خطبة بعنوان: [واعلموا أن فيكم رسول الله] الخطبة الأولى: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بَعَثَ فِي ...

منذ 2018-12-03
خطبة بعنوان: [واعلموا أن فيكم رسول الله]
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، مَنَّ عَلَيْنَا بِبِعْـثَةِ سَيِّدِ الأَنَامِ وَمِصْبَاحِ الظَّلامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكْرَمُ النَّاسِ مَنْزِلاً، وَأَعْلاهُمْ خُلُقًا، وَأَخْلَصُهُمْ سَرِيرَةً، وَأَعْدَلُهُمْ سِيرَةً، وَأَزْكَاهُمْ نَفْسًا، وَأَشْرَفُهُمْ مَحتِدًا، أَخْرَجَ اللهُ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَفَتَحَ اللهُ بِهِ فَتْحًا مُبِينًا، وَأَقَامَ لِلأُمَّةِ عِزًّا مَكِينًا،  وعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَصَحْبِهِ الأَكْرَمِينَ، وَعَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: إن الدراسة المعمقة لسيرته صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنص على حضوره الدائم بين المسلمين، وعلى تواجده المستمر بين ظهرانيهم، قال تعالى: [واعلموا أن فيكم رسول الله] ولم يقل (معكم) فالمعية تعني تمايز الذوات وإن اشتركت في الغايات وجمعتها المجامع، بينما (الفَيْئِيَّةُ) تفيد التمازج والتشابك والتصاهر، حتى وإن بعدت الشقة وعظمت المشقة
واعلموا أن فيكم رسول الله حي بسنته وحي بمنهجه، ولفت للانتباه إلى ما يمكن أن يغيب من ذلك بسبب الإلف وبسبب العادات والتقاليد، فيحيد الناس عن الطريق، ويضييعوا البوصلة
(تركت فيكم ما لن تضلوا بعده أبدا كتاب الله وسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ)
واعلموا أن فيكم رسول اللَّٰه أي على وجه الاختصاص لكم والاصطفاء -وياله من شرف-، وتكليف أيضا لتقتدوا به وتتأسوا به في تنشأة مجتمعكم على هدي الوحي، ومنهاج النبوة؛ وإن المجتمعات لا تنشأ ولا تبنى إلا على تلك القيم الحضارية التي جاء بها القرآن الكريم، والتي بينتها الآيات من سورة الحجرات، هاته السورة التي تحتوي الدستور الأخلاقي للأمم المتحضرة، ولعل أهم بند في ذلك الدستور قوله تعالى: [يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله]
ولا تقدموا أي لا تخالفوا هديه ومنهجه الذي جاءكم به هاديا وبشيرا ولا تخالفوا ما سن لكم من شرائع وحد لكم من حدود [وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب]
ولا تقدموا أي أن الواجب عليكم الاتباع والاقتداء [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم]، والاقتداء به صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ضمان بقاء الوجود النبوي متقدا فينا وموجها لنا، وهو ضمان استمرارية رسالية هذا الدين العظيم الخالد، وهو عنوان المحبة والوفاء
وإن المحبة تقتضي مشاكلة المحب لمحبوبه ومتابعته، وإلا كانت كذبا وافتراءً وعنتا
ولنعلم أنه لا يتم "الاتصال بمحمد صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بالانقطاع عن أبي لهب" وعن كل ما يشاكل أبا لهب في وقتنا المعاصر من المظاهر التي تعد من الجاهلية، وفيها المخالفة الصريحة لهدي النبوة
فالحاذق من اعتنى بآثاره صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأظهرها وتمثلها في حياته، حتى يزاحم الصحابة، كما يقول التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني: "أحسب الصحابة أن يستأثروا به دوننا؟ والله لنزاحمنهم"
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد أيها الأكارم:
إن الذكريات بما هي محطات تاريخية فرصة لإعمال العقل بالتفكر والتدبر فالاهتداء، وإعمال العقل يعني تكامل الزمان بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويعني الانتقال في دراسة التاريخ من عالم الأشخاص إلى عالم الأحداث إلى عالم الأفكار، الذي تنبني عليه الحضارات، قال تعالى (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)
أيها الأحبة إن الارتقاء إلى عالم الأفكار (أو عالم الفكرة البانية الخادمة للمجتمع) يقتضي بعدا عمليا، مضمونه الاقتداء والاتباع، عند الاحتفال والاحتفاء بالقصة أو الذكرى قال تعالى: (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)
فذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه بعيدا عما تُسيله من حبر حول الجواز والحرمة، هي قصة من الماضي لكنها عبرة للعطاء والعمل حاضرا، ومصدر للإلهام والاستشراف مستقبلا؛ ذلك أن التجارب الإنسانية الإصلاحية الرائدة تحتاج إلى الاقتداء والتأسي...
إن الشكلية والمظهرية والاندفاع المناسبتي في الاحتفاء بميلاده صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جعلنا نغيِّب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم أو نسطِّحة، فغاب المنهج والنور المحمدي عن حياتنا فكانت المفرقعات والأموال التي تحرق ليلا في السماء، وغاب الهدي النبوي، وإن وجد هذا الهدي انحصر في أنماط تعبدية مفرغة (سبحة وعمامة وقميص وسواك)
بينما الواجب في الاحتفال به صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو دراسة سيرته دراسة استراتيجية حضارية واقعية يكون معها الرقي لمجتمعنا على مختلف الأصعدة سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا واجتماعيا، ففي سيرته وفي شخصه صَلَّى اللَّٰه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اجتمع ما لم يجتمع في غير من القدوات، وهو الأنموذج المزكى من قبل ربه [وإنك لعلى خلق عظيم]
لقد كان مولده الشريف بأبي وأمي صلوات ربي وسلامه عليه من أعظم النعم التي تستوجب الشكر، فبعد هزيمة أحد وانكساراتها، والمشاهد التي صورتها سورة آل عمران؛ قال تعالى: [لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم] ليدلل على قيمة النبي صلى في توجيه بوصلة الحياة بعد الانتكاسات والأزمات، فكم من أُحُد في العالمي الإسلامي، تحتاج منا أن نستحضر المنّ الإلهي والأنموذج المحمدي الذي به الاقتداء والاتباع، تحقيقا للخطاب الإلهي التكليفي [أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده]!

بوسعادة 05 أكتوبر 2018م
  • 1
  • 0
  • 2,145

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً