في قلبي أنثى لا تُجيد الطبخ: يقولونَ: "إنّ أسهل طريقةٍ للدخولِ إلى قلبِ الرّجل، من ...

منذ 2019-02-17
في قلبي أنثى لا تُجيد الطبخ:

يقولونَ: "إنّ أسهل طريقةٍ للدخولِ إلى قلبِ الرّجل، من معدَّتهِ".
ــ لـماذا؟
ــ لأنّ الرجل بفطرتهِ أكُول أكثر من المرأة.
بل يكادُ لا يوجد رجلٌ في العالَم لا يحبُّ الأكل، في حين قدْ تجدُ في النساءِ مَن لا تُبالي بهِ، فضلاً عنْ حبِّه.
أجل.
المرأة تُبالي بالطعام لكونهُ طبخًا، لكن ليسَ لكونه طعامًا تُمتلأُ بهِ المعدّة، ويُسكِتُ عصافير البطن.
لأن الطعام في نظرِ المرأة فنٌّ تُقدّمه، قبل كونهِ طعامٌ تهضمه.
في كثيرٍ من الحالات التي جهَّزت فيها أمِّي الطعام، لـمْ تأكلْ منهُ إلاّ لُقمة أو لُقمتين. وكنّا حينما نطلبُ منها الأكل تُجيبنا:
ــ «إذا أكلتم أنتم.. شبعتُ أنا»، إنه إيثار الأمومة، ومن آثَرُ من الأمِّ يا ولدي؟
كانت تستمتعُ باستمتاعنا بمأكولاتها، وكنّا أصغرَ من أنْ نعي فكرة أنّ المرأة خُلقت للطبخِ أكثر ممَّا خُلقت للأكل.
ليست الأمّ وحدها من تفعل ذلك، فالزوجة والأختُ والبنتُ أيضًا.
قبل عامين فقطْ كنتُ لا أستوعبُ فكرة أن تكون مُستلزمات الطبخة نفسها، بينما تختلفُ الأُكلة من يدٍ إلى يدٍ، إلى أنْ عرفتُ من أختي فاطمة أنّ «الطبخَ نَفَسٌ».
يا اللّه. «الطبخُ نَفَسٌ».
أعجبتني العبارة، الآن تأكّدتُ أنّ الطبخَ سحرٌ وليسَ كلّ النساء يعرفنهُ.
كان هناكَ فرقٌ عريضٌ بين طبخةِ أختي فاطمة وطبخة أختي أمّ كُلثوم، في طبخة فاطمة نُكهة تُشمُّ رائحتها علَى بُعد عشرة دِيار، أما طبخة أمّ كُلثوم فهيَ أقرب إلى المحروقاتِ منها إلى المطبوخات.
فاطمة تضعُ في الأُكلة سرًّا تودّ لو أنكَ أكلتَ أصابعكَ بعدها، أما أمُّ كُلثوم فسامحها اللَّه علَى كلِّ ما طبختهُ لنا.
كنتُ أثني علَى طبخ فاطمة بإنهاء ما في الصحنِ، أمّا طبخ أم كُلثوم فكنتُ أُثني عليهِ لسانًا لا أكلاً.
حقًّا تستمعُ كلّ امرأة في تقديم شُكركَ لها بعد كل أُكلةٍ تُجهّزها حتَّى لو كانت مجرّد بصلة قشّرتها، بل قدْ أثبتت الكثير من الدراسات أنّ الإعجاب بأُكلات المرأة يزيد من رغبتها في الإبدَاع.
وإذا عُرف بين الناس أنَّ ما من طريقة أسهل لقلب الرجل مثل معدَّته، فإنه لا طريقة أسهل لقلب الـمرأة من الثناء علَى طبخها.
فالـمرأة بطبعها تحبُّ من يُثني عليها، وتحبُّ أكثر من يُثني علَى طبخها، لذلكَ إذا أردتَ طعامًا يُرضي شهيَّتكَ، ما عليكَ إلاّ أنْ تُقدّم جُملةً أو جُملتين من الثناءِ علَى طبخ زوجتكَ.
الطبخُ فنٌّ وليسَ مجرد هضمٌ للطعام، ومن محاسنهِ أنّه من الفنون التي تُعلِّمكَ كيفَ تُجهّز أطباقَ حياتكَ، وهذا ما دفع بالسيّدة أحلام مستغانمي للقول:
ــ «عندما تتقن فن الطبخ، أنتَ حتمًا تعرف كيف تعد مائدة حياتك؟
وكيف تطهو رغباتك؟».
وليس غُلوًّا لو قلنا أنّ الكثير من النساء اللاّتي تراجعن في جودةِ الطبخِ، كان ذلكَ بسبب إبدَاء رأيٍ سَلبيٍّ من طرفِ شخصٍ اعتادت علَى إعداد الطعام له، فأثّر رأيه المُرُّ في طريقة تحضيرها، وما أكثر ما تَشنقُ الكلماتُ مواهبنا.
ههنا لا علينا، إذْ كلّ امرأة لا تُجيد الطبخَ بسببِ انتقادات زوجها معذورة، فالنساء اللاّتي يُجدن الطبخَ يُجدنه نتيجة مزاجٍ لطيفٍ، فإذا فسد المزاج فسدت الطبخة.
وبالتالي صار لزامًا علينا أنْ نُغيِّر نظرتنا للطبخِ، فالطبخُ ليس مجرَّد خُضروات علَى نارٍ هادئة، بل هو عبادةٌ يُتقرَّب بها إلى اللّه، فلولا جودة الطعام لمرضت الأجسام، وبمرضِ الأجسام تعجز الجوارح عن الطاعة.
قال أحدُ العلماء: «إن الله جمع الطبَّ كلّه في نصف آية عندما قال تعالى: {وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}».
فالأكلُ صحّة، والشرب صحّة، والاقتصادُ صحَّة، والشريعةُ جاءت لجلبِ المصلحة ودرءِ المفسدة.
واهتمامنا بالطبخِ كثقافة ليسَ عيبًا، العيبُ أن لا يكونَ لنا غايةٌ نسعى لتحقيقها بعد الأكل.
ولعلَّه من حقِّي أنْ أتزوّج امرأة تُجيد الطبخ، لذلكَ كنتُ أرفضُ منذُ بدأتُ أحتلم أنْ أتزوَّج امرأةً لا تُجيدُه، لكن شاءَ اللّه أنْ ينبضَ القلبُ لامرأة بينها وبين الطبخِ برزخٌ لا يبغيان.
ولكَ أنْ تتصوّر حجم الألم كونكَ ستُكمل حياتكَ وأنتَ تأكل طعام المطاعم، إنّه لشيءٌ يدعو للخجل أن تكونَ زوجتكَ في البيتِ وأكلكَ من الخارج.
وإنّها لخيبة أملٍ أن تستفرغَ زوجتكَ طاقتها لإعداد طعامٍ تستلذهُ، ثمّ لا يكون في الطعام شيئًا يدعو للاستلذاذِ، وهذه ليست مُشكلة، بل جريمة ينبغي أنْ يُعاقب عليها القانون.
أنْ تُولدِي امرأة ولا تُجيدين الطبخَ، فأنتِ إمّا لستِ أُنثى وإمّا أنكِ أُنثى قد رُفعَ عنها القلم؛ لأن الطبخ والأنوثة صفحتان لورقةٍ واحدة، إذا مُزقت إحدى الصفحتين مُزِّقت الأخرى بالضرورة.
لكن هنا استدراك لطيف ينبغي التنبيه لهُ:
ــ الطبخُ علمٌ قابلٌ للتلقين، فإذا وُلدتِ لا تُجيدين الطبخِ فكلّ الطرق تؤدّي إلى كسبِ مهاراتهِ؛ لأن الطبخُ ليسَ أصعب من الطبِّ والهندسة والفيزياء...
اشتريتُ من كتبِ الطبخِ ما يكفي لجعل زوجتي أمهر طبَّاخة، لكن ما من جدوى، فرغم تنوّع الكتب إلاّ أنّ سوء طبخها نفسهُ.
باتَ فرضَ عَينٍ عليّ أنْ أقتنع أنّ سُلطة القلب تعلو سُلطة المعدّة، وأنْ أعترفَ بالفم المليء أنّ «في قلبي أنثى لا تُجيد الطبخ».
ولا يُمكن للمعدّة أنْ تُسكتَ نبضة قلبي تُجاهها، فالنبضُ فوق الشهيَّة، والحب فوق الجميع، بما في ذلك الطعام، وسأظلُّ أحبُّها إلى أن تُجيد الطبخ، أو أموتَ وأنا أحمل في قلبي أمنيةً لن تموت.
أمنية أنّ الرجال يقعون في الحب عن طريق المعدّة، كما أنّ هناكَ رجال لا يُمكن أن ينفصلوا عن محبوباتهم بسبب سوء طبخهنّ.
فالميولات العاطفية لها نفوذها بصرف النظر عن سوء الطبخ.
وأنهُ دائمًا يوجدُ في القلبِ ما لا يُوجدُ في المعدّة.

من كتابي: (في قلبي أنثى أكبر مني سنا)
  • 1
  • 2
  • 3,158

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً