حكمة الإصطفاء بين المنع والعطاء ------------------------ كتاب الأولياء الباب والدليل د. اسامه ...

منذ 2019-11-05
حكمة الإصطفاء بين المنع والعطاء
------------------------
كتاب الأولياء الباب والدليل د. اسامه دويدار
============================
إن حكمة المنع هي الإصطفاء وهو قمة العطاء، كيف ذلك؟
عندما يمنع الله سبحانه وتعالى يختبر بالقليل ويعطي الكثير وأكثر من الكثير، فيطلعه على خلقه ويعطيه فضله وعينه، يعطيه منه كلمة يمتلك بها الأرض ومن عليها ومن فيها، يجعله الله نوراً من يراه يسبِّح وريحاً من تنفَّسه حمد وسجد.
ما منع الله سبحانه وتعالى إلا لحكمة وما أعطى إلا لحكمة، فهو المانع العاطي سبحانه، ومن رضي بقضائه أعطاه وزاده.
تحزن النفس عندما ترى أنها نقصت إجباراً وأنها لم تحصل على ما تريد كالزواج والأولاد والمال وغيره وتكره كل شيء ويتملَّكها إحساس بالنقص شديد ولو علمت النَّفس أنها لو أخذت ما منعها الله عنها فقد جعلت نفسها تحت من يدمرها.
إنَّ ما نحن فيه هو اختبار ولكن ما يحزن هو الإصرار على أشياء ليس لها وجود بل تنعدم بعد أن كانت، ولكن ما تخلفه هو نهاية مأساوية لهذه النفس التي تصر داخلياً على ما هي فيه.
أمر الله تعالى فيمن خلق وأعطى كل نفس النَّهدين يميناً ويساراً، وأعطى كل وسائل التمييز والرؤيات والخبرات للتفرقة بين الخير والشر وبين الحق والباطل، لكن من نقم على الحياة ومن فيها ويصر على النقم ممن فيها لا مفر من نارها وللأسف تحرقه هو أولاً وهو لا يدري.
إنَّ الله سبحانه وتعالى بعث رسله بالنور والهدى للجميع لكي يكون للنفس طريقاً أجمل وجديد من قديم أجبرت عليه وتعبت وتضررت، وعندما أوجده لها وهداها لطريق صلاح وإصلاح لم تنصاع بل تعمدت فساد وإفساد لطريق الخير والهدى والنور.
كيف تكون النفس الضالة نفس صالحة هادية؟ إنَّ ذلك يكون بالاستسلام وعدم فكرة الانتقام، لأن الانتقام هو فكرة إبليس الأساسية ومنها الولوج إلى كل الأبواب النارية عن طريق إن النفس تضررت وتريد حقها وهكذا تثبت في طريق الانتقام.
وإنَّ فكرة اللهو والباطل والسوء وكل موبقات الأعمال أساسها انتقام لنفس هذا الشخص وتنحدر إلى الشر كحياة؛ لذة وشهوة وحب واستمتاع وتمني وترقب للشر، وتنغمس النفس في هذا، وعندما تجد طريقاً هو الهدوء والسلام تفكر فيه ولكنها تقول كيف أحيا في غابة حكمها الذئاب وكنت أنا الفريسة؟ كيف أطمئن وأنا كنت الذليلة الضعيفة؟
والآن وقد أخذت قوة من هذا الطريق الجديد تحاول الاستيلاء على أدوات القوة بالحيلة بدون رغبة حقيقية للنفس في التغيير بل التنكيل أكثر وأكثر والاستمرار فيما تمرست عليه وعشقت إبليس بكل أساسه.
وهنا يكمن الخطر على هذه النفس لأنها تأخذ أدوات القوة من النور إلى النار وهي لا تعلم أن النور محيط بالنار وأساسها إن زاد حرق وإن قل خرق.
وتبدأ هذه النفس في الكيد لهذا الطريق لتأخذ منه ما تريد ثم تجحده وتذهب لطريق آخر بل إنها تفكر في محاربة هذا الطريق الذي أعطاها أدوات قوية وتحاربه ليتركها وتحاول اختراقه دائماً لإحراقه وهذا للأسف من ضعف وقصر رؤية النفس المنتقمة الإبليسية فهي لا تعي أنَّ من أعطى يأخذ ولكن عندما يأخذ لا يبقي ولا يذر لأن النور الذي أعطاه تحول إلى نار وتكون النفس هذه كالهشيم لا تكون شيئاً ولن تبقيها النار ولا تذر.
ومن سبق وأخذ ولم يصدق احترق واخترقته النفوس الضالة وأصبح للضباع فريسة سهلة، ليس موتاً ولكنها أيضاً ليست حياة، بعد أن كانت في الحياة النورانية تعيش مكرَّمة معززة وليست في ظلام.
النفس التي تريد أن تحيا لهواً وما كان من أساس سابق والآن لاحق انتقاماً لن تأخذ حقاً أبداً بل تدمر نفسها بنفسها.
وإنَّ إبليس له أدوات ومنها هذه النفس وإن تركت طريق النور فهي لا تلزمه ولا يريدها وهنا يتركها على موائد اللئام وتكون نهايتها كفر وموت غضب بانتحار ونعوذ بالله من غضبه تعالى.
وما على الرسول إلا البلاغ والأيام قصيرة وما بقي فيها إلا ساعات تكاد تنتهي، فالسلام استسلام لحكمة الله عز وجل في الاصطفاء عند المنع والعطاء، والحمد لله رب العالمين.
#د_اسامه_دويدار
  • 0
  • 0
  • 32

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً