اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ...

منذ 2020-03-23
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه, وعن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قل ما كان يقوم من مجلس, حتى يدعو بهؤلاء الدعوات: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك, ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك, ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا, اللهم متعنا بأسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا, واجعله الوارث منا, واجعل ثأرنا على من ظلمنا, وانصرنا على من عادانا, ولا تجعل مصيبتنا في ديننا, ولا تجعل الدنيا أكبر همنا, ولا مبلغ علمنا, ولا تسلط علينا من لا يرحمناْ}. –الحديث مخرج في صحيح سنن الترمذي-.

قل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس, حتى يختم مجلسه بهذه الكلمات النيرات, أكثر مجالسه كان يختمها بهذه الدعوات, يقول: {اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك...} أي: إجعل لنا من خشيتك نصيبا يكون حائلا بيننا وبين معصيتك, والخشية هي الخوف المقرون بالعلم, والتعظيم, كما قال سبحانه: [إنما يخشى الله من عباده العلماء], وإذا امتلأ القلب خوفا من الله, حجب عن المعاصي, وأما الذي يدعي الخوف من الله كذبا وزورا, ويؤذي إخوانه, ويسيء إليهم, ويعتدي عليهم, ومظالم العباد عنده, وقد ضيع حقوق المسلمين, فهذا كاذب, الدعاوى ما لم تقم عليها بينات, أصحابها أدعياء. إذا هم العبد بالذنب, فعليه ان يستحضرأنه تحت سمع الله وبصره, وعليه ان يستحضر أن الله قادر في أية لحظة, على أن يرسل عليه صاعقة من السماء, تبيده وتفنيه, لكنه سبحانه حليم يمهل ولا يهمل, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية -في الخفاء والظهور-, والعدل في الرضى والغضب, القصد في الفقر والغنى –أن يقتصد الإنسان في معيشته في الفقر والغنى, عندما يكون غني يبذر ويسرف, وإذا كان فقيرا, فإنه يقتر على نفسه-, وثلاث مهلكات: هوى متبع, وشح مطاع, وإعجاب المرء بنفسه} –الحديث في الصحيح الجامع-. وقدم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الخشية على الطاعة, قال: {...اقسم لنا من خشيتك...} ثم قال: {...ومن طاعتك...} لأن من خشي الله حقيقة, سارع إلى طاعته, قوله عليه الصلاة والسلام: {...واقسم لنا من طاعتك ما تبلغنا به جنتك...} أي اجعل لنا نصيبا من طاعتك, يوصلنا إلى جنتك, فدل هذا الحديث على أن الجنة ليست للخاملين الكسالى, ولكنها للمطيعين المشمرين, فإذا رزق العبد الخشية من الله, نجى من النار, وإذا قسم له من طاعة الله نصيب, فاز بالدرجات العلى, والنعيم المقيم. قوله صلى الله عليه وسلم: {...ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا...} اليقين أعلى درجات الإيمان, وقد وصف سبحانه وتعالى عباده المتقين في اول سورة البقرة بقوله: [وبالآخرة هم يوقنون]. ليس عندهم شك, إذا بلغ العبد درجة اليقين, شاهد ما غاب عنه, مما أخبر به الله ورسوله كأنه ينظر إليه بين يديه, وإذا بلغ العبد درجة اليقين, هان عليه ما يكابده من عناء الدنيا, وهان عليه ما يلقاه من الشدائد والمحن, لأنه يوقن ان مرة الدنيا حلوة الآخرة, وأن المصائب مكفرات للخطيئات, رافعة للدرجات, يقول الله تعالى: [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب] أي بلا عد, ولا كيل, ولا وزن. إنما يصب عليهم الأجر صبا. يقول عليه الصلاة والسلام: {يود أهل العافية يوم القيامة, حين يعطى اهل البلاء الثواب, لو أن جلودهم في الدنيا كانت تقرض بالمقاريض} يعني تقطع جلودهم, هكذا يود اهل العافية, أن لو كانت جلودهم تقرض بالمقاريض, وتنشر بالمناشير, يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها, إلا رفعه الله بها درجة, وحط عنه بها خطيئة} –رواه الترمذي وهو في الصحيح الجامع-. قوله عليه الصلاة والسلام: {...اللهم متعنا باسماعنا, وأبصارنا, وقوتنا ما أحييتنا...} أي أبق هذه الحواس صحيحة سليمة, وألبسنا لباس العافية, إلى ان يأتي الأجل, لأن المؤمن يستعين بقوته, وسلامة جوارحه,على الازدياد من الخير, والاستعداد ليوم الرحيل, وأما من سخر هده القوة, وسلامة حواسه وجوارحه في البعد عن الله, فتمتعه بها كتمتع الأنعام والدواب, بل هو أضل سبيلا. لأن الأنعام لا تحاسب عليها, وهو يحاسب على كل ذلك, قال لله تعالى: [إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا]. يقول عليه الصلاة والسلام:{...واجعله الوارث منا...} أي اجعل هذه القوة و والحواس سليمة مستمرة حتى يأتينا اليقين, حتى يحضر الأجل, قوله صلى الله عليه وسلم: {...واجعل ثأرنا على من ظلمنا...} أي: واقتص لنا ممن ظلمنا, إنتقم لنا منه, وهذا يدل على أنه لا حرج على المسلم أن يدعو على من ظلمه بقدر ما لحقه من الإساءة, أما لو تجاوز وأكثر من الدعاء على الظالم, ربما أصبح هو الظالم, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: {المستبان ما قالا, فعلى البادئ منهما} يعني اثنان يسبان بعضهما بعض, البادئ هو الظالم, قال: {...فعلى البادئ منهما ما لم يعتد المظلوم} يعني لو سب المظلوم ظالمه أكثر من سبه إياه لكان هو الظالم,والله يستجيب دعوة المظلوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {...واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} –متفق عليه-. ولو صبر المظلوم , فلم يدع على من ظلمه, حتى ينال أجره كاملا يوم القيامة, لكان خيرا له.

قوله عليه الصلاة والسلام: {...وانصرنا على من عادانا...} أكبر عدو لنا هو الشيطان, الشيطان المريد, قال الله تعالى: [إن الشيطان لكم عدوا فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير] ومن أكبر أعدائنا, نفوسنا التي بين جنوبنا, وذلك حين تكون أمارة بالسوء, كذلك من الأعداء الهوى, فإن اتباع الهوى مهلك ومرد, ومن أعداء المسلم أهل النفاق, قال الله تعالى: [هم العدو فاحذرهم], ومن ذلك الكفرة الفجرة, على اختلاف مللهم ونحلهم, قال الله تعالى: [إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده].

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تجعل مصيبتنا في ديننا...} تقدم أن مصائب الدنيا مع الصبر والاحتساب ذخر للمؤمن في الآخرة, ومصيبة الدين لا تنجبر, لا جبران لها, ويدخل في ذلك سوء الاعتقاد, كأن يكون عند المسلم شركيات, يعتقد في الأضرحة وأصحاب القبور, يدعوهم من دون الله, هذا سوء اعتقاد, ينذر لهم ويقدم لهم الذبائح, ويصنع لهم الزردة والوعدة, هذا من الشرك, فليتق الله المسلمون, ومن مصائب الدين أن يكون للمسلم بدع, أو نفاق, وأن يكون مضيعا للصلوات, او واقعا في أكل الحرام, وغير ذلك من مصائب الدين, والمصاب من حرم الثواب, المصاب حقا هو من حرم الثواب, قوله صلى الله عليه وسلم: {...ولا تجعل الدنيا أكبر همناو ولا مبلغ علمنا...} أي لا تجعل اكتساب المال والجاه أكبر مقاصدنا في الدنيا, وإنما أعنا على أن نتخذ الدنيا جسرا نعبر من خلاله بسلام إلى الدار الآخرة, {...ولا مبلغ علمنا...} أي اجعل علم الآخرة هو مبلغ علمنا, يجوز للمسلم أن يتعلم علوم الدنيا, بشتى أنواعها لا سيما إذا ابتغي بذلك وجه الله, وأراد خدمة أمته ومجتمعه, لكن يجعل علم الاخرة هو مبلغه من العلم, وخاصة يعني على الأقل الإنسان يتعلم ماتصح به عبادته, ومعاملاته.

أيها الإخوة, يحكي أحد الدعاة: عن أحد ممن يحلو لهم أن يسمو أنفسهم بالفنانين, استضافته إحدى القنوات, فسأله السائل: ما هي الاية التي تأثرت بها أكثر؟ قال: الجنة تحت أقدام الأمهات. يظنها آية من كتاب الله, قال السائل: صدق الله العظيم. ظلمات بعضها فوق بعض, كثير من المسلمين اليوم, إذا سألته عن العشرة المبشرين بالجنة, قد لا يذكر لك أحدا منهم, وإذا سألته عن أسماء الممثلين واللاعبين, فهو الفارس الذي لا يشق له غبار, وأضرب لكم هذه الأمثلة حتى تعلموا ما معنى مبلغ علمنا وأكبر همنا, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين,ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

قوله عليه الصلاة والسلام: {...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.أي لا تسلط علينا الكفرة, والفجرة, والظلمة. لا تسلط علينا الظلمة والمفسدين, الذين يسيؤون إلينا, ويسوموننا سوء العذاب,{...ولا تسلط علينا من لا يرحمنا}.

اللهم عافنا في ديننا ودنيانا, وفي أبداننا, وفي أهلينا, اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين, اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا, ربنا وتقبل دعاء, ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.

5e77bf3d5a506

  • 1
  • 0
  • 10,170

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً