الله وتر، يحب الوتر كنت أتساءل أحياناً عن الحكمة من ختم صلاتنا يومياً بركعة الوتر، ويزداد عجبي من ...

منذ 2018-12-31
الله وتر، يحب الوتر
كنت أتساءل أحياناً عن الحكمة من ختم صلاتنا يومياً بركعة الوتر، ويزداد عجبي من حديثه صلى الله عليه وسلم فيما يرويه سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوَتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ".
الله تعالى وترٌ، يحب الوتر
فما معنى الوتر؟ ولماذا يحبه الله تعالى؟ وكيف نطبقه في حياتنا؟
لنبدأ بمعنى فالوِتْر: هو الفرد الذي لا شريك له ولا نظير. وهي من أسماء الله تعالى الحسنى، فإذا نظرنا حولنا وجدنا أن كثيراً من العبادات هي وتر،
ومن معاني "يحب الوتر":
أولاً: تفضيل الوتر في الأعمال وكثير من الطاعات ، فجعل الصلاة خمساً، والطهارة ثلاثاً، والطواف سبعاً، والسعي سبعاً، ورمي الجمار سبعاً، وأيام التشريق ثلاثاً، وكذا الأكفان، والسموات سبعاً، والأرضين سبعاً وجعل كثيرا من عظيم مخلوقاته وترا منها. لماذا كل هذا.
ثانياً: أن الواحد والوتر تعني الكمال المطلق له سبحانه وتعالى، فهو الخالق وهو الرازق، وهو الإله الكامل. ولنضرب لذلك مثلاً، في حياتنا اليومية دائماً ما نذكّر بعضنا بعضاً بالعمل الجماعي، وأن العمل الجماعي يعطي انتاجاً أكثر، وجودة أعلى، ونحاول دائماً أن نوجّه الناس تجاه العمل الجماعي لا العمل الفردي، تعلمون لماذا؟! لأن كل واحد منا لديه نقاط قوة، ونقاط ضعف، وليكمل العمل لا بدّ من أن تجتمع نقاط القوة مع بعضها؛ لتنتج عملاً متكاملاً.
أما في حق الله سبحانه وتعالى فهو الكامل، والوحدانية والفردية دليل كمال، عرفنا ذلك من خلال هذه المخلوقات الكثيرة التي نشاهدها حولنا، من خلال روعة الخلق وبديع الصنع. فسبحان من خلق وأبدع.
الله يطلب منا التحلي ببعض صفاته
أيها الأحبة الكرام: الله عز وجل لا شريك له، أحدٌ لا ندَّ له، وقد أعطاك بعض صفاته لكرامتك عنده كيف ذلك ؟ ربنا عز وجل فردٌ واحدٌ أحدٌ، فردٌ صمدٌ، أعطاك بعض الخصائص التي تتميز بها عن كل الخلق، لك بصمة عين لا تشبه بصمة عين إنسان آخر في الأرض، الآن تؤخذ في بعض المطارات بصمة العين، بصمة عينك أعطتك صفة الفردية، ونبرة الصوت تنفرد بها، ورائحة الجلد تنفرد بها، وبصمة الإصبع تنفرد بها، وأشياء أخرى كثيرة تنفرد بها.
لذلك لا تكن إنساناً عادياً كالكثير ممن حولك، لا تكن إنساناً على هامش الحياة، سيدنا علي رضي الله عنه يقول:"يا بني، الناس ثلاثة: عالم رباني، ومستمع على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى، ركن وثيق، فاحذر أن تكون منهم".
لا تكن مع الذين شردوا عن الله، لا تكن مع الذين عبدوا شهواتهم من دون الله، لا تكن مع الذين عاشوا ليأكلوا." تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْض".
ما الذين نريد أن نقوله: الله عز وجل وتر، لكن يحب الوتر، يحب التفوق، كم من شابٍ في الأرض في القارات الخمس، لو كان بخلوة مع امرأة بارعة الجمال، ودَعته إلى نفسها، بل أجبرته، كم من شاب يأبى ذلك ؟ يوسف الصديق قال {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23]. إذاً: سيدنا يوسف تفوّق، والأكثرية يرونها مغنماً كبيراً، بينما المؤمن يراها بُعداً عن الله عز وجل. كأنما النبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول:"إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ". فيعني كن مع القلة المتفوقة، كن مع القلة التي عرفت ربها، كن مع القلة التي أعطت ربها كل ما عندها. {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
كن مع القلة المتفوقة، كن مع الذين أحدثوا في الحياة أثراً كبيراً، كم مع الذين عاشوا في قلوب الملايين. {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120].
إذن الوظيفة المطلوبة أن نكون متفوقين في حياتنا وبعد مماتنا، أن نحدث أثراً طيباً في الحياة، أن نعيش لله، وأن نموت لله، وأن نقدم كل شيء في سبيل الله. هذا معنى أن الله يحب الوتر.
ولكي لا ننسى ذلك، جعل أغلب الطاعات وتراً، وما كان منها شفعاً كالسنن، طلب أن تختم بالوتر.
لذلك قال: فأوتروا يا أهل القرآن.
هناك سنتان لم يتركهما النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا في سفر ولا في حضر، سنة الفجر القبلية، وصلاة الوتر. عليك أن تتذكر دائماً الوتر. إياك أن تنساها. فهي التي ستذكرك دائماً بأن الله تعالى وتر، يحب الوتر، لذلك سنّ لنا أن نصليها من ركعة إلى أحد عشر ركعة، ومن بعد صلاة العشاء إلى ما قبل أذان الفجر.
ليس هذا فحسب، بل إن الوتر خصيصة لأمة النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، وَهِيَ الْوِتْرُ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ».
حمر النعم؟ ما هي حمر النعم التي فضل الله تعالى الوتر عليها؟
قبل الجواب: أحب أن ألفت انتباهكم بأن كلمة خير لك من حمر النعم وردت في موضعين من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الأول عندما أخبر سيدنا علي بن أبي طالب بقوله: " فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ". والموضع الثاني هو حديث الوتر.
وحمر النّعم هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنّه ليس هناك أعظم منه.
علمتم لم يطلب منا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن نصلي الوتر، وعلمتم لم جعل صلاة الوتر أفضل لنا من أن يكون لنا أفضل الأموال، وعلمتم لم كانت خصوصية لأمة نبينا صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة: ربنا وتر، واحد لا شريك له لا في صفاته ولا في أسمائه ولا في أفعاله. يحب الوتر، يحبك أن تكون متفوقاً مؤمناً موحداً لله، جعل لك الوتر في أغلب العبادات من حولك، وما كان منها شفعاً كالسنن والصلوات، طلب منك أن تختمها بصلاة الوتر التي أجرها أفضل لك من أنفس الأموال.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بيروت 29/12/2018
  • 2
  • 0
  • 1,317

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً