صحيفة النبأ العدد 309 - قصة شهيد أبو الزبير المهاجر -تقبله الله تعالى- دعوة.. وإعلام.. ...

منذ 8 ساعات
صحيفة النبأ العدد 309 - قصة شهيد


أبو الزبير المهاجر -تقبله الله تعالى-
دعوة.. وإعلام.. وجهاد..

عندما يدخل القرآنُ أعماق النفوس ويخالط بشاشة القلوب يصنع رجالا لا يشبههم الرجال، إذْ يقودهم القرآن فينقادون ويأمرهم فيأتمرون، فيكونون منارات هدى وأشرعة رشاد، تلوح أعلامهم ويرتفع شأنهم، يدلون السالكين ويهدون التائهين، ويضعون اللبنات الصلبة لصرح متين، يُرفع المجد على أكتافهم ويُرسم العز بدمائهم، ذكّارين شكّارين، أوّاهين خاشعين، رؤياهم ترفع الهمم وذكراهم تزيل الوَهَن، وقَفْوُ آثارِهم يوصل القمم.

ومن أمثال هؤلاء -نحسبهم والله حسيبهم- الفارس الهزبر أبو الزبير المهاجر تقبله الله الذي سما بخلقه حين تخلّق بأخلاق القرآن، ممتثلا أمره، وقّافا عند نهيه لا يتعدى حده، الصوّام القوّام، القارئ لكتاب الله القانت بآياته، العفيف الحيي، الصابر الحليم ذو القلب السليم والخلق العظيم، المجتهد العابد والبار المجاهد.

عبد صالح أغدق الله سبحانه وتعالى عليه صفاتا قلّ اجتماعها في أحد وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد شهد له بهذه الصفات وعهده عليها الثقات من إخوانه وأمرائه حتى غدت فيه طبائعَ وسجايا ملازمة له كالظل لا تفارقه، فهو الصادق في قوله المتقن لعمله الموفي بوعده، نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله.


• نشأته وأخلاقه

أبو الزبير محمد بن علي السكتاوي الغدوي أصلا ونسبا، الكدوناوي مولدا وطلبا للعلم وسكنا، وُلد الأخ أبو الزبير في بلدة (كدونا) الواقعة في شمال وسط نيجيريا ذات الأكثرية المسلمة، في بيئة طيبة ذات خلق رفيع وصلاح في الدين، سنة ١٤١٥ هـ في حيّ (تُدُنْ وادا) وترعرع فيه حتى بلغ السابعة من عمره فسجله والداه في أحد "المعاهد الإسلامية" المنحرفة التي كانت تشرف عليها آنذاك ما يسمى بجماعة "إزالة البدعة وإقامة السنة" وهي في الحقيقة إزالة السنة وإخماد الجهاد وإقامة الديمقراطية وعلمنة المسلمين وتلويث عقائدهم، والله المستعان.

وبعد سنوات انتقلت أسرته بما فيها أبو الزبير -تقبله الله- من حيِّ (تُدُنْ وادا) إلى بلدة (رِغاسا) فواصل فيها دراسته حتى تخرّج من الدراسة الابتدائية وانتقل بعدها إلى المتوسطة والثانوية وقد كان الأخ أبو الزبير -تقبله الله- خلال نشأته متميزا بين أقرانه بسجايا حميدة وأخلاق نبيلة، كبِرّه البالغ لوالديه حيث كانت والدته تثني عليه بذلك وتدعو له بالبركة في حياته، إذ كان لا يتعدى حدها ولا يعصي أمرها في منشطه ومكرهه، وكان بشوشا رحب الصدر لمن أحسن إليه أو أساء، كثير التبسم في وجه إخوانه المسلمين لا يفرّق بين أحد منهم متواضعا لهم يوقر كبيرهم ويرحم صغيرهم حتى ألفه القريب والبعيد والكبير والصغير، وكان أبو الزبير مع هذا مترفعا عن سفاسف الأمور فلا تجده إلا في مجالس الذكر وحلق القرآن، لا في الملاهي الساذجة ولا في المراتع السخيفة، وكان مما توج حياته وكللها عفته وأمانته، كما كان كريما سخيّا كثير الصدقة فلا يفوته يوم الاثنين إلا وفطّر فيه مَن حوله من الصائمين بماله، وكان متورعا لا يأكل شيئا يشك في كونه حراما.


• طلبه للعلم

لقد هدى الله تعالى الأخ أبا الزبير إلى الرشد منذ نعومة أظفاره فلم يجعل له هما إلا تعلم أمر دينه ليعيش على بصيرة بعيدا عن دياجير الجهل وظلامه القاتم، حيث درس المرحلة الابتدائية أربع سنوات في مدرستيْ (السعادة الأبدية) و(علوم القرآن والدراسات الإسلامية)، ثم تاقت نفسه إلى حفظ كتاب الله وصار ذلك حلمه الذي لا يفارق جَنانه، فأخبر والده بذلك فنقله إلى معهد (أبي بن كعب) لتحفيظ القرآن فحفظ فيه من القرآن ما شاء الله أن يحفظ وتعلم من التجويد ما تيسر، ثم انتقل إلى معهد (التجديد) للتحفيظ والدراسات الإسلامية مع سائر أشقائه، وانتقل لاحقا إلى مدرسة (الإيمان) التي ينتسب مشايخها إلى دعوة الشيخ محمد بن يوسف البرناوي -مؤسس جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد والتي بايعت الخلافة عام 1436 هـ- فكانت تلك المدرسة خطوة أولى في طريقه إلى نصرة دينه بالنفس والمال، ومن ثَمّ أكمل دراسته ووفّقه الله تعالى لتحقيق حلمه وأسمى مُناه آنذاك في العام الذي أعلنت فيه دولة الخلافة، وهو حفظ كتاب الله، فكان أول مَن جمع القرآن في صدره في تلك المدرسة من بين مئات الطلاب، ولقد كان سديد الرأي حادّ الحافظة قوي الذاكرة قلّما يلحن في القراءة، فأصبح بذلك متفوّقا على أقرانه في هذا الباب، فلا مسابقة تشجيعية تقام في المدرسة إلا كان الفائز فيها، فذاع باعه وعلا صيته حتى سمع به بعض الأساتذة الضُلّال فأرادوا أن يستغلوه لقضاء أوطارهم وبلوغ مآربهم فشرعوا في ترويضه ليكون نجمهم في المسابقات فلم يُوافقهم ولم يخضع لرغبتهم رغم إلحاحهم المتواصل، بل كلما عرضوا له، ردّهم خائبين وردد تلك الكلمة التي كان صادقا في قولها: "لا أشتري بآيات الله ثمنا قليلا، ولا أبيع هذا القرآن بعرضٍ من الدنيا قليل".

كما درس في هذه المدرسة أيضا؛ البيقونية وشرحها في مصطلح الحديث، والقواعد الفقهية، وشيئا من التفسير وقواعده، والفقه وأصوله، وقرأ كذلك السيرة النبوية.


• مِن العابدين

لقد جعل الله سبحانه وتعالى هوى هذا الأخ في قراءة كتابه سبحانه، حتى وفقه الله لحفظه رغم العوائق التي كانت حوله، حيث كانت لديه تجارة يشتغل بها، ويدرس في مدرستين في بلدة (كادونا) يُحَفّظ الأشبال كتاب الله حتى أتمه بعضُهم على يديه.

ولم يكن أبو الزبير ممن حفظ القرآن حفظا بغير عمل، بل كان يعطيه حقه ويكثر تلاوته حتى ذُكر عنه أنه كان يختم القرآن في رمضان في يوم وليلة، وكان لا يفارق مصحفه جيبه، محافظا على ورده، كثير السهر قوّاما يناجي ربه في جنح الليالي يتخشّع بين يديه ويبكي، ولا ينام عن ورده في حضر كان أو في سفر، قال عنه أحد إخوانه: "ما رأيت أبا الزبير يوما نام عن وِرده أو تكاسل عن أدائه مهما كان شغله في حِلٍ كان أو ترحال"، لذا كانت الوضاءة ملازمة لوجهه، لحظّه الوافر من المناجاة، كما كان يؤم الناس في أحد مساجد حيِّه ويؤمهم في صلاتي التراويح والتهجد كل رمضان؛ لإتقانه قراءة القرآن وحسن صوته، وكان في غير رمضان يقرأ في قيامه عشرين جزءا في بعض الليالي إذا كان منفردا.

وهو كثير التطوع بالصيام فلا يفوته صوم يومي الاثنين والخميس وكذلك الأيام البيض في بعض الأحيان، وكان كثير الدعاء طويل التضرع به، والذكر لا يفارق لسانه، محب للنصح والمواعظ كثير الصلاة والخشوع فلا يفرغ من صلاة إلا وقد احمرت مقلتاه أو فاضتا بالدمع، ونحسب أن الصلاة كانت قرة عين لهذا العبد الصالح فقد كان يحافظ على السنن والنوافل، وكان شديد الحرص على إخفاء عمله، وقد وهبه الله سبحانه وتعالى الجرأة في الحق فلا يرى منكرا يقدر على تغييره إلا غيّره، ولا معروفا يُستهان به إلا ذكّر الناس به.


• لا يشغله عن ذكر الله شيء

تعلق قلب أبي الزبير بالمساجد منذ صباه فكانت لا تفوته جماعة ولا جمعة إلا من عذر لا محيد عنه، فكان دائما مشتغلا بربه، وحينما فتح له والده "دكّانا" وأعطاه كامل التصرف فيه، لم تلهه التجارة والمال عن عبادته ، حيث كان يغلقه متى ما اقترب وقت الصلاة ليذهب وينتظر الصلاة وهو الإمام، وفي بعض الأيام يشتغل بطلب العلم و يظل "الدكان" مغلقا وليس له نائب ينوب منابه في غيبته، بل وزاد على مقدار ما كان عليه قبل "الدكان" من الطاعات وجعل من ذلك المال ثمنا يشتري به الجنة حيث كان يعين به من أراد الهجرة والنفير إلى دار الإسلام، ويفطّر منه الصائمين ويتصدق على الفقراء والمحتاجين، ولمّا جاء دوره للهجرة ترك ذلك الغنى وبحبوحة العيش التي هي غاية البطَّالين، فخلّفها وراءه مقبلا إلى حياة فيها سعادة الدارين، ولذة وطمأنينة لا يعلمها إلا من كان فيها، والتي هي أرِب كل لبيب عالي الهمة.


• ثمارٌ بعد تربية حسنة

لقد صارت تلك المدرسة التي التحق بها أبو الزبير منهلا صافيا وموردا نقيا له ولرفقائه والتي كانت تعلم الجيل العقيدة الصحيحة ومعاني الولاء والبراء والمراد بالجهاد في سبيل الله، فهنالك شرَع أبو الزبير يزِن الأحداث والوقائع بميزان الشرع، وبدأت تؤسفه مآسي المسلمين هنا وهناك والمجازر التي ترتكب بحقهم في نيجيريا خاصة وفي العالم عامة، وإهانة النصارى للمسلمين -بتواطؤٍ من الحكومات الكافرة- فجعلت تتّقد في صدره روح الثأر والانتقام للمسلمين، فإذا بحادثة مقتل الشيخ محمد بن يوسف البرناوي -رحمه الله- وما حدث من تدمير مسجدهم ومركزهم ومقتل المئات وأسر أضعافهم من طلابه ظلما وعدوانا، وما تلا هذه الحادثة من استقالة مدرسة (الإيمان) التي يدرس فيها أبو الزبير، وأسْر أحد مشايخها الذي تأثر به أبو الزبير -تقبله الله-.

فالتفت يمنة ويسرة فلم يجد لنفسه جوابا وحالته هذه لو مات وسأله ربه: ماذا قدمت لنصرة المستضعفين وإعلاء كلمة الله؟ فهداه الله تعالى إلى سبيل الرشاد وهو النفير والالتحاق بركب المجاهدين، فجعل همّه هما واحدا واشتد نهمه في البحث عن أخبار المجاهدين فلا يسمع بأحد عنده أخبار المجاهدين أو مقاطعهم المرئية أو المسموعة من برامج إذاعة البيان أو كلمات المشايخ إلا لحق به غير آبه بالخطر الكامن في ذلك، إلى أن يسّر الله له الاطلاع على الشبكة العنكبوتية ففتح حسابات عدة يناصر فيها المجاهدين ويدعو الناس من خلالها إلى التوحيد، وكان ذا عزيمة وهمة في ذلك فكلما حذف له الصليبيون حسابا فتح مكانه آخر ينشط مناصرا للدولة الإسلامية حتى لُقب بين إخوانه بـ"الإعلامي" فشرع في البحث عن حسابات الإخوة الموجودين في الساحات متابعا للوضع، فأصبح يحمّل المرئيات والمسموعات الصادرة عن ديوان الإعلام المركزي للدولة الإسلامية وينشرها بين إخوانه، بل كان يُرِي والديه بعض المرئيات دعوة لهم وحرصا على هدايتهم وكانا يحذرانه من خطر إظهارها في تلك الظروف، فكان يرد عليهم أبو الزبير وينصح لهم في أدب بالغ واحترام جم.
ولم يزل كذلك إلى أن التقى بأحد الإخوة الإعلاميين لولاية غرب إفريقية فنسّقا وحدّدا موعد اللقاء، وفي صبيحة يوم الثلاثاء الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة 1438 هـ، حمل أبو الزبير حقيبته متخفيا ولم يعلم أحد حتى والدته التي كان أبرّ الناس بها، قاصدا أرض الجهاد ومواطن الرجال ميمما نحو ولاية غرب إفريقية ليبذل أغلى ما يملك ابتغاء رضى مولاه.


• حيثما وقع نفع

الخلق الحسن كالمسك لا يستطيع حامله أن يخفي أثره، فبعد هجرة أبو الزبير إلى أرض الجهاد والتحاقه بالركب المبارك، لفتت إليه أنظار الخواص قبل العوام ونالت إعجابهم تلك الأخلاق الحسنة والخلال الطيبة التي تتجسد في معاملاته، فوضع الله له القَبول بين الجميع وأكسبه محبة وتوقيرا في نفوسهم تجاهه رغم حداثة سنه.

بدأ عمله في ديوان الإعلام وفي نفس الوقت مدرسا في معهدي الأشبال والنساء في الولاية ولم يشغله التدريس عن الإعلام، فقد كان يلحّ على أمرائه إذا علم بتجهيز غزوة أو تحرّك سرية أن يأذنوا له بالمشاركة فيها، فتم له ذلك فشارك في عدة معارك، يغطي ويوثق المشاهد ليفرح المؤمنين ويغيظ الكافرين.


• متنقلا بين دواوين الولاية

وما فتئ أبو الزبير يُظهر محاسن الدولة الإسلامية ومنهجها عبر ثغر الإعلام؛ حتى اتجه إلى ترميم وتطوير بنائها الداخلي، ومن نقل المشاهد وإبلاغ الدعوة خارج الدولة؛ إلى نشرها وتعميمها داخلها بين رعية أمير المؤمنين وجنده، إلى "ديوان الدعوة والمساجد"، حيث صال وجال في ميدان الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم فأجاد وأفاد فكان يتنقل بين القرى والبلدان والمساجد واعظا وناصحا وداعيا فيمشي راجلا في تنقلاته بين البلدان ولا يبالي بوجود وسيلة النقل من عدمها، وكان كثير التذكير بالآخرة وإخلاص العمل وإقامة الصلوات.

ومن هذا الثغر إلى "ديوان الجند" حيث نُقل إليه فكان جنديا في إحدى السرايا يخوض المعارك ويركب المخاطر، ولا يخوض معركة إلا وقد ظنّ فيها القتل، فكان يتلقى الرصاص بصدر عارٍ غير آبهٍ بالحتوف.
كما كان يدرس الإخوة في مركزه من صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة صباحا يوميا تقبله الله.

ثم نقُل بعد ذلك إلى "ديوان الأمن" فعمل كاتبا في الديوان وكان لا يداهن ولا يساوم شديدا على المنافقين والمرجفين غير محاب أحدا، وأثناء عمله في هذه الدواوين كان يتميز بسمع وطاعة كبيرة لأمرائه، لا يبالي أيَّا كان أميره بل يوفيه حقه فلا يعمل في ديوان إلا وقد أُثني عليه بالسمع والطاعة وحسن العشرة.
• علت به همته

المحبة والصيت الحسن لدى خاصة القوم هي ما يأمله طالب الدنيا ضعيف الهمة، لكن أبو الزبير لم يغترّ بتلك المكانة التي حظي بها بين إخوانه وأمرائه عن أسمى أمانيه، وهي الشوق إلى لقاء الله وطلب لذة النظر إلى وجهه! فكان كثير الحديث عن الشهادة والعمليات الانغماسية وكان يخاف من طول العمر شوقا إلى ربه وخوفا من فتنة الزيغ والانتكاسة، حتى كان يردد دائما في كلامه: "لا أطال الله عمري، فإني أخاف على نفسي الفتنة فكثير ممن عُمّر انتكس".

هذا الهاجس لم يكن مجرد كلام يتغنى بها ليطيب به أسماع رفاقه، بل هو من أعماقه وسويداء قلبه نحسبه، فلقد دوّن اسمه في عملية انغماسية منذ أن كان في "ديوان الدعوة والمساجد" ولم يخبر بذلك إلا أحد رفقائه وإخوته الذين كانوا معه قبل هجرته ولم يخبره إلا تحريضا له على العملية وحبه لأخيه ما يحب لنفسه حتى ينال أجره وأجر أخيه، فلقد كانوا يتسابقون إلى الخيرات ويحرّض بعضهم بعضا على ذلك.

ومع حرص أبي الزبير على ذلك الطموح، إلا أنه لم يشأ الله له التنفيذ آنذاك لرد الأمراء له وأمره بتأجيل العملية إلى حين، فسمع وأطاع وهو على أحر من الجمر على حلول الموعد وقلبه يتلهف توقا واشتياقا، لم تُنسه أنشطته الدعوية ولا مهامه التعليمية والعسكرية أسمى أمانيه حيث كان يلحّ على مسؤول المتفجرات أن يعطيه حزاما يتحزّمه أينما يحل حذرا من الاستئسار، ولكي ينفذ عمليته متى ما رأى الهدف في غزوة من الغزوات، ولكنه كلما طلب منه ذلك ردّه إخوانه فيرجع صابرا محتسبا ملحّا في الدعاء.


• مسك الختام

القلوب المؤمنة تجد ارتياحها تحت ظلال السيوف وبريق الرصاص وهدير الراجمات ودوي القذائف والطائرات في سبيل الله، عاش أبو الزبير آخذا بعنان فرسه يبتغي القتل مظانه لا يسمع بغزوة إلا طلب المشاركة فيها ولا جبهة مشتعلة إلا رام الانتقال إليها، لذا كان شديد الرغبة في الانتقال إلى منطقة (الفاروق) كونها أشد الجبهات اشتعالا آنذاك، ففي يوم من الأيام سمع بتحرك موكب إلى منطقة (الفاروق) فألح على إخوانه حتى سجلوه في قائمة الإخوة المتحركين إلى هناك، فبعد وصولهم وإكمال مهمتهم، عادوا راجعين فكمِن لهم المرتدون على الطريق الرئيس الرابط بين (ميدوغوري) و(دماتورو)، فهنالك انتهى المطاف بحامل القرآن ليثبت بالفعال ما ردده مرارا في جوف الليل من آيات، وليقول لإخوانه من أهل القرآن: هكذا فلتزينوا القرآن بالفعال، فأصيب بطلقات في رأسه ويده، وبعد سحبه من موقع الكمين ضُمدت جراحه رجاء شفائه، ولكن تلك الجراح كانت مسك الختام، فقد أسلم الروح لباريها ليلقاه شهيدا -كما نحسبه- تاركا خلفه الدنيا وهمومها إلى جوار ملك كريم سبحانه بعد حياة حافلة بالجهاد والدعوة والعبادة، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة وألحقنا به غير مبدلين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 309
الخميس 14 ربيع الأول 1443 هـ

683b4f9a9ea34

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً