عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله، ...

عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

(من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة)، فقال أبو بكر رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها، قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم). [متفق عليه] ...المزيد

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511 الافتتاحية: منزلة الشهادة لا شيء يكثر الحديث عنه في ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 511
الافتتاحية:

منزلة الشهادة

لا شيء يكثر الحديث عنه في ميادين الجهاد وثغور الرباط مثل الشهادة، وهي منزلة عظيمة ودرجة عالية رفيعة، معراجها الدماء وصداقها الأشلاء، يطلبها الكثيرون ولا ينالها إلا الأنقياء، إذْ أنها محض اصطفاء كما أخبر المولى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ}، فما كل من خطبها أجابته ولا كل من تمنّاها أتته، ولكن من يصدق الله يصدقه.

وقد تواترت نصوص الوحيين في فضلها والترغيب فيها، وتتابعت أقوال الأئمة في بيان أحكامها ومنازلها، وتوالت قوافل المجاهدين تسعى خلفها وتجاور المنايا لأجلها، تتمناها وتبذل لها غاية جهدها، وكلما سمعت هيعة أو فزعة طارت إليها تطلبها في مظانها، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.

وفي أسباب تسمية الشهيد تكاثرت أقوال العلماء وتقاطرت، قال ابن حجر في الفتح: "اختُلف في سبب تسمية الشهيد شهيدا، فقال النضر بن شميل: لأنه حي فكأنّ أرواحهم شاهدة أي حاضرة، وقال ابن الأنباري: لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة، وقيل: لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة، وقيل: لأنه يشهد له بالأمان من النار، وقيل: لأن عليه شاهدا بكونه شهيدا، وقيل: لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة، وقيل: لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل، وقيل: لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة، وقيل: لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتّباع، وقيل: لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه، وقيل: لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره، وقيل: لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة، وقيل: لأنه مشهود له بالأمان من النار". أهـ. وقد وردت أقوال غيرها كلها تقطر فضلا وتدرّ أجرا وفخرا.

وإنّ أنفس العقود وأبرها وأوثقها عقد الشهيد وصفقته مع ربه تبارك وتعالى، ولذلك أكدها الله بأنواع المؤكدات في كتبه المنزلة على أولي العزم من رسله فقال سبحانه: {وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ}، قال ابن كثير: "إذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة، فانظر إلى المشتري من هو؟ وهو اللّه جل جلاله، وإلى العوض وهو أكبر الأعواض وأجلها، جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس، والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان ، وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع وهو أشرف الرسل، وبأي كتاب رقم وهي كتب اللّه الكبار المنزلة على أفضل الخلق". اهـ.

ولمّا كان الموت مصير كل حي، كان الأجدر بمن ملأ اليقين قلبه، أن يبادره قبل أن يباغته، وأن يطارده قبل أن يداهمه، وأن يختار له أرجى الطرق وأجداها وأجودها، وهو القتال في سبيل الله، ذودا عن حياض الدين وحرمات المسلمين، وما أعذب الموت في هذا السبيل المبرور، فلقد كان أمنية خير الخلق وأتقاهم نبينا -صلى الله عليه وسلم- القائل: (والذي نفسي بيده لوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل) [متفق عليه]، وقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه: "باب تمني الشهادة".

كما تمناها وسعى إليها صفوة الخلق بعد الأنبياء -عليهم السلام- الصحابة الكرام الذين باعوا أنفسهم لله وطلّقوا الدنيا وبتّوا طلاقها وطلبوا الشهادة في مواطنها، فاشتروا أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، سعيا في نيل منزلتها، خير المنازل عند الله تعالى، لا تعلوها إلا منزلة الأنبياء والصديقين، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- دار الشهداء في الجنة فقال: (رأيت الليلة رجلين أتياني فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل، لم أرَ قط أحسن منها، قالا: أما هذه فدار الشهداء). [البخاري].

وأما مصير أرواح الشهداء بعد مقتلهم فأكرم به من مصير، قال الإمام ابن كثير: "خبّر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قُتلوا في هذه الدار، فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار، في حواصل طير خضر، فهي كالكواكب بالنسبة إلى أرواح عموم المؤمنين فإنها تطير بأنفسها" اهـ، وبيّن الإمام ابن رجب الفرق بين أرواح الشهداء وأرواح عموم المؤمنين في البرزخ: "أن أرواح الشهداء تخلق لها أجساد، وهي الطير التي تكون في حواصلها، ليكمل بذلك نعيمها ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة من الأجساد، فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله، فعُوِّضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ". اهـ.

ومن أعظم فضائل الشهيد أنه يؤمّن من فتنة القبر، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب ذلك، فأخرج النسائي في السنن: "أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، ما بالُ المؤمنين يُفتنون في قبورِهم إلَّا الشَّهيدَ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (كفَى ببارقةِ السُّيوفِ على رأسِه فتنةً)". فإنّ فتنة القبر تختبر صدق الإيمان، وثبوت المجاهد في مواطن التقاء السيوف وتطاحن الصفوف، خير دليل على صدق إيمانه، فكفته هذه تلك.وطالما شكّك أهل الوهن والعينة في طريق الجهاد والشهادة، مع أن الله تولى الرد عليهم بذاته العلية، قال ابن كثير: "لمّا كان من شأن القتال أن يُقتل كثير من المؤمنين، قال: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} أي: لن يُذهبها، بل يكثرها وينميها ويضاعفها، ومنهم من يجري عليه عمله في طول برزخه". اهـ.

ثم تدبر قوله تعالى: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} هل هو إلا سلوى للمؤمنين وبلسمٌ للسائرين على هذا الدرب، الذي يلاقي فيه المجاهد القابض على الجمر، ما يهدّ الجبال ويفتت جلامد الصخر، وهو مع ذلك ثابت لا يتزعزع ماض لا يتضعضع، وكأنها بشارة إلهية إلى عباده الغرباء الذين ينصر بهم ملته والناس عنهم صدود؛ أنّ الله سيصلح بالكم ويعوضكم أضعاف ما عانيتم وقاسيتم في درب الجهاد، ومن ذاق عرف، ولا يفقه القرآن مثل مجاهد.

وما هذه النصوص الثابتة إلا نزر يسير من غزير فضل الشهادة، نسوقها لنحرّك الأشواق إلى مصارع العشاق ونثير الغرام إلى دار السلام، فهبّوا للجهاد حماة الإسلام، تقافزوا للمنون وتواثبوا إلى الطعان، وانفروا خفافا وثقالا، وتذكروا أن الشهادة منازل تتفاضل، ألا فتنافسوها كما تنافسها الربّيون قبلكم، وكلهم من باب الإخلاص جازوا فما كل قتيل في الصف شهيد، والله أعلم بمن يقاتل في سبيله، وهذا الذي عليه العهدة، فيا وليّ الإسلام وأهله مسّكنا بالإسلام حتى نلقاك عليه مقبلين غير مدبرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ
...المزيد

اسم الله (العليّ) الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، المتضمنة للصفات العلى، والصلاة والسلام على ...

اسم الله (العليّ)

الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، المتضمنة للصفات العلى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي قدَر الله حق قدره، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...

فإن من أسماء الله تعالى "العليّ"، فهو العلي على خلقه، الذي استوى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وتحت السماوات الأرضون السبع، وكل خلقه يسبحون بحمده، ويسجدون له طوعاً وكرهاً، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) [رواه البخاري]، وقال البخاري رحمه الله: "قال أبو العالية {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارتفع {فَسَوَّاهُنَّ} خلقهن، وقال مجاهد {اسْتَوَى} علا على العرش".

الله -تعالى- رب كل شيء وهو أعلى من كل شيء، { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } [الأعلى: 1 - 5].

وهو -تعالى- عظيم أعظم من كل شيء، مع علوه على كل شيء، { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُہُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُہُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255]، ختم الله -عز وجل- أعظم آية في القرآن بهذين الاسمين العظيمين {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} لنربط كل ما ذُكر فيها من أسمائه وصفاته وأفعاله بعلوه -عز وجل- وعظمته.

وهو -تعالى- مع علوه يعلم كل شيء؛ ما غاب عن الناس وما شهدوه لا تخفى عليه خافية، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، هو -سبحانه- الكبير أكبر من كل شيء، الذي تعالى على كل شيء، وتعالى عن أن يماثله شيء من خلقه في ذاته أو أفعاله أو صفاته وآثارها.


• معاني العلو:

العلو ثابت لله -تعالى- من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو الشأن، وعلو القهر. قال ابن القيم، رحمه الله تعالى:
وله العلوُّ من الوجوه جميعِها
ذاتاً وقدراً معْ علوِّ الشانِ

• فعلو الذات، علوه على خلقه كلهم، مع بينونته عنهم، يُنزل على عباده ما يشاء من خيرات الدين والدنيا، ما به تزكو قلوبهم وتصلح أعمالهم ومعايشهم، فأنزل كتابه الكريم، قال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِہِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1]، وهو سبحانه { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِہِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِہِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [النحل: 2]، وقال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]، وقال تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [تبارك: 16].

• وأما علو الشأن ومعناه: علو القدر والصفات، فلله -تعالى- الأسماء الحسنى والصفات العلا، وله -سبحانه- الكمال المطلق من كل الوجوه، ليس في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله نقص ولا عيب، فتعالى الله عما يصفه أهل الشرك والضلال، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.

• وأما علو القهر، فيقول الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 18]، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "ويعني بقوله: { القَاهِرُ }، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم، وإنما قال: { فَوْقَ عِبَادِەِ }، لأنه وصف نفسه -تعالى ذكره- بقهره إياهم، ومن صفة كلِّ قاهرٍ شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً: والله الغالب عبادَہ، المذلُّ لهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه، { وَهُوَ الحَكِيمُ }، يقول: والله الحكيم في عُلُوِّہ على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره، { الخَبِيرُ } بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا تخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل" [جامع البيان في تأويل القرآن].

فالله -تعالى- لا مغالب له ولا منازع، تجري أحكامه على خلقه، فلا يملكون إلا الرضوخ لها، ويوفق الله أهل الإيمان للرضا بها والتسليم لحكمته البالغة.إيمان أهل السنة والجماعة بعلو الله على خلقه
وقد هدى الله -عز وجل- أهل السنة والجماعة -وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان- للإيمان بعلو الله -تعالى- بجميع المعاني السابقة، ومنها إيمانهم بأنه -تعالى- فوق عرشه بائن من خلقه، وأنه استوى على عرشه، استواءً يليق بجلاله، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وعرشه فوق السماوات السبع.


• أقوال للسلف في إثبات صفة العلو:

روى الإمام الدارمي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه استأذن على عائشة -رضي الله عنها- وهي تحتضر فقال: "كنتِ أحبَّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب إلا طيبا، وأنزل الله -تعالى- براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين".

وروى الحاكم عن الأوزاعي -رحمه الله تعالى- قال: "كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله -عز وجل- فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".

وروى الخلال عن إسحاق بن راهويه أنه قال: قال الله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.

قال الإمام ابن عبد البر، رحمه الله: "وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل -أي التفسير- قالوا في تأويل قوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد].


• إنكار السلف على من نفى صفة العلو:

إن المبتدعة الذين ينفون صفة العلو عن الله -عز وجل- ينفون أيضاً استواءه على عرشه:

• قيل ليزيد بن هارون: من الجهمي؟ قال من زعم أن قوله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي" [السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد].

• وسُئل أبو زرعة الرازي عن تفسير { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } فغضب وقال: تفسيره كما تقرأ، هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، من قال غير هذا فعليه لعنة الله" [ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الأنصاري].

• وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: "فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سماواته وبان من خلقه فإنما يعبد غير الله ولا يدري أين الله" [الرد على الجهمية].

• وقال الدارمي أيضا: "فمن آمن بهذا القرآن الذي احتججنا منه بهذه الآيات وصدق هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي روينا عنه هذه الروايات لزمه الإقرار بأن الله بكماله فوق العرش فوق سماواته، وإلا فليحتمل قرآنا غير هذا فإنه غير مؤمن بهذا".

وأخيرا: فهذا هو تعظيم السلف لله عز وجل، وتعظيمهم لصفاته، وشدة إنكارهم على من نفاها، واعتبارهم تأويل الصفات تعطيلا لها، وأن من عطل صفة واحدة منها فهو جهمي.

هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا "وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما ...

الفرق بين الشجاعة والقوة الصدّيق نموذجا

"وكثيرٌ من الناس تشتبه عليه الشجاعة بالقُوَّة، وهما متغايران، فإن الشجاعة هي ثباتُ القلب عند النوازل، وإن كان ضعيف البطش، وكان الصِّدِّيق أشجع الأُمَّة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عُمَرُ وغَيْرُهُ أقوى منه، ولكن برز على الصحابة كلهم بثباتِ قلبه في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبِّتُهم ويشجِّعُهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قَلْبه يوم الغَار وليلته، وثبات قَلْبهِ يوم بَدْرٍ، وهو يقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله! كفاك بعض مناشدتك ربَّك؛ فإنه منجز لك ما وعدك"، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صَرَ خ الشيطان في الناس بأن مُحَمَّدًا قد قُتِل، ولم يبق أحدٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا دون عشرين في أُحدٍ، وهو مع ذلك ثابت القلْب، سَاكن الجَأْش، وثبات قلبه يوم الخندق، وقد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إن الصدِّيق ليثبِّتُه ويُسكِّنُه ويُطَمْئنُه، وثبات قلبه يوم حُنينٍ، حيث فرَّ الناس، وهو لم يفرّ، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزَّت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعُقِرَت لها أقدام الأبطال، وماجتْ لها قلوبُ أهل الإسلام، كموج البحر عند هُبُوْب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصِّيَاح، وخرج الناس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله تعالى بها أقطار الأرض عجَاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله تعالى لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، كيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهُرِهِم وحبيبهم، وطاشت الأحْلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشرأبَّ النفاق، ومدَّ أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول -صلى الله عليه وسلم- موضوعًا، وسَمِع المسلمون من أعداء الله تعالى ما لم يكن في حياته بينهم مَسْمُوعًا، وطمع عدوُّ الله أن يُعيد الناس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصدَّ قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهوُّد والتمجُّس والشرك وعبادة الصُّلبان، فشمَّر الصدِّيق من جِدِّه عن ساقٍ غير خوَّار، وانْتَضَى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظُهور عزائمه جوادًا لم يكن يَكْبُو السَّبَاق، وتقدَّم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنما همُّه اللَّحَاق، وقال: "والله لأجاهدنَّ أعداء الإسلام جَهْدِي، ولأَصدُقَنَّهُمُ الحرب حتى تنفرد سالفتي أو أفرد وحدي، ولأدْخِلَنَّهُم في الباب الذي خرجوا منه، ولأرُدَّنَّهُم إلى الحق الذي رغبوا عنه" فثبَّت الله تعالى بذلك القلب -الذي لو وُزِن بقلوب الأمة لرجَحَها- جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين والمرتدين وأهل الكتاب وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملَّة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولّى حزبُ الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذَّن الإيمان على رؤوس الخلائق: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

هذا؛ وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مذلولة مكسورة، تلك لعَمْر الله تعالى الشجاعة التي تضاءلت لها فُرْسَان الأمم، والهِمَّة التي تصاغرت عِنْدها عَلِيَّات الهِمَم، ويحقُّ لصدِّيق الأُمَّة أن يْضرِب من هذا المَغْنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوَّة بكمال التَّعْصِيْب، وقد كان الموروث صلوات الله تعالى وسلامه عليه أشجع الناس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمَّة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهمٌ من كِنَانَتِه، وخالد بن الوليد سلاحٌ من أسْلِحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنه يستمدُّ من ثباته وشجاعته".

الفروسية المحمدية / لابن القيم



• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 511
السنة السابعة عشرة - الخميس 12 ربيع الأول 1447 هـ

مقتطفات النبأ:
الفرق بين الشجاعة والقوة
الصدّيق نموذجا
...المزيد

قصة حديث: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة) قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل عمل ...

قصة حديث: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة)

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة) [رواه البخاري].

ولهذا الحديث قصة تشرحه وتوضح معناه، فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجل، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أما إنه من أهل النار)، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال: فخرج معه كلما وقف، وقف معه، وإذا أسرع، أسرع معه، قال: فجُرح الرجل جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض، وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه، فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول الله، قال: (وما ذاك؟)، قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجتُ في طلبه، ثم جُرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند ذلك: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة.. الحديث) [متفق عليه].

ولهذا على المسلم أن يسأل الله -عز وجل- الثبات على دينه كما كان يفعل خير الخلق، صلى الله عليه وسلم، وعليه ألا يأمن على نفسه الفتن، فيعمل بأسباب الثبات ويحرص عليها.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

راجع نفسك وحاسبها أخي المجاهد، اعلم أن على المسلم ألَّا يتبع هوى نفسه، وأن يراجعها ويردَّها ...

راجع نفسك وحاسبها

أخي المجاهد، اعلم أن على المسلم ألَّا يتبع هوى نفسه، وأن يراجعها ويردَّها إلى جادة الصواب إن هي انحرفت أو قصَّرت، ولن يعرف المجاهد انحرافها وتقصيرها إن كان غافلا عنها قليل المراجعة والتأنيب لها على ما فرطت به من معاصٍ وذنوبٍ وبعدٍ عن الحق، ولن تُردَّ هذه النفس إلى رشدها وصوابها إن كان صاحبها ساهيا غافلا قليل الذكر، لا يقرأ القرآن ولا يتدبَّر آياته، ولن تُردَّ إلى صوابها إن كان صاحبها لا يملك من العلم الشرعي ما يجعلها تسمو به إلى مرتبة أعلى.

كما أن على هذه النفس أن تتفقَّه في معاني الجهاد والرباط والصبر والمصابرة لتثبت على أمر ربها، والأعظم من هذا كلِّه أن تستشعر هذه النفسُ خشية الله والخوف من لقائه، فإن حرصتَ على أن توطِّن نفسك للقائه سبحانه، فلن ترضى أن تلقاه وهو ساخط عليك بل تتمنى أن تلقاه بنفس مطمئنة راضية مرضية، قال تعالى: { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } [الفجر: 27 - 28].

فعليك -أخي المجاهد- لبلوغ هذه المرتبة محاسبة نفسك أولا بأول، ومراقبتها في كل الأمور، وعلى رأسها:

• مراجعة النية في كل قول أو عمل.
• أداء الفرائض على أكمل وجه.
• دوام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• قيام الليل وأداء النوافل.
• قراءة القرآن وتدبُّر معانيه.
• المحافظة على أذكار الصباح والمساء.

أخي المجاهد، أنت أولى الناس بمراقبة نفسك، فقد حملت على عاتقك همَّ إيصال دعوة الأنبياء والمرسلين، وأنت تحمل هذه الرسالة براحة يدٍ وتحمل روحك بالأخرى لتقدِّمها رخيصةً لمولاها، كما أنك الأقرب من حياض الموت ومواطن الردى، فكم من مرة رجوت الله ودعوته مخلصا له الدين أن ينجِّيك لتعود لتصلح ما أفسدت من نفسك فلما أنجاك أتبعت نفسك هواها وعدت للتقصير.

أخي المجاهد، ذلَّ نفسك بين يدي مولاها وعُد إلى الله وتُب إليه كل يوم بل كل ساعة، واستغفر ربك لتفريطك في جنبه سبحانه، وضع لنفسك ميزانا تزن به أعمالها وتردها إلى صراطها المستقيم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية والمدن المحاصرة استخدم الصحوات المرتدون قضية حصار المدن وتجويع أهلها في ...

الدولة الإسلامية والمدن المحاصرة


استخدم الصحوات المرتدون قضية حصار المدن وتجويع أهلها في ملاحمهم البكائية التي يستجدون بها الدعم من مختلف الأطراف، فإذا سقطت المدن تحول بكاؤهم إلى ندب ونواح واستخدموا الحصار مجددا في تبرير سيطرة الجيش النصيري على المدن.

وإذا سُئل المرتدون عن سبب تمكن النظام من محاصرة المدن الكبرى لسنوات، حتى قبل التدخل الروسي، وعن سبب عدم إقدام فصائل الصحوات على فتح معارك كبرى لفك الحصار عن المدن المحاصرة، أجابوا بكل وقاحة أن سبب استمرار الحصار كان الدولة الإسلامية.

إن هذه الإجابة ليست مجرد وسيلة لتبرير الهزيمة، إذ أنها تخفي في طياتها جانبا كبيرا من الحقيقة، فالدولة الإسلامية بالنسبة للصحوات هي سبب الحصار، لا لأنها هي من كانت تفرض الحصار على تلك المدن كما يزعم المرتدون، فالواقع يكذبهم بالتأكيد، ولكن لأن الحصار بالنسبة إليهم تحول إلى وسيلة يتجنبون من خلالها وصول الدولة الإسلامية إلى تلك المدن، واتصالها بالأهالي هناك، ما قد يدفع كثيرا منهم إلى الالتحاق بصفوفها، أو يدفع حتى قسما من مقاتليهم إلى الاتصال بها طلبا للحق وسؤالا عنه، الأمر الذي كان سيهدد بقاء فصائلهم التي ببقائها يستمر الدعم المتدفق عليهم من أجهزة المخابرات، وبها يفرضون سلطتهم الجائرة على الضعفاء، فيحكمونهم بأهوائهم وشرائعهم الكفرية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الحصار تحول في كل مدينة إلى وسيلة لتمويل الفصائل، سواء من خلال أموال الداعمين الذين يمنعون المرتدين من القيام بعمل جاد لذلك، أو عن طريق سيطرتها على معابر التهريب وأنفاق العبور، حيث كانوا يشرفون على إدخال المواد ليفرضوا عليها المكوس الكبيرة، التي تجبى من دماء الأهالي المحاصرين، ليأكل قادة المرتدين بذلك من السحت الحرام، الذي عليه وعلى تمويل أجهزة المخابرات يعتاشون.

وإذا أردنا أن نمثل لكلامنا فلا أدل من حوادث المدن الكبرى كدمشق وحلب، فقد حوصرت دمشق منذ سنوات، ولم يكن صعبا كسر هذا الحصار من داخله، أي من قبل الآلاف من مقاتلي الصحوات القابعين داخله، أو من خارجه، وقد كانت فصائل الصحوات تحيط به من ثلاث جهات وبإمكانها قطع الطرق الرئيسية عن دمشق، ولكنها لم تفعل، إذ أن كل فصيل قد استولى على منطقة أو مدينة، ولا يهمُّه ما يحلُّ بغيرها من المناطق التي تخضع لسيطرة الفصائل المنافسة له، بل كان هذا الحصار بالنسبة إليه مكسبا لأنه يجنبه منافسة بعض الخصوم ويؤدي إلى إضعافها ما يغذي أحلامه بالسيطرة على الساحة من بعدها.

أما حلب فكان يمكن -بإذن الله- تجنبيها الحصار، بل ومحاصرة النصيرية داخلها بمجرد ضرب حواجز النظام الضعيفة في البادية، والسيطرة على طريق (حماة - حلب)، والتمكن بذلك من قطع شريان إمداد النظام الوحيد إلى المدينة.

وبالمثل فإن أولئك المرتدين لم يكونوا ليسمحوا بأن يكسر الطوق الذي يعزل مناطقهم عن مناطق الدولة الإسلامية بأية وسيلة، فقد رأينا فصائلهم في القلمون الشرقي المهادِنة للجيش النصيري منذ سنوات تتحرك بقوة لإفشال هجوم جيش الخلافة على المطارات والمواقع العسكرية التي تشكل الطوق الأول للقوات المحاصِرة لدمشق، مخافة أن يؤدي استمرار تقدم المجاهدين إلى كسر ذلك الطوق، وفكهم للحصار على مناطق الغوطة الشرقية التي هي مرتكز أكبر فصائل الصحوات في دمشق.

وكذلك فعلت صحوات ريف حلب الشمالي مرارا، في كل محاولة تقدم للمجاهدين تجاه قوات النظام التي تحاصر شرق حلب، فإنهم يبادرون إلى شنِّ هجمات مشاغلة في جبهاتهم لإجبار جيش الخلافة على وقف هجومه على الجيش النصيري، وليس بعيدا عنهم فعل مرتدي تنظيم القاعدة في الشام الذين عطلوا كل هجوم على ريف حماة الشمالي مخافة أن يؤدي نجاحه إلى قطع طريق (سلمية - خناصر) وتحقيق الاتصال بمناطق الدولة الإسلامية، ثم هاجموا مجاهدي الدولة الإسلامية الذين تسللوا إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي للإعداد لهجوم كبير على حماة من تلك الجهة متزامن مع هجوم جيش الخلافة على الهدف نفسه من جهة البادية.

حوصرت المدن، وسيطر عليها النظام، بعد سنوات من الطاعة المطلقة من الصحوات لمخابرات الطواغيت التي تمولهم، والتي ساقتهم تبعا لاتفاقاتها مع النظام النصيري والداعمين له، وأطاعوها فحصروا القتال بالدولة الإسلامية وجمدوا كل جبهاتهم ضد الجيش النصيري ليتفرغ لقتالها، ثم يعود إليهم، فيسلبهم المناطق التي حكموها بشريعة الطاغوت، وتتفكك الفصائل التي عبدوها من دون الله، وتتوقف الأموال التي كانت تضخ في جيوب قادة الفصائل المرتدين، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

عزة المسلمين في القادسية على أعتاب معركة القادسية بين جيش المسلمين وجيوش فارس، أرسل رستم قائد ...

عزة المسلمين في القادسية


على أعتاب معركة القادسية بين جيش المسلمين وجيوش فارس، أرسل رستم قائد جيش الأعداء يطلب مقابلة المسلمين، ليستوضح عن حالهم، وما جاء بهم.

فأرسل إليه سعد بن أبي وقاص ربعي بن عامر، رضي الله عنهما، الذي أدى إليه بكلام بليغ رسالة هذا الدين، وأوضح له سبب جهاد المسلمين.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: "قالوا: ثم بعث إليه سعد رسولا آخر بطلبه وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه وقد زيَّنوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي الحرير، وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة، وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضته على رأسه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت".

ويكمل ابن كثير وصف المشهد ويذكر ذلك الحوار العظيم الذي لخَّص الهدف وأبان السبب فيقول: "فقالوا له: ما جاء بكم؟ فقال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي"، فلم يكن الهدف تحرير أرض من احتلال أو طرد معتد غاصب، أو الطلب منه أن يسمح بنشر الدعوة تحت سلطان الكفار، بل أن تعلو أحكام الشريعة وتسوس الناس.

قال ابن كثير: "فقال رستم: قد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا؟ قال: نعم! كم أحب إليكم؟ يوما أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا، فقال: ما سنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، فقال: أسيدهم أنت؟ قال: لا: ولكنِ المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم".

هذا هو خطاب العزة الذي وجَّهه الصحابي الجليل ربعي، رضي الله عنه، فما أحوجنا إلى مثل هذا الخطاب ونحن نقارع الأمم، نعم إن الله ابتعثنا، وسينجز لنا ما وعدنا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الدولة الإسلامية / خذوا حذركم (3) العمل من خلال خطة العدو في حملات التوعية من الأمراض نجد ...

الدولة الإسلامية / خذوا حذركم (3)
العمل من خلال خطة العدو


في حملات التوعية من الأمراض نجد أن إجراءات الوقاية التي تنصح الجهات الصحيَّة باتباعها لتجنب العدوى من مرض ما لا بد وأن يكون فيها اختلاف عن تلك التي تنصح باتباعها لتجنب العدوى بمرض آخر، وذلك اعتمادا على معرفة علماء الأحياء بنمط حياة كل فيروس داخل الجسم الذي يتمكَّن منه، وطريقة انتقاله إلى الأجسام السليمة الأخرى، وتعرفهم بذلك على الإجراءات التي قد تقلل من فرص وصوله إلى الجسم عبر المنافذ التي يمكنه اختراقها.

وعلى هذا الأساس أيضا يبني علماء الأمن الإلكتروني الخطط الأمنية لتأمين الحواسيب والشبكات من الفيروسات الإلكترونية التي قد تغزوها، أو المخترقين الذين قد يحاولون الولوج إليها بنية التجسس أو التخريب، وذلك بناء على دراسة أساليب عمل المخترقين، وآلية عمل الفيروسات، وبالتالي اعتماد خطط مضادة لها، تقوم على تحصين نقاط الضعف، وسد الثغرات، ووضع آليات للتنبيه عند حدوث هجمات، لتبدأ الإجراءات الدفاعية من قبل المختصين في أمن المعلومات للشركة أو المنظمة.

وبالمثل نجد أن أجهزة المخابرات الخبيرة تبذل كل ما تستطيع من إمكانيات لفهم خطط أعدائها الهجومية من المجاهدين مثلا، وطرقهم في تحصيل الموارد اللازمة، وتأمين الاتصالات، وتمويل العمليات، وأساليبهم في تنفيذ الهجمات، عبر التجسس عليهم، واستنطاق المعتقلين منهم، وذلك كله من أجل وضع تصور شامل لآلية عملهم، ومعرفة الثغرات التي قد ينفذون من خلالها، ونقاط الضعف التي قد يعتمدون عليها، وبالتالي وضع خطط معاكسة، تقوم على إجراءات مضادة تتضمن تحصين الثغرات، وتقوية نقاط الضعف، ووضع مؤشرات لاحتمالات شروع المجاهدين في الهجوم أو تحضيرهم له، ومن خلال هذه الإجراءات الوقائية ترتفع احتمالات إحباط أي هجوم معادٍ، ولذلك فإن أكبر العمليات الجهادية نجاحا تأتي من أساليب جديدة لم تتوقعها أجهزة الأمن، وبالتالي لم تتخذ الإجراءات الوقائية المضادة لها.


• اعرف عدوَّك...

وهذا هو جوهر عملية التأمين، التي هدفها الأساسي هو تحقيق الأمن من خطر ما أو من جميع الأخطار المتوقعة، وبالتالي يجب لتحقيق الأمن من كل نوع من الأخطار أن نتمكن أولا من معرفة هذا الخطر، وجهته، وآليته في الإضرار بنا أو بمصالحنا، ومدى الضرر الذي يمكن أن يحدثه.

ومن خلال معرفة هذا الخطر وتحديده نتمكن من تقييمه بشكل واقعي، يمنعنا من التهاون فيه، أو الإفراط في التحسب له، ومن خلال تحديد جهته يمكننا دراسة قدرة هذه الجهة على إحداث الخطر، أو الاستفادة من حدوثه في تهديد ما، وكذلك يمكننا معرفة الإجراءات الكفيلة بمنع هذه الجهة من التفكير في إحداث الخطر، أو الاستفادة منه، وذلك بناء على خصائص هذه الجهة، وآلية عملها في إحداث الخطر.

وبناء على معرفة آلية الخطر في الإضرار بنا، ومدى الضرر المتوقع منه، يمكننا تحديد نوع وحجم الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع حدوث الضرر، أو امتداده إلى مستويات لا تنفع معها إجراءات الدفاع والإصلاح التي يمكن اتخاذها.

وهكذا يجري وضع خطة الوقاية من الخطر، أو خطة التأمين، بناء على المعرفة الدقيقة لخطة هجوم العدو، على اختلاف أنواع الأعداء، ومدى قوتهم، وأهدافهم، وطرائقهم في التخطيط للأعمال المعادية وتنفيذها.

وبمقدار الجهل بهذه الخطة، سواء كان جهلا بسيطا بانعدام أي تصور لهذه الخطة، أو جهلا مركبا بوجود تصور خاطئ لها، فإن إجراءاتنا الأمنية تفقد جدواها، بل وقد تتحول إلى جزء من خطة الهجوم التي يعدُّها هو بناء على اكتشافه للثغرات في إجراءاتنا الأمنية، ونقاط الضعف فيها، واستفادته من ذلك في تحقيق أهدافه.

ومن أخطر الأمور على المجاهد أن يستنسخ الخطط الأمنية لنفسه أو لعمله دون مراعاة لتغير نوع العدو، أو الظروف التي يعمل بها، أو مدى معرفة أعدائه بالإجراءات التي يريد اتخاذها لتحقيق الأمن، أو قدرتهم على إحباط تلك الإجراءات واختراقها، بل ووضع خططهم الهجومية بناء عليها.

• تجديد الخطة الوقائية

ويمكننا أن نضرب مثالا ببعض ما حلَّ بالمجاهدين من كوارث نتيجة لهذا الخطأ، فمنذ بدأت عمليات استهداف المجاهدين بالطائرات المسيرة، أصبح من المشتهر بين الناس أن المخابرات الأمريكية تتعقب المجاهدين بالاعتماد على أجهزة تحديد المواقع التي تحملها هواتفهم الجوالة، أو عبر تتبع الذبذبات الصادرة من أجهزتهم للاتصال بشبكات الـ WiFi أو الـ GSM، وكان الإجراء الأول الذي اتخذه المجاهدون، هو قطع بث أبراج شبكات الهاتف الجوال GSM، والتعميم بمنع وضع نواشر شبكات WiFi وأجهزة الاتصال الفضائي في المنازل أو المقرات السرية.وهذه الإجراءات وإن كانت ضرورية وكان لها فائدة في تقليل المخاطر، إلا أنها فقدت كثيرا من جدواها بمجرد أن أدرك العدو اتباع المجاهدين لهذه الإجراءات الأساسية، وبإدراكه أن كثيرا منهم باتوا يَلِجون إلى شبكة الإنترنت من خلال المقاهي العامة، لكونها تضم تجمعا كبيرا من الناس، وبالتالي فإنها تكون أقل رقابة من شبكات الإنترنت الخاصة بالمجاهدين، فأضاف الصليبيون هذه البؤر على خططه الهجومية، ووجدنا حالات كثيرة لتوظيف الجواسيس من العاملين في هذه المقاهي، أو روادها، الذين كانوا يتعرفون على المجاهدين من خلال الصور التي تردهم من مشغليهم، وإبلاغهم بمجرد دخول الأخ المطلوب إلى المقهى أو خروجه منه، ثم يتعقبه جاسوس آخر على الأرض، أو طائرة مسيرة في السماء، لمتابعة خط سيره، وتحديد المواقع التي يرتادها، أو لاستهدافه بالقصف وقتله، كما رأينا في كثير من الحالات، وخاصة مع المهاجرين من الدول الأوروبية.

بل وكشفت وسائل إعلام أن المخابرات الصليبية صارت تستخدم أجهزة بث تلك المقاهي (الراوترات) كمزارع للفيروسات الإلكترونية، تقوم بزرعها في أي جهاز هاتف يتصل بها، ثم تبدأ عملية التجسس وتحديد الأهداف المطلوبة للتعقب بالاعتماد على بث شبكة اتصال الهاتف نفسه.


• في بناء الخطة الهجومية

وبالمثل فقد وجدنا من وفقه الله من المجاهدين يستخدمون معرفتهم بالإجراءات الأمنية التي يتخذها أعداؤهم في تنفيذ أهدافهم، وذلك بعد دراسة تلك الإجراءات دراسة وافية، تمكن من فهم طرائق العدو وأساليبه والتغيرات فيها، وبالتالي وضع خطة الاختراق والهجوم بناء على نقاط الضعف أو الثغرات التي يكتشفها عناصر الرصد في تلك الإجراءات، ولذلك فإنك تجد أحيانا أن بعض عمليات المجاهدين التي تحقق نجاحا كبيرا، تتسم ببساطة شديدة، وتكاليف قليلة، قد تدفع إلى الاعتقاد بأنها جريئة للغاية، ومتهورة أحيانا، بل قد تدفع بعض الجهلة إلى التشكيك في الأمر.

وهكذا نسمع كثيرا من هؤلاء وهم يحللون العمليات يبينون مدى استحالة اختراق الإجراءات الأمنية، لكثافتها وتعقيدها، وهم لا يدركون أن السر في نجاح العمل -بعد توفيق الله تعالى- ربما يتعلق بعين ثاقبة لمجاهد خبير درس تلك الإجراءات واكتشف الثغرات التي يمكنه استثمارها في إنجاح خطته، بل ووضع خطة هجومه كلها على أساس خطة الإجراءات الأمنية الوقائية للعدو.

وبالتالي فإن العمل الاستخباراتي الهادف إلى معرفة خطط العدو في الهجوم، لاتخاذ الإجراءات الوقائية والدفاعية المضادة لها، ومعرفة خطط العدو في الوقاية والدفاع واكتشاف الثغرات فيها، لاتباع الطرائق والأساليب الكفيلة باختراقها والتغلب عليها، ووضع خطط الهجوم بناء على ذلك، يوفر كثيرا من العناء والتكاليف والتجارب الفاشلة التي يدفع المجاهدون ثمنها من دمائهم أحيانا.

وهذا الأمر كله يزيد من أهمية عمليات جمع المعلومات عن العدو لمعرفة خططه الهجومية والدفاعية والوقائية، ثم تصميم خطط الوقاية على أساس خططه الهجومية، وخطط الهجوم على أساس خططه الدفاعية والوقائية، مع الأخذ بالاعتبار ردَّة فعله على الهجوم الذي سيتعرض له.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة ...

الصحوات والمخابرات قصة مكرَّرة

مع بدايات الجهاد في الشام، بدأ سباق مخابرات الطواغيت على الساحة عن طريق استدعاء كلٍّ منها لمن تستطيع من قادة الفصائل لإغرائهم بالأموال والدعم والإشهار في وسائل الإعلام، لقاء قبولهم جعل قرارات فصائلهم تابعة لأهواء الداعمين، وقد وجدوا منهم أكثر مما يحتاجون لتنفيذ مخططاتهم عددا، وأقل مما كانوا مستعدين لدفعه لقاء الحصول على خدماتهم ثمنا.

حينها كان ردُّ كثير من أولئك المرتدين لتبرير ارتباطهم بمخابرات الطواغيت الزعم أنهم يخادعون تلك الأجهزة للحصول منهم على الدعم والتمويل، نافين رغبتهم في تحقيق أي من مطالب الطواغيت، والحلف بأغلظ الأيمان أنهم مجاهدون صادقون في سعيهم لتكون غاية جهادهم إقامة الدين وتحكيم الشريعة.

ولم يطل بهم زمان حتى بدأوا يفعلون كل ما حذرهم منه المجاهدون، فبدأت التصريحات تخرج من قادة الفصائل تتراً يعلنون فيها رغبتهم في إقامة "الدولة المدنية" وإرساء الديموقراطية، ثم تكشفت أسرار اللقاءات في أنطاكيا وإسطنبول عن اتفاقات وقَّع فيها قادة الفصائل على قتال الدولة الإسلامية لقاء حصولهم على الدعم، ومع ذلك استمروا في كذبهم زاعمين أن هذا جزء من خطة خداعهم للطواغيت والصليبيين، منكرين عزمهم على تنفيذ ما تعهدوا لأوليائهم بتنفيذه.

ولا شك أن قادة تلك الفصائل ارتدوا عن دينهم بمجرد نطقهم بالكفر أو توقيعهم عليه، ولو زعموا أنهم لم يؤمنوا بما قالوه أو وقَّعوا عليه، وتبعهم في كفرهم أتباعهم لمَّا ثبتت لديهم أفعال قادتهم ثم بقوا موالين لهم، منتمين إلى طوائفهم المرتدة.

ولكن على الجانب السياسي من الموضوع، يستغرب المرء كيف زيَّن الشيطان لهؤلاء سوء أعمالهم، وتخيلوا لحين من الزمن أنهم أذكى من أجهزة المخابرات الكافرة، بحيث يتمكنون من خداعهم فيأخذون منهم الأموال والسلاح دون أن يحققوا لهم ما أرادوه منهم، متناسين أن هذه الأجهزة تعمل منذ عشرات السنين في هذا الميدان، الذي كانوا ولا زالوا فيه أغرارا، وأن أولئك الطواغيت لن يقدِّموا لهم طلقة واحدة حتى يتأكدوا أنها لن توجه إلا إلى الجهة التي يريدون، وأن كل فصيل كان يخضع لجهاز مخابرات ما فإنه كان يخترق فورا بعدد كبير من الجواسيس الذين ينقلون أدق المعلومات عن الفصيل إلى الممولين، خاصة في ظل الصراعات على السلطة داخل كل فصيل، وسعي كل متنفذ فيه إلى السيطرة على خط الدعم عن طريق إرضاء الممولين.

ولم يطل الزمان بتلك الفصائل حتى وقعت تماما تحت سيطرة أجهزة المخابرات، وتحوَّلت إلى مجرد أوراق تفاوض في أيدي الطواغيت، وكان أي فصيل يحاول أن يبدي أي نوع من التمرُّد يستدعى قادته فورا للقاء أسيادهم فإن لم يعودوا للطاعة المطلقة يجري إبلاغهم بصعوبة الاستمرار في تمويلهم، ما يعني قطع الدعم عنهم وحجب الرواتب عن أتباعهم، مع ما يعنيه ذلك من احتمال تحولهم إلى فصائل أخرى لا زال تمويلها مستمرا، وبالتالي سيفكر ألف مرة قبل أن يقرر معصية أي أمر يأتيه من أولياء نعمته.

وهكذا رأينا تفرغ تلك الفصائل المرتدة لقتال الدولة الإسلامية لسنوات لم يفتحوا فيها معركة واحدة ضد النظام النصيري، لأن التمويل كان مخصصا لقتال الموحدين دون المشركين، كما حدث في ريف حلب الشمالي، وهكذا أيضا رأيناهم يسلمون المدن وينسحبون من المناطق دون قتال لأن داعميهم اتفقوا مع الروس والأمريكيين على ذلك، كما حدث في مدينة حلب ومنطقة الساحل وريف حلب الجنوبي، وهكذا رأينا جبهات كاملة يمنع فيها فتح أي معركة ضد الجيش النصيري ليتمكن من نقل قواته منها إلى جبهات أخرى مشتعلة، ثم يعود إليها بعد سنوات ليستلم المناطق من الصحوات، بعد أن يهجِّرهم وأهاليهم ومن وثق بهم إلى مناطق أخرى بعد أن يتحصلوا على الإذن بذلك من الداعمين، كما يحدث اليوم في الغوطة، ويتوقع له الحدوث أيضا في حوران وريف حمص الشمالي.
إن أكثر ما جرى في الشام من نكبات سببه مقاتلو الصحوات المرتدون الذين سلموا الساحة لأجهزة المخابرات لتحرف فوهات البنادق فيها إلى صدور الموحدين بعد أن كانت مسلطة على رؤوس النصيرية، ثم تقرر إسكات تلك البنادق بالكلية بعد أن أدت الغرض من توظيفها، وتسليمها إلى الجيش النصيري ليستعين بها على قهر المسلمين.

إن قصة الصحوات والمخابرات في الشام ليست وحيدة ولا فريدة، فما من ساحة جهاد إلا وعبثت فيها أجهزة المخابرات الكافرة، بعد أن وجدت من يرتزق بدينه، ومن يتاجر بمن يتبعه، والسعيد من اتعظ بغيره، والله لا يهدي القوم الكافرين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1) إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها ...

الذين إن مكنَّاهم فـي الأرض (1)

إن قضية الشعارات في كثير من الأحزاب والتنظيمات لا تتعدى كونها -غالباً- وسيلة لحشد الأتباع، وتحسين صورة الجماعة، وعلى هذه السنَّة تمضي بعض الجماعات المنتسبة إلى الإسلام، الزاعمة للجهاد في سبيل الله.

فعلى مدى قرن من الزمان، تابع المسلمون في كل مكان ولادة كثير من التنظيمات التي تتبنى أكثرها شعارات متقاربة، ثم تدَّعي أن لكل منها وسيلة مختلفة في تحقيق تلك الشعارات، التي كان ولا يزال شعار "إقامة الدولة الإسلامية" هو أشهرها وأكثرها انتشاراً، فنجد أن التنظيمات المقاتلة، والأحزاب المنغمسة في شرك الديموقراطية، وغيرها من التجمعات ذات التوجهات الدعوية أو العلمية أكثرها يزعم أن هدفه الحقيقي من كل نشاطاته هو أن تؤدي إلى "إقامة الدولة الإسلامية، وتحكيم الشريعة"، ويجادل أتباع كل منها بأن وسيلته هي المثلى، وأن وسيلة غيره لن تؤدي إلى غير تضييع الأعمار والأموال والخبرات فيما لا طائل منه.

ولقد كان تحقيق حلم الخلافة من قبل الثلة المجاهدة من الموحدين في العراق والشام، ومن انضم إلى جماعتهم من المجاهدين في شرق الأرض وغربها، زلزالاً عنيفاً هزَّ تلك التنظيمات، وعاصفة هوجاء اقتلعت خيامهم وكفأت قدورهم، وذلك لما وجد أتباعها أن ما كان يمنيهم به زعماؤهم من خلال الطرق البدعية، حققه الموحدون باتباع طريق السنة القويم، بجهاد المشركين حتى إزالة الشرك من الأرض، وإقامة دين الإسلام مكانه، وتحويل الأرض بذلك إلى دار إسلام، تحكمها جماعة المسلمين بشرع رب العالمين.


• شروطٌ بدعيَّة لإقامة الدين:

ولما تبين للناس أن قضية "إقامة الدولة الإسلامية" لم تكن مجرد شعار دعائي عند جنود الدولة الإسلامية، بل كان عهداً عزم المجاهدون أن يحققوه، وصدقوا الله في ذلك -نحسبهم- فصدقهم -سبحانه- بأن مكن لهم في الأرض، خرج أفراد تلك التنظيمات يطالبون زعماءهم بتصحيح سعيهم، وتوضيح رايتهم، وإقامة الدين فيما مكًّنهم الله فيه من الأرض، بل ودعوهم إلى الانضمام إلى جماعة المسلمين، ومبايعة إمامها على السمع والطاعة، الأمر الذي هدد بنقض تلك التنظيمات التي فرقت المسلمين، وما زادتهم إلا خبالاً، فوجد أرباب تلك التنظيمات أنفسهم محاصرين بالأدلة الشرعية، التي تلزمهم بالخضوع لحكم الله في هذه القضايا، فما وجدوا عنها محيداً إلا أن يبتدعوا في دين الله، ويخترعوا فيه أحكاماً جديدة، يحسبون أنهم بخداعهم لأتباعهم من خلالها ينجون من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

وهكذا وجدنا سفيه القاعدة في اليمن المدعو (قاسم الريمي) يخرج محاضراً في أتباعه شارحاً "مفاهيم" منهج القاعدة، ساعياً من خلال ذلك إلى نقض شرعية الدولة الإسلامية، بل وتأثيم مجاهديها، لأنهم قاموا -بحسب جهله المُركّب- بفعل غير شرعي، وهو تحكيم شريعة رب العالمين على أرضه، مستدلاً على ذلك بعدم تحقيقهم لما ابتدعه من شروط ما أنزل الله بها من سلطان.

والشرط الذي يكتمل لإقامة الدولة الإسلامية -بحسب قوله- هو عدم تحقق التمكين في الأرض للمجاهدين اليوم، طالما بقيت أمريكا وغيرها من الدول المتجبرة قادرة على نقض هذه الدولة، كما حدث مراراً مع من أعلنوا دولا وإمارات سمَّوها إسلامية، خلال العقود الماضية.

وبالتالي فإن وصف التمكين -بحسب هذا الاستدلال البدعي- يتحقق إذا ضمن من يقيمها أن لا يتمكَّن عدوُّہ من إزالتها أبداً، وأما إذا تحقق التمكين وفي الأرض من الدول القوية التي يمكنها الهجوم عليها وإزالتها فإن إقامة الدين وتحكيم الشريعة فيها -الذي ليست الدولة الإسلامية إلا صورة واقعية له- محرَّم في شريعتهم، لأن التمكين شرط صحة لها، وقد انتقض -حسب مذهبهم- بتهديد بقائه، واحتمال زواله.


• هل حققت الدولة النبوية شرط المبتدعة؟

ولو طردنا هذا الأصل الفاسد، لما حلَّ لمسلم في أي زمان ومكان أن يقيم الدين إن مكَّنه الله في الأرض، بل الواجب عليه -في دينهم- أن يهرب من هذه الأرض، هروب الصحيح من أرض الطاعون والجذام، لأن قيامه فيها بما يرضي الله سيجلب عليه غضب الجبابرة الكافرين، أو أن يحكم تلك الأرض بما يرضي أولئك الطواغيت، ليحفظ فيها تمكينه، وفي الوقت نفسه يخادع الناس من حوله بأن ما يفعله من امتناع عن إقامة الدين هو من إقامة الدين، وما يجريه على تلك الأرض من أحكام الجاهلية، هو حكم بالشريعة، كما نراه واضحاً الآن من فعل فصائل الصحوات في الشام.ومن أراد الدليل الشرعي على نقض ذلك، فحسبه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي أقام الدولة النبوية في يثرب وهي محاطة بالأعداء الأقوياء، الذي يكفي للدلالة على تناسب القوة بينهم وبين أهل المدينة ما حصل عندما تألبت الأحزاب عليهم يوم الخندق، حتى إن أحدهم لم يكن يجرؤ على قضاء حاجته من شدة الخوف والوجل، ومن خلف أولئك الأعداء من مشركي العرب كان هناك أقوى الدول في الأرض آنذاك وهم فارس والروم، اللتان كان سلطانهما إلى أطراف جزيرة العرب، ومع هذا لم يجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحطيم قوة قريش والأعراب، ومن بعدهما فارس والروم، أو انتظار أن يُفني أحدهما الآخر، شرطاً لإقامة الدين في المدينة، بل الوقائع تثبت أنه -عليه الصلاة والسلام- لم تطأ قدمه المدينة، إلا وقد أعلنها دولة هو إمامها، الحكم فيها لله، وما على أهلها إلا الخضوع لهذه الأحكام، ومن ناصبها العداء فله الحرب.

ولو قدَّر الله فتمكن الأحزاب من كسر دفاعات المسلمين يوم الخندق، ثم السيطرة على المدينة، وإزالة حكم الإسلام منها، بعد قتل الرجال، وسبي الذرية والنساء، أو قدَّر الله أن يتمكَّن الأعراب المرتدون من إزالة حكم الإسلام من المدينة بعد أن أزالوه من كل الجزيرة العربية، أو قدَّر الله أن يرسل كسرى أو قيصر لاقتحام المدينة، ففي أي من الحالات، هل كان أحد يدَّعي الإسلام يجرؤ على القول إن دولة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم تكن دولة شرعيَّة، لأنها قامت قبل تمكُّنه -عليه الصلاة والسلام- من تأمين المدينة من خطر اليهود، وقريش، والأعراب، وفارس والروم؟

وبالمثل هل يجرؤ أحد أدعياء السلفية أن ينقض شرعية دولة أئمة الدعوة النجدية، ويؤثم الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب لإقامتهما الدولة الإسلامية في الدرعية وما حولها، ثم سعيهم ومن جاء بعدهم إلى مد سلطان الشريعة إلى البحرين والحجاز وبادية الشام، وهم يعلمون يقيناً أن دولة الأتراك الكافرة، ومن يتبعها يتربصون بهم، ولن يرضيهم قيام دولة لا تخضع لقوانينهم، ولا تعظم أوثانهم، وأن من حولهم من الأعراب منافقون لن يتأخروا عن نصرة المشركين عليهم؟

إن قياس حال دولة الإسلام اليوم على حالها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- من الناحية السياسية، هو قياس صحيح، وما قدَّمناه على ما هو أولى منه من الأدلَّة إلا لسهولة الإيضاح من خلاله، وإلا فإن أدلة الكتاب والسنة التي لا تبيح فحسب إقامة دولة الإسلام لمن مكَّنه الله في الأرض، بل وتوجبه عليه، وتحكم بكفره إن هو امتنع عن إقامة الدين، وتحكيم شريعة رب العالمين، وهذا ما سنتناوله -بإذن الله- في قادم الكلام.

• المبتدعة يقدِّمون سلامة النفس على الدين:

إن سبب شبهة تنظيم القاعدة التي ذكرنا جانباً منها هو حرصهم على بقاء تنظيمهم، وتقديمهم سلامة التنظيم على سلامة الدين، لكون الدين عندهم هو التنظيم، فبقاؤه من بقائه وزواله من زواله، لذلك ابتدعوا مثل هذه الشروط ليهربوا من إقامة الدين، بزعم عدم تحقق ما ابتدعوه من شروط لذلك، ويسكتوا أتباعهم الذين استنكر بعضهم على زعمائهم امتناعهم عن تحكيم الشريعة في المناطق التي تمكنوا منها، فالتمكين في دينهم مبيح لأخذ المكوس من الناس، ولكنه لا يبيح تحكيم الشريعة، وهو مبيح لمحاكمة الموحدين وسفك دمائهم المحرمة على أنهم خوارج، ولكنه لا يبيح لهم إقامة حكم الله في المرتدين، وهو يوجب عليهم تولِّي الحكومات الكافرة، وحراسة حدودها، ولكنه لا يأمرهم بالاعتصام بحبل الله بمبايعة خليفة المسلمين ولا يبيح لهم أن يطيعوا أياً من أوامر الله التي يُغضب المشركين القيام بها.

ومن قدَّم سلامة نفسه وتنظيمه على سلامة الدين، فلن يبقى له دين ولن تسلم له نفسه، ومن قدَّم رضا رب العالمين، وقدَّم إزهاق نفسه في سبيل سلامة دينه، فإنه إن لم تسلم له نفسه، فهو مع النبيين والشهداء والصديقين، وحسن أولئك رفيقاً.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد

إن الله يأمر بالعدل والإحسان "الإحسان ضد الإساءة، وهو كل مرغوب فيه، وكل ما يَسرُّ النفس من ...

إن الله يأمر بالعدل والإحسان

"الإحسان ضد الإساءة، وهو كل مرغوب فيه، وكل ما يَسرُّ النفس من نعمة تنال الإنسان في بدنه ونفسه وأحواله" [معجم مقاييس اللغة، لابن فارس].

وتعريف الإحسان في الشرع هو قوله، صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) [رواه مسلم].

وقد أمر الله -تعالى- به فقال: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } [النحل: 90]، وقال عز وجل: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [يونس:26]، وقال -صلى الله عليه وسلم- في تفسير هذه الآية: (الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل) [رواه ابن أبي حاتم والطبري].

وأمر به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، فليُرِح ذبيحته) [رواه مسلم].

والإحسان نوعان: الأول متعلق بعبادة الله، والثاني متعلق بالبشر والمخلوقات الأخرى.

فالأول: وهو أعلى مراتب الدين، حيثُ يَرتقي المسلم ويَرتفع إلى درجة أعلى من الإيمان، لأنه لن يصل إلى مرتبة الإحسان إلا ببلوغه الإسلام والإيمان، فيعبد الله وهو يستشعر مراقبته، وكأنه ينظر إليه، فيُحسن العمل ويُجيد العبادة، ويكون مبتغاه من كل عمله رضا الله، ويصبح ظاهره كباطنه، لا يضره الذم ولا يغره المدح.

والثاني: هو الإحسان إلى البشر وسائر المخلوقات وشُعَبه كثيرة كالإحسان إلى الوالدين، وإحسان الأزواج بعضهم إلى بعض، والإحسان إلى الأهل والأقارب، والأرامل والمساكين واليتامى والفقراء، والإحسان إلى عامة الناس، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].

قال الحسن البصري، رحمه الله: "لأن أقضي حاجة أخٍ أحب إليَّ من أن أعتكف سنة" [عيون الأخبار لابن قتيبة].

أخي المجاهد: ويدخل في الإحسان إعانة الناس على جميع الفضائل التي أمر الإسلام بها كقضاء الحوائج، والإعانة بالمال، وتفريج الكربات، ومواساة المرضى، والمعاملة بالأخلاق الحسنة معهم، مراعين في ذلك كله مراقبة الله -تعالى- لنا وطلب رضاه.

ومن أعظم أبواب الإحسان إلى الآخرين، الإحسان بالنصيحة، وتعليم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليس أعظم من نصيحة أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ينتفع بها الناس في دينهم ودنياهم.

وأول المستفيدين من الإحسان هم المحسنون أنفسهم، يرون ثمرته في نفوسهم، فيجدون الانشراح والسكينة.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن رفق بعباده رفق به، ومن رحم خلقه رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن إليه، ومن جاد عليهم جاد عليه، ومن نفعهم نفعه، ومن سترهم ستره، ومن صفح عنهم صفح عنه، ومن تتبع عورتهم تتبع عورته، ومن هتكهم هتكه وفضحه، ومن منعهم خيره منعه خيره، ومن شاق شاقَّ الله -تعالى- به، ومن مكر مكر به، ومن خادع خادعه، ومن عامل خلقه بصفة عامله الله -تعالى- بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة " [الوابل الصيب من الكلم الطيب].


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 126
الخميس 19 رجب 1439 ه‍ـ
...المزيد
يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
21 ربيع الأول 1447
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً