمديرية (أذرة) في (لوجر) حيث استقر فيها، لينذر عشيرته الأقربين، ويدعوهم للتمسك بالتوحيد، ويعلمهم القرآن والسنة، ويحرضهم على جهاد الصليبيين والمرتدين، ويبقى على هذا الحال عاماً كاملاً، دون أن يشغله ذلك كله عن القيام بالجهاد بنفسه، حيث كان يتعاون مع بعض المجاهدين في المنطقة ويعينهم بما يقدر عليه، وقد حاول المرتدون اعتقاله بعد كشفهم لحاله، فخرج من قريته خائفاً يترقب، لينتصر بالمجاهدين وينصرهم إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
- من ضيق الأحزاب إلى سعة الخلافة
لما أيقن الشيخ عبد الحسيب أن جنود الطاغوت يأتمرون به ليُثبتوه أو يقتلوه أو يرجعوه عن دينه ويفتنوه، كان موقناً كذلك أن أرض الله تعالى واسعة، وأن من يهاجر في سبيل الله يجد فيها مراغماً كثيراً وسعة، فألقت به عصا الترحال في (كنر) والتحق بمجموعة من المجاهدين تقاتل تحت راية "طالبان" إذ كانوا -آنذاك- يحسنون الظن بالحركة وقادتها، فتولى تدريس علوم الشريعة في تلك البلاد مدة عامين، حتى ولّي إمارة "الدورات الشرعية" في (كنر) من قبل أمراء "طالبان" هناك.
وفي هذه الأثناء كان الشيخ المجاهد (حافظ سعيد خان) -تقبله الله- وبعض إخوانه يؤسسون لإقامة دين الله في المناطق الحدودية بعد أن أيسوا من قيام "طالبان" بذلك في المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم، وقد بان لهم انحرافات قادتها وتبعيتهم لحكومة باكستان المرتدة وارتباطاتهم بمخابراتها المنفذة لمخططات الصليبيين، وقد مكّنهم الله تعالى من تحكيم الشريعة في بعض الأنحاء من (أوركزاي) داخل باكستان، وبعض ما جاورها من مناطق في ننجرهار بأفغانستان، وهم يتشوقون لأن تكون ديار الإسلام التي أقاموها مهدا لإعادة الخلافة الإسلامية، أو ولاية من ولايات دولتها إن أذن الله تعالى بإقامتها في أي بقعة أخرى من الأرض.
فلما فتح الله على عباده الموحدين في العراق والشام، ومكّن لهم في الأرض، شكروه سبحانه على ما أنعم به عليهم، بأن أقاموا الدين، ولموا شمل جماعة المسلمين، وبايعوا الشيخ المجاهد أبا بكر البغدادي حفظه الله تعالى أميراً للمؤمنين، وكان الشيخ حافظ وإخوانه من أوائل المبايعين، فولاه الخليفة أمر خراسان وما جاورها من الأصقاع والبلدان، ليدعوا الناس هناك إلى الاعتصام بالجماعة ونبذ الفرق والأحزاب، فيستجيب له المسلمون زرافات ووحدانا، وكان منهم الشيخ عبد الحسيب وعدد من طلبة العلم والمجاهدين الذين ظل يدعوهم ويتواصل معهم حتى بعد هجرته.
- نائبا للشيخ الحافظ
لم تقتصر مهارات الشيخ عبد الحسيب على تدريس العلوم الشرعية التي انهمك فيها معلماً لجنود الخلافة فدرس على يديه المئات من المجاهدين، بل صار محطّ أنظار الإخوة بما برز فيه من مهارات إدارية وقيادية وحسن خلق وطيب معشر وزهد في الدنيا ومتاعها، وانهماك في حوائج المسلمين حتى ينشغل بها عن قضاء حوائجه، وإقدام في الحرب وثبات لدى الملمات قلّ له مثيل.
هذه الصفات وغيرها بوّأته لأن يُولّى -بالإضافة لعمله في التعليم- مسؤولية مركز الفيء والغنائم في الولاية، ويُختار عضواً في مجلس شوراها، ثم بجعله الوالي نائبا له في إدارة شؤونها في (14 محرم 1437 هـ)، فما زاده كل ذلك إلا تواضعا لإخوانه وبذلا في سبيل دينه، وهذا ما رفع قدره بينهم، ونشر محبته عند كل من التقاه، وكان في ذلك سببا -بإذن الله- لبيعة مجموعات من المجاهدين في مناطق أخرى من أفغانستان جاؤوا ليستقصوا عن أحوال جنود الخلافة ويتعرفوا على حقيقة دعوتهم ويسمعوا من أمرائهم وطلبة العلم فيهم، كما حدث مع إخوة من (كنر) ألحقوا المناطق التي يسيطرون عليها بديار الإسلام بعدما جلسوا إليه وسمعوا منه.
- ولي أمر المسلمين في خراسان
قتل الشيخ الوالي (حافظ سعيد خان) -تقبله الله- بقصف صليبي في (21 شوال 1437 هـ)، فولى أمير المؤمنين الشيخ عبد الحسيب أمر ولاية خراسان بناء على توصية مجلس شوراها، فكان نعم الراعي لنعم الرعية، وسد مكان الشيخ السابق الذي ظن إخوانه أن لا أحد يسد مكانه في الإمارة ولا في قلوبهم.
كان تقبله الله تعالى -وهو يدرك تربص الصليبيين والمرتدين به- يكاد لا ينقطع عن زيارة المجاهدين في ثغورهم ويشاركهم في غزواتهم، وإن دهمهم خطب أو ألمّ بهم أمر وجدوه في مقدمة الصفوف يثبت جمعهم ويسد نقصهم، حتى تعرض في حاله ذاك إلى كثير من المخاطر التي أنجاه الله تعالى منها.
وكان من أخطرها، حين تقدم حشد كبير من مرتدي الجيش الأفغاني والصليبيين إلى مواقع للمجاهدين في مديرية "أشين" بننجرهار، وتمكنوا من تطويق بعض النقاط الأمامية التي كان والي خراسان نفسه مرابطاً فيها، وهم لا يعلمون، واستمر الاشتباك عدة ساعات، حتى قتل كثير من الإخوة في النقطة التي يقاتل فيها الشيخ، فظل صامداً فيها تقبله الله، يقاتل بأسلحة متنوعة ثابتا في نقطة رباطه، مدافعاً عن إخوانه المصابين معه، حتى رد الله عادية المرتدين وتمكن المجاهدون من كسر هجومهم.
كما سرّع -رحمه الله- من تأسيس الدواوين في ولاية خراسان، والذي تأخر قليلا بسبب انشغال سلفه -تقبله الله- في تجميع صف المجاهدين وقتال أعداء الدين، وفي الوقت نفسه لم ينشغل عن التنكيل بأعداء الله، فأمر بتنفيذ الهجمات الكبيرة ضد المرتدين في كابل، أشهرها العملية الانغماسية على المشفى العسكري، والتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى من المرتدين.
وفتح الله على يديه مناطق واسعة من مديرية (بجير) في ننجرهار، وكان همه الأول في كل منطقة يفتحها الله لجنود الخلافة أن ينشر التوحيد ويعلم الناس أمر دينهم، فحين أسر المجاهدون 70 من مقاتلي القبائل الذين وقفوا في وجه الدولة الإسلامية في (بجير) متأثرين بدعاية السوء التي يبثها مرتدو "طالبان" أمر بالإحسان إليهم واستتبابتهم وأقام لهم دورات شرعية درّسهم فيها بنفسه التوحيد والولاء والبراء، ثم أطلق سراحهم ليدخل الإسلام من جديد إلى نفوسهم وقلوبهم بعد أن دخل أرضهم وديارهم، وكذلك امتدت الولاية إلى مناطق في (كنر) و(جوزجان) بانضمام مجاهديها إلى جماعة المسلمين، وتأسيس مراكز من دواوين الولاية فيها.
وكان -وهو أمير المجاهدين- لا يجد في نفسه حرجاً أن يخدمهم بنفسه حين يزورهم في نقاط رباطهم وأماكن إقامتهم وعملهم، وكان -وهو المتصرف في بيت مال المسلمين- ليس في بيته قوت يومه أحيانا، ولم يعلم بحاله هذا أحد إلا بعد مقتله.
ولم تشغله تكاليف الولاية عن مهمته الكبرى في تبليغ دين الله للعباد، وأداء الأمانة التي تحمّلها منذ سلك طريق العلم بتعليمه للناس، فكان يجد الوقت وسط انشغالاته لمتابعة تدريس بعض طلبة العلم المجاهدين، منهم الأخ "مسلم" -تقبله الله- الذي قتل معه في نفس الليلة، و"قاري نافذ" الذي قتلته طائرة مسيرة صليبية في وزيرستان، و"عبد الرحمن" الذي استشهد أثناء التصدي لهجوم صليبي في (جرجري)، و"صالح" الذي استشهد رفقة الأخ "سعد الإماراتي" أثناء التصدي لهجوم للمرتدين والصليبيين، ولا زال بعض تلاميذه بين مجاهدي ولاية خراسان نسأل الله تعالى لهم الثبات حتى يلقوا ما لقي شيخهم تقبله الله.
قتل عبد الحسيب وبقيت راية التوحيد عالية
تمكن الصليبيون من تحديد مكانه، وقرروا تنفيذ عمل كبير أملاً في اعتقاله، فقاموا بإنزال عدد كبير من القوات التي تحرسها الحوامات والمقاتلات لتداهم منزله في مديرية "أشين"، فلما شعر بتحركاتهم وسمع صوت طائراتهم حمل سلاحه رافضاً الاستسلام لهم، واشتبك معهم فقتل اثنين من الجنود الأمريكيين قبل أن يقتلوه، وانتقم الصليبيون بأن دكت طائراتهم المنطقة بالقذائف والصواريخ، مدمرة منازل المسلمين، وقتلت وأصابت أكثر من مائة منهم جلهم من النساء والأطفال، وكان ذلك في (30 رجب 1438 هـ).
لقد قتل الصليبيون الشيخ (عبد الحسيب اللوجري) كما قتلوا من قبل الشيخين الجليلين حافظ سعيد خان ومقبول الخراساني تقلبهما الله، وبقيت راية التوحيد مرفوعة في ذرى جبال خراسان يتعاقب على حملها سادة نجباء، كلما قتل منهم سيد قام مكانه قائم بما قام أخوه، ونحسب من ينتظر نحبه منهم ماضين على خطى من قضوا إلى أن يُسلّم آخرهم مع إخوانهم من جنود الخلافة الراية إلى المسيح عليه السلام، ويلقوا الله تعالى وهو راض عنهم.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 189
الخميس 1 ذو القعدة 1440 هـ