مقال: فاستقم كما أمرت بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، ...
منذ 2025-11-26
مقال: فاستقم كما أمرت
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
نعيش زماناً ساد فيه أهل الطغيان وقلّ فيه أهل الاستقامة، وكثر فيه المتجاوزون لحدود الله، الذين خلت أبدانهم من أرواحهم فهم أموات، وكذلك كل من خلا بدنه من الاستقامة، فروحه فاسدة، فكأنما لا روح له، فالاستقامة هي زكاء الروح وصفاءها، والناس بين مستقيم ومتجاوز للحد ومفرّط، فأهل السنة هم أهل الاستقامة، الذين سلكوا طريق الحق ولم يميلوا عنه لا إلى يمين أو شمال، ملازمين له، داعين إليه، سألين الله في كل وقت وحين "اهدنا الصراط المستقيم"، قال عمر رضي الله عنه: "الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب". [مدارج السالكين].
ومع كثرة الباطل وتأويلاته وفتنه وشبهاته، كان لزاماً على أهل الحق أن يستقيموا لله على طاعة ولا يتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى:15]، فالاستقامة هي "سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة". [جامع العلوم والحكم].
- كن مستقيماً لا متعدياً ولا مضيعاً
وحتى تتم للمرء استقامته لابد أن يكون سلوكه بين طرفي "الإفراط" بالتعدي و"التفريط" بالإضاعة، وقد ذكر ابن القيم ستة أمور تتم بها استقامة المرء وبخروجه عن واحد منها يخرج عن الاستقامة إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً، وهي "بذل المجهود في العمل، والاقتصاد فيه، وهو السلوك بين طرفي الإفراط -وهو الجور على النفوس- وبين التفريط بالإضاعة، ووقوفاً على ما يرسمه العلم لا وقوفاً مع داعي الحال، وإخلاص الإرادة، ومتابعة السنة"، فبهذه الست تتم للمرء استقامته، وليحذر المؤمن المجاهد أن يخرجه الشيطان عن حد الاستقامة إما إلى بدعة التفريط والإضاعة فيترك الاعتصام بالسنة، أو إلى بدعة الإسراف والمجاوزة فيخرجه عن الاقتصاد فيها، فيمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، كما هو حال الخوارج الذين يحقر أهلُ الاستقامة صلاتَهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، قال بعض الصحابة: "اقتصاد في سبيل وسنة، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة".[مدارج السالكين]، وعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هلك). [مسند أحمد]. وقال ابن القيم معلقاً عليه: "قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل، فكل الخير في اجتهاد باقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم".[مدارج السالكين].
- أسباب معينة على الاستقامة
- كثرة الطاعات ودوامها: لأن الله عز وجل يُصلح العبد بطاعته ويزيد إيمانه بها، فمن داوم لله على طاعة منَّ عليه بالهداية والاستقامة، ففي الحديث القدسي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً قال، قال الله عز وجل: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضه عليه، ومازال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها). [صحيح البخاري]، فهذه هي عين الاستقامة أن لا يصدر من العبد شيئ إلا برضا الله وتوفيقه.
- ومنها طلب الاستقامة من الله عز وجل: فإن الله يحب أن يُسأل، ومن أحب السؤال إلى الله سؤال الهداية والاستقامة، فقد أوجبه سبحانه على عباده في كل يوم عدة مرات في أوقات خمس، فنقول في صلاتنا: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) قال السعدي: "فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك".[التفسير].
- ومن أسباب الاستقامة وأنفعها اتباع الكتاب والسنة: قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 27 ـ28]. قال الطبري رحمه الله: "وكان معنى الكلام، إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحقّ فيتبعه، ويؤمن به". [التفسير].
- نبذ الأهواء والبدع: قال تعالى: {فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}[الشورى:15]. قال الطبري رحمه الله: "فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم، ووصّى به نوحا، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد الله، واستقم على العمل به، ولا تزغ عنه، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم". [التفسير].
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
نعيش زماناً ساد فيه أهل الطغيان وقلّ فيه أهل الاستقامة، وكثر فيه المتجاوزون لحدود الله، الذين خلت أبدانهم من أرواحهم فهم أموات، وكذلك كل من خلا بدنه من الاستقامة، فروحه فاسدة، فكأنما لا روح له، فالاستقامة هي زكاء الروح وصفاءها، والناس بين مستقيم ومتجاوز للحد ومفرّط، فأهل السنة هم أهل الاستقامة، الذين سلكوا طريق الحق ولم يميلوا عنه لا إلى يمين أو شمال، ملازمين له، داعين إليه، سألين الله في كل وقت وحين "اهدنا الصراط المستقيم"، قال عمر رضي الله عنه: "الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعالب". [مدارج السالكين].
ومع كثرة الباطل وتأويلاته وفتنه وشبهاته، كان لزاماً على أهل الحق أن يستقيموا لله على طاعة ولا يتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ} [الشورى:15]، فالاستقامة هي "سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القيم، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها، الظاهرة والباطنة". [جامع العلوم والحكم].
- كن مستقيماً لا متعدياً ولا مضيعاً
وحتى تتم للمرء استقامته لابد أن يكون سلوكه بين طرفي "الإفراط" بالتعدي و"التفريط" بالإضاعة، وقد ذكر ابن القيم ستة أمور تتم بها استقامة المرء وبخروجه عن واحد منها يخرج عن الاستقامة إما خروجاً كلياً أو خروجاً جزئياً، وهي "بذل المجهود في العمل، والاقتصاد فيه، وهو السلوك بين طرفي الإفراط -وهو الجور على النفوس- وبين التفريط بالإضاعة، ووقوفاً على ما يرسمه العلم لا وقوفاً مع داعي الحال، وإخلاص الإرادة، ومتابعة السنة"، فبهذه الست تتم للمرء استقامته، وليحذر المؤمن المجاهد أن يخرجه الشيطان عن حد الاستقامة إما إلى بدعة التفريط والإضاعة فيترك الاعتصام بالسنة، أو إلى بدعة الإسراف والمجاوزة فيخرجه عن الاقتصاد فيها، فيمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، كما هو حال الخوارج الذين يحقر أهلُ الاستقامة صلاتَهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، قال بعض الصحابة: "اقتصاد في سبيل وسنة، خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة".[مدارج السالكين]، وعن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هلك). [مسند أحمد]. وقال ابن القيم معلقاً عليه: "قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمل، فكل الخير في اجتهاد باقتصاد، وإخلاص مقرون بالاتباع، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السلام وسنتهم".[مدارج السالكين].
- أسباب معينة على الاستقامة
- كثرة الطاعات ودوامها: لأن الله عز وجل يُصلح العبد بطاعته ويزيد إيمانه بها، فمن داوم لله على طاعة منَّ عليه بالهداية والاستقامة، ففي الحديث القدسي الصحيح عن أبي هريرة مرفوعاً قال، قال الله عز وجل: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضه عليه، ومازال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها). [صحيح البخاري]، فهذه هي عين الاستقامة أن لا يصدر من العبد شيئ إلا برضا الله وتوفيقه.
- ومنها طلب الاستقامة من الله عز وجل: فإن الله يحب أن يُسأل، ومن أحب السؤال إلى الله سؤال الهداية والاستقامة، فقد أوجبه سبحانه على عباده في كل يوم عدة مرات في أوقات خمس، فنقول في صلاتنا: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) قال السعدي: "فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد، ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك".[التفسير].
- ومن أسباب الاستقامة وأنفعها اتباع الكتاب والسنة: قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 27 ـ28]. قال الطبري رحمه الله: "وكان معنى الكلام، إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحقّ فيتبعه، ويؤمن به". [التفسير].
- نبذ الأهواء والبدع: قال تعالى: {فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ}[الشورى:15]. قال الطبري رحمه الله: "فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم، ووصّى به نوحا، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد الله، واستقم على العمل به، ولا تزغ عنه، واثبت عليه كما أمرك ربك بالاستقامة ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكُّوا في الحقّ الذي شرعه الله لكم". [التفسير].