خُدّام الطواغيت ما يزال الحق والباطل في صراع مستعر على جميع الصُعد العسكرية والإعلامية ...

منذ ساعتين
خُدّام الطواغيت


ما يزال الحق والباطل في صراع مستعر على جميع الصُعد العسكرية والإعلامية والاقتصادية وغيرها، وقد حرص أهل الباطل طوال مسيرة هذا الصراع على تغليف باطلهم بغلاف الحق فلبسوا لباسه وتزيّنوا بزيّه وتسموا باسمه، واجتهدوا كثيرا في أن يظهروا أمام الناس بمظهر الناصح الأمين، الحريص على دينهم ودنياهم.

وهذا يفسّر سبب حرص الطواغيت والحكومات المرتدة على إنشاء ودعم وزارات وهيئات الأوقاف وتعيين الأدعياء والخطباء الموالين لهم، وتسليط الأضواء عليهم، لا لينصروا الحق والتوحيد والملة والدين، بل لينصروا هذه الحكومات والأنظمة المرتدة، فيحسّنوا قبيحها ويبرِّروا شركها ويهوّنوا كفرها ويخدموا مصالحها، وكل ذلك خلف ستار النصح والحرص على الإسلام والمسلمين! زعموا.

وقد حفظ لنا القرآن الكريم نماذجَ من هؤلاء الضالين المضلين، وكان أولهم شيخهم إبليس -لعنه الله- حين جاء لآدم وزوجه -عليهما السلام- بثياب الواعظين، وزيّن لهما الباطل بالقول الجميل، وبرز لهما ناصحا ومرشدا! حريصا على نفعهما، قال تعالى مبيّنا قول إبليس وهو يتحدث إلى آدم وزوجه عليهما السلام: { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 20 - 21]، فتأمل كيف غيّر إبليس ظاهر الباطل المحض ليُضفي عليه صبغة المنفعة والخير، فزعم أن هذه الشجرة -التي نهاهما الله تعالى عن أكلها- هي شجرة الخلود والملك الذي لا يبلى ولا ينقطع، وأنهما بأكلهما من هذه الشجرة سيكونا ملَكين من الملائكة المقربين!، فأتاهما إبليس بمظهر أهل الحق والإرشاد! بل وأقسم لهما على أنه من الناصحين! تماما كما يُقسم اليوم الأبالسة المعاصرون.

ولم يزل هذا دأب أهل الباطل حتى عهد نبينا صلى الله عليه وسلم، حيث لم يختلف طواغيت قريش عن سلفهم، فقد وثق القرآن الكريم حالهم وهم ينطلقون نحو أتباعهم، ويوصونهم بالصبر وعدم الانصراف عن عبادة آلهتهم المزعومة، قال تعالى: {وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 6]، فانظر كيف يوصون أتباعهم بالثبات على الباطل والصبر على الشرك!، ويحذرونهم من دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويزعمون بأن دين الإسلام يريد محمد من ورائه تحقيق مصالح دنيوية لنفسه كالرياسة والجاه والمنصب! فقلبوا الحق باطلا والباطل حقا.

وإلى يومنا هذا استمر دعاة الباطل في السير على نفس النسق الذي سبقهم إليه إبليس! وإن تغيرت الأزمان والظروف والأدعياء، فإن الحقيقة واحدة لا تتغير، فما زال هؤلاء يلبسون ثياب أهل التقى والنصح والإرشاد، ويظهرون بمظهر الناصحين للأمة الناصرين لدينها، الحريصين على مصلحتها، لكنهم في الحقيقة ما هم إلا أنصار للباطل يأمرون الناس بطاعة الطواغيت والسير في ركابهم، مدّعين أن هذا هو الحق الذي يصان به الدين، وتحفظ به الدنيا، ولا ينقصهم -كما لم ينقص أسلافهم- المظهر الحسن والمنطق الجميل والسلطة لتنفيذ ذلك.

وكلما كان الدعيُّ المُضل قريبا من بني قومه كان تأثيره فيهم أكبر وفتنته عليهم أعظم، خصوصا إذا كان عليه سمت أهل الحق ويستخدم ألفاظه ويستدل بمصادره ويُخفى عن الناس حقيقة باطله وضلاله، خلف كلامه المنمّق ودعاويه الناضرة ولافتاته البراقة.

ونرى اليوم كيف يفتح طاغوت كل دولة المجال أمام خُدامه من دعاة الضلالة بتسليط الأضواء عليهم وتقديمهم في الفضائيات لينصروا سياسة الطاغوت وينفذوا أجندته بعد أن يُلبسوها ثياب الحق والحق منهم براء، ولعل من أصرح الأمثلة الأخيرة على ذلك ما رأيناه من تقاطر دعاة الضلالة في مصر وقطر والكويت وغيرها على الشاشات زاعمين النصرة لفلسطين! فما كان موقفهم هذا إلا تماشيا مع مواقف طواغيت بلادهم الذين اقتضت "الضرورة السياسية" أن يخرجوا بهذا الثوب البرّاق!

وما هذه المؤتمرات والهيئات والميزانيات الضخمة المصروفة والتسهيلات الكبيرة المقدّمة لعلماء الأضواء من قبل الطواغيت، إلا خدمة ودعما لمصالحهم وخططهم السياسية التي تتغير وتتبدل تبعا لتغير وتبدل السياسات والتحالفات الدولية.

ومن أراد أن يتأكد، فليرجع قليلا إلى التاريخ ويرى كيف كان طواغيت وأدعياء آل سلول هم مَن يلعبون دور طواغيت وأدعياء الكويت وقطر اليوم في ادّعاء نصرة قضايا المسلمين، فما الذي تبدل وما الذي تغير؟ هل ضلّ دعاة آل سلول بعد هدى؟! أم اهتدى دعاة آل صباح وآل تميم ومعهم دعاة السيسي بعد ضلالة؟! كلا، لا هذا ولا ذاك، وإنما كل منهم يسير وفق المسار الذي رسمه لهم اليهود والنصارى وفقا لتبادل الأدوار وتقاسم المهام في الحرب على المسلمين.

إن خطر هؤلاء الأدعياء على الإسلام يفوق خطر أسيادهم الطواغيت، فهم يُلبسون الباطل ثوب الحق، ويلبّسون على الناس أمر دينهم، ويصرفونهم عن سبيل الهدى والرشاد إلى سبل الغواية والضلال، ويُضلونهم عن منهاج السماء ويُلقون بهم في قعر المناهج الأرضية البشرية التي لم تزد البشرية إلا انحدارا وإسفافا.

إن العلاقة بين الطواغيت وهؤلاء الأدعياء المُضلين هي علاقة تخادم، فكل منهم يخدم الآخر، فالطواغيت يضفون على دعاة الضلالة صبغة "الشرعية" في أعين الناس بتنصيبهم ضمن وزارات الأوقاف، ويفتحون المجال أمامهم ليمارسوا لعبة التباكي والنواح على الدماء والمقدسات، وفي المقابل فإن هؤلاء الأدعياء يشرعنون للطواغيت كل كفرياتهم، ويضعون كل تحركاتهم في قالب الشرع ومصلحة المسلمين.

ومع هذا، فما يزال الزبد يذهب جفاء، وما ينفع الناس يمكث في الأرض، فرأينا كيف انسحب البساط من تحت كثير من هؤلاء الأدعياء وانحرقت أوراقهم وسقطوا من أعين الناس، بعد أن التمسوا رضا الطواغيت عنهم بسخط الله تعالى، فسخط الله عليهم وأسخط عليهم الناس، وكما انحرقت أوراق أدعياء آل سلول والإمارات اليوم بعد سنوات من التضليل والتستر بالدين، فإن انحراق أوراق أمثالهم من أدعياء الكويت وقطر وغيرهم مسألة وقت فقط، وكما يشتم الناسُ اليوم أدعياء آل سلول والإمارات سيشتمون غدا أدعياء الكويت وقطر، وقد تكفّل الله تعالى بحفظ دينه والكشف عن الأدلاء على طريق الضلال ليحذرهم الناس، قال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}، قال ابن كثير رحمه الله: "أي ولتظهر طريق المجرمين المخالفين للرسل".

فعلى الناس أن يحذروا هؤلاء الأدعياء المجرمين وأن لا ينخدعوا بدعواهم، وليعلموا أن الإسلام كما فرض علينا الكفر بالطواغيت فقد فرض علينا أيضا الكفر بخدّامهم وسدنتهم من علماء السوء، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 288
الخميس 15 شوال 1442 هـ

683b4c4f96693

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً