العالِم الذي نريد "بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قِبلي"… كلمات تنوء لحملها الجبال يصدح بها ...

منذ 10 ساعات
العالِم الذي نريد


"بئس حامل القرآن أنا إن أُتيتم من قِبلي"… كلمات تنوء لحملها الجبال يصدح بها الصحابي الجليل سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه، أحد الصحابة القرّاء الذين ضعضعوا جيش مسيلمة الكذاب وهزموه في أروع صور البطولة لأشد المعارك الحاسمة في تاريخ الإسلام "معركة اليمامة".

كلمات تنبئ عن دور القراء والعلماء في المعارك في عصر الخلافة الراشدة، إذ كانوا مسعِّروها وروّادها، أما في العهد النبوي فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقود جيوش المسلمين ويعقد الألوية بنفسه عليه الصلاة والسلام، كيف لا وهو الذي أُنزل عليه {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} [التوبة:73].

ولو كانت القراءة والتجويد والتعليم كافية لأداء حق آيات الجهاد دون العمل بها، لما كلّف النبي صلى الله عليه وسلم نفسه عناء السفر إلى تبوك في أشد الظروف رغم بعد الشُقة وشدة الحر وشح الزاد للقاء عدوه أدنى بلاد العرب، ولَما قطع أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أميالا إلى القسطنطينية حتى يموت على أسوارها محاصِرا لها مع جيش المسلمين، ولَما أجهد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما نفسه لقطْع فيافي الصحراء الكبرى بطولها وعرضها لقتال البربر مع خيول الفاتحين في إفريقية، إنها {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ}، إنها {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ}، إنها {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}، إنها {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}، إنها آيات الجهاد وأوامر الملك العلام.

تسبق هذه الأمة الأمم سواها حين يكون علماؤها مقدمة الركب وحُداته، فينهلون من الكتاب والسنة ويعملون، وتعمل الأمة بعملهم وتقتدي بفعالهم قبل أقوالهم، في مثال حسن للربانيين، فالكل حينها منقاد للكتاب والسنة.

وتعظم الرزايا على هذه الأمة حين يضل العلماء ويكونون أتباعا يستخدمهم الطواغيت لتثبيت عروشهم وقلب الحقائق والتمندل بهم!، في مثال سيئ للأحبار والرهبان، فيعبد الناس الطاغوت ويتحاكمون إليه.

إن حال الأمة اليوم واستسلامها للطواغيت ورضاها بواقع فاسد في دينها ودنياها، خطيئة مصنوعة يحمل وزرها الأكبر المنسوبون للعلم الساكتون عن الحق أو الملبّسون الحق بالباطل، الذين خلطوا الأمر على العامة، وماجوا وموّجوا غيرهم في الفتن.

بينما نجد رهبان النصارى وأحبار اليهود وملالي الرافضة يتقدمون صفوف الحرب على الإسلام، يحثون عليها ويبرّكون ويشجعون حشودهم الكافرة، كفعل الطاغوت الصليبي "فرنسيس" الذي جاء من روما إلى العراق ليرفع الصليب على أنقاض وركام الموصل بعدما دمرتها طائرات التحالف الدولي الصليبي لأنها حُكمت بشريعة الإسلام.

وفي المقابل يشنّ الأدعياء المحسوبون على أهل السنة حربا شعواء على دولة الإسلام، مبتداها إبطال شرعية الخلافة التي انتظرتها أجيال من المسلمين لعقود، إذ لا حل لاختلاف الأمة إلا الخلافة، حيث صاغوا لحربها الأقوال والأفعال، ولو بما هو حرام في "قانونهم".

إن أكثر المنتسبين للعلم اليوم يرجون خلافة لا يتحزّب عليها الكافرون ولا يقاتلونها! ولو كانت خلافة النبوة كذلك؛ لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم البيعة من الأنصار في "العقبة" لحمايته من العرب والعجم والأبيض والأسود، ولَما قال عليه الصلاة والسلام للمثنى بن حارثة رضي الله عنه حين عرض نفسه في الموسم عند اعتذاره عن حمايته من الفرس: (إن هذا الأمر لا يقوم به إلا من حاطه من جميع جوانبه).

وما خيانة أعظم للأمة من خيانة العالِم، فهي مخافة النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)؛ إذ يحاربون أهل الشريعة بنصوص الشريعة! فيَضلون ويُضلون، والعالم الضال داع على أبواب جهنم، ومن اجترأ فخان ربّه فهو لما دونه أجرأ خيانة.

إن السكوت عن الحق حين يتعيّن قوله جرم شنيع، ولو لم يكن جرما كبيرا لما كان جزاء كتمان العلم كبيرا إنه "اللعنة"! {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159] ولو استشعر العالِم عذاب الله ولعنته وطرده من رحمة الله لهانت عليه تهديدات الطواغيت وعقوباتهم، فإن لعنة الله أشد وسخطه أعظم، ومن طرده الطاغوت آواه الله ومن طرده الله فلا مأوى له سوى النار -عياذا بالله-، وإن لجام النار في الآخرة أشد من "قرارات منع التدريس والتصدّر" وأشد من "سجن أعوام" تُقضى في خلوة مع الله.

وليهوننّ الطاغوت في نظره إن تذكّر وقوفه بين يدي الله يوم القيامة، فهذا الأوزاعي رحمه الله عند موقفه أمام عبدالله بن علي العباسي وسؤاله عن دماء بني أمية قال: "فذكرت مقامي بين يدي الله، فلفظتها فقلت: دماؤهم عليك حرام".

وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين)، فالرفعة عند الله لا عند الطواغيت، فكم من عالِم في غياهب السجون بضع سنين أو تزيد ومقامه عند الله وعند الخلق مرفوع، وأقوام موسومون عند طواغيتهم بـ"كبار العلماء" ويُشيد بهم قادة تحالف الصليب! وهم عند الله أحقر من الذر، ما لم يتوبوا.

والتوبة معروضة بعدُ لمن أعان تحالف الصليب بفتوى كانت سببا لإزهاق أنفس معصومة، أو هدم بيوت مطمئنة، بشرط الإصلاح والبيان، قال الله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}. [البقرة:160]

وأعظم ما في الأمر الميثاق المأخوذ على أهل العلم ألا يكتموه، فأين المفر؟ والمصير إليه سبحانه، وأين المناص؟ وهو الحَكَم جل وعلا، وإن كان من نُوقش الحساب فقد عُذب بنص قول المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكيف بمن حوسب على نقض الميثاق؟!

إن العالِم الذي نريد؛ يتقدم صفوف الجهاد يناصر المجاهدين ويفتيهم ويذب عنهم، فإنما هي حرب صليبية وليضع المؤمن نفسه سهما ضدها حيث ثغره، وإن الخلافة ترص الصفوف وِجاه تحالف الصليب كلٌ بقِرْنه حيال الكافرين والمنافقين، العلماء والكتاب والمجاهدون الغزاة والإعلاميون الكماة ومن يردفهم لتفرغهم، صفا واحدا مرصوصا، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 301
الخميس 17 محرم 1443 هـ

683b4f9a9ea34

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً