الزهد في الدنيا من منهج السلف لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- سيد العبّاد والزهّاد، يأتيه ...

الزهد في الدنيا من منهج السلف

لقد كان نبينا -صلى الله عليه وسلم- سيد العبّاد والزهّاد، يأتيه جبريل مرسلاً من لدن رب العباد، فيخيِّره بين أن يُبعث نبيا ملكا أو نبيا عبدا فيختار الثانية، ويرد مفاتيح خزائن الدنيا الفانية، فذاق وأهله من صنوف الفاقة والخصاصة، وعاش الكفاف مع خيرة الأصحاب، وهم الذين ملكوا الأرض وخضعت لهم الرقاب.

وإننا في أيامنا هذه وبعد أن فُتحت الدنيا علينا، بتنا نفتقد تلك الروح، روح الرعيل الأول من الزاهدين، الذين لم تخدعهم الدنيا ببريقها، وفطنوا إلى أن السلامة منها ترك ما فيها.

والمتأمل في حال بعض النساء اليوم، يرى منهن ترفا زائدا، وحرصا على الدنيا وقاذوراتها، إذا تسوَّقن بَالَغن وأسرفن، وإذا طلبن من الزوج أجهدن وأتعبن، وإذا تأخر عنهن لقلة ذات اليد، تذمَّرن واشتكين، وربما دفعن به إلى السلف والدَّين، فيريق ماء وجهه بين الرجال، ويشقى بين الناس بكثرة السؤال.

كانت إحدى نساء السلف تشيّع زوجها يوميا إلى باب البيت لتوصيه قبل خروجه بأن يتقي الله فيما يطعمهم، همها الحلال والحرام! وبعض نساء اليوم توصله إلى الباب مذكرة إياه بقائمة المشتريات التي لا تنتهي، ولا شأن لها بكيف، ولا من أين سيلبيها لها زوجها!

تجد إحداهن لا همَّ لها من الدنيا سوى مأكلها وملبسها، إذا أكلت استكثرت، وإذا لبست افتخرت، وإذا جلست لتحدث، فعن الطعام واللباس وقصات الشعر وألوانه، وقد كان من دعاء النبي، صلى الله عليه وسلم: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا) [رواه الترمذي].

فيا أخت الإسلام ويا حفيدة عائشة، عائشة التي كان درعها مرقَّعا، هلُمِّي بنا نسرح بالخيال قليلا في خير البيوتات وأشرفها وأطيبها، حسبا ونسبا ودينا وصلاحا، وعفافا وغنى وتقى، إنها بيوتات نبيك، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

لقد كانت حجرات صغيرة، بسيطة متواضعة، لا تكاد في مساحتها تكفي الاثنين، وأما فراشه الذي كان ينام عليه، فتصفه لنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- فتقول: كان فراش النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ينام عليه أَدَما، حشوه ليف) [متفق عليه]، والأدم: الجلد المدبوغ، والليف ليف النخل.

ويسرد لنا الفاروق عمر -رضي الله عنه- حديثا طويلا جاء فيه: "فدخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على حصير، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: (ما يبكيك يا ابن الخطاب) قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: (يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟)، قلت: بلى..." [رواه مسلم].
وأما مطعمه وأهلِه -صلوات ربنا وسلامه عليهم- فقد كان يمر الهلال والهلال ولا توقد في بيوته نار، وكان أكثر عيشهم على الأسودين؛ التمر والماء، بل تصف عائشة -رضي الله عنها- ما كان يصلهم أحيانا من لحم فتقول: "اللحيم" كناية عن قلته!
قال الطبري، رحمه الله تعالى: "في اختيار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخيار السلف من الصحابة والتابعين شظف العيش، والصبر على مرارة الفقر والفاقة ومقاساة خشونة خَشِن الملابس والمطاعم على خفض ذلك ودعَته، وحلاوة الغنى ونعيمه، ما أبان عن فضل الزهد فى الدنيا وأخذ القوت والبُلغة خاصة، وكان نبينا -صلى الله عليه وسلم- يطوي الأيام، ويعصِب على بطنه الحجر من الجوع؛ إيثاراً منه لشظف العيش والصبر عليه، مع علمه بأنه لو سأل ربه أن يسيِّر له جبال تهامة ذهباً وفضةً لفعل، وعلى هذه الطريقة جرى الصالحون".

وبالله عليك يا مسلمة تأملي في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- حيث تقول: "قد كان يصيبنا الحيض على عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فتلبث إحدانا أيام حيضها ثم تطهر، فتنظر الثوب الذي كانت تقلب فيه، فإن أصابه دم غسلناه وصلينا فيه، وإن لم يكن أصابه شيء تركناه ولم يمنعنا ذلك من أن نصلي فيه" [أخرجه أبو داود]، يا سبحان الله! لقد كانت الواحدة من نساء خير القرون لربما لا تملك غير ثوب واحد، فيه تحيض وفيه تطهر، ونساء أمتنا اليوم تكاد بيوتهن تلفظ ما فيها من لباس وزينة!

وقد تقول قائلة: لا أراكم إلا تحرّمون ما أحل الله الذي يحب أن يرى أثر نعمته على عبده!
نقول حينها: معاذ الله تعالى أن نحرّم طيِّباته على عبيده، ولكن هي دعوة للتطبع بطباع خير الخلق، والزهد حلية المؤمن الحق، من صغرت الدنيا في عينه وعظمت الآخرة في قلبه.

والله -عز وجل- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده لا أثر الإسراف والتبذير، ولا أن يرى زوجات يرهقن كواهل أزواجهن بطلب كلِّ ما يشتهينه وإن تعذر عليهم توفير ذلك.

وإنا إذ ندعو النساء إلى التحلي بهذه الحلية الطيبة، لا يفوتنا أيضا في هذا المقام أن نحذِّر من مغبة الشح والبخل على الأهل.

فعلى الزوج المسلم أن ينفق على أهله وبنيه بالمعروف دون إفراط أو تفريط، ولينفق ذو سعة من سعته، فيبلغ بذلك منازل الكرام دون أن يكون أخا للشيطان، فلا يكوننَّ ذا مال ثم يقتر على أهله تقتيرا، وليحتسب الأجر على كل لقمة يضعها في فيِّ أهله، وعلى كل سرور يدخله على قلوبهم، والله من وراء القصد، كما لا يكوننَّ ذا حاجة ثم يكلف نفسه ما لا يطيق إرضاء لزوجة لا تراعي حاله، ولا ترحم ضعفه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

شرف المؤمن إن قيام الليل شرف المؤمن، وهو مِن زاد ثباته وفلاحه، وهو أحرى وأرجى لاستجابة دعائه، ...

شرف المؤمن

إن قيام الليل شرف المؤمن، وهو مِن زاد ثباته وفلاحه، وهو أحرى وأرجى لاستجابة دعائه، اقرأ أخي الموحد الأحاديث التي وردت في فضله وقدره، ومنها: عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « أتاني جبريل فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل، وعزه واستغناؤه عن الناس » رواه الحاكم والبيهقي وحسنه المنذري.

قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: « ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنة، والصدقة تطفيء الخطيئة، كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجلُ من جوف الليل؛ ثم تلا: { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } روه الترمذي بسند صحيح.

فيا أيها الموحد قم لربك في الليل البهيم، مناجيًا العظيم الحليم، متسترًا عن أنظار الخلق، واطمع في العِتق، واخشع بين يدي ربك وارجُ رحمته، وانكسر مستغفرًا تنل مغفرته، واسأله مخلصًا تُجب، واسترضيه يرض عنك، وتب إليه يتب عليك.
...المزيد

حكمة إرسال الرسل

معجزات الأنبياء هي الآيات التي أعجزوا بها البشر أن يأتوا بمثلها، والله تعالى يسميها آيات، أي علامات دالة على صدق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم... ... المزيد

(22) زاد المعاد في هدي خير العباد

Audio player placeholder Audio player placeholder

كتاب نفيس قل نظيره، بل هو فريد في ميدانه، جمع فيه المصنف ما يتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير. فالكتاب موضوعه حياة النبي صلى الله عليه وسلم بكل ما تحتويه هذه اللفظة من معنى، لكن المصنف استخرج من هذه السيرة العطرة فقهًا تارة، وحلالًا وحرامًا تارة، وآدابًا تارة، وتوحيدًا تارة، وتوجيهات وتعليمات تارة أخرى...

يتم الآن تحديث اوقات الصلاة ...
00:00:00 يتبقى على
23 ذو القعدة 1446
الفجر 00:00 الظهر 00:00 العصر 00:00 المغرب 00:00 العشاء 00:00

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً