الأهداف الخداعية: من أهم ما استخدمه المجاهدون لإرهاق العدو واستنزافه وتقليل ثقته بمعلوماته هو ...

الأهداف الخداعية:

من أهم ما استخدمه المجاهدون لإرهاق العدو واستنزافه وتقليل ثقته بمعلوماته هو الأهداف الخداعية، فإن بناء السيارات الخشبية والكرتونية يفيد في تشتيت العدو، خصوصاً عند التحضير للهجمات والصولات، وهذه الأهداف تستغرق من العدو وقتاً كبيرا في رصدها ثم تكلفه المال والجهد في استهدافها، في حين أن القوات المموهة بشكل جيد تستطيع -بعون الله- الوصول إلى أهدافها وضربها دون إمكانية رصدها إذا أتقنت تمويهها.

وقد سبق أن استخدم المجاهدون الدمى البشرية المخصصة لعرض الملابس بعد ملئها بالماء الساخن بحرارة الجسد البشري، ونشرها في مكان مستهدف، فاستجاب الطيران الصليبي بتمشيط المنطقة بالرشاشات والصواريخ، وهو ما يفيد تكراره في كل وقت بإذن الله، فلا يتمكن التصوير الحراري من تمييز الحرارة إذا كانت فعلا مساوية لحرارة الجسم الحقيقية.


• تمويه الهجوم:

وتمويه الهجوم بأنواعه هو أحد أهم متطلبات الحرب الحديثة، وذلك لتقليل الخسائر وتشتيت قوة العدو المدافع، فاستخدام قوة مشاغلة للعدو لاستدراج قوته بعيداً عن مكان الهجمة الحقيقي هو من الأساليب التي لا يُستغنى عنها في كثير من الحالات الواقعية، وبسبب استخدام الطيران في الاستطلاع، فإن نشر القوات الوهمية على الأرض يعطي للعدو بسهولة كل المعلومات الخاطئة التي تريده أن يستجيب لها، وهذا إذا فهمت كيف تصنع القوات الوهمية من الأفراد والأسلحة، واستطعت نشرها في المكان المناسب وفي الوقت الذي تختاره.

ومن السهل دائماً تسريب المعلومات عبر الاتصالات اللاسلكية أو الانترنت عن الهجوم الوهمي، فالعدو يتنصت طوال الوقت، ويحلل ما يسمعه من معلومات، ويمكن لقلة من الأفراد الأذكياء أن يعملوا على توجيه رسائل.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

كيف تقاتل تحت أعين الطائرات الصليبية (2) • التمويه: تحدثنا في المقالة الماضية من هذه ...

كيف تقاتل تحت أعين الطائرات الصليبية (2)


• التمويه:

تحدثنا في المقالة الماضية من هذه السلسلة عن أهمية التمويه وإخفاء مواقع المجاهدين وتحركاتهم عن أعين العدو، وخاصة طائراته المزودة بأحدث أجهزة الرصد والبحث عن الأهداف في مختلف الظروف، وسنقدم في هذه الحلقة -بإذن الله- نماذج غير تقليدية من التمويه، تعتمد على الحركة أكثر من اعتمادها على السكون، وهي من خلاصة تجارب إخوانكم في جبهات القتال في سبيل الله.

إذ يعمل تمويه قواتنا على إخفائها عن العدو، في حين تعمل الأهداف الخداعية على استنزاف العدو وتقليل ثقته بالمعلومات التي يحصل عليها، ونتيجة استخدام الأسلوبين معاً هو تقليل كفاءة قتال العدو، بإذن الله.


• تمويه التسلل:

عند كل عملية تسلل لا بد من تمويه أجسام الجنود وأسلحتهم، ومن دون التمويه الجيد لا يمكن للمتسلل أن يصل إلى هدفه إلا أن يشاء الله، والتمويه يكون بأشكال مختلفة، فمنها ما يعتمد على التخفي عن التصوير، ومنها ما يعتمد على الظهور بمظهر العدو حتى الاقتراب منه إلى مسافة كافية للانقضاض عليه، والحرب خدعة، وفي هذه الحالة فلا بد من إبقاء طريقة لكي يميِّز جنودنا أنفسهم فلا يضربوا بعضهم بسبب تشابههم مع العدو.


• إخفاء السلاح:

إن الرباط يتطلب الاحتفاظ بالسلاح الثقيل جاهزا في نقاط قريبة من خطوط التماس مع العدو، وهذا يتطلب تمويه هذا السلاح كي لا يستهدفه الطيران، وتغطية السلاح لا تكفي وحدها، بل لا بد من تغطية الكرة النارية التي تخرج من السبطانة عند الإطلاق، فهذه النار يمكن للتصوير الحراري رصدها من أماكن بعيدة جداً، وبخلاف الصوت والاهتزاز فإن تحديد الموضع بالتصوير الحراري سهل ودقيق.

وهنا قصة طريفة، ففي معارك عين الإسلام قام الإخوة بإخفاء دبابة في منزل من المنازل، وكانت تطلق على العدو بشكل متقطع وهي مخفية بشكل جيد، ورغم كثافة الطيران الصليبي إلا أنه لم يتمكن من تحديد مكانها بدقة، وبعد أن أنهكت الدبابة العدو بضرباتها بدأ الأمريكان باستهداف كامل المنطقة بيتاً بيتاً حتى تمكنوا من إصابة الدبابة. أعلمت لماذا أصبحت عين الإسلام أكواماً من التراب؟ أعلمت كيف يمكنك أن تصيب عدوك بالجنون؟

ولإخفاء السلاح تقنيات كثيرة أهمها مشتتات اللهب بأحجامها المختلفة، وكذلك فإن كاتم الصوت يعد أداة إخفاء للسلاح، وطبيعة المعركة تفرض علينا اليوم إخفاء كل أنواع السلاح قدر الإمكان، وإن الرماية بالسلاح الثقيل من تحت سقف سيُخفي اللهب من أغلب الجهات، وهذا متيسر في كثير من ساحات القتال، فكثيراً ما تجد مرآب سيارة يمكن وضع السلاح فيه لإخفاء اللهب عن الطيران عند الرماية.

وأما الرشاشات المحمولة فتوجد مخفيات لهب لكل نوع منها، ورغم أن حجمها مزعج قليلاً إلا أن فائدتها كبيرة، بإذن الله.


• تمويه الدفاع (الرباط):

من أهم ما يجب إخفاؤه وتمويهه هو نقاط الرباط الدفاعية، وأفضل الطرق هي إضافة نقاط رباط وهمية، والرماية على العدو من هذه النقاط بين وقت وآخر عندما يغيب الطيران، وهذا الأسلوب في التمويه يشتت العدو ويقلل الثقة بالمعلومات عند العدو، وأما نقاط الرباط الحقيقية فلا بد من الحفاظ عليها مخفية بكل وسيلة ممكنة، حتى لو اضطررنا للاستغناء عن سيارة الطعام التي تكشف نقاطنا بشكل مستمر، فأيها أهم: أن نحافظ على رباطنا أم أن نأكل الطعام الحار، وهل يقبل مجاهد أن يُقتل بسبب حرصه على الطعام الجيد، لا والله، بل يجب على المجاهد أن يتحمل الطعام المخزون في مقابل أن يخفي موقعه عن الطيران.

ويجب عدم رمي مخلفات الطعام والأكياس قرب نقطة الرباط، وكذلك في الصحراء يجب تمويه خزانات المياه بشكل جيد عن التصوير الحراري، وإبعادها لمسافة جيدة عن نقطة الرباط، ولا بد أن تكون الخزانات كبيرة لكي لا تحتاج إلى ملئها إلا كل فترة طويلة من الزمن.

وفي كثير من الحالات عندما يكون الرباط في كهوف أو مغارات فيجب حفر مداخل كثيرة للمغارة، ثم تمويهها بشكل جيد وتغطيتها بالأشجار وغيرها لكي نحافظ عليها، وكذلك فيجب تجنب التجمع أمام مداخل هذه الكهوف والمغارات، ﻷن معرفة العدو بمنطقة الرباط ستؤدي إلى تكثيف استطلاع هذه المنطقة، واستهدافها المستمر بالغارات العشوائية والعنقودية، وأما إيقاف السيارات قرب هذه المداخل فهو جريمة لا بد من التعامل معها بحزم وشدة.

وكذلك يجب إبعاد "أنتينات" الاتصالات قدر الإمكان عن أماكن تواجد الإخوة وإخفاؤها عن التصوير الحراري، ﻷن هذه الأنتينات تسخن كثيراً بسبب الإرسال فتكون للتصوير الحراري ظاهرة، وكذلك فإن إشاراتها اللاسلكية يجري تحديد مكانها من بضعة كيلومترات.
...المزيد

فمتى ترقَّت همته من صحبتهم إلى صحبة من أشباحُهم مفقودة، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم مشهودة، ...

فمتى ترقَّت همته من صحبتهم إلى صحبة من أشباحُهم مفقودة، ومحاسنهم وآثارهم الجميلة في العالم مشهودة، استحدث بذلك همة أخرى وعملا آخر، وصار بين الناس غريباً، وإن كان فيهم مشهوراً ونسيباً، ولكنه غريب محبوب يرى ما الناس فيه، وهم لا يرون ما هو فيه، يُقيم لهم المعاذير ما استطاع، وينصحهم بجهده وطاقته، سائراً فيهم بعينين:

عين ناظرة إلى الأمر والنهي، بها يأمرهم وينهاهم، ويواليهم ويعاديهم، ويؤدي إليهم الحقوق، ويستوفيها عليهم. وعين ناظرة إلى القضاء والقدر، بها يرحمهم ويدعو لهم ويستغفر لهم، ويلتمس لهم وجوه المعاذير، فيما لا يخل بأمر ولا يعود بنقض شرع، قد وسعتهم بسطته ورحمته ولينه ومعذرته، واقفاً عند قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، متدبراً لما تضمَّنته هذه الآية من حسن المعاشرة مع الخلق، وأداء حق الله فيهم، والسلامة من شرهم.

فلو أخذ الناس كلهم بهذه الآية لكفتهم وشفتهم، فإن العفو ما عفا من أخلاقهم، وسمحت به طبائعهم، ووسعَهم بذله من أموالهم وأخلاقهم، فهذا ما منهم إليه.

وأما ما يكون منه إليهم، فأمرهم بالمعروف، وهو ما تشهد به العقول وتعرف حسنه، وهو ما أمر الله به.

وأما ما يتَّقي به أذى جاهلهم، فالإعراض عنهم، وترك الانتقام لنفسه والانتصار لها.

فأيُّ كمال للعبد وراء هذا؟ وأي معاشرة وسياسة لهذا العالَم أحسنُ من هذه المعاشرة والسياسة؟ فلو فكر الرجل في كل شرٍّ يلحقه من العالم -أعني الشر الحقيقي الذي لا يوجب له الرِّفعة والزلفى من الله- وجد سببه الإخلال بهذه الثلاث أو ببعضها، وإلا فمع القيام بها فكل ما يحصل له من الناس هو خير له وإن شراً في الظاهر، فإنه متولد من القيام بالأمر بالمعروف، ولا يتولد منه إلا خير، وإن ورد في حالة شر وأذى، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ} [النور: 11]، وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {اعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 159]، وقد تضمنت هذه الكلمات مراعاة حق الله وحق الخلق، فإنهم إما أن يسيئوا في حق الله، أو في حق رسوله، فإن أساءوا في حقك فقابل ذلك بعفوك عنهم، وإن أساءوا في حقي فاسألني أغفر لهم واستجلب قلوبهم، وأستخرج ما عندهم من الرأي بمشاورتهم، فإن ذلك أحرى في استجلاب طاعتهم وبذلهم النصيحة، فإذا عزمت على أمر، فلا استشارة بعد ذلك، بل توكل وامض لما عزمت عليه من أمرك، فإن الله يحب المتوكلين.

انتهى كلامه -رحمه الله- باختصار.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

الهجرة إلى الله ورسوله (2) قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- في رسالته التبوكية: من ...

الهجرة إلى الله ورسوله (2)


قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- في رسالته التبوكية:

من أعظم التعاون على البرِّ والتقوى، التعاون على سفر الهجرة إلى الله ورسوله باليد واللسان والقلب مساعدة ونصيحة، تعليما وإرشادا ومودة.

ومن كان هكذا مع عباد الله كان الله بكل خير إليه أسرع، وأقبل الله إليه بقلوب عباده، وفتح على قلبه أبواب العلم، ويسره لليسرى، ومن كان بالضد فبالضد {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].


• زاد المسافر:

فإن قلت: فقد أشرت إلى سفر عظيم وأمر جسيم، فما زاد هذا السفر وما طريقُه وما مركبه؟
قلت: زاده العِلم الموروث عن خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- ولا زاد له سواه، فمن لم يحصِّل هذا الزاد فلا يخرج من بيته، وليقعد مع الخالفين، فرفقاء التخلُّف البطَّالون أكثر من أن يُحصوا، فله أسوة بهم، ولن ينفعه هذا التأسي يوم الحسرة شيئا، كما قال تعالى: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39]، فقطع الله سبحانه انتفاعهم بتأسي بعضهم بعضا في العذاب، فإن مصائب الدنيا إذا عمَّت صارت مسلاة، وتأسى بعض المصابين ببعض كما قالت الخنساء:

فلولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن
أُسلِّي النفس عنه بالتأسي

فهذا الروح الحاصل من التأسي معدوم بين المشتركين في العذاب يوم القيامة.


• طريق السفر:

وأما طريقه: فهو بذل الجهد واستفراغ الوسع، فلا يُنال بالمنى، ولا يدرك بالهوينا، وإنما كما قيل:

فخض غمرات الموت واسمُ إلى العلا
لكي تدرك العز الرفيعَ الدعائم
فلا خير في نفس تخاف من الردى
ولا هِمَّة تصبو إلى لوم لائم

ولا سبيل إلى ركوب هذا الظهر إلا بأمرين:
أحدهما: أن لا يصبو في الحق إلى لوم لائم، فإن اللوم يدرك الفارس فيصرعُه عن فرسه ويجعله طريحا في الأرض.

والثاني: أن تهون عليه نفسُه في الله، فيُقدِم حينئذ ولا يخاف الأهوال، فمتى خافت النفس تأخرت وأحجمت وأخلدت إلى الأرض.
ولا يتم له هذان الأمران إلا بالصبر، فمن صبر قليلاً صارت تلك الأهوال ريحا رخاء في حقه تحمله بنفسها إلى مطلوبه، فبينما هو يخاف منها، إذ صارت أعظم أعوانِه وخدمِه، وهذا أمر لا يعرفه إلا من دخل فيه.


• مركب السفر:

وأما مركبه فصدق اللَّجأ إلى الله والانقطاع إليه بكلَّيته وتحقيق الافتقار إليه من كل وجه، والضراعة إليه وصدق التوكل عليه، والاستعانة به والانطراح بين يديه كالإناء المثلوم المكسور الفارغ الذي لا شيء فيه، يتطلع إلى قيّمه ووليه أن يجبره ويَلمَّ شعثه، ويُمدَّه من فضله ويستره، فهذا الذي يُرجى له أن يتولى الله هدايته، وأن يكشف له ما خفي على غيره من طريق هذه الهجرة، ومنازلها.


• رأس مال الأمر:

ورأس مال الأمر وعموده في ذلك إنما هو: دوام التفكر وتدبر آيات القرآن، بحيث يستولي على الفكر ويشغل القلب، فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه، وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكن حينئذ الإيمان من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره، فحينئذ يستقيم له سيره، ويتضح له الطريق، وتراه ساكنا وهو يباري الريح: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: 88].


• الرفيق والطريق:

والمقصود أن القلب لما تحوَّل لهذا السفر طلب رفيقاً يأنس به في السفر، فلم يجد إلا معارضاً مناقضاً، أو لائماً بالتأنيب مصرِّحاً ومعرِّضا، أو فارغاً من هذه الحركة مُعرِضاً، وليت الكلَّ كانوا هكذا، فلقد أحسن إليك من خلاَّك وطريقك، ولم يطرح شره عليك، كما قال القائل:

أنَّا لفي زمن تركُ القبيح به
من أكثر الناس إحسانٌ وإجمال

فإذا كان هذا المعروف من الناس، فالمطلوب في هذا الزمان المعاونة على هذا السفر بالإعراض، وترك اللائمة والاعتراض، إلا ما عسى أن يقع نادراً فيكون غنيمة باردة لا قيمة لها.

وينبغي أن لا يتوقف العبد في سيره على هذه الغنيمة، بل يسير ولو وحيداً غريباً، فانفراد العبد في طريق طلبِه دليل على صدق المحبة.


• الموتى الأحياء والأحياء الموتى:

ومن أراد هذا السفر فعليه بمرافقة الأموات الذين هم في العالم أحياء، فإنه يبلغ بمرافقتهم إلى مقصده، وليحذر من مرافقة الأحياء الذين هم في الناس أموات، فإنهم يقطعون عليه طريقه، فليس لهذا السالك أنفع من تلك المرافقة، وأوفقَ له من هذه المفارقة، فقد قال بعض من سلف: "شتان بين أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم، وبين أقوام أحياءٍ تموت القلوب بمخالطتهم". فما على العبد أضر من عشائره وأبناء جنسه، فإن نظره قاصر وهمته واقفة عند التشبه بهم، ومباهاتهم والسلوك أيةً سلكوا، حتى لو دخلوا جحر ضب لأحب أن يدخل معهم.
...المزيد

فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض على ...

فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يركض على بغلته قِبَل الكفار. قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكُفُّها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي عباس! نادِ أصحاب السَّمُرة)، فقال عباس، وكان رجلا صيِّتا: فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السَّمُرة؟ قال: فوالله لكأنَّ عَطْفَتَهُمْ حين سمعوا صوتي عطفةُ البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك! يا لبيك! قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار. يقولون: يا معشر الأنصار! يا معشر الأنصار! قال: ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج! يا بني الحارث بن الخزرج! فنظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو على بغلته، كالمتطاول عليها، إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا حين حمي الوطيس). قال: ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصيات فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال: (انهَزَموا ورب محمد!)، قال: فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله! ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا".

والسَّمُرة، هي الشجرة التي بايع تحتها الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على القتال قبل صلح الحديبية، والتي سميت حينها بيعة الرضوان، لأن الله -تعالى- رضي عن الذين دخلوا في هذه البيعة.


• الفرار والتولي يوم الزحف:

وبالمثل فإن الفرار سجية ذميمة، عاقبتها قبيحة وخيمة، وقد يفِرُّ بفرار الرجل الجيش كله، فتكون بذلك الخيبة والخسران، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد جعله الله -تعالى- إحدى صفات المنافقين، وما أدل على خطورة الفرار من الحرب على جيش المسلمين من قصة المنافقين يوم أحد، إذ لم يكتفوا بالفرار من القتال بل جهدوا ليسحبوا معهم أكثر ما يستطيعون من جيش المسلمين ويقعدوهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر ابن كثير في قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167]: "خرج رسول الله -يعني حين خرج إلى أُحُد-في ألف رجل من أصحابه، حتى إذا كان بالشوط -بين أُحُد والمدينة- انحاز عنه عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس، وقال: أطاعهم فخرج وعصاني، ووالله ما ندري علام نقتُل أنفسنا هاهنا أيها الناس، فرجع بمن اتبعه من الناس من قومه أهل النفاق وأهل الريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم، أذكركم الله أن تخذلوا نبيكم وقومكم عندما حضر من عدوكم، قالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه وأبَوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم. ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم" [تفسير القرآن العظيم].

فإن الفارَّ من القتال إنما يخذُل بذلك المسلمين ويخذِّلهم، ويفتُّ في عضدهم ويوهن من عزيمتهم، فيتبعه في فراره ضعاف النفوس ومرضى القلوب، ممن آثروا الحياة الدنيا على الآخرة، وما علموا أن متاع الدنيا في الآخرة قليل، وأن اقتحام المكاره أكرم من العيش مع الخوالف.

تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا
ولكن على أقدامنا تقطر الدما

إن الله قد وعد عباده بالنصر، سواء قُتلوا أو غَلبوا، في الدنيا والآخرة، فإن العبد إذا تيقن بموعود الله -عز وجلَّ- له في هذه الدار ودار القرار، أقدم على إنجاز العقد الذي بينه وبين ربه، فيقتحم غمار الحتوف، باذلا جهده للقاء بارئه، لينال ما وعده، فإن عاش عاش عزيزا، وإن قتل كان شهيدا، وفي كل خير، فهو منصور بنيل إحدى الحسنيين، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

أين أصحاب السَّمُرة؟ إن لله في خلقه سننا، قدَّرها -عز وجل- بحكمته وسابق علمه، وإن هذه السنن لا ...

أين أصحاب السَّمُرة؟

إن لله في خلقه سننا، قدَّرها -عز وجل- بحكمته وسابق علمه، وإن هذه السنن لا تتبدل ولا تتحول، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا} [فاطر: 43].

فقد خلق الله -تعالى- الناس فجعل منهم المسلم والكافر، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ} [التغابن: 2]، والله قادر لو شاء على جمع الناس على التوحيد، ولكنه قدَّر بينهم الاختلاف، بل وخلقهم لذلك، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118- 119].


• سنَّة التدافع:

ولما كان الناس على ما ذكره الله من الاختلاف، انقسموا إلى فسطاطين، فسطاط إيمان وفسطاط كفر، وسنَّ الله بينهما التدافع والجلاد، وجعل الأيام بينهم دُوَلا، والحروب بينهم سجالا، وجعل الصراع بينهم قائما إلى قيام الساعة، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251]، قال البغوي في تفسيره: "قال ابن عباس ومجاهد: ولولا دفع الله بجنود المسلمين لغلب المشركون على الأرض، فقتلوا المؤمنين، وخربوا المساجد والبلاد، وقال سائر المفسرين: لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار لهلكت الأرض بمن فيها، ولكن الله يدفع بالمؤمن عن الكافر وبالصالح عن الفاجر" [معالم التنزيل].

وقد شرع الله للمسلمين الجهاد بادئ الأمر لرفع الظلم عنهم بعد أن أمرهم بكف اليد، قال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 22]، قال البغوي في هذه الآية: "كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله، فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول الله، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر رسول الله، فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية، وهي أول آية أذن الله فيها بالقتال" [معالم التنزيل].

ولما منَّ الله على المسلمين بالقوة والمنعة، وآتاهم من الأسباب ما يمكنهم به مقارعة عدو الله وعدوهم، كتب عليهم الجهاد لمحو الشرك، وفرض عليهم القتال لإزالة الفتنة، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].

كتب الله على المؤمنين القتال والجلاد وهو يعلم أنهم يكرهونه، رغم أنه خيرٌ كله، ففيه الأجر العظيم، والثواب الجزيل، وفيه العزة في الدنيا والنجاة في الآخرة، وفيه إظهار الدين ودفع الصائل وردُّ أذاه، وحذَّر الله المسلمين من الفرار وتولية الأدبار، وهو يعلم أن المرء يركن إلى الدَّعة والراحة، ومع أن الفرار من الزحف شرُّ كله، فهو من السبع الموبقات، وفيه الذلُّ في الدنيا والعذاب في الآخرة، وفيه تمكين للكافرين وذهاب بيضة الدين، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].


• يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا

وإن الله لما كتب على المسلمين القتال، أمرهم بالصبر والثبات، إذ لا يقوم الجهاد إلا بهما، وأمرهم بما يعين عليه من ذكر وطاعة ولزوم الجماعة، ونهاهم عن الفرار، وحرَّم عليهم ما يعين عليه من فرقة وتنازع، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45 - 46]، قال ابن كثير في تفسيره: "فأمر –تعالى- بالثبات عند قتال الأعداء والصبر على مبارزتهم، فلا يفروا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا الله في تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينوا به ويتكلوا عليه، ويسألوه النصر على أعدائهم، وأن يطيعوا الله ورسوله في حالهم ذلك. فما أمرهم الله -تعالى- به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضا فيختلفوا فيكون سببا لتخاذلهم وفشلهم" [تفسير القرآن العظيم].

فالثبات خصلة عظيمة، وشيمة كريمة، وقد يثبت بثبات الرجل الجيش كله، فيكون بذلك النصر والتمكين بإذن الله، كما حدث بثبات النبي -صلى الله عليه وسلم- ونفر من أصحابه يوم حنين.
فقد ذكر مسلم في صحيحه عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: "شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نفارقه، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بغلة له بيضاء، أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي.
...المزيد

إنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ إن دين الأنبياء ...

إنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ

إن دين الأنبياء -عليهم السلام- كلهم واحد، وهو الإسلام لرب العالمين سبحانه، وإن كان قد شرع لأتباع كلٍّ منهم من العبادات ما اختصهم به دون سواهم، وأمرهم بالالتزام بها، وعدم الخروج عليها، وابتلاهم بذلك، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جعلْنا مِنْكُمْ شِرْعةً ومِنْهاجًا ولوْ شاء اللّهُ لجعلكُمْ أُمّةً واحِدةً ولكِنْ لِيبْلُوكُمْ فِي ما آتاكُمْ} [المائدة: 48].

وإن مما تشابه فيه الأنبياء جميعهم، عداوتهم للمشركين، وعداوة المشركين لهم، وحرص أعداء الدين على إطفاء نور الله، وإرجاع المؤمنين عن دينهم، ليكونوا سواء في الكفر كلهم، وإن اختلفت وسائلهم في ذلك بحسب مدى قوة المشركين، ومدى استضعاف الموحدين.

فمنهم من هدد المؤمنين بالنفي والإخراج من الديار، كما في قولهم: {لنُخْرِجنّك يا شُعيْبُ والّذِين آمنُوا معك مِنْ قرْيتِنا أوْ لتعُودُنّ فِي مِلّتِنا} [الأعراف: 88]، ومنهم من توعدهم بالتعذيب والإيذاء، كقولهم: {لئِنْ لمْ تنْتهُوا لنرْجُمنّكُمْ وليمسّنّكُمْ مِنّا عذابٌ ألِيمٌ} [يس: 18]، ومنهم من توعدهم بقطع الأعضاء والتصليب، كما في قول فرعون: {لأُقطِّعنّ أيْدِيكُمْ وأرْجُلكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمّ لأُصلِّبنّكُمْ أجْمعِين} [الأعراف: 124]، ومنهم من سلط عليهم ما هو أشد من ذلك وهو القتل والتحريق، كما قال الله -تعالى- عنهم: {فما كان جواب قوْمِهِ إِلّا أنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أوْ حرِّقُوهُ فأنْجاهُ اللّهُ مِن النّارِ إِنّ فِي ذلِك لآياتٍ لِقوْمٍ يُؤْمِنُون} [العنكبوت: 24]، وهو ما حدث فعلا مع إبراهيم -عليه السلام- وأصحاب الأخدود.

ولو تتبعنا ردود فعل الموحدين على عداوة قومهم لهم، لوجدناهم لا يخرجون عن القيام بما أمرهم الله به، من الصبر على دينهم، وتحمل أذى المشركين، أو الهجرة من ديارهم، أو رد عدوانهم ومقاتلتهم، أو حتى ابتدائهم بالقتل والقتال، وذلك كله تبعا لأمر الله عز وجل، وما يأذن به لعباده من الوسائل التي تعينهم على حفظ دينهم، ومرضاة ربهم.

فمنهم من أطاع الله -تعالى- بالصبر على أذى المشركين إذ لم يكن أمامه إلا الصبر، وبقي على ذلك حتى لقي الله، كأصحاب الأخدود، وكحال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحابته قبل الهجرة، ومنهم من أطاع الله -تعالى- عندما أمره بالخروج من أرضه، كموسى -عليه السلام- الذي أمره ربه جل جلاله حيث قال: {ولقدْ أوْحيْنا إِلى مُوسى أنْ أسْرِ بِعِبادِي فاضْرِبْ لهُمْ طرِيقًا فِي الْبحْرِ يبسًا لا تخافُ دركًا ولا تخْشى} [طه: 77]، وغيره من الأنبياء، ومنهم من أطاع الله -تعالى- عندما أمره بكف الأذى عن نفسه، والانتصار لدينه بقتال المشركين، كما قال تعالى: {وكأيِّنْ مِنْ نبِيٍّ قاتل معهُ رِبِّيُّون كثِيرٌ فما وهنُوا لِما أصابهُمْ فِي سبِيلِ اللّهِ وما ضعُفُوا وما اسْتكانُوا واللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِين} [آل عمران: 146].

وقد أمرنا الله معاشر المسلمين أن نذود عن ديننا، ونحمي أنفسنا وأعراضنا وأموالنا، بالقتال في سبيله، وبذل النفوس في مرضاته، فقال -سبحانه- لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فقاتِلْ فِي سبِيلِ اللّهِ لا تُكلّفُ إِلّا نفْسك وحرِّضِ الْمُؤْمِنِين عسى اللّهُ أنْ يكُفّ بأْس الّذِين كفرُوا واللّهُ أشدُّ بأْسًا وأشدُّ تنْكِيلًا} [النساء: 84]، وما لنا إلا أن نطيع الله فيما أمرنا به، كما أطاعه من قبلنا من المسلمين فيما أمروا، فجازاهم على ذلك خير الجزاء.

وكيف لنا أن نقعد عن قتال المشركين، ونحن نعلم علم اليقين أنهم لا يرقبون فينا إلّاً ولا ذمة، وإن ظهورهم علينا يعني أن يسومونا سوء العذاب، حتى يخرجونا من توحيدنا إلى شركهم، ومن إيماننا إلى كفرهم، مصداقا لقوله تعالى: {إِنّهُمْ إِنْ يظْهرُوا عليْكُمْ يرْجُمُوكُمْ أوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلّتِهِمْ ولنْ تُفْلِحُوا إِذًا أبدًا} [الكهف: 20]، وقوله تعالى: {ولا يزالُون يُقاتِلُونكُمْ حتّى يرُدُّوكُمْ عنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتطاعُوا} [البقرة: 217].

فيا جنود الدولة الإسلامية، ما هي والله إلا أن نقاتلهم، حتى ينصرنا الله عليهم، ونحكّم شرع الله فيهم، وإما أن يظهروا علينا، فيحكّموا فينا شريعة الطاغوت، هما خياران لا ثالث لهما، وما لنا بعد الله -تعالى- إلا القتال حتى يحكم الله بيننا وبين القوم المجرمين.

ولئن قتلنا كلنا، والسيوف في أيدينا، فنكون بإذن الله من الشهداء، لهو خير لنا من أن نحيا والأغلال في أعناقنا، مستضعفين أذلاء، فسيروا في الطريق الذي اختاره لكم مولاكم، تنجوا في الدنيا والآخرة، قال ربكم جل وعلا: {كُتِب عليْكُمُ الْقِتالُ وهُو كُرْهٌ لكُمْ وعسى أنْ تكْرهُوا شيْئًا وهُو خيْرٌ لكُمْ وعسى أنْ تُحِبُّوا شيْئًا وهُو شرٌّ لكُمْ واللّهُ يعْلمُ وأنْتُمْ لا تعْلمُون} [البقرة: 216]، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 98
الخميس 1 محرم 1439 ه‍ـ
...المزيد

ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه يتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق الوَحدة بين المسلمين التي تظهر في ...

ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه

يتقاطع الحج مع الجهاد في تحقيق الوَحدة بين المسلمين التي تظهر في مظاهر الاجتماع من كل أقطار الأرض بلباس وشعار ونسك واحد، لكنها وَحدة مؤقتة بميقات الحج سرعان ما تتلاشى، ولا سبيل لإقامتها وإدامتها إلا بالجهاد خلف إمام يقيم الشرائع ويعظم الشعائر ويذيب الفوارق ويصهرها في بوتقة الإسلام.

ويتقاطع الحج مع الجهاد في بقائهما إلى قيام الساعة، لكن مقارنة بحجم المؤامرات المحدقة بالحرم وبلاد الوحي، ندرك أن الجهاد هو الأجدر بصون شعيرة الحج وسائر الشعائر، وقد يخفى هذا اليوم على الكثيرين ولكن لن يدوم خفاؤه مستقبلا، ولعل هذا من حِكم الله تعالى في بقاء الجهاد إلى قيام الساعة.

نخلص من كل ما سبق إلى أسباب تفضيل جهاد الفريضة على فريضة الحج، وأنه كلما اشتدت المحنة والهجمة على الإسلام؛ اشتدت الحاجة إلى الجهاد وتجلّت حكمة تفضيله وعلوه على ما سواه حتى احتل الذروة بلا منازع.

ولذلك يجب على المسلمين أن يقدِروا الجهاد قدره وينزلوه منزلته فإنه صمام أمانهم وسبيل نجاتهم والوسيلة الربانية التي اختارها الله لهم لحماية دينه وإعزاز شرعه، وبهذا سبق الجهاد والمجاهدون.

ختاما نسأله تعالى أن يتقبل من إخواننا المسلمين حجهم، وأن يهديهم سبيل نبيهم في الجهاد فهو تجارة لا تبور، وهم بحاجته أشد ما يكونون، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.


المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 498
" بين الجهاد والحج "
...المزيد

لئن وقف الناس بعرفات فلقد وقفتم موقف الموت أيها المجاهدون المرابطون على ثغور الشريعة، إن لكم ...

لئن وقف الناس بعرفات فلقد وقفتم موقف الموت


أيها المجاهدون المرابطون على ثغور الشريعة، إن لكم أجر السائرين الساعين في بيت الله الحرام بالنية وإنْ لم تحجوا البيت، كما قال ابن رجب: "القاعد -يعني عن الحج- لعذر، شريك للسائر وربما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم".

فكيف وأنتم نقيض القعود ومادة الجهاد وسُعاته وكماته ورأس حربته في هذا الزمان الذي تمايزت فيه الصفوف تمايزا لم نشهده من قبل.

ولئن وقف الناس بعرفات وفاتكم ذلك، فلقد وقفتم موقفا يحبه الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وقفتم على ثغور المسلمين تذودون عن حياض الشريعة وبيضة الإسلام، وتذكروا أن القاسم الأكبر بين الحج والجهاد هي ملة إبراهيم -عليه السلام- الذي يطغى اسمه على مناسك الحج من أولها إلى آخرها التي تضج بالتوحيد لله تعالى، والجهاد اليوم هو التطبيق العملي لتلك الملة التي أوحى الله إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- باتباعها فتأمل.

معاشر الأجناد، نظرنا في كتب الوعظ فلم نجد موعظة أبلغ من الوصية بالتقوى فاتقوا الله وأطيعوه، ونظرنا في كتب التوحيد فلم نجد أحكم له وأضبط من المفاصلة ففاصِلوا المشركين واعتزلوهم، ونظرنا في كتب الرقائق فلم نجد أنفع للقلب من الورع والخشية، فتورعوا عن مواطن الريبة، واخشوا ربكم سبحانه، {فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.


المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 497
" يا جنود الله هبوا "
...المزيد

المجلس السوري للإفتاء أصدر فتوى في حكم الثأر والانتقام وقد أيد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ...

المجلس السوري للإفتاء أصدر فتوى في حكم الثأر والانتقام
وقد أيد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا هذه الفتوى وقال: خطوات أولى عظيمة للحكومة السورية‌!


(الفرق بين علماء الإسلام وعلماء الصليب)

في الدولة الإسلامية على مر التاريخ؛ عندما تصدر فتوى من أهل العلم في مسألة معينة يؤيدها علماء آخرون، وهذا طبيعي في الفقه الإسلامي.

أما عند حكومة سوريا الحرة التي يقودها الطاغوت الجولاني (الإرهابي السابق) عندما تصدر فتوى من سحرته وأحباره ومجلس إفتائه توافق القانون البشري يؤيدها المبعوث الأمريكي الصليبي! فشتان شتّان.
...المزيد

إلى قيام الساعة أيها المجاهدون سرعان ما تمضي العشر وتنقضي أيامها ويبقى الجهاد ماضيا وسيفه مشرعا ...

إلى قيام الساعة

أيها المجاهدون سرعان ما تمضي العشر وتنقضي أيامها ويبقى الجهاد ماضيا وسيفه مشرعا وركبه مسرعا لحق به السابقون وتخلف عنه المخلَّفون، ولئن كانت مواسم الطاعة ونفحاتها تنقضي بانقضاء الشهور والدهور، فقد أبقى الله لكم بفضله الجهاد موسما أبديا لا ينقضي إلى قيام الساعة، فأحسنوا اغتنامه فإنّه عزكم في الدنيا والآخرة، والله لا يخلف الميعاد.


المصدر:
افتتاحية صحيفة النبأ العدد 497
" يا جنود الله هبوا "
...المزيد

ما نسيناكم إلى إخواننا الأسرى صابروا مر الألم بحلو اليقين، والوحشة بذكر الله، والأنس بكتابه ...

ما نسيناكم

إلى إخواننا الأسرى صابروا مر الألم بحلو اليقين، والوحشة بذكر الله، والأنس بكتابه حفظا وتدبرا وفهما، فهذا زاد المتقين


فإننا والله ما نسيناكم ولن ننساكم، كيف وأنتم أرقنا الدائم وهمنا الذي لا يبرح؟
نسأل الله أن يجعل فك أسركم على أيدينا وكسر سجونكم بأسلحتنا وحديدنا، وما ذلك على الله بعزيز.

من الكلمة الصوتية (هذا ما وعدنا الله ورسوله)
لأمير المؤمنين أبي بكر البغدادي - تقبله الله -
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً