تونس وحصاد الديمقراطية قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة ...

منذ 10 ساعات
تونس وحصاد الديمقراطية


قضت سنة الله تعالى أن العزة لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين، وأن الذلة والصغار والهوان للكافرين والمرتدين والمنافقين الذين حادّوا الله ورسوله وخالفوا أمره، ومِن أكثر مَن حادّ الله ورسوله في هذا الزمان هم طلاب الديمقراطية ودعاتها وأتباعها الذين صدّقوا بها واتخذوها سبيلا ومنهجا، فخالفوا السنة والسنن فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة والتيه، وصار ذلك ملازما لهم في كل أحوالهم كالطوق في رقابهم.

وهذا هو عين ما حصل اليوم للإخوان المرتدين في تونس بعد أن خالفوا سبيل المؤمنين واتبعوا الديمقراطية واستعانوا بها وعظّموها وجعلوها حكَما بينهم وهاديا لهم إلى صراط الجحيم، فكانت النتيجة مشابهة لما جرى لهم من قبل، حيث انقلب عليهم من ارتضوه طاغوتا لهم، فعطّل برلمانهم وأقال قادتهم وضرب بثورتهم وسلميتهم وديمقراطيتهم عرض الحائط، ليكتمل بذلك طوق الفشل الإخواني بسقوط آخر قلاعهم الديمقراطية، وفشل آخر تجاربهم السياسية وأسوأها وأكثرها محاربة لشريعة الرحمن.

قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً}[النساء:115]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شق والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحق وتبين له واتضح؛ جازيناه على ذلك، بأن نحسّنها في صدره ونزيّنها له، استدراجا له، وجعل النار مصيره في الآخرة، لأن من خرج عن الهدى لم يكن له طريق إلا إلى النار يوم القيامة". وقال الطبري رحمه الله: "وذلك هو الكفر بالله، لأن الكفر بالله ورسوله غير سبيل المؤمنين وغير منهاجهم، وقوله: (نولّه ما تولّى) أي: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله، ولا تنفعه". فماذا نفعت الديمقراطية عبيدها في الدنيا؟! وماذا ستُغني عنهم في الآخرة؟!

لكن هذا التيه المضروب لم يكن حكرا على أحزاب الإخوان المرتدين، بل انسحب أيضا على بعض منظّري القاعدة وتيارها المنحرف! فهم كانوا أول مَن أثنى على الطاغوت التونسي واعتبروا فوزه "مؤشر حسن لعمل الدعاة إلى الله، ونشر التوحيد وبيان الدين الحق!"، ورسموا أوهاماً من خيوط العنكبوت، لا تفسير لها سوى تهوين الكفر واستحسان الديمقراطية وتقبّلها بشكل أو بآخر، ما يؤكد أن الفروق القليلة المتبقية بين الإخوان وتيار القاعدة هي فروق في المقدور عليه وغير المقدور عليه ليس إلا، بدليل أنهم استحسنوا هذا الطاغوت الذي أتت به الانتخابات الكفرية مع علمهم أنه "أستاذ في القانون" الكفري! لا في الشريعة ولا في أصول الفقه، فماذا كانوا يتوقعون منه غير الكفر والديمقراطية؟!

إن موقف مخرّفي القاعدة من الطاغوت التونسي في سذاجته لا يقل عن موقف الإخوان المرتدين الذين شبّهوه يوم تنصيبه بعمر بن الخطاب رضي الله عنه! فإن كنت ستعجب من الإخوان المرتدين على وضاعة عقولهم، فعجبك من القاعدة أولى.

ومن العجيب أيضا أن نراهم منهمكين في التفريق والمفاضلة بين فريقي "الثورة" و"الثورة المضادة"، والتفريق بين الطواغيت الذين يدعمون كل فريق منهما!، وهذا لا شك فإنه يعكس عمق الانحراف الذي أصاب هؤلاء فصاروا يفاضلون بين فريقين كلاهما يرى في السلمية وسيلة وفي الديمقراطية حكما وفي الجهاد جريمة!

ولقد أقرّ عبيد الديمقراطية بأن جميع تجارب ما يسمى بـ"الربيع العربي" فشلت، لكنهم عزوا ذلك لأسباب "داخلية وخارجية"، والحقيقة التي لم ولن يتطرقوا إليها أن كل هذه التجارب فشلت لأنها خالفت شريعة الإسلام وسنن الله تعالى في خلقه، ولم نكن ننتظر فشلها في تونس لكي نحكم على فشلها بالجملة، لكن يكفي اعتراف أربابها بفشلها عبرة لمن فتنه بريق "ثورات الياسمين والربيع" الذي سرعان ما انقلبت عليهم شتاء بريح صرصر لا سقيا فيها ولا ماء!

ومن العبر مما جرى، أنه برغم الكفر البواح الذي ارتكبه الإخوان المرتدون في تونس ومحاربتهم للشريعة بغير مواربة إرضاء لـ"الشركاء الدوليين والمحليين"، إلا أن ذلك لم يمنع الانقلاب عليهم، وهو المصير الذي ينتظره كل المفرطون والمتراجعون، فلن ينالوا غير الخسارة ولن يحصدوا غير الفشل والإخوان ليسوا استثناء في ذلك.

ومن العبر أيضا، خروج الحواضن تصفق وتهلل للطاغوت بعد انقلابه على ديمقراطيتهم المزعومة، وفي ذلك رسالة لمن يعوّل كثيرا على هذه الحواضن ويحمّلها وثوراتها ما لا تحتمل! فالحواضن والثورات تحركها مصالح الدنيا وأجندات الداعمين لا اعتبارات الدين، وهذا سبب من أسباب انحراف المنخدعين بها كالقاعدة وأخواتها.

وعليه فيجب على المسلمين أن يعلموا يقينا أن الديمقراطية والسلمية ليست سبيل المؤمنين، فسبيل المؤمنين هو الجهاد الذي يرمي إلى أن تكون الشريعة هي الحاكمة لا الديمقراطية ولا غيرها من المناهج الكفرية التي أفسدت البشرية وأوصلتها إلى هذا الانحطاط الشامل في كل مناحي الحياة.

يقول الشيخ العدناني رحمه الله: "لقد علمت الدولة الإسلامية أنّ الحق لا يُسترد إلا بالقوة فاختارت صناديق الذخيرة لا صناديق الاقتراع، وأنّ رفع الظلم والتغيير لا يكون إلا بالسيف فأصرّت على التفاوض في الخنادق لا في الفنادق، فهجرت أضواء المؤتمرات وأضرمت نار الغارات".

إن العزة والهداية مقرونة بالجهاد في سبيل الله تعالى، لقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}، فهدى الله تعالى المجاهدين إلى سبيل الحق، بينما أركس المنافقين والمخلفين -بما كسبوا- وحرمهم الهداية، فصاروا يتناقضون في كل تنظيراتهم حتى أرهقوا أتباعهم وأدخلوهم في لجج التيه والتخبط الذي لا تخطئه العيون.

إن الأحداث والتغيرات المتسارعة في العالم تُثبت صوابية الدولة الإسلامية في توجهاتها شرعا وسياسة وحكما، لأنها سارت على صراط الله تعالى الذي خلق الخلق ويعلم ما يُصلحهم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فإن صلاح الدنيا والدين هو بالتوحيد والجهاد والشريعة، لا بثالوث الشر؛ الديمقراطية والسلمية وربيبتها الثورات!

فلتفخروا يا جنود الخلافة ومناصريها في كل مكان، فلو لم يكن لكم إلا سلامة المنهج وصحة الطريق لكفاكم ذلك، فكيف وأنتم اليوم رأس حربة تقودون المسلمين إلى نجاتهم والكافرين إلى حتوفهم، قال الشيخ أبو حمزة القرشي حفظه الله: "لابد عليكم يا أجناد الخلافة، أن تدركوا مكانتكم، والنعم العظيمة التي أفاء الله تعالى بها عليكم دون غيركم، وأن تشكروه سبحانه وتعالى على نعمه الظاهرة والباطنة، ما علمتم منها وما لم تعلموا، شكرا لا يفارق الألسن والقلوب، ووالله لتكفي نعمة الهداية لو بقيت وحدها من النعم، فهي لو وضعت في كفة، وتقابلها الدنيا في كفة أخرى، لرجحت كفة الهداية؛ فالدنيا فانية بالية، والهداية موصلة لجنة باقية عالية".

فمزيدا من الثبات على طريقكم ومزيدا من الدعوة إليه ومزيدا من الصبر على ذلك، فلقد بتم ترون ثمار هذا الثبات في مشارق الأرض ومغاربها، بينما يتجرع المرتدون والمبدّلون غصص الذل والحسرة والهوان جراء تفريطهم وتبديلهم واتباعهم سبل الكافرين ومناهج المنحرفين، ولا يظلم ربك أحدا.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 297
الخميس 19 ذي الحجة 1442 هـ

683b4c4f96693

  • 1
  • 1
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً