مقال: خذوا حذركم (8) التخطيط للعمل وقيود الواقع تعتمد قضية انتقاء الأهداف بالنسبة للمجاهدين ...

منذ 2025-11-26
مقال: خذوا حذركم (8)

التخطيط للعمل وقيود الواقع

تعتمد قضية انتقاء الأهداف بالنسبة للمجاهدين على أمور عدة منها ما يتعلق بهم كأهمية الهدف لهم أو إمكانية التنفيذ عليه، ومنها ما يتعلق بالعدو كأهمية الهدف بالنسبة له، ومقدار النكاية المتحققة فيه باستهدافه.

وعلى هذا الأساس كثيرا ما يكون المجاهدون أمام خيارات عديدة أثناء وضعهم خطة قتالهم التي سيعتمدون عليها في إنهاك عدوهم وصولا إلى تدميره بإذن الله تعالى.


وأهم هذه الخيارات:

الأول: التركيز على العمليات الصغيرة الحجم، كثيرة العدد، واسعة الانتشار، وترك العمليات الكبيرة لصعوبة تنفيذها وتكاليفها.

الثاني: التركيز على العمليات الكبيرة الحجم، قليلة العدد، المركّزة من حيث الهدف، وإهمال العمليات الصغيرة لقلة مردودها وضعف تأثيرها.

وبين هذين الخيارين المتعارضين، نجد خيارات وسيطة، أهمها:

الثالث: التركيز على العمليات الصغيرة المستمرة، مع البحث عن أهداف مهمة باستمرار لضربها حين الإمكان.

الرابع: التركيز على العمليات الكبيرة، ولو كانت قليلة، مع عدم ترك أي فرصة لضرب العدو في عمليات صغيرة.

الخامس: العمل بدون تركيز، وذلك بضرب العدو كيفما أمكن، بعمليات صغيرة أو كبيرة.
العمل في البدايات

وعلى العموم، يمكننا القول إن اختيار المجاهدين لأي من هذه الخيارات يخضع لظروف داخلية تخص وضع المجاهدين من حيث التنظيم والإمكانات والأهداف، وظروف خارجية تخص وضع عدوهم من حيث القوة والتمكين.

فالسرية المجاهدة عندما تكون صغيرة الحجم، ضعيفة الإمكانات، بدائية من حيث قدرات أفرادها على التخطيط والتنفيذ، ويكون هدفها الاستمرار في العمل وتطويره حتى تدمير العدو تماما، وتحقيق التمكين في الأرض، ويكون عدوها قويا متمكنا من الأرض، فإن من مصلحتها بدء عملها باتباع الخيار الأول.

وفي حال كان هدف السرية يقتصر على إحداث أكبر نكاية في العدو، وكان العدو قويا متمكنا، بحيث يغلب على ظن المجاهدين أنهم لن يتمكنوا من الاستمرار في تنفيذ الهجمات لفترة طويلة، فإن من الأفضل لهم أن يتبعوا الخيار الثاني.

وهذا ما نراه عادة في عمليات سرايا المجاهدين أو أفرادهم العاملين في الدول الصليبية، فهم يضعون في حسبانهم صعوبة الانسحاب من موقع الهجوم بعد تنفيذه، أو صعوبة الاستمرار في تنفيذ عمليات متعاقبة نظرا لانكشافهم أمام العدو، ولذلك فإنهم يعملون بهذا الخيار بحسب توفر الإمكانات، وأهمها الأسلحة المطلوبة والقدرة على إيصالها إلى مكان الهجوم، فنجدهم يتفاوتون بين استخدام السكاكين، في هجمات توقع عددا قليلا من القتلى والجرحى في صفوف الصليبيين، وأثرا نفسيا ودعائيا محدودا، وبين هجمات كبيرة منسقة باستخدام المتفجرات والأسلحة النارية، والتي توقع خسائر كبيرة في صفوف الصليبيين، ماديا وبشريا، وصدىً إعلاميا كبيرا.

وفي حال كانت السرية قوية من حيث امتلاك أفرادها الخبرات اللازمة لتنفيذ عمليات كبيرة، وإن كانت ضعيفة من حيث العدد والإمكانات، فإنه يمكنها أيضا اتباع الخيار الثاني، وذلك كي تحقق لنفسها نموا سريعا، فالعمليات الكبيرة تجذب عيون الأنصار وقلوبهم بشكل أسرع، وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية فور دخولها إلى الشام، حيث اقتصر أمرها في بداية الأمر على عدد قليل من الإخوة الخبراء مع عدد ليس بكبير من الأنصار قليلي الخبرة، فبدأ العمل بهجمات كبيرة مركزة على مفاصل النظام النصيري الرئيسة، الأمر الذي ساعد على شهرة كبيرة لاسم السرية (جبهة النصرة) ودفع العشرات ثم المئات من المهاجرين والأنصار إلى الالتحاق بها، خاصة بعد أن عرفوا بتبعيتها للدولة الإسلامية.

وكذلك فإن الشيخ أبو مصعب الزرقاوي وإخوانه قد اتبعوا هذا الخيار في بداية قتال القوات الصليبية الغازية في العراق، وساعدت العمليات الكبرى التي نفذها المجاهدون ضد "الأمم المتحدة" والسفارات وثكنات الصليبيين على شهرة واسعة لهم طغت على شهرة جميع الفصائل الموجودة في الساحة، الأمر الذي سهل جدا قضية التحاق المهاجرين والأنصار بجماعة (التوحيد والجهاد) وخاصة بعد أن تبيّن لهم أن عقيدتها قائمة على التوحيد، ومنهجها قائم على الجهاد في سبيل الله حتى إقامة الدين وإعادة الخلافة الإسلامية.


- العمل في مراحل متقدّمة

وبعد أن تنمو السرية المجاهدة كماً ونوعا، بحيث يصبح عددها كبيرا نوعا ما، ما يجعل من العسير القضاء عليها تماما، وكذلك تنمو إمكاناتها المادية وقدرات أفرادها المعرفية من حيث الخبرة في التخطيط للهجمات وتنفيذها، فإنه من الضار بالنسبة إليها الاقتصار على أحد الخيارين (الأول والثاني)، فاقتصارها على الأول يكون تفريطا في جانب العمليات الكبيرة ذات التأثير الكبير على العدو رغم قدرتها عليها، واقتصارها على الثاني يؤدي إلى تجميد جزء كبير من أفرادها وإمكانياتها، حيث لا يمكن حشد كل ذلك لتنفيذ العمليات الكبيرة، القليلة العدد عادة، مما سيصيب السرية بالبطالة.

68715fd0aeabb

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً