خطبة جمعة بعنوان: الأمراض النفسية أسبابها وآثارها إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ ...

منذ 2020-03-23
خطبة جمعة بعنوان: الأمراض النفسية أسبابها وآثارها
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبد ورسوله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين أما بعد:
فإن الإنسان جسد وروح, وكل من جسده وروحه تعتريه أمراض وعلل, أما الأمراض التي تصيب الجسد فمحسوسة وتعالج لدى المختصين في المراكز الاستشفائية, وأما العلل التي تعتري الروح وتدعى بالأمراض النفسية, فهي في الغالب غير محسوسة, وإنما تعرف بآثارها, وربما كانت أشد خطورة من الأمراض الجسدية, لأنها قد تدمر حياة الإنسان, وتدفعه إلى قتل نفسه, ولقد كثرت الأمراض النفسية في عصرنا هذا بصورة واضحة, وليس أدل على ذلك من كثرة حالات الانتحار التي تحدث بين الفينة والأخرى, وهذا أخطر الآثار النفسية –أعني الانتحار-, أخطر الآثار النفسية لهذه المشكلة, ومن بين آثار هذه المشكلة: الوقوع في الجريمة, والفساد الأخلاقي, ومعاقرة الخمر, وتعاطي المخدرات, وحب العزلة, والانطواء على النفس, والنقمة على المجتمع, وتشتيت شمل الأسرة, وتفكيك الرابطة الزوجية, وكثرة الشكوك, وقلة الثقة بالناس, فقد يفقد المريض نفسيا ثقته في أقرب الناس إليه, ومن آثار هذه المشكلة: أن يصاب الإنسان بالوساوس المختلفة, بالوسواس في الطهارة, والوضوء, وبالوسواس في النية, وفي الصلاة, وفي الطلاق وغير ذلك, كل هذا مما ينشأ عن الأزمة النفسية, التي تتعب صاحبها, وتتعب من حوله من الأهل والأقارب والأصحاب, وهم يتعجبون من تصرفاته الغريبة, وقد لا يدركون الأسباب الحقيقية لهذه التصرفات, هذه أهم الآثار. وأما الأسباب فأخطرها: البعد عن الله, وضعف الوازع الديني, فإن الله توعد من أصر على معصيته وسلك طريق الغواية توعده بالحياة البائسة, وبأن يسلط عليه الهموم والغموم, [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى [] قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا[] قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى] وأما من قويت صلته بالله, وأنس بذكره, وذاق طعم الإيمان, وقاه الله هذه الأزمات النفسية, وعاش منشرح الصدر, وكان أكثر طمأنينة من غيره, لأنه راض بما قسمه الله له, صابر على ما قدره عليه, يعلم أن في الصبر على ما يكره أجرا عظيما, [إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب]. فالبعد عن الله أخطر الأسباب التي توقع الإنسان في الأزمات النفسية, والأزمة النفسية قد تفضي بصاحبها على الإقدام على وضع نهاية لحياته, والمؤمن المستقيم على دين الله المتعلق بربه, في حفظ من ربه ووقاية [من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون] ولا ينبغي أن يتصور المسلم الحياة الطيبة المذكورة في الآية دائما أن معناها الرفاهية والترف, والمال, قد يعيش المؤمن على الكفاف, وهو اسعد من غيره ممن أعطي زهرة الحياة الدنيا, أليست العبرة براحة البال, وانشراح الصدر, [ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب] وقال الله تعالى: [الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون] ومن أنواع الأمن: الأمن النفسي, وراحة البال, فالمؤمن إذا تعرض في الحياة للمحن والشدائد فلن يفكر في قتل نفسه, لأنه يعتقد أن هذا لن يخلصه من محنته, وإنما ينقله إلى ما هو أشد, [ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما[] ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا] فالمؤمن إذا واجهته صعوبات في الحياة لجأ إلى الله, قال الله تعالى: [أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء] وقال سبحانه: [وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان] وقال سبحانه: [وقال ربكم ادعوني أستجب لكم] فالله يبتلي عبده بالمحن لأنه يحب أن يسمع صوت عبده وهو يتضرع إليه, يبتليه ليحط عنه خطاياه, ويرفع درجته في الجنة, يبتليه ليرفعه بهذا الابتلاء لمنزلة قد لا يبلغها بعمله, إن التفكير في قتل النفس يدل على أن الإنسان يظن أن الدنيا هي نهاية المطاف, وكأنه بقتل نفسه سيستريح من نصب الدنيا وعذابها, وهو في الواقع كمن يستجير من الرمضاء بالنار, تعرفون الرمضاء؟ هي شدة الحر, الإنسان الذي لا يتحمل شدة الحر فيقذف بنفسه في النار, هل هذا عاقل؟ هكذا هذا الذي يقدم على قتل نفسه, هذا تصور من لا يأمن بيوم الحساب, ولهذا تكثر حوادث الانتحار, في المجتمعات الغربيه, وتقل في المجتمعات الإسلامية. ومن أسباب الأزمات النفسية: ضعف التربية, وقد يكون ذلك بسبب موت أحد الأبوين أو كليهما, فينشأ عن ذلك انعدام التوجيه والإرشاد للولد, وقد يكون ذلك بسبب انفصال الوالدين, فيكون الطفل ضحية لذلك, ويتجرع مرارة فقدانه لحنان والديه, فيصاب بالعقد النفسية, وقد يعيش الولد بين أبويه لكنه محروم من التربية الصالحة الصحيحة, والعناية المطلوبة, بسبب قسوة المعاملة, فإن بعض الآباء يعاملون أبناءهم بغلضة وفظاظة, حتى ينفروا منهم, حتى ينفر الأبناء من آبائهم, ويبغضوهم, فالأصل في التعامل مع الأبناء, بل مع الناس جميعا الرفق, إلا إذا استدعى الأمر أن يكون الأب والأم في بعض الأحيان صارمين, فإن هذا مطلوب, فالمربي الحكيم مثل الشمس تلفح أجسادنا في الصيف, فنفر منها, ونحن إلى دفئها في الشتاء, ومن أسباب وقوع الولد في الأزمات النفسية: إنشغال الأب بتجارته ووظيفته, وانشغاله مع أصدقائه, بحيث لا يبالي بولده, ولا يتحسس مشكلاته, ولا يدري عن حاله, ولا من يصاحبهم شيئا, والكلام عن الذكور ينطبق تماما على الإناث, فلا يجد الولد قلبا حانيا يبوح له بهمومه, فينحرف ويصبح إنسانا غير سوي, في سلوكه وفي نظرته للناس وللحياة, بل قد يتحول إلى معول هدم في الأمة, ومن أسباب هذه المشكلة: ما يتعرض له بعض الناس على يد الظلمة, من عدوان فلا يجدون معينا من الناس ولا ناصرا, والمنبغي في هذه الحال الصبر والاحتساب, وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة, لأن هذا قد يزيد المشكلة تفاقما, قال الله تعالى: [خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين] وقال تعالى: [إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم] كأنه صديق حميم, إذا قابلت الإساءة بالإحسان, هذا قرآن, هذا وحي منزل من السماء, وهذا يتطلب مجاهدة عظيمة للنفس, ولذلك قال ربنا سبحانه: [وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم] لا يوفق إلى هذه الخصلة الحميدة إلا ذو قدر كبير من الأخلاق السامية الحسنة, فإن لم يأثر في المعتدي الإعراض ومقابلة الإساءة بالإحسان, لأن بعض المعتدين مثل الوحوش الكاسرة, فليلجأ المظلوم إلى من يجيب دعوة المضطر إذا دعاه, فليلجأ المظلوم إلى من يقول لدعوة المظلوم: { وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين} فوالله لينصرنه الله ولو بعد حين, وفي الحديث الصحيح: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} ولا بأس بأن يلجأ إلى الجهات الوصية, ولا ينبغي أن يشعر بالهوان والذلة لأنه منصور إن عاجلا أو آجلا, وما أكثر ما ننسى أن الدنيا لا تصفوا لأحد, أرادها الله أن تكون مزيجا من الخير والشر, [ونبلوكم بالشر والخير فتنة] وقال الله تعالى: [ لقد خلقنا الإنسان في كبد] فابن آدم يكابد غمومها وهمومها, إلى أ يلقى ربه عز وجل, فلا بد أن يعود نفسه على تحمل الصعاب, فإن خيرة البشر أعني الأنبياء والصالحين لم يسلموا من البلاء, وفي الحديث الصحيح: { مرة الدنيا حلوة الآخرة } ومن أسباب الأزمات النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من فضل عليه في الرزق, فيشعر بالحرمان والتعاسة, مع أن ما هو فيه من النعمة يتمناه الكثيرون ممن هم دونه, ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: { أنظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم} فعلى الإنسان إذا أراد أن يعيش مطمئنا راضيا عن الله أن ينظر إلى من هو دونه, ليعرف قدر فضل الله عليه, فليست السعادة أن تملك أكثر مما يملكه الآخرون ولكن السعادة أن ترضى أكثر مما يرضى الآخرون, وأن تقنع أكثر مما يقنع الآخرون, أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين, واشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
أيها المسلمون ومن أسباب الأزمة النفسية: أن ينظر الإنسان إلى من حوله من زوجة وأقارب وأصدقاء نظرة خاطئة, يريد من الآخرين أن يكونوا كاملين في كل شيء, فإذا رأى منهم تقصيرا في حقه, أو عيبا تكدر وقلق, وربما أصبح في صراع مع محيطه, مع أسرته ومع أصدقائه , كأنه خلق مبرءا من كل عيب, وكأن مثله لم تلد النساء, وقد تكون هذه النظرة السيئة سببا في تنغيص حياته الزوجية, والأسرية, وسببا في تنغيص علاقته مع الآخرين, وقد أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم إلى التغاضي عن عيوب الآخرين, لا سيما إذا كانت عيوبهم أقل من محاسنهم, أرشدنا إلى التغافل عن العيوب لا سيما إذا كانت المحاسن أكثر من العيوب, ولذلك قال نبينا صلى الله عليه وسلم: {لا يفرك مؤمن مؤمنة, إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر} وهذا لا ينطبق على الزوجة فحسب, بل يشمل جميع من لك بهم صلة, فالقاعدة تشمل الجميع, فإذا رغبت في دوام الصحبة والإبقاء على المحبة, فانظر إلى الإيجابيات, وانظر إلى المحاسن, وتغاضى عن المساوئ والسلبيات, مع السعي الدائم في إصلاح نفسك وغيرك, والله تعالى أعلم.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا, وإسرافنا في أمرنا, وثبت أقدامنا, وانصرنا على القوم الكافرين, ربنا اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا, وتوفنا مع الأبرار, اللهم اجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, آمين والحمد لله رب العالمين.
أبو أنس الجزائري

5e773c345c68d

  • 1
  • 0
  • 2,031

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً