وسم: نابليون
محمود محمد شاكر
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (85)- نابليون السفاح! (2)
هوى نابليون هوي العقاب على مهد اليقظة في الديار المصرية، هوى على الإسكندرية فجأة بجحافله وأساطيله مزودة بكل أداة للحرب جديدة مما تمخض عنه علم أوربة يومئذ، مصطحبًا معه عشرات من صغار المستشرقين وكبارهم، وطائفة من العلماء في كل علم وفن، معهم كل غريبة مما كشف عنه العلم المستحدث. فاستباح الإسكندرية ودمر ما دمر، ثم طوى الأرض طيًا مكتسحًا في طريقه شمال مصر، حتى دخل القاهرة في العاشر من صفر سنة 1213هـ. وذعر الخلق، فبدأ يداهن الناس، وحاول أن يستميل المشايخ في رجال الأزهر، كي يستجيبوا لمحاله ومخاتلته، فلما رأي امتناعهم على تطاول الأيام، عجل فأطلق جنوده الغزاة، ليطفئوا ما استقر في قلوبهم من نار الأحقاد المتوارثة على دار الإسلام.
محمود محمد شاكر
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (84)- نابليون السفاح!
وقيض الله لفرنسا قائدًا أوربيًا محنكًا مظفرًا شديد البأس، خواضًا لغمرات الموت، ضرسته الحروب في أوربة حتى صار اسمه مثيرًا للرعب في القلوب بأنه قائد لا يقهر، هو الصليبي المكيافلي المغامر المفتون الفاجر: نابليون، فلما فرغ من حروبه في أوربة منصورًا نصرًا مؤزرًا، أصاخ سمعه لنذير الاستشراق، ولنصحه وإرشاده، فقدر أن الحين قد حان ليكون أول قائد أوربي استطاع بقوته التي لا تقهر، أن يخترق قلب دار الإسلام من الشمال، وأن يداهم اليقظة التي أرقت منام الاستشراق، وأن يبطش بها في عقر دارها بطشة جبار عات لا يبقى على شيء، وفوق ذلك كله: أن يرد لفرنسا هيبتها التي ضاعت يوم طردتها برطنيا طردًا مخزيًا من دار الإسلام في الهند القصية البعيدة، وبذلك تتفرد فرنسا وحدها بالمجد السني الكله! وتكللها المسيحية الشمالية عندئذ بأكاليل الغار.