خبَّاب بن الأرّت
كان غلاماً لم يبلغ الحُلُم بعد عندما اشترته أم نمَّار لصحة جسده ونجابته، استثمرت غلامها في صناعة السيوف وقد اشتهر في مكة لصدقه وأمانته. وكان إذا فرغ من عمله وخلا إلى نفسه كثيراً ما يفكر في جهالة مجتمعه والفساد الذي غرق فيه.
وما إن عَلِمَ بنور محمد حتى هداه الله للإسلام وكان سادس من أسلم، وقيل أنه (سُدس الإسلام)، ولم يكتم إسلامه رغم أنه لا يستند على عشيرة تحميه أو أموال أو عصبية.
اجتمع سادة قريش وتذاكروا في أمر محمد ورأوا أن أمره يتفاقم وأتباعه يتجرأون. ومما تعرفون من أحاديث تعذيب المسلمون الأوائل فقد أخرجوا خبّاباً بلا ثياب وألبسوه الحديد في شمس حارقة وسألوه عن قوله في محمد فيقول: عبد الله ورسوله، ويسألوه عن اللات والعزى فيخبرهم أنهما صنمان أصمان أبكمان لا يضران ولا ينفعان.
فيأتون بالحجارة المحمية ويلصقونها بظهره ويبقونها عليه حتى يسيل دهن كتفيه.
استجاب الله دعاءه على أم نمَّار وأخيها، حيث أصابها صداع جعلها تعوي كالكلاب لا يشفيه إلا كيّ رأسها بالحديد، ورأي مصرع أخيها على يد أسد الله حمزة بن عبد المطَّلب..
أدرك خبّاب الخلفاء الراشدين الأربعة وكان كريماً شديد الكرم حيث اغتنى بفضل الله في شطر حياته الأخير وملك ما لم يكن يحلم به من ذهبٍ وفضة. وتصرف في أمواله بطريقة لم تخطر ببال أحد.
وضع دراهمه ودنانيره في موضع من بيته يعرفه ذوو الحاجات من الفقراء والمساكين، ولم يشدد عليه رباطاً أو يُحكِم عليه قفلاً ليتمكن كل ذي حاجة من أخذ ما يحتاج من مال دون سؤال أو استئذان.
ورُغم ذلك كان يبكي بسبب هذا المال في مرض موته؛ سأله أحدهم عن سبب بكائه فقال: أبكي لأن أصحابي مضوا ولم ينالوا من أجورهم في هذه الدنيا شيئاً، وأني بقيتُ فنِلتُ من هذا المال ما أخاف أن يكون ثواباً لتلك الأعمال.
كان شجاعاً قوياً في الحق في وقت كان الإسلام فيه غريباً، وها هو ياإخوتي عاد غريباً، وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر، صارت كلمة الحق الآن هي ذنب عظيم يُحاسَب عليه كما لم يُحاسَب المجرمون على مر العصور.
هل لنا أن نتعلم من سيرة ذلك الصحابيّ ونسأل الله أن يرزقنا الصبر والتصبر والثبات على دين الله حتى يأتينا اليقين؟
"رحم الله خبَّاباً، فلقد أسلم راغباً وهاجر طائعاً، وعاش مجاهداً، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً"
هكذا قال أمير المؤمنين عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه حين وقف على قبر صانع السيوف وسُدسُ الإسلام خبَّاب بن الأرّت.
رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنا - خباب بن الأرت