الأحدث إضافة

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان [2/2] 4 . مقدار ما يُقرأ في كل ركعة: لم يرد في السنة عدد ...

صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
[2/2]

4 . مقدار ما يُقرأ في كل ركعة:

لم يرد في السنة عدد معين من آيات القرآن يُقرأ بها في قيام الليل، إلا أن هناك آثار يَستأنس بها المسلم في عبادته، فقد مر أن الصحابة كانوا يقرؤون فيها بالسور المئين التي تقارب المائة آية، وروي عن أبي عثمان: أن عمر -رضي الله عنه- جمع القرّاء في رمضان فأمر أخفهم قراءة أن يقرأ ثلاثين آية، وأوسطهم خمسا وعشرين، وأثقلهم قراءة عشرين، وأمر عمر بن عبد العزيز القرّاء في رمضان أن يقوموا بست وثلاثين ركعة، ويوتروا بثلاث ويقرؤوا في كل ركعة عشر آيات» [مختصر قیام اللیل للمروزي].

5. الختم في التراويح والقراءة من المصحف فيه:

قال شيخ الاسلام ابن تيمية، رحمه الله: «وأما قراءة القرآن في التراويح فمستحب باتفاق أئمة المسلمين، بل من أجلّ مقصود التراويح قراءة القرآن فيها ليسمع المسلمون كلام الله، فإن شهر رمضان فيه نزل القرآن وفيه كان جبريل يدارس النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن، (وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن)» [الفتاوى الكبرى]، ويجوز أن يُقرأ من المصحف في التراويح كما روي ذلك عن عائشة -رضي الله عنها- وغيرها من السلف، وسُئِل ابن شهاب -رحمه الله- عن الرجل يَؤُمُّ الناس في رمضان في المصحف، فقال: «ما زالوا يفعلون ذلك منذ كان الإسلام، كان خيارنا يقرؤون في المصاحف» [مختصر قیام اللیل للمروزي]، ويجوز أن يجتمع الناس عند ختم القرآن، قال النووي في آداب حملة القرآن: «يستحب حضور مجلس ختم القرآن استحبابا متأكدا»، وقال: «وروى الدارمي وابن أبي داود بإسنادهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه كان يجعل رجلا يراقب رجلا يقرأ القرآن، فاذا أراد أن يختم أعلم ابن عباس فيشهد ذلك»، ولكن لم يثبت عن السلف الصالح حفلات الأناشيد والحلويات وغيرها من الأمور المستحدثة، التي يجب تجنبها، حتى لا يقع المرء في البدع.

6. بعض ما لا ينبغي في التراويح:

• تسريع الإمام في القراءة والصلاة بحيث لا يتمكن كثير من الناس -لا سيما المرضى وكبار السن- أن يفهموا ما يُتلى من القرآن أو أن يدركوا أركان الصلاة.

• خروج بعض الناس قبل إتمام التراويح، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام ليلة) [أخرجه الترمذي والنسائي وغيرهما].

• من المنكرات أن يتخذها الناس محلا للمناظرات في ركعاتها، فترى من اتبع حديث عائشة -رضي الله عنها- يتهم من يصلي عشرين ركعة بالبدعة، ويتعصّب صاحب العشرين لعمله وكأنه محل إجماع، فيفوتهم خير كثير، ولو ردوا الأمر إلى السنة وفهم السلف لرضوا وعبدوا الله بما يحب.
خامسا: صور من قيام السلف الصالح، رحمهم الله
1 - عن عبد الله بن قيس قال: «دخلتُ على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فقالت: يا عبد الله لا تَدَع قيام الليل، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى وهو قاعد» [رواه أبو داود].

2 - وعن أبي عثمان النهدي قال: «تضيفت أبا هريرة سبعة أيام -أي نزلت ضيفا عليه- فكان هو وزوجته وخادمه يقتسمون الليل ثلاثا؛ الزوجة ثلثا، وخادمه ثلثا، وأبو هريرة ثلثا» [رواه أحمد].

3 - وكان ابن مسعود -رضي اللهُ عنه- إذا هدأتِ العيونُ قام فيُسمعُ له دويٌّ كدويِّ النحلِ حتى يصبح.

4 - وعن نافعٍ أنّ ابن عمر -رضي الله عنهما- كلما استيقظ من الليل صلّى.

وذكر آثار السلف لا ينحصر في مثل هذا المقام.
إن ‏ رمضان شهر عظيم مبارك تُضاعف فيه الأجور، فعلى المسلمين عموما وعلى جنود الدولة خصوصا أن يتجهوا فيه إلى الله -عز وجل- بكل ما يستطيعون فعله من جهاد، وقيام، وتلاوة قرآن، ونفقة مال، فأبواب الخير كثيرة وغير محصورة.
نسأل الله تعالى أن يجعل شهر رمضان علينا باباً للمغفرة والعتق من النار، وأن يفتح لعباده المؤمنين البلاد وقلوب العباد، وأن يمكن لهم في الأرض، اللهم آمين.


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: صلاة التراويح .. وقيام ليالي رمضان
...المزيد

أهم أحكام الصيام (2/2) - الحكمة من الصوم: للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة ...

أهم أحكام الصيام

(2/2)
- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.

- عقوبة المفطر من غير عذر:

يراد بالعقوبة هنا: الجزاء الدنيوي المترتب على من أفطر عمدا في رمضان من غير عذر شرعي.
وعقوبته متفرعة عن اعتقاده في حكم الصيام، فمن ترك صوم رمضان بلا عذر مع كونه لا يجحد وجوبه، فهذا يعاقب ويعزّر بالجلد أو بحبسه أو بما يراه الإمام من عقوبات رادعة له ولغيره، ومن ترك الصيام مع استحلاله لتركه فهذا مرتدّ يُستتاب من ردّته، فإن لم يتب، يُقتل ردةً بلا خلاف.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إذا أفطر في رمضان مستحلّا لذلك، وهو عالم بتحريمه استحلالا له، وجب قتله، وإن كان فاسقا عوقب عن فطره في رمضان بحسب ما يراه الإمام» [مجموع الفتاوى].

- مستحبات الصوم:

مستحبات الصيام كثيرة، أهمها:
1. السحور، ويستحب تأخيره إلى قبيل طلوع الفجر.
2. الدعاء أثناء الصوم وعند الإفطار.
3. تعجيل الإفطار بعد غروب الشمس.
4. الإفطار على رطبات وترا، فإن لم يكن فعلى تمرات، وإلا فعلى ماء.
5. تفطير الصائمين.
6. الإكثار من النوافل كـ (قيام الليل بالتراويح والتهجد، وقراءة القرآن، والصدقة، والاعتكاف في المسجد... إلخ).
وغير ذلك من الطاعات الكثيرة.
مكروهات الصوم
1. المبالغة في المضمضة والاستنشاق.
2. إكثار الكلام بغير ذكر الله وبلا ضرورة.
3. تذوّق الطعام من غير حاجة.
4. الإكثار من الطعام والشراب عند الإفطار.
مباحات الصوم
1. تأخير اغتسال الجنب والحائض والنفساء (إذا طهرتا) إلى ما بعد الفجر.
2. بلع ما لا يمكن الاحتراز عنه كالريق وغبار الطريق ونحوهما.
3. تذوّق الطعام للحاجة (كطهو الطعام أو إطعام طفل).
4. شم الروائح (الطيب أو الطعام).
5. صب الماء على رأس الصائم وجسده، وكذلك النزول في الماء والانغماس فيه.
6. التداوي بما لا يصل إلى الجوف كزرق الإبرة (غير المغذية) في العضلة أو الوريد.

- مبطلات الصوم:

1. نقض شرط من شروط صحة الصيام، مثل ردة المسلم، وجنون العاقل، والحيض والنفاس للمرأة.
2. نقض ركن من أركانه، كمن تعمّد الأكل والشرب (أما إذا أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر)، والجماع وإنزال المني بتعمد (أما الاحتلام في نهار رمضان فلا يبطل الصوم).
3. تعمد إخراج القيء (أما إذا غلبه القيء فلا شيء عليه).
4. إخراج الدم بالحجامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) [صحيح، رواه أبو داود وغيره].
وختاما، نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا الصيام والقيام والجهاد وسائر الأعمال، وأن يعيد علينا شهر رمضان وقد فتحت لنا بغداد ودمشق، وفُكّت قيود الأسرى والأسيرات من سجون الطغاة...
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 نعمة التمكين.. عضّوا عليها بالنواجذ بعد قرن من الزمن مَلأت فيه الأحزاب ...

صحيفة النبأ العدد 37
نعمة التمكين.. عضّوا عليها بالنواجذ


بعد قرن من الزمن مَلأت فيه الأحزاب والتنظيمات والفصائل المنتسبة للشريعة الدنيا ضجيجا بالحديث عن الدولة الإسلامية وإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله، صرنا نراها اليوم تتهرب من هذه الغاية، بل وتعاديها، وتحارب من يقيمها ويدعو الناس إليها، بل وصار قادتهم لا يستحون من الجهر بأنهم لن يقيموا الشريعة حتى لو وصلوا إلى الحكم، أو مكّن الله لهم في الأرض، وصار بعضهم يجهر بأنهم سيقيمون أنظمة ديموقراطية شركية، ودولا مدنية علمانية.

وبعد سنوات طويلة من القتال بذلت فيها التنظيمات أثمانا كبيرة من دماء أنصارها وأعمارهم في سبيل إسقاط الأنظمة الطاغوتية، والوصول إلى الحكم محلها، وتحقيق التمكين في الأرض، باعتبار ذلك من المقدمات الضرورية لإقامة الدين، صار قادة الفصائل والأحزاب يعلنون على الملأ لأنصارهم وأعدائهم على حد سواء أنه لا ينبغي لهم أن يستولوا على حكم أي بلد من البلدان، ولا أن يظهروا تمكينهم في أي قطعة من الأرض يستولون عليها، ما يعني بالضرورة أن يلغوا النتيجة المرجوة وهي إقامة الدين، وذلك بزوال مقدماته التي سعوا لتحقيقها كما كانوا يزعمون، خوفا من إغضاب المشركين أو استفزاز المنافقين.

فوجدنا في التجارب من يقاتل لسنوات، وعند انتهاء المعارك يرضى بتسليم الحكم للعلمانيين، ويكون أقصى رجائه منهم أن يسمحوا له بالعيش في ظلّ قانونهم الجاهلي، فلا يؤذوه أو يقتلوه أو يسلموه لغيرهم من الطواغيت، فتنتهي حياته مشنوقا أو سجينا مؤبدا أو ذليلاً مدجّناً.

ووجدنا من يقاتل لسنوات، حتى إذا تمكّن في الأرض وأزال عنها طاغوتا، صار هو طاغوتا بوجهٍ جديد وذلك بامتناعه عن تحكيم الشريعة، وإبقائه على القوانين الوضعية، وحمايتها، وقتال من يجاهد لإزالتها، كحال مرتدّي الفصائل الممتنعة عن تحكيم الشريعة في بعض مناطق الشام، وحركة طالبان الوطنيّة في خراسان وحركة حماس الإخوانيّة المرتدّة في غزة.

ووجدنا من يقاتل لسنوات، فإذا زال حكم الشرك عن جزء من الأرض، ومكّنه الله منها، صار أقصى همّه ألّا يظهر عليه شيء من مظاهر التمكين، كي لا يُطالَب بإقامة الشريعة فيما تحت يده من بلادٍ أو عباد، فيدفعها للأيادي الخبيثة يحكمونها بقوانينهم المدنيّة «الديمقراطية» وأعرافهم القبلية الجاهلية وغيرها من شرائع الشرك، كما حدث مع قاعدة الظواهري في اليمن.

ومنهم من لم يتوقف عند هذا الحد بل تجاوزه بالسعي إلى إزالة حكم الله بقتاله الدولة الإسلامية، ومحاربتها لاستلاب الأرض منها، وإلحاقها بجملة ما يحكم بالقوانين الجاهلية، بل والاستعانة بالصليبيين وطواغيت العرب وإعانتهم لتحقيق هذا الغرض، كحال مرتدي الصحوات في الشام اليوم.

وقد منّ الله على الدولة الإسلامية أن أعرضت عن هذا كلّه، فهي تعلن في كل مناسبة أن الغاية من قتالها هو لتكون كلمة الله هي العليا، وأن جهادها للكفار والمنافقين لن يتوقف حتى يكون الدين كله لله، وتسعى جهدها لأن تكون ثمرة هذا القتال هو تحقيق التمكين في الأرض، لا طلبا لعلو فيه، أو سعيا لسلطان وجبروت، ولكن لأن إقامة الدين كاملا لا يكون إلا من خلاله.

وتبذل كل ما تملك للحفاظ على هذا التمكين لأن فيه حفظا للدين، ولسيادة حكم الله في الأرض، فإن اضطرت إلى المفاضلة بين خسارة الأرض أو التبديل وتغيير الدّين، فضّلت الثبات على الدين ولو انحازت من كل أرض، ولا يكلّف الله نفسا إلا وسعها.

إن الواجب المتحتم على كل المسلمين أن يجاهدوا لإزالة حكم الطواغيت من الأرض، وأن يسعوا إلى تحقيق التمكين ما وسعهم ذلك، وأن يحرصوا على أن لا يعود حكمها للطاغوت أياً كان شكله ووصفه، فلا يوقفوا قتالهم حتى يكون الدين كله لله، كاملا غير مجزوء ولا منقوص، وأن يكون عملهم هذا جزءا من جهاد المسلمين كلهم تحت راية الخلافة المباركة، فتصبح كل أرض يُمكَّن فيها للموحدين وتقام فيها أحكام الدين جزءا من دار الإسلام مهما تباعدت المسافات بينها، وتتبع لأمير واحد هو إمام المسلمين، وأن يدافعوا عن ذلك لأنه من نعم الله التي لا تعادلها نعمة في الدنيا، فإن زالت أرضٌ مِن يَدِهم أعادوا كَرَّة جهادهم حتى يستعيدوها ويقيموا الدين من جديد، ويستمروا على ذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك هي صفة الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خالفها ولا من خذلها، والعاقبة للمتقين.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ
...المزيد

أهم أحكام الصيام (1/2) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى ...

أهم أحكام الصيام
(1/2)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وعلى كل مسلم تحقيق هذا الركن ليتم إسلامه، ولا يمكنه ذلك إلا بمعرفته لأهم أحكام الصيام في رمضان.

- تعريف الصوم:

الصوم لغةً: مِن صَامَ يَصُومُ، والمصدر منه صَومَاً وصِيَامَاً، والصوم هو الإمساك عن الشيء، سواء كان طعاما أو شرابا أو كلاما أو غير ذلك، قال تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيَّاً} [سورة مريم: 26]، فـ (صَوْماً) وردت هنا بمعنى: إمساكا عن الكلام [لسان العرب، لابن منظور].

والصوم شرعاً: الإمساك عن المفطرات (من الطعام والشراب والجماع)، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع النية.

- حكم الصوم:

صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وواجب (فرض) على كل مسلم، بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، وقال سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [سورة البقرة: 185].

وقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «بُني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» [متفق عليه].

وقد أجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان على المسلمين، وأن من أنكر وجوبه كفر [مراتب الإجماع، لابن حزم].

- شروط وجوب الصوم:

لا يجب الصوم إلا على:
1. المسلم: فلا يصح صيام الكافر.
2. العاقل: فلا يجب على المجنون.
3. البالغ: فلا يجب على الصبي، ولكن يستحب أن يُدرَّب عليه ليتعوده عند البلوغ.
4. الصحيح: فلا يجب على المريض الذي يزيد الصوم في مرضه أو يؤخر في شفائه.
5. المقيم: فلا يجب على المسافر، ويستحب له الصوم إن لم يجد فيه مشقة.
6. القادر: فلا يجب على من لا يطيقه، كالكبير في السن، والمريض الذي لا يُرجى شفاؤه، والحامل والمرضع إذا كان الصوم يضر بهما أو بولديهما.

- أركان الصوم:

1. النية: ومحلها القلب، ويكفي أن تنوي منذ أول يوم من أيام شهر رمضان صيام الشهر كله، ويقوم مقام النية الاستعداد للصيام بالقيام للسحور وتحري وقت الفجر للامتناع عن المفطرات ونحو ذلك.
2. الإمساك عن المفطرات: وهي الأكل والشرب والجماع (يعني الإمساك عن شهوتي البطن والفرج).
3. الزمان: ووقت الصوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس.

- فضل الصوم:

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدّم من ذنبه) [رواه البخاري].

فإن صُمت رمضان (إيمانا) منك بأن صيامه فرض من الله تعالى يجب أداؤه، فقد حققت الشرط الأول في الحديث، وإن صُمت رمضان (احتسابا) للأجر والمثوبة من الله تعالى، ولم تصم رمضان رياء وسمعة، فقد حققت الشرط الثاني في الحديث، ولك بعد ذلك البشارة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بـ (مغفرة ما تقدّم من ذنبك) إن شاء الله.

- الحكمة من الصوم:

للصوم فوائد عظيمة كثيرة، مدارها كلها على الحكمة التي شرع الله تعالى لأجلها الصيام، وهي (التقوى)، والتي تتمثل بأداء ما أمرنا الله به، والكف عما نهانا عنه سبحانه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: 183]، و(لَعَلَّ) هنا للتعليل، أي: لأجل أن تتقوا الله، فتتركوا ما حرّم الله، وتقوموا بما أوجب الله.

- حكم تارك الصوم:

من ترك الصوم في رمضان لعذر فلا شيء عليه، كمن تركه لمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار.
أما من ترك صيام رمضان بلا عذر شرعي فيُنظر حاله، فإن كان تركه للصيام لشهوة طعام وشراب وجماع أو نحو ذلك وأنه كان مُقرّا بوجوب صيام رمضان وركنيّته في الإسلام، فهذا فاسق مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

أما من جحد وجوب الصوم -كأن قال مثلا: لا يوجد في الإسلام صيام رمضان- فهذا كافر بإجماع الفقهاء، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من الدين بالضرورة، وهو ركن بُني عليه الإسلام، ومن جحده واستحل فطره فقد نقض أصل الدين.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقالة:
أهم أحكام الصيام
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/1]

المدينة التي خرج منها الطيار الأردني المرتد معاذ الكساسبة، لقصف وحرب الدولة الإسلامية، خرج منها أبو سهل الأردني قبله بسنوات، نصرةً للدولة الإسلامية وحرباً على أعدائها، وإعداداً وتهيئةً لفتح الأردن والمضي إلى بيت المقدس، بإذن الله.
ولد الفارس الداعية السهل مع إخوانه، العسر على أعدائه، المحب لله (وهو اسم أبي سهل الحقيقي) في مدينة الكَرَك الأردنية عام 1411 هـ، في بيت أدب وخلق والتزام وحشمة، ونشأ -رحمه الله- في ظل هذا البيت نشأة حسنة صالحة.

كان ذكياً متفوقاً في دراسته، فتيسّر له أن درس التمريض في (جامعة مؤتة) في الكرك، وتخرّج في الكلية بتقدير جيد، وكان في ظل دراسته الثانوية والإعدادية يتعلم في البيت الصالح على يد أبيه وأصدقائه العلم الشرعي، ويكثر من سماع الأشرطة الدعوية.

وكانت عنده رغبة جامحة للدعوة إلى الله، حتى صار إماما وخطيبا، وداعيا شفوقا في قومه، وكان جلّ دعوته آنذاك في الترغيب بالجنة والأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، والترهيب من النار والمعاصي وسوء الخلق.

كان محبوبا عند الخاصة والعامة، والقريب والغريب، حسن الخلق، رقيق القلب، سليم الصدر، سهل الشكيمة، صاحب حياء وأدب، محبا لإخوانه وخلوقا مع خلّانه، مشفقا على الفقير والمسكين والضعيف، معينا لأقاربه وأصحابه على نوائب الدهر، وذاع صيته بين الناس على ذلك.

- من ظلمات الجهميّة إلى ضياء التوحيد:

شاء الله أن تكون حياة أبي سهل الجامعية هي محطة تحوّل شخصيته، حيث وقع في فخاخ بعض مرجئة العصر وجهمية الزمان، بعد أن أحسن الظن بهم في أول الأمر لشدة تعلّقه بالسنة والأثر وحرصه على طلب العلم الشرعي، فصاحب بعضا من طلاب الجهمي الخبيث (مشهور حسن)، وشيخ الطاغوت ورأس الجهمية في الشام (علي بن حسن الحلبي)، أخزاه الله وأهلكه.

حتى قدّر الله هداية أبي سهل الأردني، وخروجه من أحضان الجهمية الجدد في الأردن، المتخفّين تحت ستار وشعار السلفية، وذلك بعد أن هيّأ له بعضا من أهل التوحيد وأنصار المجاهدين، فدلّوه على الطريق المستقيم، وبينوا له كذب أدعياء السلفية وضلالهم، وقد أثّر فيه كلامهم، وخاصة بعد أن حضر مناظرات بينهم وبين شيوخ التجهم والإرجاء، فطفق بعدها يبحث عن الحق ويلتمس الأدلة إلى أن هداه الله إلى ترك أولئك الضالين والتوبة عن سلوك طريقتهم المنحرفة.

-الصدع بالتوحيد والبراءة من الطاغوت وأهله:

بدأ أبو سهل الأردني يطلب التوحيد ويتعلم الولاء والبراء، ويدرس مسائل الأسماء والأحكام، وأصول الاعتقاد وفقه الجهاد، وشرع يأخذ الدين القويم بقوة، وبعد أن ثبت له بالأدلة الشرعية كفر طاغوت الأردن وجنوده وعساكره وشرطه وسائر أجهزته الأمنية، وسائر طواغيت العرب العملاء لليهود والصليبيين، المبدّلين لشرع الله المتين، صار يكفرهم ويبرأ منهم، ويعاديهم ويدعو إلى تكفيرهم وعداوتهم، بعد أن كان يسميهم ولاة أمر المسلمين ويعتقد طاعتهم بفعل تلبيس المضلّين.

وصار يدعو إلى التوحيد والكفر بالطاغوت، وكانت منطقته معروفة بكثرة انتساب أبنائها إلى الجيش والشرطة والمخابرات الأردنية، بل منهم من كانوا وزراء وضباطا «كبارا»، يستعين بهم طاغوت الأردن في محاربة الإسلام وحراسة اليهود، فكان -رحمه الله- يحذّر الناس من الدخول في هذه الردّة، ويناصح الجنود المرتدين ممن يعرفهم بذلك، حتى هدى الله على يديه وعلى أيدي إخوانه، أحد حراس اليهود من الجيش الأردني العميل المرتد، فترك هذا الجندي الجيش، وأعلن توبته، ونفر للجهاد مع الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية في العراق.

وقد كان أبو سهل الأردني، حريصا على هداية أهله وقومه ودعوتهم إلى التوحيد والجهاد، فيسر الله على يديه هداية أخيه الأكبر مهندس الكهرباء، فنفر بعده إلى الجهاد ولحقه إلى الدولة الإسلامية، ثم نفّذ عملية استشهادية على الرافضة في العراق أيضا، تقبله الله.


المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد أبو سهل الأردني من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب ...

صحيفة النبأ العدد 37 - قصة شهيد

أبو سهل الأردني
من التبعية لشيوخ الطاغوت.. إلى قيادة كتائب الموحّدين

[2/2]


- مع الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا:

وعندما يسّر الله لأبي سهل الهجرة، ودخل أول بيت أقلَّه في الشام، خرّ لله ساجدا شاكرا، ثم شرع في نصرة دين الله، وبدأ بأحب عمل إلى قلبه، ألا وهو الدعوة إلى التوحيد والجهاد، فبعد أيام قلائل من هجرته، خطب خطبة الجمعة على أحد منابر ريف حلب الشمالي، فما أنهى خطبته حتى أبكى الحاضرين، وحرضهم على اللحاق بالمجاهدين، فنفع الله به من أول مسيره في الجهاد، وأقبل عليه كثير من الناس، ثم نشط بعدها في ريف حلب وأقام عدة دروس ودورات وندوات.

ثم يسر الله له أن يعمل في مجال تخصصه (التمريض)، أميراً على مجموعة طبية في أشد جبهات ولاية حلب في ذلك الحين حربا وقتالا، المعروفة باسم (دويرينة والسكك)، فكان مطبباً للقلوب والأبدان، يدعو المجاهدين ويعلمهم ويحرضهم ويفتيهم، ويطبب أبدانهم ويسعف مصابهم، ويرابط معهم في الثغور... كل ذلك في همة ونشاط وعزيمة وحركة دائمة، وبشاشة لائحة على وجهه لا تفارقه حتى في أشد الاوقات، مع مزاح قليل، لتطبيب قلب العليل.

برزت شخصية الشيخ أبي سهل الأردني بين إخوانه المجاهدين، بما حباه الله من ذكاء وفطنة وحسن تدبير وتواضع، فتدرج في التكاليف الملقاة على عاتقه، فعمل شوطاً في ولاية حلب كداعية وواعظ وخطيب، ثم مسؤول نقطة طبية في الثغر، ثم مسؤولاً عن مضافة كبيرة للجرحى، ثم عمل أميراً لمنطقة الراعي في ولاية حلب، بعد تطهيرها من الصحوات، جاء هذا بعد قطع شوط كبير من الجهاد والقتال في ولاية دمشق، ثم كُلِّف أميراً على منطقة أكبر في ولاية حلب، فطلب الإعفاء، خوفاً من ثقل المسؤولية، لكنّ أمراءه رفضوا ذلك، لحسن سيرته ومحبة المجاهدين له، وكُلِّف بعد ذلك، نائباً لوالي البركة، فكان نعم الأمير، ونعم الناصح المشير.

- ومن يتّق الله يجعل له مخرجا:

لم تكن الإمارة كبيرة على أبي سهل رغم صغر سنه، ولم يكن كبيرا عليها لتواضعه، وحسن خلقه، وكان أكثر ما تولّاه من جوانب الإمارة في الولاية متابعة المظالم، والحرص على إزالة الظلم عن كل مسلم، ورغم انشغاله بأعباء العمل الثقيلة لم يترك وظيفته الأساسية في الدعوة إلى الله، فلا يترك اجتماعا مع الأمراء أو الجنود إلا ويذكرهم بالله، ويلقي فيهم كلمة يحضهم فيها على التقوى والثبات على التوحيد، واستمر في الخطبة في المساجد والصلاة بالناس لينفعهم بما لديه من علم، ويؤنسهم بصوته الجميل العذب.

وكان آخر ما تحمّله من مسؤوليات تكليفه إدارة القاطع الشرقي لولاية البركة الممتد بين بلدتي الهول وتل حميس، الذي كان فيه في ذلك الوقت أهم جبهات القتال ضد التحالف الصليبي وملاحدة الأكراد، فعمل على إعادة تنظيم الصفوف بعد انحياز المجاهدين من منطقة تل حميس، والإشراف على التجهيز للعمليات العسكرية ضد المرتدين.

وفي الوقت الذي نشطت فيها سرايا الانغماسيين في تبييت ثكنات المرتدين بالإغارات الليلية وإثارة الرعب في صفوفهم، لم يكن لأبي سهل أن يتخلف عن إخوانه في ذلك، فأصرّ على المشاركة في الانغماس خلف خطوط العدو، والانغماس في ثكناتهم فكان له ما أراد.

وبعد أن تقدمت السرية التي كان ضمنها خلف خطوط دفاع المرتدين لمسافة طويلة سيرا على الأقدام، بدأت عملية التسلل إلى إحدى ثكناتهم، حيث اشتبك المجاهدون مع أحد كمائن الملاحدة التي نشروها خلف خطوطهم لتصيد الانغماسيين، فقتل المجاهدون الكثير من عناصر الكمين، وانسحبوا من المكان قبل أن تصل المؤازرات، فلمّا تفقد العائدون بعضهم بعضا افتقدوا أميرهم أبا سهل، ليتبين لهم بشهادة أحد الجرحى أنه قتل أثناء الالتحام مع الملاحدة باشتباك قريب، فتقبله الله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.

وبعد مقتله -تقبله الله- وصلت رسالة قديمة بخط يده إلى أحد إخوانه ممن رافقه في طريق الدعوة في الأردن، وفي طريق الهجرة إلى الدولة الإسلامية، يشكو إليه فيها ما حُمِّل من تكاليف الإمارة، وكان مما جاء فيها: «وإنّي ابتليت بأمر جلل، وأسأل الله أن يعينني، وأن يجعل لي مخرجا، وبإذن الله سأزورك في أقرب فرصة، وإن لم يقدّر الله اللقاء في الدنيا، فأسأل الله أن نلتقي في مقعد صدق عند مليك مقتدر».

- غزوة أبي سهل الأردني:

وتقديرا من إخوانه له، وإكراما لسيرته، فقد أطلقوا اسمه على واحدة من أكبر غزوات جيش الخلافة، وهي عملية اقتحام مدينة البركة العام الفائت، التي سُمِّيَت (غزوة الشيخ أبي سهل الأردني تقبله الله)، وقدّر الله أن يلحق فيها الكثير من إخوان أبي سهل به في تلك الغزوة المباركة.

نسأل الله أن يتقبل أخانا، وأن يلحقنا به، وأن يهيأ لنا من شباب الأردن الموحّدين من يتابعون السير على خطاه في الدعوة إلى التوحيد وجهاد الطواغيت وأذنابهم، إنه على ذلك قدير.

المصدر: صحيفة النبأ - العدد 37
الثلاثاء 23 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد - أبو سهل الأردني
...المزيد

أكفّاركم خير من أولئكم (2/2) فعلى أي أساس يتم تقسيم أعضاء البرلمانات الذين جعلوا أنفسهم أندادا ...

أكفّاركم خير من أولئكم

(2/2)
فعلى أي أساس يتم تقسيم أعضاء البرلمانات الذين جعلوا أنفسهم أندادا لله، بتشريعهم القوانين الوضعية إلى قسمين، الأول يكون أهله طواغيت مشركين، والثاني ينسب أهله إلى الإسلام زورا وبهتانا؟ وما من قانون تشرعه تلك البرلمانات إلا وكل أعضاء البرلمان مشتركون في إصداره، سواء منهم من وافق عليه، أو من اعترض، فهم قد اشتركوا في التشريع جميعا.

وإذا بحثنا في أحكام بعض أولئك الضالين في قضايا الولاء والبراء، نجد أنهم ألّفوا المؤلفات، ونشروا الخطب والمحاضرات والكلمات في تكفير طواغيت جزيرة العرب، بناء على موالاتهم للصليبيين في حربهم على المسلمين، وحرضوا المسلمين على الخروج عليهم، بل قاتلوهم قتال طائفة مرتدّة، وقد أصابوا في ذلك، فلما وقع بعض أوليائهم في الفعل ذاته صاروا مجتهدين متأولّين، كما نرى اليوم في تولّي صحوات الشام للصليبيّين في قتالهم للدولة الإسلامية، بل بتنا نرى اليوم الفتاوى وهي تنهال من الشرق والغرب لتبرّر فعلهم، وتسمّيه بغير اسمه من قبيل أنه استعانة وليس إعانة، أو أنه مزامنة وليس معاونة، وغير ذلك من خدع التلاعب بالكلمات والحروف التي يخدعون بها السذج من جنودهم وأنصارهم.

فعلى أي أساس يكون الطواغيت من آل سعود كفارا مرتدين لقتالهم المسلمين إلى جانب الصليبيين، وإعانتهم عليهم، ودلّهم على عوراتهم، ويكون مرتدو صحوات الشام الذين يقاتلون الدولة الإسلامية تحت راية الصليب «مجاهدين» و«حماة للدين»؟ مع أن الاثنين وقعوا في الفعل ذاته ولديهما التأويلات الباطلة ذاتها التي يبرّرون بها موالاتهم للصليبيين، من قبيل أن من يحاربونهم من المسلمين «خوارج» أو «مفسدون في الأرض»، أو أنهم مضطرون لفعل ذلك دفعا لمفسدة أكبر، وغير ذلك من الأباطيل التي يروّجها علماء السلاطين على العامّة، وشرعيو الفصائل المرتدة على أتباعها.

فهذا غيض من فيض من الأمثلة والشواهد على تلاعب الفصائل والتنظيمات والأحزاب الضالة بأحكام الشريعة، وتناقضاتهم الفاضحة في أحكامهم على الأفعال، ومن يعمل بها، فإذا وقع غيرهم في الفعل المكفّر كان مستحقا لأن يقع حكم الكفر عليه، وإن وقعوا هم أو من يوالون في الفعل المكفر ذاته صار هذا الفعل «عملا صالحا»، مندوبا فعله أو «واجبا كفائيا تأثم الأمة المسلمة كلها إن تركته»، كما وصفه بعض أحبارهم.

ولو قلَّب أتباع تلك الأحزاب، وجنود تلك التنظيمات، وأنصار تلك الفصائل أعينهم في الواقع، لوجدوا أنهم يعيشون في عالم من التناقضات، ولمّا كان قادتهم وشيوخهم المتبوعون يعلمون هذه الحقيقة، اجتهدوا في حل هذه التناقضات والتخلص من تلك الإشكالات، فلم يجدوا أفضل من الإرجاء وعقائده الضالة لتبرير انحرافاتهم.

فصاروا يشترطون شروطا غير شرعية لتكفير من يقع في تلك الأفعال الكفرية، من قبيل الإقرار اللساني باستحلال الفعل المكفّر، أو القصد القلبي للخروج من الإسلام، بل ومال بعضهم ليصيروا من غلاة الجهمية، بأن جعلوا مجرد معرفة حكم تلك الأفعال المكفّرة مانعا من تكفيرهم، وإن عملوا بها، فصاغوا بذلك دينا جديدا، يوافق أهواءهم، ويخدم ضلالهم، فيستخدمونه سلاحا ضد خصومهم وأعدائهم، ويتدرعون به هم وأولياؤهم من إنكار المنكرين لشركهم وضلالهم، ويخدعون به الجهلة والسفهاء من أتباعهم.

إن الإسلام دين يحكم على الأفعال، لا على التسميات والألقاب، فمن أشرك بالله، وقع عليه اسم الشرك إلا أن يكون مكرها، ونالته أحكام الإسلام في المشركين، مهما كان له من سابقة وبلاء في الإسلام، ومهما كثرت مبرّراته الباطلة، وليعلم كل امرئ أن هذا الدين لله، ليس ملكا لحزب أو تنظيم أو فصيل أو لشخص، فيصوغه كما يريد، ويتلاعب به كما يشاء.

وليعلم كل مسلم أنه باتباعه لأهواء الناس في شركهم بالله يكون مثلهم، مهما كانت بواعثه وتأويلاته، ومهما كانت المنافع الموهومة التي يُزيَّن بها الشرك، كما في قوله: (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [سورة الأنعام: 56]، وقوله تعالى: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) [سورة البقرة : 120]، وقوله تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ) [سورة الرعد : 37].


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
أكفّاركم خير من أولئكم
...المزيد

أكفّاركم خير من أولئكم (1/2) وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا ...

أكفّاركم خير من أولئكم

(1/2)
وكذلك بيّن الله أن العقاب مرتبط بالمعصية، فمن فعلها كان مستحقا للعذاب والعقاب من الله، لذلك أنزل لقريش يحذرهم وبال شركهم ومعصيتهم، بعدما قصّ عليهم نبأ من ناله العذاب قبلهم من أقوام نوح وصالح ولوط جزاء لما فعلوه من المعاصي: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُولَٰئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [سورة القمر: 43]، قال القرطبي: «أي ليس كفاركم خيرا من كفار من تقدّم من الأمم الذين أُهلكوا بكفرهم» [الجامع لأحكام القرآن]، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن اللّه أخبر أن سنّته لن تُبَدّل ولن تتحول، وسنّته عادته التي يسوِّي فيها بين الشيء وبين نظيره الماضي، وهذا يقتضي أنه سبحانه يحكم في الأمور المتماثلة بأحكام متماثلة» [مجموع الفتاوى].

ومن المصائب التي ابتلي بها المسلمون في هذا الزمان وفي كل زمان، ما يرونه من تسلط بعض السفهاء على دين الإسلام، واتخاذه هزوا ولعبا، يقبلون منه ما اشتهوا، ويردّون منه ما كرهوا، بل والمصيبة الأكبر أنهم يجيزون لأنفسهم من المعاصي والضلال ما يحرّمونه على غيرهم، ويكفّرون أعداءهم ببعضها، فإن فعلوها هم أو من يحبّونهم صارت أعمالا صالحة يُتقرّب بها إلى الله.

وقد كان هذا دأب أهل الضلال في كل حين، فنجد أن المشركين كانوا يفعلون الفواحش من البدع ثم ينسبونها إلى الله، كما في قوله تعالى: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [سورة الأعراف: 28]، ونجد الضالين من بني إسرائيل يأمرون الناس بالطاعات ولا يفعلونها، كما في قوله تعالى: (أتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [سورة البقرة: 44]، ونجد من زنادقة الصوفية من كان يكذب على الناس فيزعم أنه غير مكلف بالعبادات لأنه أقرب إلى الله من باقي العباد، واليوم صرنا نرى من الفصائل والأحزاب التي تنسب نفسها للإسلام العجب العجاب في هذا الباب.

فتجدهم يقاتلون بعض الطواغيت، ويكفّرونهم على أفعالهم، ثم تجدهم يفعلون نفس أفعال الطواغيت، دون أن ينكر بعضهم على بعض، بل تجدهم يبرّرون لأنفسهم ولأحبابهم، ويحرفون الكلم عن مواضعه ليجعلوا أفعالهم الكفرية موافقة للشريعة، بل ويجعلونها من الأعمال الصالحات، إن لم تصبح من الواجبات في بعض الأحيان، التي يؤثّمون تاركها.

وهذا التناقض الحاصل لدى القوم مردّه إلى أنهم لا يطبّقون الحكم الواحد على الحالتين بمنهج واحد، فالقانون الوضعي الذي تحكم به المحاكم في مناطق الضفة الغربية من فلسطين تحت حكم الطاغوت محمود عباس هو القانون الوضعي ذاته الذي تحكم به المحاكم في قطاع غزة تحت حكم طواغيت الإخوان من أمثال إسماعيل هنية وحزبه.

فعلى أي أساس إذن تكون الحكومة في الضفة الغربية طاغوتية مرتدة، وتكون الحكومة في قطاع غزة حكومة «شرعية»؟!

والحال مشابه في مصر، فالطاغوت حسني مبارك كان كافر مرتدا في نظر الأحزاب والفصائل، لأنه يحكم بغير ما أنزل الله، فلما نزع الله منه الملك، وصار الطاغوت محمد مرسي حاكما لمصر، حكم بالقانون الوضعي ذاته الذي كان يحكم به مبارك، ولكن الأحزاب والفصائل أعطت لمرسي وحكومته وصف «الشرعية»، بالرغم أن هذا الفعل المكفر الذي هو الحكم بالقانون الوضعي قد وقع من الطاغوتين كليهما.

فعلى أي أساس يكون الطاغوت (حسني) مرتدا يجب على المسلمين الخروج عليه وجهاده وخلعه، ويكون الطاغوت (مرسي) «مسلما» يجب على المسلمين تأييده ومناصرته، والدعاء له، والعمل على تثبيت حكمه، أو إعادته إليه بعد نزعه منه؟!
وإذا تابعنا نظرة كثير من تلك الفصائل والأحزاب إلى الديموقراطية نجد أنهم في الغالب يصرّحون بأن المجالس التشريعية أو البرلمانات هي مجالس كفرية لأنها تشرّع القوانين الوضعيّة التي يحكم بها الطواغيت، من حكام بغير ما أنزل الله، وقضاة في المحاكم الوضعية، وما شابه، وعليه فإنهم يكفّرون من يدخل تلك البرلمانات من الأحزاب العلمانية، والقوميين والعشائريين، وفي الوقت نفسه تتهافت تلك الفصائل والأحزاب على الترشح للدخول في تلك البرلمانات، وتخرج في مظاهرات، وتقوم بالثورات إذا منعت من ذلك، بل وتعطي لمشاركتها في هذا الشرك لقب «الجهاد السياسي» أو «جهاد الكلمة»، ومن يُقتل من أتباعها على يد الطواغيت وهو يطالب بالديموقرطية تعطيه لقب «الشهادة»!


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من مقال:
أكفّاركم خير من أولئكم
...المزيد

أبو جليبيب الإعلامي كتاباتي ستشرب من دمائي لتعلن أنّ في موتي حياتي كم من محنة أخفت في طياتها ...

أبو جليبيب الإعلامي
كتاباتي ستشرب من دمائي
لتعلن أنّ في موتي حياتي

كم من محنة أخفت في طياتها منحة! فمع ازدياد ضغط أهله عليه لينزع فكرة النفير من ذهنه، ويترك متابعة أخبار المجاهدين، ويتوقف عن إطلاع إخوانه على إصداراتهم، وصل الأمر به إلى درجة لم يعد يطيق فيها الصبر على أذاهم، فعزم على فراقهم، والهجرة إلى دار الإسلام، والنفير إلى ساحات الجهاد من جديد، وأعانه على ذلك تعلق أخيه الأصغر به، ورغبته في أن يكون صاحبه في طريق الهجرة، ونصيره في أرض الجهاد.

خرجا من بيتهما لا يعرفان أين يتوجهان، فأمضيا يومهما تائهين في المدينة، لا يدريان كيف يبدآن رحلة الهجرة إلى الشام التي تفصلهم عنها آلاف الأميال، ولا يملكان من تكاليف الرحلة ما يعينهما عليها، بل إنهما اضطرا إلى بيع هواتفهما ليشتريا بأثمانها الطعام والشراب.

وبينما كانا يستريحان في أحد المساجد، منّ الله عليهما بأحد المسلمين دلّهم على الطريق، وآزرهم بما استطاع من المال الذي جمعه لهما، فأكملا ثمن تذاكر الطائرة إلى تركيا، ومنّ الله عليهما بمسلم آخر رأى فقر حالهما فأمدهما من المال ما يمكنّهما من عبور الحدود حتى دخلوا مناطق خارج سيطرة الدولة الإسلامية، ومنها عبرا بسهولة إلى مناطق الدولة الإسلامية فلم يشتبه المرتدون بهما لصغر سنهما، ولكون أوراقهما تثبت أنهما من أهل البلاد، فيسر الله وصولهما إلى دار الإسلام بعد رحلة طويلة، كان أنيسهم فيها دعاؤهم «اللهم دبّر لنا فإننا لا نحسن التدبير».

أنهى أبو جليبيب دوراته الشرعية والعسكرية، ليتم تفريغه للعمل الإعلامي بعد فترة من الرباط، وبعد تزكيته من قبل من يعرفه قبل النفير، وممن صاحبه في المعسكرات والرباط، فيصبح فردا من أفراد المكتب الإعلامي لولاية البركة، ويكون شعلة نشاط وحيوية بين إخوانه الإعلاميين.

كان متعدّد المواهب، فقد استغل فترة استعداده للنفير بالتدرب على عدّة برامج حاسوبية لتصميم الصور وتعديلها، وإخراج الإصدارات المرئية، كما كان صاحب ملكة في فن التصوير طوّرها بحضوره دورة في التصوير الاحترافي داخل الدولة الإسلامية، ليتفرغ بعدها لهذا المجال، ممضيا وقته مع دواوين الولاية في تغطية نشاطاتها، ومنشغلا مع المرابطين في الثغور في تغطية أخبارهم، ومع الاستشهاديين في تسجيل وصاياهم.

وما إن يسمع هيعة للحرب إلا ويمضى إليها يبتغي الموت مضانّه، فيدخل منغمسا مع الجنود المقتحمين ليغطي غزواتهم وينقل للمسلمين صور بطولاتهم، فشارك في الاشتباكات، وصبر تحت دوي القنابل وأزيز الطائرات، وثبت مع إخوانه محاصرا معهم مرّات ومرّات، ولم تقعده الإصابات عن متابعة جهاده، ومضاعفة جهده، بل كان لا يأخذ من النقاهة إلا ما يكفيه للنهوض من جديد والعودة لساحات القتال، ومنازل الأبطال، وكانت أطول فترات انقطاعه عنها أسابيع قليلة قضاها طريح الفراش بعد إصابته بشظية قذيفة هاون سقطت بجواره في معركة (تل تمر) واخترقت صدره ومزّقت رئته، وفور استقرار حالته عاد للعمل داخل المكتب في التصميم وصنع الإصدارات ونشر الأخبار، حتى عاد للعمل الميداني مصورا ومخرجا.

بعد انحياز جنود الخلافة من مدينة الشدادي، عُيِّن أميرا على المكتب الإعلامي في ولاية البركة، حيث كانت المعارك لا تزال على أشدها بين جنود الرحمن وأولياء الشيطان جنوب المدينة، وكان أبو جليبيب على عادته التي لا يفارقها لصيقا بالجبهات، مخالطا لسرايا الانغماسيين وكتائب الاقتحامات، لا تبعده عنهم متطلبات العمل، ولا تشغل باله الإمارة، ولا تلهيه العروس التي لم يمض على بنائه بها فترة طويلة، فكانت نهايته بينهم، أثناء عمل عسكري في قرية (كشكش جبور) حيث استهدفته طائرة صليبية بصاروخ، أحال جسده أشلاء، لينال –بإذن الله– ما تمنّى، ويلحق بإخوانه الذين سبقوه من إعلاميي ولاية البركة، أبي الحارث الجوالي، وأبي عبيدة الزبيدي، وأبي عمر غريبة، وأبي البراء الطائي، وأبي جعفر الحسيني، وأبي طارق الهول، وأبي حمزة الأنصاري تقبلهم الله جميعا في الشهداء، وأحسن لهم الجزاء.

رحل أبو جليبب وإخوانه الإعلاميون، ولسان حال كل منهم يقول: لقد شربت كلماتنا من دمائنا، ولقد صدقنا ما عاهدنا الله عليه، ومضينا فيما دعونا الأمة إليه، فقضينا نحبنا، ولا زال منا من ينتظر، وما بدلنا تبديلا، ولن يبدلوا تبديلا، نحسبهم جميعا كذلك، ولا نزكي على الله أحدا.

رحلوا جميعا، بعدما اقتحموا أرواحنا، واحتل كل منهم حيزا كبيرا من نفوسنا، رحلوا وما تركوا لنا إلا الذكريات الجميلة، وسيرهم العطرة، التي نرويها لمن بعدهم، حتى يأذن الله أن نلحق بهم، فنصير أمثالهم، نسأل الله أن يتقبل منا ومنهم.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو جليبيب الإعلامي
...المزيد

أبو جليبيب الإعلامي كتاباتي ستشرب من دمائي لتعلن أنّ في موتي حياتي كثيرون هم الذين يناصرون ...

أبو جليبيب الإعلامي
كتاباتي ستشرب من دمائي
لتعلن أنّ في موتي حياتي


كثيرون هم الذين يناصرون المجاهدين بأقلامهم وألسنتهم، وكثيرون هم الذين يتمنّون أن ينتقلوا من الجهاد باللسان إلى الجهاد بالسيف والسنان، ولكن قليل منهم من يجتهد في طلب ذلك والحرص عليه، حتى يصل إلى الثغور، ويسقي كلماته من دمائه كؤوسا ترتوي منها، فتزهر ورودا يفوح عبقها، فتملأ الأرجاء بريح طيبة، تستهوي أفئدة غيرهم من المناصرين، الذين يتعلمون ممن سبقهم حقيقة الطريق، ويرون بأعينهم جمال النهاية، ونتيجة صدق النية وصحة الغاية.

لم يكن يخطر ببال خالد إسماعيل وهو يتابع أخبار انتصارات المجاهدين في المنتديات الجهادية، أن يكون يوما ما مشاركا في صناعة تلك الانتصارات، أو مبشِّرا بتلك الأخبار، كما لم يتخيل وهو ينشر صور الشهداء في شبكات التواصل أن تتناقل الصفحات صورته، ويترحم عليه إخوانه شهيدا تحت راية الخلافة، نحسبه كذلك.

لم يكن قد بلغ من العمر عشرين ربيعا عندما تعلّق قلبه بالجهاد وأهله، فصار لا يصبر على متابعة أخبارهم، وقراءة قصصهم، والتعرف على أحوالهم، بل ومحاولة التواصل معهم عن طريق المنتديات رغم معرفته بخطورة ذلك الأمر عليه، ولم يكن هذا التعلق تعصبا فارغا كالذي يعتري البعض حبا في البطولة، وتحيزا للشجعان، وإنما كان التزاما بالإسلام، وحبّا فيمن يعمل به، ويدافع عنه، فصار يلتزم الصلاة في المساجد، ولا يصاحب من الأقران إلا من شابهه في حبّه للمجاهدين، ونصرته لهم.

لم يطل عليه الزمن حتى وجد ساحة الجهاد قد اقتربت من دياره، وحتى صارت جبهات القتال على بعد أميال قليلة من مسكنه في مدينة القامشلي، فما طاب له القعود، ولا عاد يحتمل البعد عن إخوان كان يرجو الله أن يلقاهم وهو لا يعرف عنهم إلا صورا في الإصدارات، أو أسماء وهمية في المنتديات والشبكات، فخرج من دياره مهاجرا إلى الله، ليلتحق بالمجاهدين الذي كانوا في منطقة اليعربية بعد أن فتحها الله عليهم، حيث كان جنود الدولة الإسلامية حينها يعملون تحت مسمى «جبهة النصرة» وذلك قبل غدر أميرها، وشقه للصف، ونقضه للبيعة بمن معه من الخائنين المطاعين، أو السفهاء التابعين.

بقي أبو جليبيب معهم أكثر من شهر، تلقى فيها ضغوطا كبيرة من أهله للعودة، فعاد إلى دياره، بعدما أوهموه أن مرتدي الـ PKK قاموا باعتقال والدته لما بلغهم نبأ نفيره إلى الجهاد، فبقي مدة قصيرة متواريا عن الأنظار في مدينته، خوفا من الاعتقال، خضع بعدها لضغوط أهله بالسفر لإكمال دراسته الجامعية في الخارج، ليبعدوه عن ساحة الجهاد.

سافر كارها إلى قرغيزستان، حيث كان يعمل أبوه، لتلحقهم العائلة كلها إلى هناك، ليبدأ فصل جديد من الفتنة والمحنة، فتنة الدنيا، حيث الجامعة، والمجتمع الجاهلي المنحل، وأبواب المعاصي المشرعة، ومحنة إرهاق أبويه له بالملام لصدّه عن طريق الجهاد وتخويفه من نتائجه عليه وعليهم، حيث لم يكن له من نصير في بلاد الغربة تلك سوى أشقائه الصغار الذين اهتمّ بتربيتهم على الالتزام بالدين، وحبّ الجهاد.

لم يغب الجهاد عن بال أبي جليبيب، ولم تحرفه فتن دار الكفر عن دينه، كما لم تنجح ضغوط أهله في إخراج فكرة النفير من رأسه، فأشغل نفسه بدراسة اللغة الصينية راجيا أن ينفع المسلمين بتعلمها، أو الدعوة إلى الله باستخدامها ريثما يهيأ الله له سبيل الهجرة والنفير.

وفي ذلك الوقت لم يتوقف عن نشاطه في نصرة الدولة الإسلامية، فكان من أهم المناصرين في شبكات التواصل والمنتديات، يكتب بكنى عديدة، فينشر أخبار المجاهدين، ويساهم في دعمهم إعلاميا بإنشاء الحسابات، ورفع الإصدارات، والرد على إعلام الصحوات والمرجفين والطواغيت، دفاعا عن الدولة الإسلامية، ويتواصل مع جنود الدولة الإسلامية ممن كان يعرفهم في نفيره الأول، فيستزيد من كلامهم رغبة في النفير، ويرفع ببشائرهم همّته، ويقوّي بتذكيرهم له من عزيمته على الهجرة والنفير.


كم من محنة أخفت في طياتها منحة! فمع ازدياد ضغط أهله عليه لينزع فكرة النفير من ذهنه، ويترك متابعة أخبار المجاهدين، ويتوقف عن إطلاع إخوانه على إصداراتهم، وصل الأمر به إلى درجة لم يعد يطيق فيها الصبر على أذاهم، فعزم على فراقهم، والهجرة إلى دار الإسلام، والنفير إلى ساحات الجهاد من جديد، وأعانه على ذلك تعلق أخيه الأصغر به، ورغبته في أن يكون صاحبه في طريق الهجرة، ونصيره في أرض الجهاد.

خرجا من بيتهما لا يعرفان أين يتوجهان، فأمضيا يومهما تائهين في المدينة، لا يدريان كيف يبدآن رحلة الهجرة إلى الشام التي تفصلهم عنها آلاف الأميال، ولا يملكان من تكاليف الرحلة ما يعينهما عليها، بل إنهما اضطرا إلى بيع هواتفهما ليشتريا بأثمانها الطعام والشراب.

◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ

مقتطف من قصة شهيد:
أبو جليبيب الإعلامي
...المزيد

أوهام الصليبيين في عصر الخلافة لم يكذب المجاهدون على الله، ولا على المسلمين عندما أعلنوا قيام ...

أوهام الصليبيين في عصر الخلافة


لم يكذب المجاهدون على الله، ولا على المسلمين عندما أعلنوا قيام الدولة الإسلامية، كما أنهم لم يكذبوا عندما قالوا أنها باقية بإذن الله، ولم يكذبوا على الله ولا على المسلمين عندما أعلنوا عودة الخلافة، واختاروا إماما للمسلمين، كما أنهم لم يكذبوا عندما يقولون أنها باقية، بإذن الله.

ويتوهم الصليبيون وعملاؤهم المرتدون، أنهم بتوسيع نطاق حملتهم العسكرية، لتشمل بالإضافة لولايات العراق وولايات الشام، ولايات خراسان وسيناء وغرب إفريقية، والولايات الليبية، سيتمكنون من القضاء على كل ولايات الدولة الإسلامية في آن واحد، بحيث تندثر تماما، ولا يبقى لها أثر، متغافلين عن حقيقة هامة، هي أن العالم كله بعد إعلان عودة الخلافة قد اختلف عن حاله قبل عودتها، وأنهم ببنائهم الخطط ووضعهم الاستراتيجيات بناء على الواقع السابق إنما يخططون لعالم آخر بات غير موجود حاليا، ولن يكون موجودا مستقبلا، بإذن الله.

فكما أن حرب العراق سابقا قد فضحت حقيقة قوة الصليبيين المهيمنين على العالم، وبيّنت إمكانية هزيمتهم، وأظهرت للمسلمين أن الجهاد هو السبيل الوحيد لإقامة الدين وتحكيم الشريعة، فإن إقامة الدولة الإسلامية كشفت لهم أن إعادة الخلافة مسألة ممكنة دون الاضطرار للمرور بالفرضيات التعجيزية التي وضعتها الفصائل والأحزاب التي تدّعي الإسلام، والتي زرعت من خلالها اليأس في نفوس المسلمين من إمكانية إقامة الدين قبل ظهور المهدي ونزول المسيح عليه السلام.

وبناء عليه، يجب على المشركين عموما أن يكونوا على يقين أن الخلافة باقية بإذن الله، ولن يتمكّنوا من إزالتها بتدمير مدينة من مدنها أو حصار أخرى، ولا بقتل جندي أو أمير أو إمام، نسأل الله أن يحفظهم جميعا ويبقيهم شوكة في عيون المشركين والمرتدين، فالمسلمون لن يقبلوا بعد اليوم أن يعيشوا بلا إمام يسوسهم على منهاج النبوة، فيجتمعون عليه، ويجاهدون من ورائه، ويؤدون إليه خمس الغنيمة، وزكاة المال، فيكونوا بذلك على سنة الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين ما منعتهم وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يختاروا لأنفسهم من يخلفه في إقامة الدين وتحكيم الشريعة.

وعليهم أن يعلموا أنهم لن يستطيعوا خداع المسلمين بعد اليوم بأنظمة طاغوتية تسبغ على نفسها الأوصاف الشرعية، ولا بأحزاب وتنظيمات ضالة تزعم رفع راية الإسلام، وتتبنى العقائد الجاهلية من ديموقراطية ووطنية وغيرها، وتحارب من يدعو إلى التوحيد الخالص، ويحرص على وحدة جماعة المسلمين.

فقد أظهرت دولة الخلافة لكل الناس كيف تكون الدولة الإسلامية الحقيقية، وكيف تقام الشريعة كاملة غير منقوصة، وكيف يزال الشرك من الأرض التي يمكّن الله فيها للموحّدين، وكيف يكون الدين كله لله، فنسفت بذلك كل أساطير الحاضنة الشعبية، وكل أكاذيب التدرّج، وكل المخاوف من انتقام الصليبيين.

وعليهم أن يتيقنوا أن إرهابهم للمسلمين لم يعد يجدي، وتخويفهم لهم من إقامة الدين لم يعد يجدي أيضا، وأن حجة الكفار حين قالوا {إن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} قد كفر بها المجاهدون، كما كفروا بخوفهم من غير الله، وخشيتهم منهم، وبات لسان حالهم يقول: سنتّبع الهدى ونقيم الدين ونلزم الجماعة ونقاتل دون ذلك حتى تتفلّق رؤوسنا، وتتمزّق أشلاؤنا، فنلقى الله وقد أعذرنا، ولا أدلّ على ذلك من البيعات التي تتوالى لأمير المؤمنين رغم الحملة الصليبية الشرسة على دولة الإسلام وجنودها، حيث يندفع الآلاف من المجاهدين من مشارق الأرض ومغاربها ليلقوا بأنفسهم في أتون هذه الحرب، راغبين بالموت تحت راية الجماعة، عن الحياة في ظل جاهلية الفصائل والأحزاب.

عليهم أن يراجعوا أنفسهم، ويعيدوا صياغة خططهم على هذا الأساس، وإن أرادوا الانتصار حقا -ولن يكون لهم ذلك بإذن الله- فعليهم الانتظار طويلا حتى يباد جيل كامل من المسلمين كان شاهدا على قيام الدولة الإسلامية، وإعادة الخلافة، ومتابعا لقصة صمودها ضد أمم الكفر كلها، جيل عرف التوحيدَ، ورأى أصحابَه، وتعلم كيف يجعل من عقيدة الولاء والبراء واقعا معاشا، وكيف يجعل من الكتاب والسنة واتباع السلف منهج حياة.

عليهم الانتظار حتى ينتهي كل هذا الجيل، ليعيدوا إنتاج الجيل الذي تربّى على أيدي الطواغيت، ونشأ في رعاية الأحزاب الضالة، وعلى أيدي مشايخ السوء وعلماء السلاطين، لأن الجيل الذي عاش في ظل الخلافة، أو عايش ملاحمها قادر -بإذن الله- على إبقاء رايتها مرفوعة، كما كان الجيل الذي نشأ في ظل دولة العراق الإسلامية، قادرا على إعادتها بشكل أقوى مما سبق بعدما ظن الصليبيون وعملاؤهم أنها اندثرت وزال ذكرها من الأرض.

إن دولة الإسلام باقية بإذن الله، وإن الخلافة باقية بإذن الله، على منهاج النبوة، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.


◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 34
الثلاثاء 2 رمضان 1437 ه‍ـ
...المزيد

شخصيات قد تهتم بمتابَعتها

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً