الخوف من سوء الخاتمة الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه ...

منذ 2020-03-23
الخوف من سوء الخاتمة



الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه أما بعد:

فإن سوء الخاتمة أعاذنا الله وإياكم منه هو أن يموت العبد على حال سيئة لا ترضي الله عز وجل, كأن يغلب على القلب الشك عند الموت أو الجحود, أو يجور العبد في الوصية, أو يحرم بعض الورثة من حقه في التركة, قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إنما الأعمال بالخواتيم} –رواه البخاري-, ويكمن خطر هذه الكلمة في أن العبد عند الاحتضار يكون في غاية الضعف, فهو يعاني من ألم النزع, وكذلك من هجوم إبليس وجنده عليه, حيث يقول إبليس لأعوانه: دونكم هذا, فإن فاتكم اليوم فلا مطمع لكم فيه بعد اليوم, هذه الفتنة عظيمة لا يثبت فيها إلا المؤمن الصادق الذي استقام على دين الله, [يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة], وتنتكس فيها قلوب المنافقين والمفرطين, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ في الصلاة بعد التشهد من أربع, يقول: { اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وعذاب النار, ومن فتنة المحيى والممات, ومن شر فتنة المسيح الدجال} وفتنة الممات هي التي تنزل بالمرء عند السكرات, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تعجبوا بعمل عامل حتى تنظروا بم يختم له} –رواه الطبراني وهو في الصحيح الجامع-, فكم ممن شارف مركبه ساحل النجاة فلما كاد أن يبلغ بر الأمان لعب به الموج فغرق, قال القرطبي في التذكرة: "لا تعجب بإيمانك وعملك, وصلاتك وصومك, وجميع قربك, فإن ذلك وإن كان من كسبك فهو بتوفيق الله لك وفضله عليك, فإذا تفاخرت بعملك فأنت كالمفتخر بمتاع غيره, وربما سلب عنك الإيمان فأصبح قلبك من الخير خاليا, فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم, فأصبحت وزهرها يابس هشيم, إذ هبت عليه الريح العقيم, كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم, فيصبح وهو بالمعصية مظلم سقيم" –إنتهى كلامه ببعض التصرف رحمه الله تعالى-. نعوذ بالله من الحور بعد الكور, ومن الضلال بعد الهدى, قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة, "لا إله إلا الله" فقال: هو كافر بما تقول ومات على ذلك, قال فسألت عنه, فإذا هو مدمن خمر, قال: فاتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه, ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه} قالت عائشة: إنا لنكره الموت, قال: {ليس ذلك, ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته فليس شيء أحب إليه مما أمامه فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه, وإن الكافر إذا حضر, بشر بعذاب الله وعقوبته, فليس شيء أكره إليه مما أمامه, فكره لقاء الله وكره الله لقاءه}-رواه البخاري-, فمن كان مشغولا بالله وبذكره ومحبته وطاعته في حياته وحال صحته وجد ذلك أحوج ما يكون إليه عند خروج روحه, ومن كان مشغولا بالدنيا في حال حياته وصحته صعب عليه اشتغاله بالله عند الرحيل, ما لم تدركه عناية الله سبحانه, فليروض العبد نفسه على طاعة الكريم لأجل تلك اللحظة التي إن فاتته شقي شقاوة الأبد, قال بعض السلف: " ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق" أي ما كتب لها في اللوح المحفوظ, وكان سفيان يشتد قلقه على السوابق وعلى الخواتيم, وكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا, وأخاف أن أسلب الإيمان عند الموت, وكان مالك بن دينار يقوم ليلا طويلا قابضا على لحيته ويقول: يا رب قد علمت ساكن الجنة وساكن النار, ففي أي الدارين منزل مالك. ومن هنا كان السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق, كما قال الحسن رحمه الله: ما خافه إلا مؤمن, وما أمنه إلا منافق, فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر, ويخاف أن يغلب عليه ذلك عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر. لما احتضر أبو بكر جاءت عائشة رضي الله عنها وقالت:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال: ليس كذلك ولكن قولي: [وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد] أنظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما طعن عمر وضع رأسه في حجري في مرضه الذي مات فيه فقال لي: ضع خدي على الأرض, قلت: وما كان عليك كان في حجري أو على الأرض؟ فقال: ضعه لا أم لك, فوضعته, فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي –ذكره في الحلية- ولما طعن رضي الله عنه جاء بن عباس فقال: يا أمير المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس, وقتلت شهيدا ولم يختلف عليك اثنان, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض, فقال له عمر: أعد علي مقالتك, فأعاد عليه, فقال: المغرور من غررتموه, والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت, لافتديت به من هول المطلع. وهذا بن مسعود رضي الله عنه ملأ الدنيا علما وفقها, عاده عثمان في مرضه فقال: ما تشتكي, قال: ذنوبي, قال: ما تشتهي؟ قال: رحمة ربي, قال: آمر لك بطبيب؟ قال: الطبيب أمرضني, قال: ألا آمر لك بعطاء؟ قال: لا حاجة لي فيه –ذكره في السير-. وجاء في السير أيضا: أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى في مرضه فقيل: ما يبكيك؟ قال: ما أبكي على دنياكم هذه, ولكن على بعد سفري وقلة زادي, وإني أمسيت في صعود ومهبطه على جنة أو نار, فلا أدري إلى أيتهما يأخذ بي. وبكى عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فأبكى أهل الدار, فلما تجلت عنه العبرة, قالت فاطمة وهي زوجته: بأبي أنت يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى [فريق في الجنة وفريق في السعير] ثم صرخ وغشي عليه. ولما نزل الموت بسليمان التيمي قيل: أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله تعالى, قال: لا تقولوا هكذا فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل فإنه سبحانه يقول: [وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون]. ولما حضرت معاوية الوفاة قال: أقعدوني, فأقعدوه فجعل يذكر الله تعالى ويسبحه ويقدسه, ثم قال مخاصما نفسه: الآن تذكر ربك يا معاوية بعد الانحطام والانهدام, ألا كان ذلك وغصن الشباب نظير ريان, وبكى حتى علا بكاءه ثم قال: هو الموت لا منجى من الموت, والذي أحاذر منه الموت أدهى وأفضع, ثم قال: يا رب إرحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي, اللهم أقل العثرة واغفر الزلة, وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك. ولما دنا أجل عمرو بن العاص دعا حراسه ورجاله, فلما دخلوا عليه, قال: هل أنتم مغنون عني من الله شيئا؟ قالوا: لا قال: فاذهبوا وتفرقوا عني, ثم دعا بماء فتوضأ وأسبغ الوضوء فقال: إحملوني إلى المسجد, ففعلوا, فقال: اللهم إنك أمرتني فعصيت, وائتمنتني فخنت, وحددت لي فتعديت, اللهم لا بريء فأعتذر, ولا قوي فأنتصر, بل مذنب مستغفر, لا مصر ولا مستكبر.

أيها المسلمون ومن أسباب سوء الخاتمة: الاشتغال بالبدعة وهجر السنة ومحاربة السنة, وتسويف التوبة فلا يزال العبد غارقا في لذاته وشهواته وهو يؤخر التوبة يوما بعد يوم, حتى يباغته الأجل, فيتحسر عندئذ ويقول: [رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت]. قال الله تعالى: [وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون]. ومن أسباب سوء الخاتمة: عدم الاستقامة على دين الله, وأهل الاستقامةهم الذين يثبتهم الله تبارك وتعالى هم الذين [تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون].

اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار, آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

5e77bf3d5a506

  • 0
  • 0
  • 334

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً