الطريق إلى القدس قالوا قديما إن "كل الطرق تؤدي إلى روما"، والصحيح أنّ طريقا واحدا فقط يؤدي ...

منذ ساعتين
الطريق إلى القدس


قالوا قديما إن "كل الطرق تؤدي إلى روما"، والصحيح أنّ طريقا واحدا فقط يؤدي إلى روما، وهو نفس الطريق الوحيد الأوحد الذي يؤدي إلى مكة والقدس والأندلس، وهو نفسه الذي يوصل إلى بغداد ودمشق وسائر عواصم وقلاع المسلمين الأسيرة السليبة.

وينتظر منا الناس أن نتكلم عن القدس في بيان أو خطاب أو صحيفة أو كتاب، ولو كان هذا سقف القدس عندنا لأغرقنا الدنيا بيانات وخطبا، لكنّ القدس بالنسبة إلينا دِين ننصره، ودَين نسدِّده، ووعد سننجزه بإذن الله تعالى طال الزمان أم قصر.

لقد رسم لنا الإسلام الطريق إلى القدس بكل دقة ووضوح، طريق لا لبس فيه ولا غموض، لا اعوجاج فيه ولا انحراف، طريق سار عليه الأنبياء من قبل، وسار عليه الصحابة الفاتحون يتقدمهم فيه إمام المجاهدين محمد صلى الله عليه وسلم؛ إنه الجهاد في سبيل الله تعالى، فهذا هو الطريق والحل الوحيد.

لكن على الناس أنْ يدركوا أن الجهاد في سبيل الله تعالى يختلف عمّا يسمى بالمقاومة، فالفرق بين الجهاد والمقاومة كالفرق بين الحق والباطل، والضلالة والهدى، وكالفرق بين طريق الأنبياء وصالحِ المؤمنين، وطريق "جيفارا" و"عرفات" و"لينين"، وكالفرق بين طريق أبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم-، وطريق "سليماني" و"خامنئي"! وإن الهُوّة بين الطريقين والفريقين كبيرة جدا، تماما كعاقبة كل منها.

فعلى الناس أن يُصحّحوا مسارهم، ويضبطوا بوصلتهم على مؤشر الجهاد لا المقاومة.

وإننا نحسب أن المجاهد الذي يتربص بالرافضة في العراق أقرب إلى القدس ممّن والى الرافضة وحسّن صورتهم وصدّرهم المشهد في فلسطين وفتح لهم سوق المتاجرة بالقدس والمقدسات على مصراعيه!، كما نحسب أن المجاهد المرابط على قمم ننجرهار أو شعاب بوصاصو أو صحاري نيجيريا أو أدغال الكونغو أو حتى موزمبيق؛ الذي يسير على صراط الله المستقيم، أقرب إلى القدس ممن يدّعى نصرتها لكنه ضلّ الطريق إليها باتباعه طرقا غير الجهاد، وسبلا أخرى غير سبيل المؤمنين.

قال تعالى: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}[الأنعام:153]، قال ابن كثير رحمه الله: "إنما وحّد سبحانه سبيله، لأن الحق واحد". فالسبيل إلى القدس ومكة والأندلس وغيرها هو سبيل واحد، بمنهاج واحد لا يتعدد، تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يزيغ عنه إلا هالك ولا يتنكّبه إلا ضال.

فلن يحرر القدس ولن يشمّ رائحتها من حالف من يسبّ أمهات المؤمنين!، ولن يحرر القدس من فرّق بينها وبين العراق والشام واليمن وخراسان، ولا مَن فرّق بينها وبين الشيشان، ولن يحرر القدس من خذل المسلمين في الموصل والرقة وحلب والباغوز، فكلها قضايا المسلمين وكلها ديارهم، ولن تعود إليهم بغير الإسلام.

وكذلك لن يحرر القدس من فرّق بين الرافضة واليهود! فأطماع الرافضة في القدس وبلاد المسلمين لا تقل عن أطماع اليهود فيها، وإن كان اليهود يحلمون بدولة من النيل إلى الفرات، فإن الرافضة يحلمون بدولة من طهران إلى بيروت.

كما إنه لن يحرر القدس من فرّق بين قتال اليهود وقتال حراسهم طواغيت العرب من لدن تميم وأردوغان، وحتى آل سلول وآل نهيان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تُقاتِلُوا اليَهُودَ، حتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وراءَهُ اليَهُودِيُّ: يا مُسْلِمُ، هذا يَهُودِيٌّ وَرائي فاقْتُلْهُ" [البخاري].

يؤكد الحديث الصحيح أن فلسطين لن يفتحها إلا المسلمون، لن يفتحها الوطنيون ولا القوميون، ولا مَن خلف سراب إيران ومحورها يلهثون، سينتهون جميعا ويتلاشون ولن يفتح القدس إلا المسلمون، ستسقط جميع الجيوش والحكومات المرتدة، ولن يجد اليهود أحدا يحتمون به كما هو الحال اليوم، لن يجدوا الجيش المصري ولا الأردني ولا اللبناني ولا النصيري، ستزول كل هذه الجيوش الكافرة التي تحيط بفلسطين إحاطة السوار بالمعصم، ولن تزول إلا على أيدي من يرى كفرها ووجوب قتالها، فمن حقّق هذا نال ذاك، وعندها لن يحول بيننا وبين اليهود إلا الغرقد!

لقد ضلت جميع الأحزاب والحركات والجماعات طريقها إلى القدس ونسيت روما وباعت الأندلس وسخِرت من دابق وكفرت بفتح القسطنطينية، أما جنود الخلافة فهم يعرفون طريقهم جيدا إليها، ونحسب أنهم لم يتأخروا ولم يبطئوا المسير يوما، فكل معاركهم اليوم شرقا وغربا ما هي إلا محطات في الطريق إلى القدس ومكة والأندلس وبغداد ودمشق وسائر ديار المسلمين الأسيرة، فهي معركة واحدة.

فلم يضلّ جنود الخلافة طريقهم إلى القدس كما ضلّ غيرهم، بل لم ينسوا القدس منذ انطلاق جهادهم المبارك في العراق؛ قال الشيخ أبو محمد العدناني تقبله الله: "لقد مَنّ الله علينا ففتح لنا باب الجهاد في العراق، فتسابق المهاجرون وتوافدوا من كل حدب وصوب، فرُفِعت راية التوحيد، وقامت سوق الجهاد، وتصدّت ثلة قليلة من المهاجرين والأنصار لأعتى قوة عرفها التاريخ، بعدّة بالية وصدور عارية، واثقين من نصر الله عازمين على تحكيم شرع الله، أجسادهم في العراق، وأرواحهم في مكة الأسيرة، وأفئدتهم في بيت المقدس، وعيونهم على روما".

وفي المقابل، فإن جنود الخلافة لم يُغالوا في قضية فلسطين ولم يجعلوها استثناء بين قضايا المسلمين، فهم وضعوا بيت المقدس نصب أعينهم، لكنهم لم يُغمضوا أعينهم عن غيرها من قضايا وجراحات المسلمين الأخرى، ولم يفرّقوا بين دماء إخوانهم المسلمين في فلسطين ودماء إخوانهم في غيرها من البلدان، بل أخذوا على عاتقهم همّ نصرتهم والذود عنهم جميعا، ليس مِنّة أو مجاملة لأحد، ولا عاطفةً، فأهل العواطف لا ينصرون حقا ولا يدفعون باطلا، ولكن عقيدة ونصرة وولاء للمسلمين كل المسلمين.

وعلى المجاهدين في كل مكان أن يستفرغوا الوسع في نصرة إخوانهم في فلسطين، والتخذيل عنهم بكل ما يملكون، فهو واجب شرعي فليأتوا منه ما استطاعوا، فما لا يُدرك كله لا يُترك جله، فمن عجز عن قتال اليهود داخل فلسطين فليقاتلهم خارجها وليقاتل معهم حلفاء اليهود وأوليائهم من طواغيت العرب والعجم، وما أكثرهم.

اللهم الطف بعبادك المسلمين في فلسطين، اللهم أبرم لهم أمر رشد، تُعِزُّ فيه وليّك وتُذِلُّ فيه عدوك، اللهم سلّط على اليهود سيف انتقامك، واشف صدور قوم مؤمنين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 287
الخميس 8 شوال 1442 هـ

683b4c4f96693

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً