وسم: سورة النحل
محمد الطاهر بن عاشور
[سُورَة النَّحْل : الْآيَات 17 إِلَى 19]
[سُورَة النَّحْل : الْآيَات 17 إِلَى 19] بتصرف
{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19) }
بَعْدَ أَنْ أُقِيمَتِ الدَّلَائِلُ عَلَى انْفِرَادِ اللَّهِ بِالْخَلْقِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [سُورَة النَّحْل: 3] ... فَالِاسْتِفْهَامُ عَنِ الْمُسَاوَاةِ إِنْكَارِيٌّ، أَيْ لَا يَسْتَوِي مَنْ يَخْلُقُ بِمَنْ لَا يَخْلُقُ... وَهَذَا كَلَامٌ جَامِعٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وَفْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى النَّاسِ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ عَدَّهَا الْعَادُّونَ، وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ التَّنْبِيهُ إِلَى كَثْرَتِهَا بِمَعْرِفَةِ أُصُولِهَا وَمَا يَحْوِيهَا مِنَ الْعَوَالِمِ.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (19)}
فَبَعْدَ أَنْ أَثْبَتَ أَنَّ اللَّهَ مُنْفَرِدٌ بِصِفَةِ الْخَلْقِ دُونَ غَيْرِهِ بِالْأَدِلَّةِ العديدة ثمَّ باستنتاج ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: { أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ } انْتَقَلَ هُنَا إِلَى إِثْبَاتِ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِعُمُومِ الْعِلْمِ. وَلَمْ يُقَدَّمْ لِهَذَا الْخَبَرِ اسْتِدْلَالٌ وَلَا عُقِّبَ بِالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَدِلَّةُ الِانْفِرَادِ بِالْخَلْقِ، لِأَنَّ خَالِقَ أَجْزَاءِ الْإِنْسَانِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ يَجِبُ لَهُ أَنْ يَكُونُ عَالِمًا بِدَقَائِقِ حَرَكَاتِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ وَهِيَ بَيْنَ ظَاهِرٍ وَخَفِيٍّ، فَلِذَلِكَ قَالَ: { وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ } .
المصدر: التحرير والتنوير لابن عاشور رحمه الله. 124/7 طبعة الدار التونسية