مؤسسة الفرقان (واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ) تفريغ كلمة صوتية: للمتحدث الرسمي للدولة ...
منذ 3 ساعات
مؤسسة الفرقان (واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ)
تفريغ كلمة صوتية:
للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى- بعنوان:
(واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ)
الحمدُ لله رب العالمين والصلاةُ والسلام على خاتمِ الأنبياء والمرسلين، بشرنا بظهور الدين ولو بعد حين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على دربهم واقتفى أثرَهم إلى يوم الدين، أما بعد.
قبل عقد من الزمان، في مثل هذا الشهر المبارك، وقف قادة الدولة الإسلامية موقفا يحبه الله ورسوله، موقفا أغاظ الكافرين والمنافقين، موقفا تجلّت فيه معيّة الله وهدايتُهُ وتوفيقُه للمجاهدين، موقفا غيّر مجرى التاريخ؛ يوم أعلنوا قيام الخلافة الإسلامية بعد قرونٍ طويلة على إسقاطها وتغييبِها؛ فساست رعاياها بدين ربها، وحكّمت الشريعةَ على ما وقع تحت سلطانها، وأنشأتْ دواوينَ القضاء والحسبةِ والتعليمِ وغيرها، وأقامتِ الصلاةَ وآتتِ الزكاة وأمرتْ بالمعروف ونهتْ عن المنكر، ونشرت الفضيلةَ وقمعتِ الرذيلة، وهدمت أوثان الجاهليةِ، الوطنية والقومية، وغرست روابطَ الولاء والبراء، فأحيت التوحيدَ وجددت معالمَ الدين، وصارت محطَ أنظارِ المؤمنين المخلصينَ ومهوى أفئدتِهم، وغيظَ الكافرين ومصدر قلقِهم وبؤسِهم وشقائِهم.
وأدخلت النظام العالمي الجاهلي، في أكبر حرب استنزاف عرفها التاريخُ المعاصر، تُضربُ فيها رقابُ الكفر من العراق إلى موزمبيق، ومن بوادي الشام إلى بوادي الساحل في أوضحِ وأنصعِ تطبيق عملي للكفر بالطاغوت.
كان هذا الحدثُ نقطةً فاصلةً في تاريخ الإسلام المعاصر، أضاف إلى الطائفة المنصورةِ نقطةَ قوةٍ ومرتكزا تتكيءُ عليه في طريق العبودية لله تعالى، وفي معركةِ التوحيد الهادفةِ إلى سيادة شريعة الله في أرضه {حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
لقد خلطَ هذا الحدثُ المباركُ أوراقَ "النظامِ العالمي" الجاهلي، ووقف العالم بأسره مذهوﻻ وهو يرى العصبةَ المؤمنةَ التي زعمت أمريكا القضاء عليها في عهد بوش، تكسر الحدودَ وتهدم الساتر في عهد أوباما الخاسر، بعد أن سَحقتْ حُلفاءَ ومطايا أمريكا من الصحواتِ والرافضة في العراق والشام.
وعلى عِظمِ هذه الخُطوةِ المباركةِ التي فَرِقتْ منها قلوبُ اليهودِ والصليبين؛ حشد الكافرون أكبرَ تحالف جاهلي عالمي في هذا العصر، اتحدت فيه الروم والفرس والروس لأولِ مرة في تاريخهم، ومِن خلفهم يهودُ المكر، كلُهم جمعوا كيدَهم وأتوا صفا لحرب دولةِ الخلافة، فماذا كانت النتيجة؟ وماذا حل بهذا الحلفِ الشيطاني؟!
لقد وقفتِ الدولة الإسلاميةُ موقفَ نبيِها -صلى الله عليه وسلم- وصحابتِه يومَ الأحزاب، فتصدتْ لهذه الهجمةِ العالميةِ التي استهدفتْ دارَ الخلافة في العراق والشام وقاتل جُنودُها وقادُتها ورعاياها قتالَ الأبطال، وتسابقتْ قوافلُ الاستشهاديين جريا إلى الله تعالى، فوفُوا بعهدهم وأتموا بيعتهم في مشاهدَ أروعَ من الخيال، نصرةً للإسلام وصونا للشريعة، ولمّا فشل الكافرون في الاقتحام: لاذوا بطائراتهم تقصفُ بأطنانِ الصواريخ كلَ من استظل بظلال الخلافة، فدمروا العُمران وأحرقوا الأبدان ولكنهم فشلوا في اختراق بنيان العقيدة، رغمَ استعانتهم بكثير من دعاةِ السوء وإعلامِ الدجال.. ولم ينقشع غبارُ هذه الحملةِ الغاشمةِ عن دار الخلافة حتى فاجأتْهم بتمدُدِ سلطانِها إلى ساحةِ إفريقيةَ والساحلِ، لِتُثمِرَ دماءُ أجنادِ الخلافة في العراق والشام، وينْبُتَ غِراسُها في أقاصي الأرض بفضل الله تعالى، ولِتذهبَ أحلامُ الصليبيين في القضاء على دولة الخلافةِ أدراجَ الرياح.
ومع اشتداد الملاحمِ واتساعِ رُقعةِ الاستنزاف، بدأ الضَعفُ يدُب في هذا التحالفِ نتيجة طولِ أمدِ الحرب وكثرةِ التكاليف وغيابِ أُفقِ الحُلولِ، وتصاعُدِ الصراعات الصليبيةِ - الصليبية.
ولئن كانتْ معضلةُ أمريكا الصليبيةِ قبل حربها على الخلافة، محصورةً في العراق والشام؛ فقد باتت معضلتُها بعد الحرب ممتدةً في كل مكان، في خراسان وباكستانَ وغربِ ووسطِ إفريقيةَ وموزمبيقَ والساحلِ والصومالِ وشرقِ آسيا، وغيرها من قِلاع الإسلام التي لحقت بركب الخلافةِ، وبايعت إمامَها ورفعتْ رايتها، فكانت خلافَ ما تشتهي أمريكا وتُمنّي نفسَها، وها هي دولةُ الخلافةِ تُنهي عَقدها الأولَ، وما زالت ماضيةً على دربها تقوى وتتمدد، وأوهامُ أعدائها تخِيب وتتبددُ بفضل الله تعالى.
عَقد مضى على دولة الخلافةِ سطّر فيه جنودُها أروعَ ملاحمِ العصر في المَوصلِ والرقةِ والباغوزَ وسِرتَ وماراوي وجِلبانةَ وغيرها.. وما زالت الملاحمُ تشتعلُ في وِلايات العراق والشامِ وإفريقيةَ والساحلِ وخراسانَ وباكستان وشرقِ آسيا والصومال وغيرِها من وِلايات الخلافةِ القائمةِ وساحاتِ جهادِها الممتدة.
عَقد مضى على دولة الخلافة، نجَحتْ فيه بفضل الله في إنقاذ أجيالٍ من شبابِ المسلمين من الموتِ تحتَ الراياتِ العُمّيةِ والجاهلية، وهدمتْ أوثانَ العصرِ كالسلميةِ والوطنيةِ والديمقراطية والقوميةِ، وحمَتْ ثَمرةَ الجهادِ أن تُصبحَ نهبا مُشاعا للديمقراطيين والقوميين.
عَقد مضى على دولة الخلافةِ جادتْ فيه وبذلتْ، وما بَخِلت عن أمُتها بشيءٍ أو ضَنّت، فقدمت أربعةً من خُلفائها خِلال هذا العَقد قُربانا في سبيل معركةِ التوحيدِ وحاكميةِ الشريعة، سالت دماؤُهم وقضَوا نحبهم جميعا في ساحاتِ المُراغمة، ولم يمُت أحدٌ منهم على فِراشه، وكفى بها منقبةً على كثرةِ مناقبِهم رحمهم اللهُ، ومعهم آلافُ القادةِ والجُنود الذين أمْهروا العقيدةَ أرواحَهم، فكانوا بحقٍ حُرَّاسَها وكُماتَها تقبلهم اللهُ وأعلى مَنزلَتهم.
عَقد مضى على دولة الخلافة، وأعداؤُها من ملل الكفرِ قاطبةً غارقون في أكبر معركة استنزافٍ عَلِقتْ فيها جُيوشهم وميليّشياتهم، وما ثمةَ لهم من مخرج، فإن خرجوا وتركوا بلادَنا خسروا وربحْنا المعركة، وإن بَقوا أجرينا عليهم نُذُرَ العذابِ والاستنزاف، وسيخرجون ويخسرون ونربحُ المعركة، لأن معركةَ التوحيدِ لا خسارة فيها.
عَقد مضى على دولة الخلافة، وما زالت تتمددُ من صقع إلى آخر وتفيءُ إليها قلوبُ الموحدين الصادقين، يقطعون الفيافي ويركبون البحارَ، ويتَقَحمون الصِعاب والأخطار، للوصول إلى ديار الإسلام، التي يأمنون فيها على دينهم ودنياهم، أو إلى ميادين الجهاد التي يبنون فيها آخرتَهم، ويموتون لتحيا أُمتُهم حياةَ العزِ والإباءِ، لا حياةَ الذُل والغُثاء.
عقد مضى على دولة الخلافة وهي تُقاتلُ الطواغيتَ كافة، لم تفرق بين طاغوتٍ وآخر، ولم تخضْ لُعبةَ المحاورِ والاصطفافاتِ الجاهلية، كما فعلتْ أكثرُ الجماعاتِ المنحرفة، التي أصبحت بيادقَ في ايدي الحُكومات، ولعبةً لأجهزةِ المخابرات، يخترقون بُنيانَها بعد أنِ اخترقوا مِنهاجَها ويُسيِّرونها طوعا وكرها لحربنا.
عقد مضى على دولة الخلافة ولم تسقط رايتُها، ولم تلِن قناتُها ولم تبدل منْهجَها، لم تداهن أو تُساوِم أو تهادن، بل أخذتِ الكتابَ بقوة، وحملت ميراثَ النبوة، ودافعتْ عنه بكلِ ما أوتيت من قوة، وقد أعذر قادتُها وجنودُها إلى الله تعالى، نحسبهم والله حسيبهم.
وبهذه المناسبة، فإننا نُخاطب مجاهدينا والمسلمين عامة، برسائل المُوالاةِ والمحبةِ والتواصي.
فإلى جُنودِ الخلافة الميامين، الباذلين نفوسَهم لإعلاء كلمةِ ربهم، القابضين على الجمر، الصابرين على المر، الغرباءِ النزاع، المقتفين للصحب والأتباع.
نباركُ لكم شهرَ الصيام والقيامِ والجهاد، ونسأله تعالى أن يعيننا وإياكم، على ذكره وشكره وحسنِ عبادته، ولا أحسنَ عبادةً في هذا الشهر من الجهاد، فهو شهرُه وموسِمُه، وذاك دأبُ نبيِكم وصحبِه، فلقد ملأوا سجلَّ الشهرِ بصفحات المعارك والمغازي، وما زال الشهرُ ذاتُه إلى يومِكم، وسجلاتُه مفتوحةً أمامَكم لتملؤها بالمفاخر والملاحم.
ثم اعلموا يا جنودَ الخلافة أَن طريقَكم طويلٌ وحِملَكم ثقيل، لا بد فيه من زادٍ يكونُ لكم عونا ومددا، فأضيفوا إلى الجهادِ قُرباتٍ تُقوّيه وتشحذُه وتُنقّيه وتدفعُه، ولا أَخالُ أن أحدَكم يجهلُ زادَه في طريقه، ولكنها الذكرى والوصية، عملا بقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
يا جنود الخلافة.. إن أعظمَ وصيةٍ تناقلها الأنبياءُ والمرسلون هي التقوى بلا ريب، فنوصي أنفسَنا وإياكم بتقوى الله تعالى في السر والعلن وخشيتِه في الغيب والشهادة، فهي خيرُ الزاد ليوم المعادِ، ولذلك قرنها المولى سبحانه بالموت على الإسلام، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وقرنها بالمصابرة والمرابطة، فقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ثم استعينوا على ما أنتم فيه بالصبر والصلاة، فقد أخبر تعالى أن خيرَ ما يستعينُ به المؤمنُ في طريقه الصبرُ والصلاة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ثم أكثروا من ذكر ربكم، واجعلوا الذكرَ رفيقَكم في حلِكم وسفرِكم، فهو قرينُ الثباتِ وقوتُ الروح وحياةُ القلب وقوّتُه، وهو أغزرُ الزاد وأيسرُه ولا عذرَ يستقيمُ لتركِه، إذ هو مُتاحٌ للعبد في جميع أحوالِه، وهو في حق المجاهدِ آكد، وآكدُ منه عند لقاء عدوه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ثم أحسنوا التوكُلَ على الله ربكم، فإن التوكلَ على الله تعالى من أهمِ أسبابِ النصر والظفر. وقد أمر الله به نبيَه -صلى الله عليه وسلم- في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، فقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا}، وقال سبحانه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني: " كافيه وناصرُه ومؤيدُه".
فتوكلوا على الله حقَّ توكله، وحقيقتُه: استفراغُ الوُسعِ في الأخذ بالأسباب ثم التعلقُ بمُسببِ الأسباب سبحانه، ثم امضُوا في طريقكم ولا تلتفتُوا لكُلِ قُوى الأرضِ ولو اجتمعت، فإنما نستجلبُ النصرَ بذلك، لا ننتصرُ بعددٍ ولا عُدد، وتلك مغازي أسلافِكم شاهدةٌ، وما انتصروا يوما بعُدة ولا عَدد، ويومَ أعجبتْهم كثرتُهم ضاقت عليهم الأرضُ بما رحبت، إنما كانوا ينتصرون بالإيمان يجري في قلوبهم، ويظهر على جوارحهم ويعيشونه واقعا في حياتهم، قال سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
ثم تذكروا يا أجنادَ الخلافةِ أن الابتلاءَ والمُداولةَ سننٌ لا بد منها في طريق الجهاد والتوحيد، فلم يخلُ منها زمنٌ من أزمان الأولين، قد أصابت خيرَ القرون وخيرَ المرسلين، واقرأوا وتدبروا هذه الآيات البينات تجدون الحكمةَ من هذه السننِ الثابتات، قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، وقال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
قرحٌ وابتلاءٌ ومُداولة.. بأساءُ وضراءُ وزلزلَة.. تمحيصٌ للمؤمنين ومحقٌ للكافرين.. فِتنٌ ومحنٌ تُميّزُ الصادقين من الكاذبين، والصابرين من الناكصين، هذا هو الطريقُ الذي اختاره اللهُ لنا وللأنبياء من قبلنا، ولا نَملِكُ إلا أن نصبرَ ونسيرَ عليه، كما صبرتْ وسارتْ عليه الرسلُ من قبل، ثم تكون لنا العاقبةُ، كما كانت لهم العاقبة.
يا جنودَ الخلافة.. الجماعةَ. الجماعةَ، والسمعَ والطاعةَ لأمرائكم في المعروف فهو واجبُ كلِ واحدٍ منكم، وهو قِوامُ دولتِكُم قديما وحديثا به تُحفظُ بيضتُها وتدُوم هيبتُها وينتظِمُ أمرُها، وبضِدِها يحصلُ الفشلُ وتذهبُ القوة، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
وإياكم وتلبيسَ إبليسٍ، فإن شياطينَ الإنسِ والجنِ، تُكثرُ التلبيسَ على المسلمين في هذا الباب، فسُدوا على الشيطان بابَه وردُوه على عقِبِه خاسئا حسيرا وغلِّبوا أمرَ ربِكم القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وأمرَ نبيِكم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً)، فهذا مقامُ الاجتماعِ والطاعةِ والبيعةِ في الإسلام، فعَضُوا عليها بالنواجذ ووفُوا ببيعتكم.
ويشملُ هذا الأمرُ إخواننا المناصرين الذين حملوا رايةَ نُصرةِ الدولة الإسلامية في ساحة الإعلام ونسبوا أنفسَهم إليها، وعقدوا البيعةَ لها من سائر العالم فإن السمع والطاعةَ واجبةٌ على كل فردٍ منهم، فاسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا وتطاوعوا، واحذروا الفرقة والاختلاف، واجتنبوا عقيمَ الجدالِ فإنه يُوغِرُ الصدرَ ويُذهب الأجر؛ ولديكم أرشيف كبيرٌ من ميراثِ الدولة الإسلامية المرئي والمسموعِ والمقروء، فاجتهدوا في رفعه وترجمتِه وبثِه في جنباتِ الشبكة العنكبوتية التي لا تنشغلُ هي عن محاربتكم، فزاحموا أهلَ الباطل بنشرِ الهدايةِ والرشاد، وادفعوا شُبُهاتِهم بالحقِ لا بسِواه، انصُروا الشريعةَ بالشريعةِ والسنةَ بالسنة، وادعوا إلى سبيل ربكم بالموعظة الحسنة، وخاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم فإنما أنتم رسلُ البلاغ، وهي وظيفتُكم الأولى في ميدان الإعلامِ المناصِر، فلا تستبدلوها بشيء سِوى النفيرِ إلى ميادين القتال.
وكونوا على قدْرِ هذه الأمانة، إخلاصا واتباعا وهمة وتفانيا. وامتثلوا توجِيهاتِ إخوانِكم التي تصلكم عبر منابرها الرسمية -حفظ اللهُ القائمين عليها-.
وبعد الوصايا.. نبرق بالتحايا إلى رجالاتِ الدولةِ الإسلاميةِ وفوارسِها الأبية، في كلِ وِلاياتها في ربوع الأرض عربا وعجما، شرقا وغربا.
ونخص منهم فرسانَ وِلاية موزمبيق الذين شرّدوا النصارى وجيوشَهم وأحرقوا الأرضَ من تحت أقدامهم وضربوا الذلةَ والمهانةَ عليهم، وثأروا لمُسلمي إفريقيةَ ثارا عادلا.
ونبارك لمجاهدينا هُناك، هجماتِهم وفتُوحاتِهم الأخيرةَ، كما نباركُ لهم جهودَهم الدعويةَ الحثيثة، في تجمعاتِ وقرى المسلمين التي تجلى فيها منهاجُ النبوة، وأظهرَ جنودُ الخلافة بحقٍ أنهم أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم، فكانوا على الكافرين نارا، وللمسلمين نورا ورحمة، ونوصيكم بمضاعفة الجهود الدعوية، تقبل الله منكم، وأمدكم بِخيْرة طلبةِ العلم من خلقه.
وهنيئا لكم وأنتم تُعلون حكم الشريعةِ في أرض نسيها المسلمون ولم ينسها الصليبيون من مؤامراتِ الإلحاد والتنصير، وها أنتم اليومَ تُحبِطون مُؤامراتِهم، وتُفشلون جُهودَهم في إغواء الناس وتنصيرِهم وترُدّون عاديتَهم بالكتاب الهادي والسيف الناصر، نصركم الله وزادكم هدايةً وبصيرة.
ومثلُهم في الجُهد والأثر؛ إخوانُهم بوِلاية وسَطِ إفريقيّة، عمالقةُ الأدغال وأسودُ النزال، الذين قعدوا للنصارى كل مرصدٍ، قتلا وأسرا وتشريدا، فأدخلوهم في موجات نُزوحٍ مُستمرّةٍ وضربوا طُرقَ تجارتِهم وتنقُلاتِهم فلم يَعُدْ لهم مأمنٌ في حلٍ ولا سفر، واستنزفوا قوّاتِهم الخائرةَ حتى ضجَّ النصارى بحكومتِهم وفقَدوا الثقة بها بعد أن فشلت وحلفاؤُها الاوغنديون، في وقفِ عجلة الجهاد بفضل الله تعالى.
فواصلوا جهدكم وجهادكم واقصدوا تجمعات النصارى ومراكزَ حُكومتِهم، فذلك أنكى بهم وأشدُ عليهم، وفّقكم الله وفتح عليكم.
كما نبرق بالتحايا إلى أسودِ الخلافة، في غربِ إفريقيةَ والساحل، مَن أنهكوا جيوشَ الكفرِ وميليشياتِهم، وأفشلوا حربهم في إطفاء نور الله تعالى، وصارت كلُ أرضٍ يطؤها المجاهدون في نيجيريا وتشاد، والنيجر ومالي وبوركينا فاسو؛ تُحكم بالشريعة الإلهية، ويأمن الناسُ فيها على دينهم ودنياهم، وتقامُ فيها الحدود ويُعزُ فيها التوحيدُ وأهلُه، ويُذلُ فيها الشركُ وأهلُه، فيا حسرةً على القاعدين، ويا سوءةَ الطاعنين، ويا غيظَ الكافرين والمنافقين.
ثم نبرق بالتحية إلى جنود الخلافة بِولاية خراسان، آسادِ المفاصلة والولاء والبراء، مَن ضربتْ هجماتُهم المشركين كافة، فاصطلى بنارِ غزواتِهم الأمريكيون الصليبيون والروس، والصينيون الشيُوعيون، وشدوا على الرافضة المجوس والسيخ والهندوس، فدُكت معابدُهم واختلطت دماؤهم بدماءِ حُرّاسهم ورثةِ كرزاي مطايا الأمريكان.
ونُثَنّي بالتحية ونُثْنِي على إخوانهم أسودِ وِلاية باكستان ونباركُ حملتَهم الأخيرةَ على أرباب الكفر وسدنةِ الأوثان العصرية، مِن أرباب الديمقراطيةِ والانتخابات الكفرية، فقد أعملوا فيهم مِعولَ الخليلِ إبراهيمَ عليه السلام، فهو المِعولُ الوحيدُ الذي يَبني للمسلمين توحيدا صافيا، لا غبش فيه ولا دخن، فالديمقراطية دينٌ يُصادمُ الإسلامَ ويُحاربُه، ولا يلتقي معَه في أصلٍ ولا فرع.
ونحيي جنودَ الخلافةِ في شرقِ آسيا حيثُ الثُلةُ المؤمنةُ الصابرة التي أحالتْ غاباتِ جنوب الفِلِبين إلى كمائنَ لاصطيادِ ضُباطِ وجنودِ الحكومة الكافرةِ وميليشياتِها المرتدة، ونوصيكم برصِّ الصفوف ونقل العمل إلى قلب المُدن، فاجعلوا الغاباتِ عرائنَكم، ومراكزَ العدو أهدافَكم، واستعينوا بالله وتوكلوا عليه، فهو كافيْكم سبحانه وناصِرُكم.
وتحيةً إلى جنود الخلافة في أرضِ العُسرة في صُومال الثبات والنزال، وهم يَصُدون هجمة الصليبيين والمرتدين عن أرض الهجرتين، ونباركُ لهم انتِصاراتِهم الأخيرةَ على ميليشياتِ الردةِ في شرق الصومال، رغم اشتدادِ الحملةِ الجويةِ الأمريكيةِ عليهم، فاثبتوا ولا تبرحوا مواقِعَكم، واسعوا في نقل الحرب إلى دار عدوِكم، وفعّلوا مفارزَ الأمن والاغتيالات، واقصُدوا مراكزَ المدنِ بالهجمات، واستعينوا بالله مولاكم، نعم المولى ونعم النصير.
كما نبرق بالتحايا إلى سائر أجنادِ الخلافة ومفارِزها في اليمنِ وسيناءَ وليبيا وتونسَ والقوقازِ وغيرِها، نُوصيكم بالصبر والاحتساب، وتذكروا أن الجهادَ ينضَج بالمحن فهذا هو قدرُ الله النافذُ وحكمتُه البالغةُ في مسيرةِ الجهاد، وهي مرحلةٌ لا بد منها، وقد مرتْ بِها كلُ الساحات قبلَكم، فجددوا نواياكم واشحذوا همَمكم، وأيقنوا أن الأجر على قدر المشقة، ولا تستعجلوا قطفَ ثَمرٍ لم يحنْ أوانُه، ولكن سارعوا إلى مغفرة من ربكم واستبقوا الخيرات، فأخلصوا العملَ ورصُوا الصفوفَ وتهيأوا لرياح الزحوف.
كما ونبارك للمسلمين في العراق والشام، واليمنِ ولبنان الهجومَ النوعيَ في قلب إيرانَ الرافضية في كرمان، إذ اخترق أسودُ الخلافةِ حصونَها ووصلوا إلى شرِ معابدِها، فسفكوا دماء الروافض، ونثروا أشلاءهم وشَفَوا صدور المؤمنين منهم، وسددوا بعضا من قائمةِ حسابٍ طويلةٍ تنتظرُ الرافضة في كل مكان، وما زالت قوائمُ الثأر مستمرةً بإذن الله تعالى.
وها هم جنود الخلافة يُمضون ثأرهم، ويُنفذون وعيدَهم من جديد، فبعد إيرانَ الرافضية، ثنَّوا بروسيا الصليبية بهجمةٍ داميةٍ خاضها نفرٌ من آساد الخلافة العُجم، مرّغوا فيها أَنفها، وبددوا أَمنها ونكلوا برعاياها في عقر دارها، في عاصمتها، حتى خرّ عليهم السقفُ من فوقهم، وبقيت دولةُ الخلافةِ تثأرُ للمسلمين وتؤدبُ الكافرين، وتَفري المنافقين بسِنانها قبل البيان، فليمُت بغيظِه كلُ شانئ.
كما أننا في غنى عن حشدِ مبرراتٍ شرعيةٍ لاستهدافِ دولةٍ حاربت المسلمين قديما وحديثا، وما زلنا نقتُلُ ونأسِرُ جنودَها في بوادي الشام والساحل، ومن قبل أسقطنا طائرتها في سيناء، فالحمد الله على التوفيق، ونسأله تعالى المزيد.
كما ونُوصلُ موفورَ التحايا إلى جُنود الخلافة في عقر دار المؤمنين الشام.. رجالِ الخير والبركةِ وحلبَ وحَوران، من أدارُوا رحى الجهاد ولم يُوقفوها، وما زالوا يخوضون غمارها، ويشعلون أوارها، وفي القلب منهم رجالُ الصحراء، من أشعلوا البوادي، على زمرِ الأعادي، فأحرقوا أرتالَ النصيريةِ وحلفائِهم الروس، فصاروا يتقاسمون نفس المصير، وغدت جيوشهم بين قتيل وجريح وأسير، حتى وقفت وسائلُ إعلامِ العدوِ حائرةً كيف تَصِيغُ أخبارَ البادية؛ أتُصرّحُ بالخبرِ وتُضمرُ الفاعل؟ أتخبر عن مقتله بغير قاتل؟ أم تبني الأفعال للمجاهيل؟ فلم تجد بدا سِوى الإقرارِ والاعترافِ ونسبةِ الهجماتِ إلى الجهةِ الوحيدةِ التي لم تضعِ السلاح، ولم تَعقِد المصالحاتِ والمساومات، ولم تَخُن عهدَها، ولم تُوقِفْ مع النصيرية حربَها، لأنها حربُ إسلام وكفر، ليست حربا قبليةً ولا ثورةً جاهليةً على الحاكم دون الحكم، وهذا من أسرار بقائها ومضائها، بفضل الله تعالى.
ثم نختم عبق التحايا بعشاق المنايا فرسانِ وِلايةِ العراق أجنادِ دارِ الخلافة وحملةِ رايتها وبادئي شرارتِها ومُشعلي جذوتِها.. من أحالوا عيشَ الرافضة إلى جحيم، وسلبوهم الأمنَ الموهومَ حتى صاروا يلعنون النصرَ المزعوم، وصارت دَوْرةُ حياةِ الرافضي من حملة فاشلةٍ إلى أخرى خاسرة، يتيهون في الصحاري على وجوهِهم، تتلقفُهم العبواتُ وتتخطفُهم القناصات ويعيشون في قلق دائمٍ خشيةَ أفُولِ الطائرات، وسواء ءأفلت أم بقيت، سَنَفُلُّ جمعَهم ونبيد جيشَهم وحشدَهم، ونُطهرُ عِراقَ الخلافةِ من دنسِهم بإذن اللهِ تعالى.
ثم هذه رسائلُ تذكيرٍ وتحريضٍ نبُثها لإخواننا المسلمين في كل مكان..
أمةَ الإسلام، إن ما يجري اليومَ للمسلمين في غزة هو ما جرى أضعافُه قبل سنواتٍ قليلةٍ في العراق والشام وليبيا وسيناءَ واليمن، وما يزال يجري للمسلمين كل يوم في بورما والهندِ والصينِ وغيرها من مآسي المسلمين، إنه جرح واحد، وحلُه واحد، الاجتماع خلف إمامٍ واحد ومنهاجٍ واحد، يحركُ الجيوشَ لقتال الكافرين تحت رايةِ الشريعة، وقد فعلنا وقطعنا شوطا كبيرا نحو ذلك، رغمَ كلِ العوائقِ والعواقبِ والخذلان، وسنمضي ولن نبالي حتى يقضي اللهُ أمره، وينجز وعده.
ولقد بسطنا في خطابنا السابقِ القريبِ موقفَ الدولةِ الإسلاميةِ من جرح المسلمين في غزة وكيف تكونُ نصرتُهم وفِقَ مَنهجِ الإسلام، بالقتال والضِرام لا بالشعارات والكلام، وأن المعركة مع اليهود لا تكتملُ إلا بقتالِ حلفائِهم من المرتدين والصليبيين في كل مكان، وانطلاقا من ذلك كانتِ الغزوةُ الموحدةُ التي أطلقتها دولةُ الخلافةِ نُصرةً لأهلنا في غزة، والتي تجلت فيها معاني الوَحدةِ والأُخوةُ الإيمانية والنصرةُ والولاءُ للمؤمنين، فنشكرُ لكم يا جنودَ الخلافة صنيعَكم، ونباركُ لكم غزوتَكم، فقد صدّقتم الأقوالَ بالأفعال، ونسألُه تعالى أن يمكنَكم من الوصول إلى أرض فلسطين لتُقاتلوا اليهودَ وجها لوجه، في حرب دينيةٍ لا تُبقى ولا تذر.
وبهذا الصدد، فإننا نجدد ونكررُ تحريضَنا للأسودِ المنفردة، بالسعي الحثيثِ لاستهداف الصليبيينَ واليهودِ في كل مكان، خصوصا في أمريكا وأوروبا الصليبية، وكذلك في عقرِ دويلةِ اليهود في القدسِ وأراضي الداخلِ الفلسطيني.
أيها المجاهد المنفرد، روى الإمام أحمدُ أن أبا اسحقَ قال: "قلت للبراء: الرجل يَحمِل على المشركين، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله بعث رسولَه -صلى الله عليه وسلم- وقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}".
واعلموا أن نقلَ المعركةِ إلى ديار اليهود والصليبيين أشدُ عليهم وأفجعُ لقلوبهم وأوجع.. فجددوا نواياكم وخُطوا وصاياكم، وتربصوا باليهود والنصارى وافتِكوا بهم، وتذكروا عظيم فِعالِكم وجزيلَ أجرِكم، وأنتم تبيعون حياتَكم رخيصةً في سبيل ربكم، قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
أيها المسلمون.. ونحن نتفيأُ ظِلالَ الشهر الكريم نُذكّرُكم بأن الله فرض علينا الجهاد كما فرض الصْيام فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} وقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، وإن المسلمَ مستسلمٌ لأوامر الله كافة، فلا يقبلُ أمرا ويرفضُ آخر.. فما بالُ أكثرِ الصائمينَ اليومَ متخلفين عن الجهاد؟!!
أيها المسلمون، إن الله تعالى فرض الجهاد على كل مسلم إلا المعذور فقال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}، أي: سيروا للجهاد شبابا وشيوخا في العسر واليسر، كما أمرنا بالجهاد بكل وسيلةٍ شرعية فقال سبحانه: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم، وأنفسِكم، وألسنتِكُم)، فشمَل الجهادُ، النفسَ والأموالَ واللسان يعني الحجة والبرهان، ويلحق به ميدان الإعلام الذي يحتل مكانة كبيرة في حروب العصر.
فنجددُ تحريضَنا لكم أيها المسلمون في كل مكانٍ بالهجرة والنفير لِتُشاركوا إخوانَكم المجاهدين واجبَ العصر وفرضَ الساعة، ويكون لكم سهمٌ في نصرة دينِكم واستعادةِ مجدِ أمتكم، فلا مجدَ ولا عزَ ولا سيادةَ للمسلمين بغيرِ الجهاد.
وهذه رسالةٌ نخصُ بها الشبابَ المسلمَ الحائرَ في ديار الكفر، الذين تتجاذبُهم صنوف الشهواتِ والشُبُهات.. الذين يحزنُهم مُصابُ أمتِهم ولا يدرون أين يذهبون، تراهم يُقدمون تارةً وأخرى يُحجمون. هلُموا إلى ساحات الجهادِ في ربوع الدولة الإسلامية، هلُموا وعيْشُوا بين إخوانكم لتأمنوا على دينكم فتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
ولئن كنّا يوم أعلنا الخلافةَ نُحرضُ على الهجرةِ إلى دارها في العراق والشام، فإن أرضَ الخلافةِ اليومَ تمتدُ إلى غرب إفريقيةَ والساحل وشرقِ آسيا وخُرسانَ وباكستان، وما زالت جُيوشُ الخلافةِ في إفريقيةَ تُواصل الطريق ويلتحق بها خيارُ المهاجرين.
أمة الإسلام.. أمة القرآن.. لقد التحقَ بركب الخلافةِ وآزرَها، من لا يعرفُون من العربيةِ إلا الشهادتينِ ويسيرَ القرآن، لكنهم في ميزانِ العقيدة والولاءِ والبراء والجهاد أرسخُ من أدعياءِ العلمِ أحبارِ الطواغيت، وصدق الله القائل: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}.
وأما حديثُنا إلى الأسرى والأسيرات المؤمنين والمؤمنات.. فحديثٌ ذو شجون، يُطأطئُ المرءُ رأسَه في حضرتهم، ويحارُ الفكرُ في مخاطبتهم، ماذا يقولُ لهم؟ وبماذا يُجيبُهم؟ فيقدّمُ ويؤخّرُ ويُثبتُ ويَمحُو.. ثم لا يجدُ مفراً من الحديثِ تواصيا بالحق وتواصيا بالصبر.
أيها المؤمنون والمؤمنات، الأسرى والأسيرات، إن لكم دَيناً في رقابنا سنوفيه مهما كان الثمن، ولكم وعد في ذِمتِنا سننجزه مهما اشتدتِ المحن، فقد فديتم الدينَ بأنفسكم وزهرةِ أعمارِكم، وأصابكم ما أصابكم ذوداً عن حياضِ الشريعةِ، وصونا لعقيدة المسلمين.
أيها الأسرى والأسيرات.. الصابرين والصابرات، إن المجاهدين، ليسوا باعةَ كلامٍ ولا هُواةَ شعارات، فقد أبرموا عهودا مع الله تعالى أن يسعوا لاستنقاذكم وفكاكِ أسركم بكل وسيلة، وقد فعلوا، شهدت لهم سجونُ العراق والشامِ وخراسان، والكونغو ونيجريا وغيرها، وكفى بالله شهيدا.
وفي هذا المقامِ ننقلُ إليكم خِطابَ أمير المؤمنين، قال حفظه الله: "وإلى أسرانا في جميع البقاع نقول: ما ضَرَكم أن ينساكم الناسُ إذا ذكرَكم ربُ العالمين، وذلك أنه سبحانه عند المنكسرةِ قلوبُهم، فمن لطفه سبحانه بعباده أن يَكسِر أنفسَهم حتى يرجعوا إليه، ويُوصدَ أمامهم جميعَ الأبواب إلا بابَه حتى ينطرحوا على عتبته أذلةً مستكينين، يتملّقونه أن ينظرَ إليهم وإلى حالهم راجين عفوَه وكرمَه وفرجاً من عنده، فلو لم يكن إلا ذلك لكفاكم ما أنتم فيه من النعيم، فاهنئُوا وقرُّوا بذلك عيناً، واعلموا أن اللهَ قد جعلَ للابتلاء زمناً محددا، وسيمضي حسب ما قدَّره اللهُ تعالى، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
واغتنموا هذه المنزلةَ العظيمةَ في نُصرة إخوانِكم بالسلاح الشاكي والسيفِ الماضي أن يمكنهم الله من عدوِكم وعدوِهم، فإنما هم بعدَ توفيقِ ربهم بدُعائِكم يُقاتلون ومنكم يَستمِدّون في حربهم، فلا تستهينوا بثغركم واحتسبوا الأجر عند ربكم.
وأبشروا بفرجٍ من الله قريب، فهذا وعدُ الله لعباده إذا اشتدّت المحنُ والكروبُ، وبلغ بهم الأمرُ مبلغاً عظيماً، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّه}، أي عندما يَنزل البلاءُ بالمؤمنين يبلغُ بهم الحالُ أن يستبطئوا نصرَ الله من شدَّة ما يُلاقونه من عُسرِ الأحوالِ والكُرَبِ، فيقولون مقالتهَم هذه فيجيءُ النصرُ ويتنزلُ، حتى يخجلَ العبدُ من نفسه ومن شكايتِه وقلّةِ صبره." انتهى كلامه حفظه الله.
أيها الموحدون: لقد تناهى إلى مسامعنا أخبارُ الحملةِ الغاشمة التي شنها المرتدون بدعمٍ من أسيادِهِمُ الصليبيين على المؤمنات العفيفاتِ في مخيم الهول، حيث استأسدَ أوباشُ (البي كي كي) على المؤمناتِ المستضعفات.. وإن لكل مقامٍ مقالا، إلا هذا المقامُ فلا ينفعُ معه سِوى الفِعال.. فالسيف أصدق أنباءً من الكتب.. فلا يفُل الحديدَ إلا الحديد، ولا يشفي الصدرَ غيرُ حز الرقاب وسكبِ الدماء ونثرِ الأشلاء فداءً لأعراضِ الطاهرات.
يا جنود الخلافة في الشام.. يا أسودَ الخيرِ والبركةِ والرقة، إن وصلكم خطابُنا هذا، فامتشِقوا أسلحتَكم واحملوا على عدوكم واخرجوا في طلب قادةِ ومحققي (البي كي كي) وسجانيِهم وكلِ من له صلةٌ بملفِ الهولِ منهم.. أروهم هول غضبتِكم وغيرتِكم على أعراض المسلمين... تعاقدوا وتبايعوا على الموت زُرافات ووُحْدانا.. وانتدبوا لهذه الُمهمةِ الاستشهاديين والانغماسيين، واحرصوا على قتل عدوكم بأنكى صُوْرة.. اجعلوا أخبارَ مصارعِهم مشاهدَ رعبٍ تدومُ وتَطُول فلا ثأرَ للهول بغير الأهوال، ولئن يمُت أكثرُكم في هذا الموطن خيرٌ من عيشٍ يَستأسِدُ فيه على أعراضِ المسلمينَ أرذلُ الخلق وأخسُهم. ولا تُؤقّتوا لثأركم ميقاتا، ولا تضعوا لذلك حدا غيرَ حُدودِ الشرع.. فاغلُظوا عليهم ونكِلُوا بهم، واضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.
أما رسالتُنا لشراذم (البي كي كي) من العساكر والعناصرِ وقادةِ العشائر، إنكم أحقرُ وأذلُ وأضعفُ من أسلافِكم صحواتِ العراق، وكانوا مِثلَكم مطايا وأحذيةً للأمريكان، ولقد صارت أهوالُ مصارعِهم أحاديثَ تتناقلُها الأجيال، وإنا لا نعِدكم بمصيرهم على شدتِه، بل نَعِدُكم بمصائرَ أشنع، ومصارع أنكى وأبشع! ومآتمَ وأهوالاً تَشِيبُ لهولها مفارقُ رؤُوسِكم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أيها الصليبيون، أيها اليهود، أيها الكافرون أجمعون.. لقد ظننتم أن حربكم مع دولة الخلافة جولةٌ تُطوى ثم ينتهي أمرُها وتفرغون منها وتأمنون، ثم تخلو لكم الساحةُ لاستكمال مُخططاتِكم لحرب الاسلام، ولكن خيبَ الله ظُنونَكم وأبطلَ كيدَكم، وأُسقِط في أيديكم وأنتم ترون دولةَ الخلافة تخوض جولةً إثر جولةٍ، وتعود بعد كلِ مرةٍ أقوى من سابقتها بفضل الله تعالى، حتى صارتِ اجتماعاتُ تحالُفِكم الدورية كاجتماعِ حُلفائِكم طواغيتِ العرب؛ تصِفُ المُشْكلةَ ولا تَخرج بالحلول.. لأنه لا حُلول.
وقد استنفدتم حُلولَكم في حربكم على دولة الخلافةِ في العراق والشام بتحالفٍ عالميٍ، بذلتم غايةَ جُهدِكم في حشدِ أوباشه من دول الكفر وأراذلِ الأمم، ثم أعلنتُم النصرَ مرارا علينا كما فعلتم من قبلُ في العراق، ثم ها نحن نعود، ونُعاودُ الجِهاد والضِرابَ والقتال ضِدَّ كُلِ أحْلافِكم التي تقِفُ عاجزةً صاغرةً لا تدري ما الحل.. لأنه لا حلول.
ولقد تعاقبَ طواغيتُ أمريكا على تَوارُثِ الخسارةِ والفشلِ في حرب الدولة الإسلامية صاغراً عن صاغر، فبعد أن فَشِلوا قديما في إطفاء جَذوةِ الجهادِ في العراق في عهد "بوش"، فشلوا لاحقا في عهد "أوباما" فشلا ذريعا في منعِ قيام الخلافة، ثم فشلوا مُجددا في القضاء عليها في عهد الأهوج "ترامب"، ثم فشلوا في عهد الخرف "بايدن" في منعِ تَمدُدِ سلطانها في الأرض التي يورثها الله من يشاء من عباده، وما زال مُسلسلُ الفَشلِ الأمريكي مُتواصِلا على أيدي عبادهِ المؤمنين.
لقد عَلِقتْ أمريكا وحلفاؤُها في وحَلِ معركةِ الاستنزاف والمراغمةِ التي قادتها دولةُ الخلافةِ على مستوى العالم بأسره، وصارت الغزوةُ الواحدةُ لِجُنودِها تَضْرب جُيوشَ الكفرِ حلفاءَ أمريكا بتوقيتٍ واحدٍ في بلدان كثيرة، ولا تَمِلكُ جُيوشُ الكفرِ أمامَ هذه الغزواتِ سِوى حصرِ خسائِرها وجمعِ جيفِ قتلاها.
وانظري أمريكا... كيف بدأْتِ حَربَك على المجاهدين في العراق قبل نحوِ عَقدين، وقد كانوا جماعاتٍ ومجموعاتٍ شتى، وها أنت اليومَ تُحاربين أحفادَهم وقد شيدوا لأُمتهم دولةً هي وحدَها خارجَ حدودِ وقيودِ نِظامِك العالمي الجاهلي، وما جيشُها في العراق إلا واحدٌ من جُيوشِها العاملةِ في شتى الوِلايات، على أننا لا نقاتِلُك بالعدد والعُدة، بل نقاتِلُك بإيمان بالله تعالى أرسخَ من الجبال.
فماذا بقي في جُعْبتِك أمريكا لحربنا، أَحِلفٌ جديد أعْياكِ حشدُه أولَ مرة وها هو اليومَ ينقسمُ على نفسه، وتهددُه شبحُ الحروبِ الداخليةِ والأزماتِ الاقتصادية؟ أم بحِلفك العاجزِ بِنُسخته الإفريقية، والذي ما زلتِ عاجزةً عن جمعِ شتاته، وما زلتِ تتوسلين الدعمَ المالي له، وهو مع ذلك غارقٌ في المحرقة بملاحمِ إفريقيّة والساحل.
ماذا بقي في جُعبتِك أمريكا، وها قد فَشِلتْ حروبُك، وتفاقمتْ خسائرُكِ وتتابعتْ أزماتُك، وسيأتي اليومُ الذي تتخلين فيه عن مطاياكِ الرافضة، وتغيبينَ عن سمائهم فتُسلِمِيهم إلى المصير المحتوم، سبايكر ثانية، وفلوجةٍ ثالثة، بل أبعدَ من ذلك وأعمق، بإذن الله تعالى.
ولئن كان انسحابُك الأولُ من العراق خطئا ندمتِ عليه لاحقا، فان بقاءَك سيكونُ خطئا أكبر من سابِقه، ولئن حاربْتِنا بالأمس اعتمادا على جُيوش الوَكالةِ، صحوات الردةِ وحشدِ إيران، فان المعاركَ القادمةَ سيكون فيها القتالُ وجها لوجه، مسلما لكافر، عبداً لله وعبدا للصليب، وما زلنا نرقُب دابقَ يوما بيوم، وما زال جنودُ الخلافةِ يتلهفون شوقا لهذه الوُعود النبوية، قال -صلى الله عليه وسلم- : (لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكُفرَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْر، حتّى يَسِيرَ الرّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلّا اللَّهَ، والذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 436
السنة الخامسة عشرة - الخميس 18 رمضان 1445 هـ
تفريغ كلمة صوتية:
للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى- بعنوان:
(واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ)
تفريغ كلمة صوتية:
للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى- بعنوان:
(واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ)
الحمدُ لله رب العالمين والصلاةُ والسلام على خاتمِ الأنبياء والمرسلين، بشرنا بظهور الدين ولو بعد حين، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على دربهم واقتفى أثرَهم إلى يوم الدين، أما بعد.
قبل عقد من الزمان، في مثل هذا الشهر المبارك، وقف قادة الدولة الإسلامية موقفا يحبه الله ورسوله، موقفا أغاظ الكافرين والمنافقين، موقفا تجلّت فيه معيّة الله وهدايتُهُ وتوفيقُه للمجاهدين، موقفا غيّر مجرى التاريخ؛ يوم أعلنوا قيام الخلافة الإسلامية بعد قرونٍ طويلة على إسقاطها وتغييبِها؛ فساست رعاياها بدين ربها، وحكّمت الشريعةَ على ما وقع تحت سلطانها، وأنشأتْ دواوينَ القضاء والحسبةِ والتعليمِ وغيرها، وأقامتِ الصلاةَ وآتتِ الزكاة وأمرتْ بالمعروف ونهتْ عن المنكر، ونشرت الفضيلةَ وقمعتِ الرذيلة، وهدمت أوثان الجاهليةِ، الوطنية والقومية، وغرست روابطَ الولاء والبراء، فأحيت التوحيدَ وجددت معالمَ الدين، وصارت محطَ أنظارِ المؤمنين المخلصينَ ومهوى أفئدتِهم، وغيظَ الكافرين ومصدر قلقِهم وبؤسِهم وشقائِهم.
وأدخلت النظام العالمي الجاهلي، في أكبر حرب استنزاف عرفها التاريخُ المعاصر، تُضربُ فيها رقابُ الكفر من العراق إلى موزمبيق، ومن بوادي الشام إلى بوادي الساحل في أوضحِ وأنصعِ تطبيق عملي للكفر بالطاغوت.
كان هذا الحدثُ نقطةً فاصلةً في تاريخ الإسلام المعاصر، أضاف إلى الطائفة المنصورةِ نقطةَ قوةٍ ومرتكزا تتكيءُ عليه في طريق العبودية لله تعالى، وفي معركةِ التوحيد الهادفةِ إلى سيادة شريعة الله في أرضه {حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
لقد خلطَ هذا الحدثُ المباركُ أوراقَ "النظامِ العالمي" الجاهلي، ووقف العالم بأسره مذهوﻻ وهو يرى العصبةَ المؤمنةَ التي زعمت أمريكا القضاء عليها في عهد بوش، تكسر الحدودَ وتهدم الساتر في عهد أوباما الخاسر، بعد أن سَحقتْ حُلفاءَ ومطايا أمريكا من الصحواتِ والرافضة في العراق والشام.
وعلى عِظمِ هذه الخُطوةِ المباركةِ التي فَرِقتْ منها قلوبُ اليهودِ والصليبين؛ حشد الكافرون أكبرَ تحالف جاهلي عالمي في هذا العصر، اتحدت فيه الروم والفرس والروس لأولِ مرة في تاريخهم، ومِن خلفهم يهودُ المكر، كلُهم جمعوا كيدَهم وأتوا صفا لحرب دولةِ الخلافة، فماذا كانت النتيجة؟ وماذا حل بهذا الحلفِ الشيطاني؟!
لقد وقفتِ الدولة الإسلاميةُ موقفَ نبيِها -صلى الله عليه وسلم- وصحابتِه يومَ الأحزاب، فتصدتْ لهذه الهجمةِ العالميةِ التي استهدفتْ دارَ الخلافة في العراق والشام وقاتل جُنودُها وقادُتها ورعاياها قتالَ الأبطال، وتسابقتْ قوافلُ الاستشهاديين جريا إلى الله تعالى، فوفُوا بعهدهم وأتموا بيعتهم في مشاهدَ أروعَ من الخيال، نصرةً للإسلام وصونا للشريعة، ولمّا فشل الكافرون في الاقتحام: لاذوا بطائراتهم تقصفُ بأطنانِ الصواريخ كلَ من استظل بظلال الخلافة، فدمروا العُمران وأحرقوا الأبدان ولكنهم فشلوا في اختراق بنيان العقيدة، رغمَ استعانتهم بكثير من دعاةِ السوء وإعلامِ الدجال.. ولم ينقشع غبارُ هذه الحملةِ الغاشمةِ عن دار الخلافة حتى فاجأتْهم بتمدُدِ سلطانِها إلى ساحةِ إفريقيةَ والساحلِ، لِتُثمِرَ دماءُ أجنادِ الخلافة في العراق والشام، وينْبُتَ غِراسُها في أقاصي الأرض بفضل الله تعالى، ولِتذهبَ أحلامُ الصليبيين في القضاء على دولة الخلافةِ أدراجَ الرياح.
ومع اشتداد الملاحمِ واتساعِ رُقعةِ الاستنزاف، بدأ الضَعفُ يدُب في هذا التحالفِ نتيجة طولِ أمدِ الحرب وكثرةِ التكاليف وغيابِ أُفقِ الحُلولِ، وتصاعُدِ الصراعات الصليبيةِ - الصليبية.
ولئن كانتْ معضلةُ أمريكا الصليبيةِ قبل حربها على الخلافة، محصورةً في العراق والشام؛ فقد باتت معضلتُها بعد الحرب ممتدةً في كل مكان، في خراسان وباكستانَ وغربِ ووسطِ إفريقيةَ وموزمبيقَ والساحلِ والصومالِ وشرقِ آسيا، وغيرها من قِلاع الإسلام التي لحقت بركب الخلافةِ، وبايعت إمامَها ورفعتْ رايتها، فكانت خلافَ ما تشتهي أمريكا وتُمنّي نفسَها، وها هي دولةُ الخلافةِ تُنهي عَقدها الأولَ، وما زالت ماضيةً على دربها تقوى وتتمدد، وأوهامُ أعدائها تخِيب وتتبددُ بفضل الله تعالى.
عَقد مضى على دولة الخلافةِ سطّر فيه جنودُها أروعَ ملاحمِ العصر في المَوصلِ والرقةِ والباغوزَ وسِرتَ وماراوي وجِلبانةَ وغيرها.. وما زالت الملاحمُ تشتعلُ في وِلايات العراق والشامِ وإفريقيةَ والساحلِ وخراسانَ وباكستان وشرقِ آسيا والصومال وغيرِها من وِلايات الخلافةِ القائمةِ وساحاتِ جهادِها الممتدة.
عَقد مضى على دولة الخلافة، نجَحتْ فيه بفضل الله في إنقاذ أجيالٍ من شبابِ المسلمين من الموتِ تحتَ الراياتِ العُمّيةِ والجاهلية، وهدمتْ أوثانَ العصرِ كالسلميةِ والوطنيةِ والديمقراطية والقوميةِ، وحمَتْ ثَمرةَ الجهادِ أن تُصبحَ نهبا مُشاعا للديمقراطيين والقوميين.
عَقد مضى على دولة الخلافةِ جادتْ فيه وبذلتْ، وما بَخِلت عن أمُتها بشيءٍ أو ضَنّت، فقدمت أربعةً من خُلفائها خِلال هذا العَقد قُربانا في سبيل معركةِ التوحيدِ وحاكميةِ الشريعة، سالت دماؤُهم وقضَوا نحبهم جميعا في ساحاتِ المُراغمة، ولم يمُت أحدٌ منهم على فِراشه، وكفى بها منقبةً على كثرةِ مناقبِهم رحمهم اللهُ، ومعهم آلافُ القادةِ والجُنود الذين أمْهروا العقيدةَ أرواحَهم، فكانوا بحقٍ حُرَّاسَها وكُماتَها تقبلهم اللهُ وأعلى مَنزلَتهم.
عَقد مضى على دولة الخلافة، وأعداؤُها من ملل الكفرِ قاطبةً غارقون في أكبر معركة استنزافٍ عَلِقتْ فيها جُيوشهم وميليّشياتهم، وما ثمةَ لهم من مخرج، فإن خرجوا وتركوا بلادَنا خسروا وربحْنا المعركة، وإن بَقوا أجرينا عليهم نُذُرَ العذابِ والاستنزاف، وسيخرجون ويخسرون ونربحُ المعركة، لأن معركةَ التوحيدِ لا خسارة فيها.
عَقد مضى على دولة الخلافة، وما زالت تتمددُ من صقع إلى آخر وتفيءُ إليها قلوبُ الموحدين الصادقين، يقطعون الفيافي ويركبون البحارَ، ويتَقَحمون الصِعاب والأخطار، للوصول إلى ديار الإسلام، التي يأمنون فيها على دينهم ودنياهم، أو إلى ميادين الجهاد التي يبنون فيها آخرتَهم، ويموتون لتحيا أُمتُهم حياةَ العزِ والإباءِ، لا حياةَ الذُل والغُثاء.
عقد مضى على دولة الخلافة وهي تُقاتلُ الطواغيتَ كافة، لم تفرق بين طاغوتٍ وآخر، ولم تخضْ لُعبةَ المحاورِ والاصطفافاتِ الجاهلية، كما فعلتْ أكثرُ الجماعاتِ المنحرفة، التي أصبحت بيادقَ في ايدي الحُكومات، ولعبةً لأجهزةِ المخابرات، يخترقون بُنيانَها بعد أنِ اخترقوا مِنهاجَها ويُسيِّرونها طوعا وكرها لحربنا.
عقد مضى على دولة الخلافة ولم تسقط رايتُها، ولم تلِن قناتُها ولم تبدل منْهجَها، لم تداهن أو تُساوِم أو تهادن، بل أخذتِ الكتابَ بقوة، وحملت ميراثَ النبوة، ودافعتْ عنه بكلِ ما أوتيت من قوة، وقد أعذر قادتُها وجنودُها إلى الله تعالى، نحسبهم والله حسيبهم.
وبهذه المناسبة، فإننا نُخاطب مجاهدينا والمسلمين عامة، برسائل المُوالاةِ والمحبةِ والتواصي.
فإلى جُنودِ الخلافة الميامين، الباذلين نفوسَهم لإعلاء كلمةِ ربهم، القابضين على الجمر، الصابرين على المر، الغرباءِ النزاع، المقتفين للصحب والأتباع.
نباركُ لكم شهرَ الصيام والقيامِ والجهاد، ونسأله تعالى أن يعيننا وإياكم، على ذكره وشكره وحسنِ عبادته، ولا أحسنَ عبادةً في هذا الشهر من الجهاد، فهو شهرُه وموسِمُه، وذاك دأبُ نبيِكم وصحبِه، فلقد ملأوا سجلَّ الشهرِ بصفحات المعارك والمغازي، وما زال الشهرُ ذاتُه إلى يومِكم، وسجلاتُه مفتوحةً أمامَكم لتملؤها بالمفاخر والملاحم.
ثم اعلموا يا جنودَ الخلافة أَن طريقَكم طويلٌ وحِملَكم ثقيل، لا بد فيه من زادٍ يكونُ لكم عونا ومددا، فأضيفوا إلى الجهادِ قُرباتٍ تُقوّيه وتشحذُه وتُنقّيه وتدفعُه، ولا أَخالُ أن أحدَكم يجهلُ زادَه في طريقه، ولكنها الذكرى والوصية، عملا بقوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
يا جنود الخلافة.. إن أعظمَ وصيةٍ تناقلها الأنبياءُ والمرسلون هي التقوى بلا ريب، فنوصي أنفسَنا وإياكم بتقوى الله تعالى في السر والعلن وخشيتِه في الغيب والشهادة، فهي خيرُ الزاد ليوم المعادِ، ولذلك قرنها المولى سبحانه بالموت على الإسلام، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، وقرنها بالمصابرة والمرابطة، فقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ثم استعينوا على ما أنتم فيه بالصبر والصلاة، فقد أخبر تعالى أن خيرَ ما يستعينُ به المؤمنُ في طريقه الصبرُ والصلاة، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
ثم أكثروا من ذكر ربكم، واجعلوا الذكرَ رفيقَكم في حلِكم وسفرِكم، فهو قرينُ الثباتِ وقوتُ الروح وحياةُ القلب وقوّتُه، وهو أغزرُ الزاد وأيسرُه ولا عذرَ يستقيمُ لتركِه، إذ هو مُتاحٌ للعبد في جميع أحوالِه، وهو في حق المجاهدِ آكد، وآكدُ منه عند لقاء عدوه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ثم أحسنوا التوكُلَ على الله ربكم، فإن التوكلَ على الله تعالى من أهمِ أسبابِ النصر والظفر. وقد أمر الله به نبيَه -صلى الله عليه وسلم- في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه، فقال سبحانه: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا}، وقال سبحانه: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} يعني: " كافيه وناصرُه ومؤيدُه".
فتوكلوا على الله حقَّ توكله، وحقيقتُه: استفراغُ الوُسعِ في الأخذ بالأسباب ثم التعلقُ بمُسببِ الأسباب سبحانه، ثم امضُوا في طريقكم ولا تلتفتُوا لكُلِ قُوى الأرضِ ولو اجتمعت، فإنما نستجلبُ النصرَ بذلك، لا ننتصرُ بعددٍ ولا عُدد، وتلك مغازي أسلافِكم شاهدةٌ، وما انتصروا يوما بعُدة ولا عَدد، ويومَ أعجبتْهم كثرتُهم ضاقت عليهم الأرضُ بما رحبت، إنما كانوا ينتصرون بالإيمان يجري في قلوبهم، ويظهر على جوارحهم ويعيشونه واقعا في حياتهم، قال سبحانه: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
ثم تذكروا يا أجنادَ الخلافةِ أن الابتلاءَ والمُداولةَ سننٌ لا بد منها في طريق الجهاد والتوحيد، فلم يخلُ منها زمنٌ من أزمان الأولين، قد أصابت خيرَ القرون وخيرَ المرسلين، واقرأوا وتدبروا هذه الآيات البينات تجدون الحكمةَ من هذه السننِ الثابتات، قال تعالى: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، وقال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.
قرحٌ وابتلاءٌ ومُداولة.. بأساءُ وضراءُ وزلزلَة.. تمحيصٌ للمؤمنين ومحقٌ للكافرين.. فِتنٌ ومحنٌ تُميّزُ الصادقين من الكاذبين، والصابرين من الناكصين، هذا هو الطريقُ الذي اختاره اللهُ لنا وللأنبياء من قبلنا، ولا نَملِكُ إلا أن نصبرَ ونسيرَ عليه، كما صبرتْ وسارتْ عليه الرسلُ من قبل، ثم تكون لنا العاقبةُ، كما كانت لهم العاقبة.
يا جنودَ الخلافة.. الجماعةَ. الجماعةَ، والسمعَ والطاعةَ لأمرائكم في المعروف فهو واجبُ كلِ واحدٍ منكم، وهو قِوامُ دولتِكُم قديما وحديثا به تُحفظُ بيضتُها وتدُوم هيبتُها وينتظِمُ أمرُها، وبضِدِها يحصلُ الفشلُ وتذهبُ القوة، قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
وإياكم وتلبيسَ إبليسٍ، فإن شياطينَ الإنسِ والجنِ، تُكثرُ التلبيسَ على المسلمين في هذا الباب، فسُدوا على الشيطان بابَه وردُوه على عقِبِه خاسئا حسيرا وغلِّبوا أمرَ ربِكم القائل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}، وأمرَ نبيِكم -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (مَن خَلَعَ يَدًا مِن طاعَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ يَومَ القِيامَةِ لا حُجَّةَ له، وَمَن ماتَ وَليسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، ماتَ مِيتَةً جاهِلِيَّةً)، فهذا مقامُ الاجتماعِ والطاعةِ والبيعةِ في الإسلام، فعَضُوا عليها بالنواجذ ووفُوا ببيعتكم.
ويشملُ هذا الأمرُ إخواننا المناصرين الذين حملوا رايةَ نُصرةِ الدولة الإسلامية في ساحة الإعلام ونسبوا أنفسَهم إليها، وعقدوا البيعةَ لها من سائر العالم فإن السمع والطاعةَ واجبةٌ على كل فردٍ منهم، فاسمعوا وأطيعوا، وتعاونوا وتطاوعوا، واحذروا الفرقة والاختلاف، واجتنبوا عقيمَ الجدالِ فإنه يُوغِرُ الصدرَ ويُذهب الأجر؛ ولديكم أرشيف كبيرٌ من ميراثِ الدولة الإسلامية المرئي والمسموعِ والمقروء، فاجتهدوا في رفعه وترجمتِه وبثِه في جنباتِ الشبكة العنكبوتية التي لا تنشغلُ هي عن محاربتكم، فزاحموا أهلَ الباطل بنشرِ الهدايةِ والرشاد، وادفعوا شُبُهاتِهم بالحقِ لا بسِواه، انصُروا الشريعةَ بالشريعةِ والسنةَ بالسنة، وادعوا إلى سبيل ربكم بالموعظة الحسنة، وخاطبوا الناسَ على قدرِ عقولِهم فإنما أنتم رسلُ البلاغ، وهي وظيفتُكم الأولى في ميدان الإعلامِ المناصِر، فلا تستبدلوها بشيء سِوى النفيرِ إلى ميادين القتال.
وكونوا على قدْرِ هذه الأمانة، إخلاصا واتباعا وهمة وتفانيا. وامتثلوا توجِيهاتِ إخوانِكم التي تصلكم عبر منابرها الرسمية -حفظ اللهُ القائمين عليها-.
وبعد الوصايا.. نبرق بالتحايا إلى رجالاتِ الدولةِ الإسلاميةِ وفوارسِها الأبية، في كلِ وِلاياتها في ربوع الأرض عربا وعجما، شرقا وغربا.
ونخص منهم فرسانَ وِلاية موزمبيق الذين شرّدوا النصارى وجيوشَهم وأحرقوا الأرضَ من تحت أقدامهم وضربوا الذلةَ والمهانةَ عليهم، وثأروا لمُسلمي إفريقيةَ ثارا عادلا.
ونبارك لمجاهدينا هُناك، هجماتِهم وفتُوحاتِهم الأخيرةَ، كما نباركُ لهم جهودَهم الدعويةَ الحثيثة، في تجمعاتِ وقرى المسلمين التي تجلى فيها منهاجُ النبوة، وأظهرَ جنودُ الخلافة بحقٍ أنهم أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم، فكانوا على الكافرين نارا، وللمسلمين نورا ورحمة، ونوصيكم بمضاعفة الجهود الدعوية، تقبل الله منكم، وأمدكم بِخيْرة طلبةِ العلم من خلقه.
وهنيئا لكم وأنتم تُعلون حكم الشريعةِ في أرض نسيها المسلمون ولم ينسها الصليبيون من مؤامراتِ الإلحاد والتنصير، وها أنتم اليومَ تُحبِطون مُؤامراتِهم، وتُفشلون جُهودَهم في إغواء الناس وتنصيرِهم وترُدّون عاديتَهم بالكتاب الهادي والسيف الناصر، نصركم الله وزادكم هدايةً وبصيرة.
ومثلُهم في الجُهد والأثر؛ إخوانُهم بوِلاية وسَطِ إفريقيّة، عمالقةُ الأدغال وأسودُ النزال، الذين قعدوا للنصارى كل مرصدٍ، قتلا وأسرا وتشريدا، فأدخلوهم في موجات نُزوحٍ مُستمرّةٍ وضربوا طُرقَ تجارتِهم وتنقُلاتِهم فلم يَعُدْ لهم مأمنٌ في حلٍ ولا سفر، واستنزفوا قوّاتِهم الخائرةَ حتى ضجَّ النصارى بحكومتِهم وفقَدوا الثقة بها بعد أن فشلت وحلفاؤُها الاوغنديون، في وقفِ عجلة الجهاد بفضل الله تعالى.
فواصلوا جهدكم وجهادكم واقصدوا تجمعات النصارى ومراكزَ حُكومتِهم، فذلك أنكى بهم وأشدُ عليهم، وفّقكم الله وفتح عليكم.
كما نبرق بالتحايا إلى أسودِ الخلافة، في غربِ إفريقيةَ والساحل، مَن أنهكوا جيوشَ الكفرِ وميليشياتِهم، وأفشلوا حربهم في إطفاء نور الله تعالى، وصارت كلُ أرضٍ يطؤها المجاهدون في نيجيريا وتشاد، والنيجر ومالي وبوركينا فاسو؛ تُحكم بالشريعة الإلهية، ويأمن الناسُ فيها على دينهم ودنياهم، وتقامُ فيها الحدود ويُعزُ فيها التوحيدُ وأهلُه، ويُذلُ فيها الشركُ وأهلُه، فيا حسرةً على القاعدين، ويا سوءةَ الطاعنين، ويا غيظَ الكافرين والمنافقين.
ثم نبرق بالتحية إلى جنود الخلافة بِولاية خراسان، آسادِ المفاصلة والولاء والبراء، مَن ضربتْ هجماتُهم المشركين كافة، فاصطلى بنارِ غزواتِهم الأمريكيون الصليبيون والروس، والصينيون الشيُوعيون، وشدوا على الرافضة المجوس والسيخ والهندوس، فدُكت معابدُهم واختلطت دماؤهم بدماءِ حُرّاسهم ورثةِ كرزاي مطايا الأمريكان.
ونُثَنّي بالتحية ونُثْنِي على إخوانهم أسودِ وِلاية باكستان ونباركُ حملتَهم الأخيرةَ على أرباب الكفر وسدنةِ الأوثان العصرية، مِن أرباب الديمقراطيةِ والانتخابات الكفرية، فقد أعملوا فيهم مِعولَ الخليلِ إبراهيمَ عليه السلام، فهو المِعولُ الوحيدُ الذي يَبني للمسلمين توحيدا صافيا، لا غبش فيه ولا دخن، فالديمقراطية دينٌ يُصادمُ الإسلامَ ويُحاربُه، ولا يلتقي معَه في أصلٍ ولا فرع.
ونحيي جنودَ الخلافةِ في شرقِ آسيا حيثُ الثُلةُ المؤمنةُ الصابرة التي أحالتْ غاباتِ جنوب الفِلِبين إلى كمائنَ لاصطيادِ ضُباطِ وجنودِ الحكومة الكافرةِ وميليشياتِها المرتدة، ونوصيكم برصِّ الصفوف ونقل العمل إلى قلب المُدن، فاجعلوا الغاباتِ عرائنَكم، ومراكزَ العدو أهدافَكم، واستعينوا بالله وتوكلوا عليه، فهو كافيْكم سبحانه وناصِرُكم.
وتحيةً إلى جنود الخلافة في أرضِ العُسرة في صُومال الثبات والنزال، وهم يَصُدون هجمة الصليبيين والمرتدين عن أرض الهجرتين، ونباركُ لهم انتِصاراتِهم الأخيرةَ على ميليشياتِ الردةِ في شرق الصومال، رغم اشتدادِ الحملةِ الجويةِ الأمريكيةِ عليهم، فاثبتوا ولا تبرحوا مواقِعَكم، واسعوا في نقل الحرب إلى دار عدوِكم، وفعّلوا مفارزَ الأمن والاغتيالات، واقصُدوا مراكزَ المدنِ بالهجمات، واستعينوا بالله مولاكم، نعم المولى ونعم النصير.
كما نبرق بالتحايا إلى سائر أجنادِ الخلافة ومفارِزها في اليمنِ وسيناءَ وليبيا وتونسَ والقوقازِ وغيرِها، نُوصيكم بالصبر والاحتساب، وتذكروا أن الجهادَ ينضَج بالمحن فهذا هو قدرُ الله النافذُ وحكمتُه البالغةُ في مسيرةِ الجهاد، وهي مرحلةٌ لا بد منها، وقد مرتْ بِها كلُ الساحات قبلَكم، فجددوا نواياكم واشحذوا همَمكم، وأيقنوا أن الأجر على قدر المشقة، ولا تستعجلوا قطفَ ثَمرٍ لم يحنْ أوانُه، ولكن سارعوا إلى مغفرة من ربكم واستبقوا الخيرات، فأخلصوا العملَ ورصُوا الصفوفَ وتهيأوا لرياح الزحوف.
كما ونبارك للمسلمين في العراق والشام، واليمنِ ولبنان الهجومَ النوعيَ في قلب إيرانَ الرافضية في كرمان، إذ اخترق أسودُ الخلافةِ حصونَها ووصلوا إلى شرِ معابدِها، فسفكوا دماء الروافض، ونثروا أشلاءهم وشَفَوا صدور المؤمنين منهم، وسددوا بعضا من قائمةِ حسابٍ طويلةٍ تنتظرُ الرافضة في كل مكان، وما زالت قوائمُ الثأر مستمرةً بإذن الله تعالى.
وها هم جنود الخلافة يُمضون ثأرهم، ويُنفذون وعيدَهم من جديد، فبعد إيرانَ الرافضية، ثنَّوا بروسيا الصليبية بهجمةٍ داميةٍ خاضها نفرٌ من آساد الخلافة العُجم، مرّغوا فيها أَنفها، وبددوا أَمنها ونكلوا برعاياها في عقر دارها، في عاصمتها، حتى خرّ عليهم السقفُ من فوقهم، وبقيت دولةُ الخلافةِ تثأرُ للمسلمين وتؤدبُ الكافرين، وتَفري المنافقين بسِنانها قبل البيان، فليمُت بغيظِه كلُ شانئ.
كما أننا في غنى عن حشدِ مبرراتٍ شرعيةٍ لاستهدافِ دولةٍ حاربت المسلمين قديما وحديثا، وما زلنا نقتُلُ ونأسِرُ جنودَها في بوادي الشام والساحل، ومن قبل أسقطنا طائرتها في سيناء، فالحمد الله على التوفيق، ونسأله تعالى المزيد.
كما ونُوصلُ موفورَ التحايا إلى جُنود الخلافة في عقر دار المؤمنين الشام.. رجالِ الخير والبركةِ وحلبَ وحَوران، من أدارُوا رحى الجهاد ولم يُوقفوها، وما زالوا يخوضون غمارها، ويشعلون أوارها، وفي القلب منهم رجالُ الصحراء، من أشعلوا البوادي، على زمرِ الأعادي، فأحرقوا أرتالَ النصيريةِ وحلفائِهم الروس، فصاروا يتقاسمون نفس المصير، وغدت جيوشهم بين قتيل وجريح وأسير، حتى وقفت وسائلُ إعلامِ العدوِ حائرةً كيف تَصِيغُ أخبارَ البادية؛ أتُصرّحُ بالخبرِ وتُضمرُ الفاعل؟ أتخبر عن مقتله بغير قاتل؟ أم تبني الأفعال للمجاهيل؟ فلم تجد بدا سِوى الإقرارِ والاعترافِ ونسبةِ الهجماتِ إلى الجهةِ الوحيدةِ التي لم تضعِ السلاح، ولم تَعقِد المصالحاتِ والمساومات، ولم تَخُن عهدَها، ولم تُوقِفْ مع النصيرية حربَها، لأنها حربُ إسلام وكفر، ليست حربا قبليةً ولا ثورةً جاهليةً على الحاكم دون الحكم، وهذا من أسرار بقائها ومضائها، بفضل الله تعالى.
ثم نختم عبق التحايا بعشاق المنايا فرسانِ وِلايةِ العراق أجنادِ دارِ الخلافة وحملةِ رايتها وبادئي شرارتِها ومُشعلي جذوتِها.. من أحالوا عيشَ الرافضة إلى جحيم، وسلبوهم الأمنَ الموهومَ حتى صاروا يلعنون النصرَ المزعوم، وصارت دَوْرةُ حياةِ الرافضي من حملة فاشلةٍ إلى أخرى خاسرة، يتيهون في الصحاري على وجوهِهم، تتلقفُهم العبواتُ وتتخطفُهم القناصات ويعيشون في قلق دائمٍ خشيةَ أفُولِ الطائرات، وسواء ءأفلت أم بقيت، سَنَفُلُّ جمعَهم ونبيد جيشَهم وحشدَهم، ونُطهرُ عِراقَ الخلافةِ من دنسِهم بإذن اللهِ تعالى.
ثم هذه رسائلُ تذكيرٍ وتحريضٍ نبُثها لإخواننا المسلمين في كل مكان..
أمةَ الإسلام، إن ما يجري اليومَ للمسلمين في غزة هو ما جرى أضعافُه قبل سنواتٍ قليلةٍ في العراق والشام وليبيا وسيناءَ واليمن، وما يزال يجري للمسلمين كل يوم في بورما والهندِ والصينِ وغيرها من مآسي المسلمين، إنه جرح واحد، وحلُه واحد، الاجتماع خلف إمامٍ واحد ومنهاجٍ واحد، يحركُ الجيوشَ لقتال الكافرين تحت رايةِ الشريعة، وقد فعلنا وقطعنا شوطا كبيرا نحو ذلك، رغمَ كلِ العوائقِ والعواقبِ والخذلان، وسنمضي ولن نبالي حتى يقضي اللهُ أمره، وينجز وعده.
ولقد بسطنا في خطابنا السابقِ القريبِ موقفَ الدولةِ الإسلاميةِ من جرح المسلمين في غزة وكيف تكونُ نصرتُهم وفِقَ مَنهجِ الإسلام، بالقتال والضِرام لا بالشعارات والكلام، وأن المعركة مع اليهود لا تكتملُ إلا بقتالِ حلفائِهم من المرتدين والصليبيين في كل مكان، وانطلاقا من ذلك كانتِ الغزوةُ الموحدةُ التي أطلقتها دولةُ الخلافةِ نُصرةً لأهلنا في غزة، والتي تجلت فيها معاني الوَحدةِ والأُخوةُ الإيمانية والنصرةُ والولاءُ للمؤمنين، فنشكرُ لكم يا جنودَ الخلافة صنيعَكم، ونباركُ لكم غزوتَكم، فقد صدّقتم الأقوالَ بالأفعال، ونسألُه تعالى أن يمكنَكم من الوصول إلى أرض فلسطين لتُقاتلوا اليهودَ وجها لوجه، في حرب دينيةٍ لا تُبقى ولا تذر.
وبهذا الصدد، فإننا نجدد ونكررُ تحريضَنا للأسودِ المنفردة، بالسعي الحثيثِ لاستهداف الصليبيينَ واليهودِ في كل مكان، خصوصا في أمريكا وأوروبا الصليبية، وكذلك في عقرِ دويلةِ اليهود في القدسِ وأراضي الداخلِ الفلسطيني.
أيها المجاهد المنفرد، روى الإمام أحمدُ أن أبا اسحقَ قال: "قلت للبراء: الرجل يَحمِل على المشركين، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله بعث رسولَه -صلى الله عليه وسلم- وقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}".
واعلموا أن نقلَ المعركةِ إلى ديار اليهود والصليبيين أشدُ عليهم وأفجعُ لقلوبهم وأوجع.. فجددوا نواياكم وخُطوا وصاياكم، وتربصوا باليهود والنصارى وافتِكوا بهم، وتذكروا عظيم فِعالِكم وجزيلَ أجرِكم، وأنتم تبيعون حياتَكم رخيصةً في سبيل ربكم، قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
أيها المسلمون.. ونحن نتفيأُ ظِلالَ الشهر الكريم نُذكّرُكم بأن الله فرض علينا الجهاد كما فرض الصْيام فقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} وقال سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، وإن المسلمَ مستسلمٌ لأوامر الله كافة، فلا يقبلُ أمرا ويرفضُ آخر.. فما بالُ أكثرِ الصائمينَ اليومَ متخلفين عن الجهاد؟!!
أيها المسلمون، إن الله تعالى فرض الجهاد على كل مسلم إلا المعذور فقال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا}، أي: سيروا للجهاد شبابا وشيوخا في العسر واليسر، كما أمرنا بالجهاد بكل وسيلةٍ شرعية فقال سبحانه: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم، وأنفسِكم، وألسنتِكُم)، فشمَل الجهادُ، النفسَ والأموالَ واللسان يعني الحجة والبرهان، ويلحق به ميدان الإعلام الذي يحتل مكانة كبيرة في حروب العصر.
فنجددُ تحريضَنا لكم أيها المسلمون في كل مكانٍ بالهجرة والنفير لِتُشاركوا إخوانَكم المجاهدين واجبَ العصر وفرضَ الساعة، ويكون لكم سهمٌ في نصرة دينِكم واستعادةِ مجدِ أمتكم، فلا مجدَ ولا عزَ ولا سيادةَ للمسلمين بغيرِ الجهاد.
وهذه رسالةٌ نخصُ بها الشبابَ المسلمَ الحائرَ في ديار الكفر، الذين تتجاذبُهم صنوف الشهواتِ والشُبُهات.. الذين يحزنُهم مُصابُ أمتِهم ولا يدرون أين يذهبون، تراهم يُقدمون تارةً وأخرى يُحجمون. هلُموا إلى ساحات الجهادِ في ربوع الدولة الإسلامية، هلُموا وعيْشُوا بين إخوانكم لتأمنوا على دينكم فتفوزوا بخيري الدنيا والآخرة.
ولئن كنّا يوم أعلنا الخلافةَ نُحرضُ على الهجرةِ إلى دارها في العراق والشام، فإن أرضَ الخلافةِ اليومَ تمتدُ إلى غرب إفريقيةَ والساحل وشرقِ آسيا وخُرسانَ وباكستان، وما زالت جُيوشُ الخلافةِ في إفريقيةَ تُواصل الطريق ويلتحق بها خيارُ المهاجرين.
أمة الإسلام.. أمة القرآن.. لقد التحقَ بركب الخلافةِ وآزرَها، من لا يعرفُون من العربيةِ إلا الشهادتينِ ويسيرَ القرآن، لكنهم في ميزانِ العقيدة والولاءِ والبراء والجهاد أرسخُ من أدعياءِ العلمِ أحبارِ الطواغيت، وصدق الله القائل: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}.
وأما حديثُنا إلى الأسرى والأسيرات المؤمنين والمؤمنات.. فحديثٌ ذو شجون، يُطأطئُ المرءُ رأسَه في حضرتهم، ويحارُ الفكرُ في مخاطبتهم، ماذا يقولُ لهم؟ وبماذا يُجيبُهم؟ فيقدّمُ ويؤخّرُ ويُثبتُ ويَمحُو.. ثم لا يجدُ مفراً من الحديثِ تواصيا بالحق وتواصيا بالصبر.
أيها المؤمنون والمؤمنات، الأسرى والأسيرات، إن لكم دَيناً في رقابنا سنوفيه مهما كان الثمن، ولكم وعد في ذِمتِنا سننجزه مهما اشتدتِ المحن، فقد فديتم الدينَ بأنفسكم وزهرةِ أعمارِكم، وأصابكم ما أصابكم ذوداً عن حياضِ الشريعةِ، وصونا لعقيدة المسلمين.
أيها الأسرى والأسيرات.. الصابرين والصابرات، إن المجاهدين، ليسوا باعةَ كلامٍ ولا هُواةَ شعارات، فقد أبرموا عهودا مع الله تعالى أن يسعوا لاستنقاذكم وفكاكِ أسركم بكل وسيلة، وقد فعلوا، شهدت لهم سجونُ العراق والشامِ وخراسان، والكونغو ونيجريا وغيرها، وكفى بالله شهيدا.
وفي هذا المقامِ ننقلُ إليكم خِطابَ أمير المؤمنين، قال حفظه الله: "وإلى أسرانا في جميع البقاع نقول: ما ضَرَكم أن ينساكم الناسُ إذا ذكرَكم ربُ العالمين، وذلك أنه سبحانه عند المنكسرةِ قلوبُهم، فمن لطفه سبحانه بعباده أن يَكسِر أنفسَهم حتى يرجعوا إليه، ويُوصدَ أمامهم جميعَ الأبواب إلا بابَه حتى ينطرحوا على عتبته أذلةً مستكينين، يتملّقونه أن ينظرَ إليهم وإلى حالهم راجين عفوَه وكرمَه وفرجاً من عنده، فلو لم يكن إلا ذلك لكفاكم ما أنتم فيه من النعيم، فاهنئُوا وقرُّوا بذلك عيناً، واعلموا أن اللهَ قد جعلَ للابتلاء زمناً محددا، وسيمضي حسب ما قدَّره اللهُ تعالى، {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.
واغتنموا هذه المنزلةَ العظيمةَ في نُصرة إخوانِكم بالسلاح الشاكي والسيفِ الماضي أن يمكنهم الله من عدوِكم وعدوِهم، فإنما هم بعدَ توفيقِ ربهم بدُعائِكم يُقاتلون ومنكم يَستمِدّون في حربهم، فلا تستهينوا بثغركم واحتسبوا الأجر عند ربكم.
وأبشروا بفرجٍ من الله قريب، فهذا وعدُ الله لعباده إذا اشتدّت المحنُ والكروبُ، وبلغ بهم الأمرُ مبلغاً عظيماً، قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّه}، أي عندما يَنزل البلاءُ بالمؤمنين يبلغُ بهم الحالُ أن يستبطئوا نصرَ الله من شدَّة ما يُلاقونه من عُسرِ الأحوالِ والكُرَبِ، فيقولون مقالتهَم هذه فيجيءُ النصرُ ويتنزلُ، حتى يخجلَ العبدُ من نفسه ومن شكايتِه وقلّةِ صبره." انتهى كلامه حفظه الله.
أيها الموحدون: لقد تناهى إلى مسامعنا أخبارُ الحملةِ الغاشمة التي شنها المرتدون بدعمٍ من أسيادِهِمُ الصليبيين على المؤمنات العفيفاتِ في مخيم الهول، حيث استأسدَ أوباشُ (البي كي كي) على المؤمناتِ المستضعفات.. وإن لكل مقامٍ مقالا، إلا هذا المقامُ فلا ينفعُ معه سِوى الفِعال.. فالسيف أصدق أنباءً من الكتب.. فلا يفُل الحديدَ إلا الحديد، ولا يشفي الصدرَ غيرُ حز الرقاب وسكبِ الدماء ونثرِ الأشلاء فداءً لأعراضِ الطاهرات.
يا جنود الخلافة في الشام.. يا أسودَ الخيرِ والبركةِ والرقة، إن وصلكم خطابُنا هذا، فامتشِقوا أسلحتَكم واحملوا على عدوكم واخرجوا في طلب قادةِ ومحققي (البي كي كي) وسجانيِهم وكلِ من له صلةٌ بملفِ الهولِ منهم.. أروهم هول غضبتِكم وغيرتِكم على أعراض المسلمين... تعاقدوا وتبايعوا على الموت زُرافات ووُحْدانا.. وانتدبوا لهذه الُمهمةِ الاستشهاديين والانغماسيين، واحرصوا على قتل عدوكم بأنكى صُوْرة.. اجعلوا أخبارَ مصارعِهم مشاهدَ رعبٍ تدومُ وتَطُول فلا ثأرَ للهول بغير الأهوال، ولئن يمُت أكثرُكم في هذا الموطن خيرٌ من عيشٍ يَستأسِدُ فيه على أعراضِ المسلمينَ أرذلُ الخلق وأخسُهم. ولا تُؤقّتوا لثأركم ميقاتا، ولا تضعوا لذلك حدا غيرَ حُدودِ الشرع.. فاغلُظوا عليهم ونكِلُوا بهم، واضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.
أما رسالتُنا لشراذم (البي كي كي) من العساكر والعناصرِ وقادةِ العشائر، إنكم أحقرُ وأذلُ وأضعفُ من أسلافِكم صحواتِ العراق، وكانوا مِثلَكم مطايا وأحذيةً للأمريكان، ولقد صارت أهوالُ مصارعِهم أحاديثَ تتناقلُها الأجيال، وإنا لا نعِدكم بمصيرهم على شدتِه، بل نَعِدُكم بمصائرَ أشنع، ومصارع أنكى وأبشع! ومآتمَ وأهوالاً تَشِيبُ لهولها مفارقُ رؤُوسِكم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أيها الصليبيون، أيها اليهود، أيها الكافرون أجمعون.. لقد ظننتم أن حربكم مع دولة الخلافة جولةٌ تُطوى ثم ينتهي أمرُها وتفرغون منها وتأمنون، ثم تخلو لكم الساحةُ لاستكمال مُخططاتِكم لحرب الاسلام، ولكن خيبَ الله ظُنونَكم وأبطلَ كيدَكم، وأُسقِط في أيديكم وأنتم ترون دولةَ الخلافة تخوض جولةً إثر جولةٍ، وتعود بعد كلِ مرةٍ أقوى من سابقتها بفضل الله تعالى، حتى صارتِ اجتماعاتُ تحالُفِكم الدورية كاجتماعِ حُلفائِكم طواغيتِ العرب؛ تصِفُ المُشْكلةَ ولا تَخرج بالحلول.. لأنه لا حُلول.
وقد استنفدتم حُلولَكم في حربكم على دولة الخلافةِ في العراق والشام بتحالفٍ عالميٍ، بذلتم غايةَ جُهدِكم في حشدِ أوباشه من دول الكفر وأراذلِ الأمم، ثم أعلنتُم النصرَ مرارا علينا كما فعلتم من قبلُ في العراق، ثم ها نحن نعود، ونُعاودُ الجِهاد والضِرابَ والقتال ضِدَّ كُلِ أحْلافِكم التي تقِفُ عاجزةً صاغرةً لا تدري ما الحل.. لأنه لا حلول.
ولقد تعاقبَ طواغيتُ أمريكا على تَوارُثِ الخسارةِ والفشلِ في حرب الدولة الإسلامية صاغراً عن صاغر، فبعد أن فَشِلوا قديما في إطفاء جَذوةِ الجهادِ في العراق في عهد "بوش"، فشلوا لاحقا في عهد "أوباما" فشلا ذريعا في منعِ قيام الخلافة، ثم فشلوا مُجددا في القضاء عليها في عهد الأهوج "ترامب"، ثم فشلوا في عهد الخرف "بايدن" في منعِ تَمدُدِ سلطانها في الأرض التي يورثها الله من يشاء من عباده، وما زال مُسلسلُ الفَشلِ الأمريكي مُتواصِلا على أيدي عبادهِ المؤمنين.
لقد عَلِقتْ أمريكا وحلفاؤُها في وحَلِ معركةِ الاستنزاف والمراغمةِ التي قادتها دولةُ الخلافةِ على مستوى العالم بأسره، وصارت الغزوةُ الواحدةُ لِجُنودِها تَضْرب جُيوشَ الكفرِ حلفاءَ أمريكا بتوقيتٍ واحدٍ في بلدان كثيرة، ولا تَمِلكُ جُيوشُ الكفرِ أمامَ هذه الغزواتِ سِوى حصرِ خسائِرها وجمعِ جيفِ قتلاها.
وانظري أمريكا... كيف بدأْتِ حَربَك على المجاهدين في العراق قبل نحوِ عَقدين، وقد كانوا جماعاتٍ ومجموعاتٍ شتى، وها أنت اليومَ تُحاربين أحفادَهم وقد شيدوا لأُمتهم دولةً هي وحدَها خارجَ حدودِ وقيودِ نِظامِك العالمي الجاهلي، وما جيشُها في العراق إلا واحدٌ من جُيوشِها العاملةِ في شتى الوِلايات، على أننا لا نقاتِلُك بالعدد والعُدة، بل نقاتِلُك بإيمان بالله تعالى أرسخَ من الجبال.
فماذا بقي في جُعْبتِك أمريكا لحربنا، أَحِلفٌ جديد أعْياكِ حشدُه أولَ مرة وها هو اليومَ ينقسمُ على نفسه، وتهددُه شبحُ الحروبِ الداخليةِ والأزماتِ الاقتصادية؟ أم بحِلفك العاجزِ بِنُسخته الإفريقية، والذي ما زلتِ عاجزةً عن جمعِ شتاته، وما زلتِ تتوسلين الدعمَ المالي له، وهو مع ذلك غارقٌ في المحرقة بملاحمِ إفريقيّة والساحل.
ماذا بقي في جُعبتِك أمريكا، وها قد فَشِلتْ حروبُك، وتفاقمتْ خسائرُكِ وتتابعتْ أزماتُك، وسيأتي اليومُ الذي تتخلين فيه عن مطاياكِ الرافضة، وتغيبينَ عن سمائهم فتُسلِمِيهم إلى المصير المحتوم، سبايكر ثانية، وفلوجةٍ ثالثة، بل أبعدَ من ذلك وأعمق، بإذن الله تعالى.
ولئن كان انسحابُك الأولُ من العراق خطئا ندمتِ عليه لاحقا، فان بقاءَك سيكونُ خطئا أكبر من سابِقه، ولئن حاربْتِنا بالأمس اعتمادا على جُيوش الوَكالةِ، صحوات الردةِ وحشدِ إيران، فان المعاركَ القادمةَ سيكون فيها القتالُ وجها لوجه، مسلما لكافر، عبداً لله وعبدا للصليب، وما زلنا نرقُب دابقَ يوما بيوم، وما زال جنودُ الخلافةِ يتلهفون شوقا لهذه الوُعود النبوية، قال -صلى الله عليه وسلم- : (لَيَبْلُغَنَّ هذا الأمرُ ما بلَغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يَترُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلّا أَدخَلَه اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عَزيزٍ أو بِذُلِّ ذَليلٍ؛ عِزًّا يُعِزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذُلًّا يُذِلُّ اللهُ به الكُفرَ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْر، حتّى يَسِيرَ الرّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلّا اللَّهَ، والذِّئْبَ على غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ).
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 436
السنة الخامسة عشرة - الخميس 18 رمضان 1445 هـ
تفريغ كلمة صوتية:
للمتحدث الرسمي للدولة الإسلامية الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله تعالى- بعنوان:
(واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ)