السلطان محمود الغزنوي يمين الدولة وقامع البدعة (١/٢) دأب السلطان محمود الغزنوي -رحمه الله- على ...

السلطان محمود الغزنوي
يمين الدولة وقامع البدعة

(١/٢)
دأب السلطان محمود الغزنوي -رحمه الله- على تحطيم الأوثان وتدميرها، وقد ذكرنا ما فعل بها من الأفاعيل، وخصوصا تحطيمه أعظمها عند الهنود الوثنيين، وهو الصنم «سومنات»، وكان حرصه على التزام جماعة المسلمين، ومحاربة فرق الضلالة، كحرصه على سحق الشرك وأهله، وله في ذلك مواقف مشهورة سطّرها التاريخ.

ففي سنة (404 هـ) وبعد عودته من إحدى غزواته، راسل الخليفةَ العباسيَّ القادرَ بالله -رحمه الله- وطلب منه توليته على ما بيده، قال ابن الأثير: «فلما فرغ من غزوته عاد إلى غزنة وأرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشورا وعهدا بخراسان وما بيده من الممالك فكتب له ذلك»، ولم يكن السلطان الغزنوي بحاجة إلى هذا العهد والمنشور ليقوي سلطانه، ولكنه الحرص على أن يسير تحت ظل إمام قرشي يجتمع عليه المسلمون.

وقد زاد الخليفة من تشريفه فأضفى عليه الألقاب، قال ابن الجوزي: «وكان الخليفة قد بعث إليه الخلع، ولقبه بيمين الدولة وأمين الملة، ثم أضيف إلى ذلك نظام الدين ناصر الحق» [المنتظم].
ولم يكن يمين الدولة ليخرج عن طاعة الخليفة القرشي إلى طاعة غيره ممن ادّعوا الخلافة ظلما وزعموا النسب الفاطمي زورا، قال ابن كثير: «وكان يخطب في سائر ممالكه للخليفة القادر بالله، وكانت رسل الفاطميين من مصر تفد إليه بالكتب والهدايا لأجل أن يكون من جهتهم، فيحرق بهم، ويحرق كتبهم وهداياهم»، وقد قام يمين الدولة بإرسال أحد رسل الفاطميين وهداياهم إلى الخليفة العباسي لينظر في أمره، قال ابن الجوزي: «وأحضر أبو العباس ما كان حمله صاحب مصر، وأدى رسالة يمين الدولة بأنه الخادم المخلص الذي يرى الطاعة فرضا ويبرأ من كل ما يخالف الدولة العباسية، فلما كان فيما بعد هذا اليوم أُخرجت الثياب إلى باب النوبي، وحُفرت حفرة وطُرح فيها الحطب، ووُضعت الثياب فوقه وضربت بالنار».

وفي سنة (396 هـ)، سار يمين الدولة إلى «المولتان» (بـ «باكستان» اليوم) ليقضي على حاكمها القرمطي الملحد. قال ابن الأثير: «كان سبب ذلك أن واليها أبا الفتوح نُقل عنه خبث اعتقاده، ونُسب إلى الإلحاد، وأنه قد دعا أهل ولايته إلى ما هو عليه، فأجابوه. فرأى يمين الدولة أن يجاهده ويستنزله عما هو عليه، فسار نحوه، فرأى الأنهار التي في طريقه كثيرة الزيادة، عظيمة المد، وخاصة سيحون، فإنه منع جانبه من العبور فأرسل إلى أندبال [ملك هندي] يطلب إليه أن يأذن له في العبور ببلاده إلى المولتان، فلم يجبه إلى ذلك، فابتدأ به قبل المولتان، وقال: نجمع بين غزوتين»، وقد استطاع السلطان الغزنوي -بفضل الله- القضاء على أندبال والوصول إلى المولتان.
قال ابن الأثير: «ولما سمع أبو الفتوح بخبر إقباله إليه علم عجزه عن الوقوف بين يديه والعصيان عليه، فنقل أمواله إلى سرنديب، وأخلى المولتان، فوصل يمين الدولة إليها ونازلها، فإذا أهلها في ضلالهم يعمهون، فحصرهم، وضيق عليهم، وتابع القتال حتى افتتحها عنوة، وألزم أهلها عشرين ألف درهم عقوبة لعصيانهم»، أي: مع توبتهم.
وقد كان السلطان محمود الغزنوي حريصا على طاعة الخليفة القرشي ومحاربة المبتدعة والزنادقة، ففي سنة (408 هـ) «امتثل يمينُ الدولة وأمين الملة أبو القاسم محمود بن سبكتكين أمرَ أمير المؤمنين، واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من خراسان وغيرها، في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة، وصلبهم وحبسهم ونفاهم، وأمر بلعنهم على منابر المسلمين، وإبعاد كل طائفة من أهل البدع، وطردهم عن ديارهم، وصار ذلك سنة في الإسلام» [البداية والنهاية].

وفي سنة (420 هـ) سار يمين الدولة إلى الري، وبها «مجد الدولة» البويهي الرافضي فاقتلع ملكه وقضى عليه وعلى أجناده، وأرسل بالخبر إلى الخليفة القادر بالله، ومما جاء في رسالته كما ذكر ابن الجوزي: «وقد أزال الله عن هذه البقعة أيدي الظلمة وطهّرها من دعوة الباطنية الكفرة والمبتدعة الفجرة وقد تناهت إلى الحضرة المقدسة حقيقة الحال فيما قصر العبد عليه سعيه واجتهاده من غزو أهل الكفر والضلال وقمع من نبغ ببلاد خراسان من الفئة الباطنية الفجار، وكانت مدينة الري مخصوصة بالتجائهم إليها وإعلانهم بالدعاء إلى كفرهم، فيها يختلطون بالمعتزلة المبتدعة والغالية من الروافض المخالفة لكتاب الله والسنة يتجاهرون بشتم الصحابة ويرون اعتقاد الكفر ومذهب الإباحة».

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقل كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وإنَّ المرأة إن احتسبت ما تنفقه على زوجها وأولادها من مالها، فإنه لها من أعظم الصدقات أجرا، كما روى ...

وإنَّ المرأة إن احتسبت ما تنفقه على زوجها وأولادها من مالها، فإنه لها من أعظم الصدقات أجرا، كما روى الشيخان عن زينب امرأة ابن مسعود -رضي الله عنهما- أنها قالت لبلال، رضي الله عنه: «سل النبي -صلى الله عليه وسلم- أيجزي عني أن أنفق على زوجي، وأيتام لي في حجري؟» فحينما سأله، أجاب النبي، صلى الله عليه وسلم: (نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة)».

وللمسلمة في أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- خير مثال، فقد جعلت مالها كله في يد زوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفق منه على نفسه، وعلى إخوانه.

يقول بعض المفسرين في تفسير قول الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8]؛ أي أغناك بمال خديجة بنت خويلد، ومعلوم أن أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- كانت من أشراف قريش وأوفرهم مالا، وحينما منَّ الله -عز وجل- عليها بالزواج من سيد الأنام، لم تبخل عليه بمالها، قال صاحب «أضواء البيان»: «قال النيسابوري ما نصه: يروى أنه -صلى الله عليه وسلم- دخل على خديجة وهو مغموم، فقالت: ما لك؟ فقال: (الزمان زمان قحط، فإن أنا بذلت المال ينفد مالك، فأستحيي منك، وإن أنا لم أبذل أخاف الله)، فدعت قريشا وفيهم الصديق، قال الصديق: فأخرجت دنانير حتى وضعتها، بلغت مبلغا لم يقع بصري على من كان جالسا قدامي؛ ثم قالت: اشهدوا أن هذا المال ماله، إن شاء فرقه، وإن شاء أمسكه».

والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد عرف لها ذلك حتى بعد موتها -رضي الله عنها- فقد روى أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ذكر خديجة أثنى عليها، فأحَسَنَ الثناء، فغرتُ يوما، فقلت: ما أكثرَ ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله -عز وجل- بها خيرا منها؛ قال: (ما أبدلني الله -عز وجل- خيرا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله -عز وجل- ولدها إذ حرمني أولاد النساء)».

هذه أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- تعطي المال دون منٍّ أو أذى -حاشاها- ولا تذكِّر زوجها بسبب ومن دون سبب بما تعطيه إياه ولا تعيّره، ولا تطالبه عند الغضب بما وهبته إياه عند الرضا، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)» [متفق عليه].
ويوم قدّر الله تعالى على النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن آمن معه أن يُحاصَروا في شعب أبي طالب لسنين، تركت خديجة مالها وكل ما تملك واختارت الله ورسوله، فلله درها ولله در كل كريمة لها فنع في الجود، همها إسعاد معسر بعد رضا المعبود. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً لقد ضبط الشارع الحكيم عقد النكاح بضوابط وجعل لتمام ...

وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً

لقد ضبط الشارع الحكيم عقد النكاح بضوابط وجعل لتمام صحته شروطا وواجبات، ومن بين تلك الواجبات المهر أو الصداق، وقد دل على مشروعية المهر الكتاب والسنة والإجماع.

فأما الكتاب فقد قال الله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]، وقال أيضا: {فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النساء: 24]، وأما السنة فعن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني وهبت من نفسي؛ فقامت طويلا، فقال رجل: زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة؛ قال: (هل عندك من شيء تصدقها؟) قال: ما عندي إلا إزاري؛ فقال: (إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك، فالتمس شيئا)؛ فقال: ما أجد شيئا؛ فقال: (التمس ولو خاتما من حديد)؛ فلم يجد، فقال: (أمعك من القرآن شيء؟) قال: نعم، سورة كذا، وسورة كذا، لسور سماها، فقال: (قد زوجناكها بما معك من القرآن)» [متفق عليه].

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: «لما قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة، آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين سعد بن الربيع، فقال: أقاسمك مالي نصفين، ولي امرأتان فأطلق إحداهما، فإذا انقضت عدتها فتزوجها؛ فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلوني على السوق؟ فدلوه، فانطلق، فما رجع إلا ومعه شيء من أقط وسمن قد استفضله، فرآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك وعليه وضر من صفرة فقال: (مهيم؟) قال: تزوجت امرأة من الأنصار؛ قال: (ما أصدقتها؟) قال: نواة من ذهب -قال حميد: أو وزن نواة من ذهب- فقال: (أولم ولو بشاة)» [متفق عليه].

وأما الإجماع فقد ذكره غير واحد من الفقهاء؛ قال القرطبي في تفسيره: «قال تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}، الآية تدل على وجوب الصداق للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه».

والمهر قد يكون معجّلا فيدفعه الزوج للزوجة قبل الدخول بها، وقد يكون مؤجّلا فيدفعه لها بعد الدخول، وقد يكون مبعّضا أي يدفع لها بعضا منه قبل البناء على أن يدفع لها بقيته بعد الدخول بها؛ قال ابن قدامة: «ويجوز أن يكون الصداق معجلا، ومؤجلا، وبعضه معجلا وبعضه مؤجلا، لأنه عوض في معاوضة، فجاز ذلك فيه كالثمن» [المغني]. غير أنه لا يجوز للزوج تأجيل المهر ولا تبعيضه إلا بموافقة الزوجة ورضاها عن طيب خاطر لا غصبا.

وللزوجة أن تمتنع عن زوجها حتى تستلم صداقها كاملا؛ قال ابن قدامة: «فإن منعت نفسها حتى تتسلم صداقها، وكان حالا، فلها ذلك. قال ابن المنذر: وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمرأة أن تمتنع من دخول الزوج عليها، حتى يعطيها مهرها. وإن قال الزوج: لا أسلم إليها الصداق حتى أتسلمها. أجبر الزوج على تسليم الصداق أولا، ثم تجبر هي على تسليم نفسها» [المغني].

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- «أن عليا قال: تزوجت فاطمة، فقلت: يا رسول الله، ابن لي؛ قال: (أعطها شيئا)؛ قال: ما عندي شيء؛ قال: (فأين درعك الحطمية؟) قلت: عندي؛ قال: (فأعطها إياه)» [رواه أبو داود والنسائي].

ثم إن هذا المهر وإن لم يدفعه الزوج قبل الدخول بزوجته -برضاها كما أسلفنا- يبقى دينا عليه يجب الوفاء به متى قدر على ذلك، ولا يجوز له بحال المماطلة في سداد هذا الدين أو الامتناع عنه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مطل الغني ظلم) [متفق عليه]، خاصة إذا باتت الزوجة تحت يده وقد أتى منها ما يأتي الرجل من المرأة، فيستضعفها حينها ناسيا أو متناسيا ما جاء في الحديث عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج) [متفق عليه].

وقد غلَّظ الشارع في الزجر عن سلب المرأة مهرها عنوة، قال ابن كثير، رحمه الله: «وقوله: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19]، أي: لا تضاروهن في العشرة لتترك لك ما أصدقتها أو بعضه أو حقا من حقوقها عليك، أو شيئا من ذلك على وجه القهر لها والاضطهاد. وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} يقول: ولا تقهروهن {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ} يعني: الرجل تكون له امرأة وهو كاره لصحبتها، ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي».

ولم يحرم الشرع أخذ مهر الزوجة كرها فقط، بل حتى وإن كانت الزوجة موسرة ذات مال، فيحرم على الزوج أن يأخذ فلسا واحدا من مالها غصبا ودون رضاها وإن كان ذلك بقصد الإنفاق على البيت والأبناء الذين هم أبناؤها، أما إن رضيت ووهبته عن طيب خاطر، فهنيئا مريئا، مصداقا لقول الله، عز وجل: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].
...المزيد

تم تأجيل العمل على خطة الهروب لبعض الوقت، لأن زنزانتهم كانت قريبة من غرفة السجانين، وكان نشر قضبان ...

تم تأجيل العمل على خطة الهروب لبعض الوقت، لأن زنزانتهم كانت قريبة من غرفة السجانين، وكان نشر قضبان الحديد سيحدث صوتا قويا لا يمكن إخفاؤه، فكان مفتاح الفرج الثاني جرافة أحضرها مرتدو البيشمركة للقيام ببعض الإنشاءات في القطعة العسكرية الواقعة خلف مبنى السجن، فاستغل الإخوة صوت الجرافة المرتفع للتغطية على صوت نشر القضبان الحديدية، حتى انتهوا منها بعد 5 أيام من العمل وتركوا من كل واحد منها جزءا يمكنهم كسره بأيديهم عندما تحين ساعة التنفيذ.

ثم قرر الإخوة تنفيذ الخطوة الأخيرة، فكسروا القضبان، وخرجوا من النافذة بعد منتصف الليل يحملون معهم ما توفر بأيديهم من كِسَر الخبز ليتزودوا بها على الطريق، حيث وجدوا أنفسهم في قلب معسكر البيشمركة، فانطلقوا نحو السياج المحيط به متوكلين على الله، فلم ينتبه لهم المرتدون، ثم أكملوا مسيرهم لسبعة أيام يمشون في الليل وينامون في النهار مخافة أن يُكشف أمرهم، ولم يكن بإمكانهم الإسراع في المسير بسبب ما ألمّ بصهيب من إصابة.

على أطراف مدينة جمجمال فارقهم أحد الإخوة ليجد حيلة للدخول إلى المدينة التي يعرف فيها صديقا علّه يجد عنده المال واللباس لإخوانه، فلما تأخر عليهما خافا أن يكون قد سقط بيد المرتدين من جديد، فيدلهم على مكانهما فاستعجلا المسير إلى كركوك، حيث قدر الله لهم أن وجدوا في طريقها من تصدّق عليهم ببعض المال والطعام لما رأى حالتهما الرثة، فاستقلا بذلك المال حافلة إلى مدينة كركوك.

على بوابات المدينة أوقفهم مرتدو البيشمركة من جديد ومنعوهم من الدخول إليها لأنهم لا يحملون بطاقات هوية، وأصروا على عودتهم من حيث جاؤوا رغم ما ادعوه بأنهم تعرضوا للسلب من اللصوص وفقدوا أموالهم وثبوتياتهم.

رقم هاتف أحد الإخوة كان صهيب ما زال يحتفظ به في ذاكرته أنقذهم هذه المرة، إذ اتصل به صهيب وأخبره بحاله ومن معه، فخرج إليهما، وأدخلهما إلى مدينة كركوك، لتكون فرحة عظيمة للإخوة فيها، وخاصة لوالي كركوك الشيخ أبي فاطمة، تقبله الله، وهناك لحق بهم أخوهم الثالث، بعد أن أصابه -بدوره- القلق، عندما لم يجدهم في مكانهم الأول قرب جمجمال.

عاد صهيب بعكازيه إلى الساحة من جديد، ليعمل في ورشة التفخيخ التابعة لولاية كركوك، حتى كان الفتح، لتتغير بعد ذلك طبيعة عمله.

ولم يطل به المقام حتى اختير أميرا عسكريا لجيش الخلافة في الولاية، بعد مقتل أميرها الأسبق أبي عبد الناصر -تقبله الله- وصار يشارك بنفسه في ملاحمها، وقاد إخوانه في كثير من المعارك ضد الرافضة والبيشمركة، على رأسها معارك (مكتب خالد)، وغزوة الفتح المبين، حتى قتل في معارك حقول علاس وعجيل في شهر رجب من عام 1436 هجرية.

وهكذا طويت صفحة فارس شهم أبيّ من فرسان دولة الإسلام، لم يسكن عن جهاد المرتدين، ولم يتعب من السجون والأسفار، حتى أناخ ركابه على أبواب الجنة، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صهيب المدائني أنا فارس لا أنثني.. لا أنحني وبلاء ربّي زادني إيمانا إن الجهاد في سبيل الله ...

صهيب المدائني

أنا فارس لا أنثني.. لا أنحني
وبلاء ربّي زادني إيمانا

إن الجهاد في سبيل الله نعمة من النعم، لا يعرفها كثير من الناس، أما من ذاق حلاوتها، وعرف حقيقة الولاء والبراء، وجرب النكاية في الكفار والمرتدين، فلا يصبر عن مواطن النزال، ولا يأنس إلا بعشرة الموحّدين الأبطال.

فإن أصابته جراحات في سبيل الله استعجل الشفاء، وإن حبسه الأسر سعى في فكاك أسر نفسه، وإن عجز عن الجهاد في مكان هاجر إلى موطن آخر من مواطن العبودية لله، وشعاره في كل موقعة:

أكر على الكتيبة لا أبالي
أفيها كان حتفي أم سواها

ومن هؤلاء الأبطال المجاهدين الذين عشقوا التعرض للمنايا، وألفوا مقارعة الحتوف، الشهيد -كما نحسبه، والله حسيبه- صهيب المدائني، تقبله الله.

ولد -رحمه الله- في مدينة المدائن جنوب بغداد، وعاش فيها، ولما خطى على درب الجهاد كانت خطواته الأولى في مدينة بغداد حيث العمل مع دهاة الأمنيين، وأخطر فرسان الكواتم والعبوات، فأنكى في الروافض أيّما نكاية، حتى قدر الله وقوعه في أيديهم، فلم يطل به المقام في الأسر حتى استطاع أن يفك قيده ويهرب من قبضتهم، ليكمل مشواره الجهادي في ولاية كركوك، التي كان العمل فيها لا يقل خطورة عن العمل في بغداد، وذلك بسبب التشديد الأمني الكبير لمخابرات البيشمركة والقوات الرافضية التي تتقاسم السيطرة على المنطقة.

عمل صهيب في أحد قواطع مدينة كركوك، حيث مزّق المرتدين بالعبوات، وقطف رؤوسهم بالاغتيالات، وهز أركانهم بالعمليات الاستشهادية التي كان يشرف عليها ويديرها، مع مفرزة من جنود الدولة الإسلامية.

خرج في أحد أيام جهاده إلى موعد مع أخ من جنوده، وحين وصل مع أخ آخر إلى مكان الموعد، وهو محطة وقود على طريق (بغداد - كركوك) فوجئ بمرتدي البيشمركة يحاصرونه بأعداد كبيرة ويطلبون منه أن ينبطح أرضا ليقيدوه، ورغم أنه كان أعزل من السلاح إلا أنه رفض الانصياع لهم، عزة عليهم وأنفة من الخضوع لهم، وهم يحيطون به يشهرون أسلحتهم باتجاهه دون أن يجرؤ أي منهم على التقدم نحوه وتقييده، فبادر هو بالهجوم عليهم وحاول سحب بندقية أحدهم من بين يديه، ليشتبك بها معهم ويفك نفسه وإخوانه من الأسر، وأثناء تنازعهما على السلاح تكالب عليه جنود الطاغوت وأسقطوه أرضا محاولين تقييده وهو يصارعهم، حتى أطلقوا النار على قدميه، ليحملوه مقيدا إلى المستشفى بعد أن صار عاجزا عن الحركة.

بعد خروجه من العملية بدأ ضباط المخابرات بالتحقيق معه وهو في المستشفى مستخدمين قدميه المصابتين وسيلة لتعذيبه عن طريق تحري مواضع الألم فيهما بالتحريك والضغط، وأثناء هذه الفترة جاء وفد من ضباط مخابرات الحكومة الرافضية من بغداد للتعرف عليه والتحقيق معه، وعندما عرفوه لاموا مرتدي مخابرات البيشمركة لأنهم لم يقتلوه أثناء الاعتقال، وعرّفوهم بما نفّذه من عمليات في بغداد قبل انتقاله إلى كركوك، وبيّنوا لهم صدور حكم إعدام غيابي بحقّه بعد هروبه من اعتقاله الأول في بغداد.

بعد فترة من العلاج نُقل صهيب إلى أحد السجون السرية لمرتدي «إقليم كردستان» في منطقة السليمانية، ليجد أمامه في السجن أخويه الذين اعتقلا معه.

قضى أول شهرين من اعتقاله وحيدا في محجر انفرادي رغم عجزه عن الحركة، وحداثة إصابته وحاجته إلى المعين، ثم يسّر الله أن نُقل أخواه إلى محجره بعد ذلك ليساعداه على قضاء حوائجه، ومنذ اليوم الأول لاجتماعهم من جديد بدؤوا التفكير بإنقاذ أنفسهم من الأسر، والعودة إلى مراغمة المرتدين، ولكن الأمر كان من الصعوبة بمكان، ففضلا عن كون جدران المحجر ونوافذه محصنة بالحديد، كان سجنهم على أطراف قطعة عسكرية لمرتدي البيشمركة، وبالتالي يجب عليهم عبورها حتى يصلوا إلى مناطق آمنة.

ولكن فكرة فكاك أسرهم لما تفارق أذهانهم، وبقوا يدعون الله أن يفرج عنهم ما هم فيه، حتى جاءت بوادر الفرج من الله بعد سبعة أشهر من اجتماعهم في المحجر، كانوا قد تعاهدوا على استغلالها بحفظ كتاب الله، وقضوا لياليها قياما ودعاءا.

إذ أخرج السجانون الأخوين المرافقين لصهيب ليكلفوهما بأعمال السخرة، ومن بينها تنظيف مخزن قديم للمرتدين، فوجد أحدهم أثناء تنظيف المخزن قطعة من منشار خبأها تحت ملابسه وعاد بها إلى المحجر، ليفرح بها أخواه، إذ صار بأيديهم أول مفاتيح الفكاك من الأسر، حين صار بإمكانهم أن يقطعوا قضبان النافذة الحديدية التي تحجزهم عن العالم.
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(٥/٥)
• الغريب حقا أن هؤلاء المرتدين لم يكتفوا برفض تحكيم الشريعة وإنما صاروا يضربون لأنصارهم الأمثال بما حلّ بالدولة الإسلامية بسبب تحكيمها لشرع الله، كاجتماع المشركين في العالم كله على قتالها، وباتوا يؤمّلون أنفسهم بزوالها من الوجود، فما تعليقك على أوهامهم؟

هؤلاء طمس الله على قلوبهم وأبصارهم، فلم يعودوا قادرين على رؤية الحق، ولا معرفة ما يريده الله -عز وجل- من العباد، وقد سمعنا بعض سفهائهم يصرّح بأنهم لا يريدون أخدودا جديدا في الشام، ويقصدون بذلك أن يقاتلهم الصليبيون إن هم أقاموا الدين.

والجواب عليهم، أن الله تكفّل بحفظ هذا الدين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرنا أن المجاهدين لن يزولوا من الأرض حتى يأذن الله بقوله: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [رواه مسلم].

ثم، إن الله -عز وجل- قد وصف مآل أصحاب الأخدود بأنه {الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}، رغم أن الحديث الذي ذكر قصة أولئك الموحّدين بيّن أنه لم يبق من تلك الجماعة التي آمنت بالله واتّبعت الغلام أحد، إذ أحرقهم الطاغوت جميعهم، حتى ما بقي منهم إلا أضعفهم، امرأة وغلام، فلما تقاعست المرأة عن النار، قال لها الرضيع: «يا أُمَّه اصبري فإنك على الحق»، وهذا يؤكّد حقيقة أن فعلهم كان صحيحا، كما أن مآلهم في الآخرة كان محمودا.

فلا خوف على الموحدّين، فهم باقون وظاهرون على الحق في كل زمان، ولا خوف على الدولة الإسلامية، فهي باقية بإذن الله، حتى تسلم الراية للمهدي، وإن استشهد من استشهد من أمرائها وجنودها، فلهم سلف في أصحاب الأخدود، إلا أننا نحسن الظن بالله أن خلافتهم ستبقى إلى الملحمة الكبرى.

• جزاكم الله خيرا، ونرجو أن تتسع صدوركم لمزيد من الأسئلة حول مسألة تحكيم الشريعة، وواقعها في الدولة الإسلامية، وواقع ديوان القضاء الذي ابتليتم بالقيام عليه.

حيّاكم الله، ونسعد بلقائكم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(٤/٥)
• بعض هذه الفصائل المرتدة في الشام، لا تعترف برفضها لحكم الشريعة، وإنما تزعم تأجيل ذلك إلى ما بعد إسقاط الطاغوت بشار الأسد، وتزعم أن تحكيم الشريعة في مناطقها قد يؤدّي إلى نزاع بين الفصائل يستفيد منه الجيش النصيري، فما تعليقك على هذه الدعاوي؟

من المعروف أن القتال المجرد لا يكفي لإنهاء حكم الطواغيت من الأرض، فالأرض التي يُخرج جيش المشركين منها يزول عنها حكم الطاغوت، ولكن الناس لا بد أن يحكموا بشريعة ما، فإما أن يحكموا بشريعة الله كما هو الأمر في أراضي الدولة الإسلامية، وإما أن يتركوا الأمر لفوضى الغاب فيحكمهم كل من يستقوي عليهم بأهواء متنازعة وآراء مختلفة، وإما أن يحكموا بحكم طاغوتي واحد جديد -كطاغوت «القانون العربي الموحد»- وبالتالي بمجرد إزالة حكم الطاغوت من قطعة من الأرض لا بد من تحكيم الشريعة فيها، ومن رفض ذلك يُقاتل كما قوتل الطاغوت من قبل.

وهذا ما فعلته الدولة الإسلامية، فبسبب سعيها لتحكيم الشريعة، استهدفت من الفصائل العلمانية وعلى رأسها فصائل المجلس العسكري، فنصرنا الله عليهم وتمكنّا من إخراجهم من كثير من المناطق، ووجدنا أن هذه المدن والبلدات صارت بيدنا من دون منازع، وأقمنا حكم الشرع فيها فورا، وأنشأنا المحاكم الإسلامية لتفصل بين الناس وتقيم الحدود، كما حدث في الدانة واعزاز وجرابلس ومناطق أخرى.

وبسيطرتنا على هذه المناطق وإنشاء المحاكم التي تحكم بشرع الله فيها، بدأت المؤامرات لإخراجنا من هذه الأرض تظهر للعلن، وأعلنت فصائل الصحوات علينا تلك الحرب التي اشترك فيها من يرفض تحكيم الشريعة، ويجاهر بالعلمانية، مع من يزعم أنه يسعى لتحكيم الشريعة ولكنه يرى تأجيلها إلى وقت آخر.

فإن كانت هذه الفصائل ترفض تحكيم الشريعة دفعا للقتال بينها، فكيف قبلت مجتمعة القتال ضد الدولة الإسلامية لأنها أقامت الشريعة؟

وكيف يبرّر حربه على الدولة الإسلامية من زعم كاذبا أنه يسعه ترك تحكيم الشريعة؟ فيُحارب هذا الكاذب جنود الخلافة الذين أقاموا الدين وسعوا لتوسيع سلطان الشريعة على كل المناطق التي يحكمها طواغيت الفصائل المحاربون لشرع الله.
فهؤلاء القوم يرفضون تحكيم الشريعة، وأكبر دليل على ذلك أنهم يحكمون المناطق التي انحازت منها الدولة الإسلامية منذ ثلاث سنوات، ومع ذلك فهم لم يحكّموا الشريعة فيها بعد، ولن يحكّموها أبدا، خوفا من إغضاب الداعمين، وخشية من غضب الصليبيين، بل وزادوا على ذلك بقتالهم لمنع تحكيم الشريعة في تلك المناطق، كما نرى من دفاعهم المستميت لمنع امتداد سلطان الشريعة التي تقيمها الدولة الإسلامية إلى الأرض التي يسيطرون عليها، فصار حكمهم بذلك حكم الطوائف الممتنعة عن التزام أحكام الدين، كمرتدي العرب الذين قاتلهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- والصحابة لأنهم امتنعوا عن حكم شرعي واحد وهو أداء الزكاة.

بل وزادوا من كفرهم بسعيهم إلى الاستيلاء على ما في يد الدولة الإسلامية من أرض تحكم بالشريعة، وضمّها إلى جملة الأراضي التي يحكمونها بالشرائع الطاغوتية والأهواء المتنازعة، ثم زادوا على ذلك بموالاة الصليبيين والطواغيت في حربهم على الدولة الإسلامية، كما يفعلون الآن في ريف حلب الشمالي وفي بادية الشام وفي مدينة سرت، فهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وقضيتهم لم تعد تأجيل تحكيم الشريعة خوفا من الصليبيين، وإنما صاروا يسعون جهارا إلى إزالة حكم الشريعة من الأرض واستبدالها بالأحكام الجاهلية بمختلف أوضاعها.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(٣/٥)
• ليست كل الطوائف المقصودة في السؤال ممن شاركوا في الديموقراطية أو نادوا بها، فمنهم من يعلن تكفير الديموقراطية وإن كان -لما حمله من عقائد غلاة الجهمية- لا يكفّر فاعلها، فنرجو أن توضّح للقارئ لِمَ عجزت هذه الطوائف عن تحكيم الشريعة.

ذكرنا أن السبب الأهم وراء دخول تلك التنظيمات والحركات في شرك الديموقراطيين إنما هو طاعتهم للمشركين في الدول الصليبية، والسعي لاسترضائهم، لأنهم يظنون أنه لا يمكن أن يصلوا إلى الحكم بغير رضاهم، فصاروا يوالون المشركين طلبا لرضاهم ولمساعدتهم في الوصول إلى الحكم، فهذا الضلال في جانب الولاء والبراء أدى بهم إلى الشرك في الحاكمية.

وعلى الجانب الآخر نجد النموذج الآخر من التنظيمات والحركات التي عنيتها بكلامك، يعلنون رفضهم للديموقراطية، وقد لا يرجون دعما وتأييدا من الدول الصليبية لهم، ولكنهم يخافون من غضب الصليبيين عليهم إن هم حكّموا الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها، وفي الوقت نفسه يرجون تأييد الشعوب وبقية الأحزاب والفصائل لهم، كي يتّقوا بهم ضرر الدول الصليبية إن هي عزمت على إيذائهم، ويخشون من وقوفهم في صف الصليبيين ضدهم وخروجهم عليهم في شكل صحوات أو ما شابهها، ولذلك يعطلون تحكيم الشريعة في مناطقهم بانتظار أن ترضى عن الشريعة تلك الأحزاب والفصائل، ولسان حال هذه الطوائف المدّعية للشريعة أن هذه الأحزاب والفصائل غير راضية عن تحكيم شريعة الله، مما يستوجب جهادها لا إرضاءها.

وفي الحالتين، أي عدم تحكيمهم للشريعة خشية غضب الصليبيين، أو خشية إغضاب الفصائل والأحزاب والهمج الرعاع أتباع كل ناعق من عوام الناس، فقد وقعوا في عين ما وقع فيه اليهود من قبل بحكمهم بغير ما أنزل الله خشية الناس، كما قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].

فهؤلاء أيضا لا يمكنهم أن يحكّموا الشريعة يوما، لأنهم ينتظرون إذن عوام الشعوب وعموم الفصائل والأحزاب لهم، وهذا ما لن يكون لأن كلا من أولئك يسيّره هواه، ويرجو الدنيا وهو غافل عن الآخرة، ولا يقبل أن يتحمّل تبعات تحكيم الشريعة من إغضاب للمشركين وحربهم لإزالة حكم الشريعة.

• هذه الفصائل التي تحدّثنا عنها ترى أنها لا تستطيع أن تفرض أحكام الشريعة على الناس فرضا، بل تسعى لأن يكون تحكيم الشريعة نابعا من رضاهم فيستجيبوا له، ويدافعوا عنه، فيظنّون أن عليهم إرضاء الناس مهما كان حالهم في السوء، هل لك تعليق على تصوّرهم الفاسد؟

بداية يجب أن نعلم أن من يرفض تحكيم شرع الله فهو كافر بالله العظيم، بالإجماع، لقوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، ثم يجب أن نعلم أن تحكيم شرع الله أمر من الله يجب العمل به وعدم اتّباع رضا الناس فيه، لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} [المائدة: 49].

فإن أقمنا حكم الشريعة نجد أن حال الناس ينقسم بين راض بهذا الحكم وهو المسلم، ومعلن لرفضه وهو الكافر الظاهر، ومستخفٍ بكرهه لتحكيم الشريعة وهو المنافق، وكلّ يعامل بما له، فالمسلم يوالى، والكافر يعادى ويحارب، والمنافق يعامل بظاهره وهو الإسلام حتى يظهر كفره فيعامل كالزنادقة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(٢/٥)
• خلال القرن الماضي ظهرت كثير من التنظيمات والحركات التي تزعم سعيها لتحكيم الشريعة في الأرض، ورغم ذلك لم تنجح أيّ منها في ذلك، ولم تحكّم شريعة الله كاملة إلا في ظل الدولة الإسلامية التي نعيش فيها اليوم، وبعض الناس لا يعلم الأسباب وراء فشل تلك الطوائف في الوصول إلى تحكيم الشريعة، فنرجو شرحها لهم.

لبحث موضوع هذه الطوائف باختصار، يجب أن نعرف أصلا هامّا في دين الله، وهو أن الوسيلة لا تبرّرها صحّة الغاية، بل نقول إن الضلال في الوسائل قد يفضي إلى الشرك كما أن الضلال في الغايات قد يفضي إليه أيضا، فأكثر المشركين إنما أوقعهم في الشرك اتخاذهم وسائل شركية للوصول إلى غاية صحيحة وهي التقرب إلى الله، بأن دعوا غير الله تعالى ليقربهم إليه بزعمهم، كما وصفهم الله تعالى بقوله: {ألا للّه الدّين الخالص والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} [الزمر: 3]، وهكذا فعل كثير من التنظيمات والحركات المرتدة المنتسبة إلى الإسلام، فقد نادت بتحكيم الشريعة وهي غاية صحيحة نبيلة، ولكن استزلّهم الشيطان فاتخذوا للوصول إلى تلك الغاية وسيلة شركية وهي الديموقراطية، فشاركوا فيها، أو طالبوا بها، فصاروا بذلك مشركين بالله العظيم، لأن التصريح بالموافقة على الديموقراطية، أو العمل بها فعل مكفّر يصير به العبد مرتدا، حتى لو لم يستحلّه، لأن الديموقراطية مناقضة للتوحيد لما تتضمنه من أقوال والتزامات وأفعال كفرية كثيرة.

ويزداد هذا الحكم عليهم وضوحا إذا علمنا أنهم يطالبون بالديموقراطية وينادون بها إرضاء للمشركين في الدول الصليبية وطاعة لهم في شركهم، وقد قال الله تعالى: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} [الأنعام: 121].

فهؤلاء المشركون لا يمكن أن يقيموا الدين أو يحكّموا شريعة الله في الأرض، ولو حكموا أجزاء منها، وهو ما يسعون إليه من خلال الديموقراطية، بل وجدنا منهم من صارت الوسيلة عنده هي الغاية بعد وصوله إلى الحكم، فما عادوا يستحون من التصريح بالحفاظ على الديموقراطية والعلمانية والقوانين الوضعية، بعد أن كانوا يزعمون أن الديموقراطية وسيلتهم إلى تحكيم الشريعة والقضاء على العلمانية.

• ليست كل الطوائف المقصودة في السؤال ممن شاركوا في الديموقراطية أو نادوا بها، فمنهم من يعلن تكفير الديموقراطية وإن كان -لما حمله من عقائد غلاة الجهمية- لا يكفّر فاعلها، فنرجو أن توضّح للقارئ لم عجزت هذه الطوائف عن تحكيم الشريعة.

ذكرنا أن السبب الأهم وراء دخول تلك التنظيمات والحركات في شرك الديموقراطيين إنما هو طاعتهم للمشركين في الدول الصليبية، والسعي لاسترضائهم، لأنهم يظنون أنه لا يمكن أن يصلوا إلى الحكم بغير رضاهم، فصاروا يوالون المشركين طلبا لرضاهم ولمساعدتهم في الوصول إلى الحكم، فهذا الضلال في جانب الولاء والبراء أدى بهم إلى الشرك في الحاكمية.

وعلى الجانب الآخر نجد النموذج الآخر من التنظيمات والحركات التي عنيتها بكلامك، يعلنون رفضهم للديموقراطية، وقد لا يرجون دعما وتأييدا من الدول الصليبية لهم، ولكنهم يخافون من غضب الصليبيين عليهم إن هم حكّموا الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها، وفي الوقت نفسه يرجون تأييد الشعوب وبقية الأحزاب والفصائل لهم، كي يتّقوا بهم ضرر الدول الصليبية إن هي عزمت على إيذائهم، ويخشون من وقوفهم في صف الصليبيين ضدهم وخروجهم عليهم في شكل صحوات أو ما شابهها، ولذلك يعطلون تحكيم الشريعة في مناطقهم بانتظار أن ترضى عن الشريعة تلك الأحزاب والفصائل، ولسان حال هذه الطوائف المدّعية للشريعة أن هذه الأحزاب والفصائل غير راضية عن تحكيم شريعة الله، مما يستوجب جهادها لا إرضاءها.

وفي الحالتين، أي عدم تحكيمهم للشريعة خشية غضب الصليبيين، أو خشية إغضاب الفصائل والأحزاب والهمج الرعاع أتباع كل ناعق من عوام الناس، فقد وقعوا في عين ما وقع فيه اليهود من قبل بحكمهم بغير ما أنزل الله خشية الناس، كما قال الله تعالى: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا النّاس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44].

فهؤلاء أيضا لا يمكنهم أن يحكّموا الشريعة يوما، لأنهم ينتظرون إذن عوام الشعوب وعموم الفصائل والأحزاب لهم، وهذا ما لن يكون لأن كلا من أولئك يسيّره هواه، ويرجو الدنيا وهو غافل عن الآخرة، ولا يقبل أن يتحمّل تبعات تحكيم الشريعة من إغضاب للمشركين وحربهم لإزالة حكم الشريعة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(٢/٥)
• خلال القرن الماضي ظهرت كثير من التنظيمات والحركات التي تزعم سعيها لتحكيم الشريعة في الأرض، ورغم ذلك لم تنجح أيّ منها في ذلك، ولم تحكّم شريعة الله كاملة إلا في ظل الدولة الإسلامية التي نعيش فيها اليوم، وبعض الناس لا يعلم الأسباب وراء فشل تلك الطوائف في الوصول إلى تحكيم الشريعة، فنرجو شرحها لهم.

لبحث موضوع هذه الطوائف باختصار، يجب أن نعرف أصلا هامّا في دين الله، وهو أن الوسيلة لا تبرّرها صحّة الغاية، بل نقول إن الضلال في الوسائل قد يفضي إلى الشرك كما أن الضلال في الغايات قد يفضي إليه أيضا، فأكثر المشركين إنما أوقعهم في الشرك اتخاذهم وسائل شركية للوصول إلى غاية صحيحة وهي التقرب إلى الله، بأن دعوا غير الله تعالى ليقربهم إليه بزعمهم، كما وصفهم الله تعالى بقوله: {ألا للّه الدّين الخالص والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفى} [الزمر: 3]، وهكذا فعل كثير من التنظيمات والحركات المرتدة المنتسبة إلى الإسلام، فقد نادت بتحكيم الشريعة وهي غاية صحيحة نبيلة، ولكن استزلّهم الشيطان فاتخذوا للوصول إلى تلك الغاية وسيلة شركية وهي الديموقراطية، فشاركوا فيها، أو طالبوا بها، فصاروا بذلك مشركين بالله العظيم، لأن التصريح بالموافقة على الديموقراطية، أو العمل بها فعل مكفّر يصير به العبد مرتدا، حتى لو لم يستحلّه، لأن الديموقراطية مناقضة للتوحيد لما تتضمنه من أقوال والتزامات وأفعال كفرية كثيرة.

ويزداد هذا الحكم عليهم وضوحا إذا علمنا أنهم يطالبون بالديموقراطية وينادون بها إرضاء للمشركين في الدول الصليبية وطاعة لهم في شركهم، وقد قال الله تعالى: {وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} [الأنعام: 121].

فهؤلاء المشركون لا يمكن أن يقيموا الدين أو يحكّموا شريعة الله في الأرض، ولو حكموا أجزاء منها، وهو ما يسعون إليه من خلال الديموقراطية، بل وجدنا منهم من صارت الوسيلة عنده هي الغاية بعد وصوله إلى الحكم، فما عادوا يستحون من التصريح بالحفاظ على الديموقراطية والعلمانية والقوانين الوضعية، بعد أن كانوا يزعمون أن الديموقراطية وسيلتهم إلى تحكيم الشريعة والقضاء على العلمانية.

• ليست كل الطوائف المقصودة في السؤال ممن شاركوا في الديموقراطية أو نادوا بها، فمنهم من يعلن تكفير الديموقراطية وإن كان -لما حمله من عقائد غلاة الجهمية- لا يكفّر فاعلها، فنرجو أن توضّح للقارئ لم عجزت هذه الطوائف عن تحكيم الشريعة.

ذكرنا أن السبب الأهم وراء دخول تلك التنظيمات والحركات في شرك الديموقراطيين إنما هو طاعتهم للمشركين في الدول الصليبية، والسعي لاسترضائهم، لأنهم يظنون أنه لا يمكن أن يصلوا إلى الحكم بغير رضاهم، فصاروا يوالون المشركين طلبا لرضاهم ولمساعدتهم في الوصول إلى الحكم، فهذا الضلال في جانب الولاء والبراء أدى بهم إلى الشرك في الحاكمية.

وعلى الجانب الآخر نجد النموذج الآخر من التنظيمات والحركات التي عنيتها بكلامك، يعلنون رفضهم للديموقراطية، وقد لا يرجون دعما وتأييدا من الدول الصليبية لهم، ولكنهم يخافون من غضب الصليبيين عليهم إن هم حكّموا الشريعة في المناطق التي يسيطرون عليها، وفي الوقت نفسه يرجون تأييد الشعوب وبقية الأحزاب والفصائل لهم، كي يتّقوا بهم ضرر الدول الصليبية إن هي عزمت على إيذائهم، ويخشون من وقوفهم في صف الصليبيين ضدهم وخروجهم عليهم في شكل صحوات أو ما شابهها، ولذلك يعطلون تحكيم الشريعة في مناطقهم بانتظار أن ترضى عن الشريعة تلك الأحزاب والفصائل، ولسان حال هذه الطوائف المدّعية للشريعة أن هذه الأحزاب والفصائل غير راضية عن تحكيم شريعة الله، مما يستوجب جهادها لا إرضاءها.

وفي الحالتين، أي عدم تحكيمهم للشريعة خشية غضب الصليبيين، أو خشية إغضاب الفصائل والأحزاب والهمج الرعاع أتباع كل ناعق من عوام الناس، فقد وقعوا في عين ما وقع فيه اليهود من قبل بحكمهم بغير ما أنزل الله خشية الناس، كما قال الله تعالى: {إنّا أنزلنا التّوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النّبيّون الّذين أسلموا للّذين هادوا والرّبّانيّون والأحبار بما استحفظوا من كتاب اللّه وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا النّاس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا ومن لم يحكم بما أنزل اللّه فأولئك هم الكافرون} [المائدة: 44].

فهؤلاء أيضا لا يمكنهم أن يحكّموا الشريعة يوما، لأنهم ينتظرون إذن عوام الشعوب وعموم الفصائل والأحزاب لهم، وهذا ما لن يكون لأن كلا من أولئك يسيّره هواه، ويرجو الدنيا وهو غافل عن الآخرة، ولا يقبل أن يتحمّل تبعات تحكيم الشريعة من إغضاب للمشركين وحربهم لإزالة حكم الشريعة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 51 حوار: أمير ديوان القضاء مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام ...

صحيفة النبأ العدد 51
حوار:
أمير ديوان القضاء
مرتدو الصحوات طوائف ممتنعة عن أحكام الشريعة

(١/٥)
• نرجو أن تشرح العلاقة بين إقامة الدولة الإسلامية وتحكيم الشريعة وتطبيق الحدود.

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد...

إن تحكيم شريعة الله في الأرض شرط من شروط إسلامية الدولة، فإذا أطلق مسمّى «الدولة الإسلامية» فإنه يتضمن أن هذه الدولة تحكم بشريعة الإسلام، وعندما نتكلم عن الشريعة في هذا المجال فإننا نقصد أحكام الشريعة كاملة، فهي بهذا المفهوم تتجاوز مجرد إقامة الحدود، وإن كان هذا الأمر -وهو إقامة الحدود- قد صار اليوم دليلا وشعارا على تحكيم الشريعة.

ولا شك أن هناك ارتباطا وثيقا بين المفهومين، وأقصد بذلك تحكيم الشريعة وإقامة الحدود، ولنا على ذلك دليل من كلام الله -عز وجل- حيث ورد هذا الارتباط كسبب لنزول قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، إذ نزلت هذه الآية في اليهود الذين بدّلوا حدّاً من حدود الله، وهو حد الزاني المحصن، من الرجم كما أمرهم الله في التوراة، إلى الجلد والتحميم كما أمرهم أحبارهم لخشيتهم من الناس واسترضاء لهم، فجاء بيان رب العزة -جل وعلا- أن من غيّر حدا من حدود الله واستبدل به عقوبة أخرى، فإنه قد حكم بغير ما أنزل الله، وصار من الكافرين.

وكذلك لدينا دليل حسي مشهود على هذا الارتباط من أحكام المشركين الوضعية، فالدول الصليبية -مثلا- رغم أنها تحكم بالأهواء وآراء الرجال، فإن أحكامهم تتشابه مع بعض أحكام الشريعة أحيانا، على سبيل المصادفة، أو على سبيل ما بقي لديهم من شرائع كتبهم، أو مما أعجبهم من أحكام الشريعة ووجدوا أن من المنفعة لهم الأخذ بها، ولكننا نجد في المقابل أنهم يشنون حربا شعواء على تطبيق الحدود الشرعية كما أنزلها الله، ويعدونها مناقضة لـ «حقوق الإنسان» كما وضعوها هم، وبالتالي استجاب لذلك كثير من أوليائهم، فصاروا عندما يذكرون تحكيم الشريعة يصرحون بأنهم سيستندون في قوانينهم الوضعية على «مبادئ الشريعة الإسلامية»، ويقصدون بذلك أنهم يأخذون من أحكام الإسلام ما يقر به المشركون أو ما يقر به كل البشر تقريبا، من وجوب العدل، وحفظ النفس والمال، وما شابه، فلا يطبقون من أحكام الإسلام إلا ما يأذن به المشركون وعلى رأسهم الدول الصليبية، ويستثنون بالتالي إقامة الحدود الشرعية، وخاصة حدود السرقة والزنا، لما فيها من تناقض مع مواثيق المنظمات الكفرية الدولية، كالأمم المتحدة وغيرها.

• كثير من الدول الطاغوتية الموالية للصليبيين تصر على وصف نفسها بأنها «إسلامية» رغم أنها تحكم بغير ما أنزل الله، فنرجو أن تشرح الغاية من وراء هذه الدعوى الكاذبة.

تسمية الدول التي لا تحكم بالشريعة بـ»دول إسلامية» هو من قبيل تسمية الأشياء بغير اسمها، لتحريف حكمها، كما بيّن عليه الصلاة والسلام: (إن أناسا من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها) [رواه أحمد والنسائي]، وهذه من ألاعيب الشيطان أنه يزيّن القبيح بتغيير اسمه، كما فعل مع الشجرة التي نُهي آدم -عليه السلام- عن الأكل منها، فسمّاها بشجرة الخلد لكي يزين لآدم معصية الله بالأكل منها، وهكذا يفعل علماء السوء اليوم بتسمية هذه الدول الطاغوتية الكافرة بالدول «الإسلامية» ليزينوها في أعين الناس وليدعوا الناس إلى اتباعها في الكفر.

وكما أن الفرد لا ينفعه ادعاء الإسلام مع ارتكابه النواقض، فكذا لا ينفع الدول ادعاء الإسلام مع ارتكابها ناقض الحكم بغير ما أنزل الله، بل تسمّى دولا مرتدة، كما يسمى الفرد مرتدا إذا ارتكب ناقضا، وكفره أعظم من كفر الكافر الأصلي.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الحوار كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

مرحلة جديدة من الحملة الصليبية ضد الدولة الإسلامية جنود الصليب على الأرض في بادية الشام • ...

مرحلة جديدة من الحملة الصليبية ضد الدولة الإسلامية
جنود الصليب على الأرض في بادية الشام

• النبأ – ولاية دمشق - خاص

مع بداية الصراع في الشام استشعر طواغيت الأردن ومن خلفهم أمريكا الصليبية الخطر المتنامي للمجاهدين على حدودهم المصطنعة.

الانسحابات السريعة لحرس الحدود النصيري جعلت الأردن في مواجهة مباشرة مع الخطر القادم من الحماد الشامي، هذا الخطر استدعى إنشاء بديل لتلك المخافر التي كان ينشرها النصيرية، ليقع الخيار بدايةً على مجموعة محدودة من العملاء الأشد فسادا والأكثر ردة من أمثال (ضبع الضمير) و(أبي ممدوح سمونة)، اللذين كانا مع الهالك (بكور السليم)، ليكونوا النواة الأولى لاستقطاب مجموعات الردة في القلمون الشرقي والحماد الشامي.

السياسة التي عملت دول التحالف الصليبي عليها كانت عبر مراحل تتطور تباعا، اعتمادا على مقدار ما تظهره الصحوات من الولاء للصليب، حيث اقتصر الدعم الصليبي بدايةً على القليل من السلاح وبعض المبالغ المالية للقادة (بكور والضبع وسمونة)، ليتطور في المرحلة اللاحقة إلى دورات تدريبية تقام داخل الأردن في القواعد الصليبية، ودعم كبير بالسلاح، ثم زيادة أعداد الملتحقين بالدورات، ولكن ما لم يكن يتوقعه عُبّاد الصليب أن يتوب بعض العناصر الذين تم تدريبهم وإنفاق الأموال على تسليحهم، ويسلموا أنفسهم للدولة الإسلامية.

مرحلة جدية بسياسة جديدة (الفحص)

اعتمدت دول الصليب في هذه المرحلة على فحص الصحوات عبر إنشاء معسكرات قرب الحدود وفحصهم للتأكد من جهوزيتهم لقتال الدولة الإسلامية، ثم إدخال من ينجح في الفحص إلى الأردن، حيث سيحصل المفحوصون خلال تلك الدورات على مختلف التجهيزات الأمريكية، من مناظير الليلة، وأسلحة ثقيلة، وصواريخ تاو المضادة للدروع، وراجمات الصواريخ، وغيرها.

ولكن رغم ذلك الدعم الكبير بأحدث الأسلحة لم يستطع المفحوصون وقف تقدم الدولة الإسلامية نحو هدفها في طرق أسوار دمشق، واقتصر دور المرتدين في الغالب على الظهور في منطقة الحماد الشامي، وتصوير معارك وهمية يعلنون فيها الاشتباك مع جنود الخلافة، كما حصل في مناطق (سيس ومكحول ومطوطة وظاظا) وغيرها، لتكون الضربة الكبرى للخطط الصليبية في معركة البوكمال، التي طبّل لها الصحوات كثيرا، ولكنهم فشلوا فيها، وتلقوا ضربة قاصمة لظهورهم، قبل أن يحققوا أي شيء، وشاهد أسيادهم الأمريكيون السلاح الذي سلموه للمفحوصين وهو بيد المجاهدين وقد غنموه عنوة من المفحوصين.

صبر التحالف الصليبي بدأ ينفد

لم تستطع دول التحالف الصليبي البقاء متفرجة وهي تشاهد أذنابها يتجرعون الهزيمة تلو الأخرى، والدولة الإسلامية تتقدم في القلمون الشرقي وتدق رقاب الصحوات، فبعد أن سيّرت عدة أرتال من الصحوات لمحاولة الوصول إلى القلمون الشرقي وإمداد المفحوصين هناك دون جدوى، جاء القرار بالتدخل المباشر لمؤازرة مرتدي الصحوات مباشرة من قبل الجيش الأمريكي وجنود الطاغوت في الأردن، وذلك تحت تغطية من طيران التحالف الصليبي.

اختار التحالف الصليبي قرية العليانية وهي مكان بعيد عن الجبهات، وخالٍ تقريبا من التواجد العسكري للدولة الإسلامية، إلا من بعض المكلّفين بأعمال غير عسكرية، ومفرزة صغيرة ترابط على مقربة من القرية.

مصدر إعلامي من ولاية دمشق كشف لـ (النبأ) بعض أحداث العملية التي بدأت بتمهيد كثيف من الطيران الصليبي على بيوت القرية، تلاه اقتراب طائرات أباتشي من المنزل لتقوم بتمشيطه بالرشاشات دون إصابات للإخوة الموجودين في داخله، لتهبط 3 طائرات إنزال بحماية من طائرات الأباتشي ويحاول الجنود اقتحام المنزل الذي يتحصن فيه الإخوة، الذين أبوا إلا أن ينكلوا بأعداء الله، في الوقت الذي كانت فيه قوات مرتدي الصحوات تتقدم للإحاطة بالقرية برا.

حيث قدمت أرتال من الصحوات من الحماد الشامي إلى أطراف العليانية بالتزامن مع الإنزال الصليبي وقامت باستهداف القرية براجمات الصواريخ والأسلحة الرشاشة ثم انهزموا مدبرين مع انتشار جنود الخلافة في محيط القرية.

بعد 4 ساعات من الاشتباكات قُتل الإخوة الثلاثة المتحصنون في المنزل، وانسحبت طائرات الإنزال بعد تراجع مرتدي الصحوات عن أطراف القرية.

المصدر أوضح لـ (النبأ) أن الجنود الذين أنزلتهم الطائرات داخل القرية هم في الغالب قوة مشتركة من الجنود الأمريكيين وجنود طاغوت الأردن، فمن عادتهم تنفيذ عمليات مشتركة بهذه الطريقة، كما نقل لنا شهادات شهود عيان وصلوا إلى مكان الاشتباك بعد انسحاب القوة المهاجمة عن قرائن تشير إلى اشتباكات عنيفة جرت في المكان، كما أكد الشهود أيضا رؤيتهم آثار دماء خارج المنزل، مما يرجح وقوع قتلى أو إصابات في صفوف المشركين، ويقدم تفسيرا آخر لانسحاب القوة المهاجمة من الموقع.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
24 شعبان 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً