هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

منذ 2020-08-17

اتقوا الله عباد الله واتخذوا من هذه الهجرة عبرة واصبروا على دينكم واثبتوا عليه فان العاقبة للمتقين.

هجرة النبي صلى الله عليه وسلم

في هذا الشهر شهر ربيع الأول من العام الثالث عشر من البعثة وصل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى المدينة مهاجرا من مكة البلد الأول للوحي وأحب البلاد إلى الله ورسوله خرج من مكة مهاجرا بإذن ربه بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يبلغ رسالات الله ويدعو إلى الله على بصيرة فلم يجد من أكثر قريش وأكابرهم سوى الرفض لدعوته والإعراض عنها والإيذاء الشديد لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ومن آمن به.

حتى آل بهم الأمر إلى تنفيذ خطة المكر والخداع لقتل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث اجتمع كبراؤهم في دار الندوة وتشاوروا ماذا يفعلون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين رأوا أصحابه يهاجرون إلى المدينة وأنه لا بد أن يلحق بهم ويجد النصرة والعون من الأنصار الذين بايعوه على أن يمنعوه مما يمنعون منه أبناءهم ونساءهم وحينئذ تكون له الدولة على قريش، فقال عدو الله أبو جهل: الرأي أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جلدا ثم نعطي كل واحد سيفا صارما ثم يعمدوا إلى محمد فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه ونستريح منه فيتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو عبد مناف - يعني عشيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحاربوا قومهم جميعا وحينئذ يرضون بالدية فنعطيهم إياها.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر هكذا يخطط أعداء الله للقضاء على رسول الله وعلى شريعة الله وبهذا القدر من المكر والخديعة ولكنهم يمكرون ويمكر الله كما قال الله - عز وجل - {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} ليثبتوك يعني يحبسونك أو يقتلوك أو يخرجوك من مكة ولكن الله - عز وجل - خير الماكرين فاعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - بما أراد المشركون وأذن له بالهجرة من مكة وكانت أحب البلاد إليه ولكنه هاجر ليقيم دين الله، وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - قد تجهز من قبل للهجرة إلى المدينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «على رسلك فاني أرجو أن يؤذن لي» فتأخر أبو بكر - رضي الله عنه - ليصحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت عائشة - رضي الله عنها -: (فبينما نحن في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة في منتصف النهار إذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الباب متقنعا فقال: أبو بكر فداء له أبي وأمي والله ما جاء في هذه الساعة إلا أمر، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم- البيت وقال لأبى بكر: «أخرج من عندك». فقال: يا رسول الله إنما هم أهلك بابي أنت وأمي، فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - «قد أذن لي في الخروج»، فقال أبو بكر الصحبة يا رسول الله! قال: «نعم». فقال: يا رسول الله فخذ إحدى راحلتي هاتين فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - «بالثمن» يعني آخذها بالثمن)

ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ومعه صاحبه أبو بكر فأقاما في غار ثور ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وكان غلاما شابا ذكيا واعيا فينطلق في آخر الليل إلى مكة فيصبح مع قريش فلا يسمع بخبر حول النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه إلا وعاه حتى يأتي به إليهما حتى يأتي به إليهما حين يختلط الظلام فجعلت قريش تطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل وجه وتسعى بكل وسيلة ليدركوا النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتى جعلوا لمن يأتي به وبأبي بكر أو بإحداهما ديته مائة من الإبل ولكن الله - عز وجل - معهما يحفظهما بعنايته ويرعاهما برعايته حتى إن قريشا ليقفون على باب الغار فلا يرونهما.

قال أبو بكر - رضي الله عنه -: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : «لا تحزن إن الله معنا ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما» حتى إذا سكن الطلب عنهم قليلا خرجا من الغار بعد ثلاث ليال متجهين إلى المدينة على طريق الساحل، فلحقهما سراقة بن مالك المدلفي على فرس له، فالتفت أبو بكر فقال: يا رسول الله! هذا الطلب قد لحقنا، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- « لا تحزن إن الله معنا» فدنا سراقة منهما حتى إذا سمع قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غاصت يدا فرسه في الأرض حتى مس بطنها الأرض - وكانت الأرض صلبة- ولكن الله - تعالى - يفعل ما يشاء في خلقه، فنزل سراقة وزجرها فنهضت فلما أخرجت يداها صار لأثرهما عثان ساطع في السماء مثل الدخان، قال سراقة: فوقع في نفسي أن سيظهر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فناديتهم بالأمان، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومن معه فركبت فرسي حتى جئتهم وأخبرتهم بما يريد الناس بهم وعرضت عليهم الزاد والمتاع، وقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنك تمر على إبلي وغنمي بمكان كذا وكذا فخذ منها حاجتك» فقال لا حاجة لي في ذلك وقال: أخف عنا فرجع سراقة وجعل لا يلقى أحد من الطلب إلا رده) وقال: كفيتم هذه الجهة.

فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر رجل ينطلق على فرسه طالبا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه ليظفر بهما فيفخر بتسليمهما إلى أعدائهما من الكفار ولكنه لم ينقلب حتى عاد ناصرا معينا حتى عاد ناصرا معينا مدافعا يعرض عليهما الزاد والمتاع وما يريدان من إبله وغنمه ويرد عن الجهة التي من قبلهما، وهكذا أيها الإخوة هكذا أيها الإخوة كل من كان لله - تعالى -قصده فإن الله - تعالى -لن يخذله أبدا ومن كان مع الله كان الله معه (وإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.

ولما سمع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بخروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم إليهم كانوا يخرجون صباح كل يوم إلى الحرة ينتظرون قدوم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبه حتى يطردهم حر الشمس، فلما كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعالى النهار واشتد الحر رجعوا إلى بيوتهم وإذا رجل من اليهود على أطم من آطام المدينة ينظر لحاجة له فأبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه مقبلين يزول بهم السراب فلم يملك أن نادى بأعلى صوته يا معشر العرب هذا جدكم -يعني هذا حظكم وعزكم الذي تنتظرون-، فهب المسلمون للقاء رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- معهم السلاح تعظيما وإجلالا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيذانا باستعدادهم للجهاد والدفاع دونه - رضي الله عنهم - فتلقوه - صلى الله عليه وسلم - بظاهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين ونزل في بني عمرو بن عوف في قباء وأقام فيهم بضع ليال وأسس المسجد مسجد قباء ثم ارتحل إلى المدينة والناس معه وآخرون يتلقونه في الطرقات، قال أبو بكر - رضي الله عنه - خرج الناس حين قدمنا المدينة في الطرق وعلى البيوت والغلمان والخدم يقولون: الله أكبر جاء رسول الله، الله أكبر جاء محمد، وقال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (إني لأسعى بين الغلمان وأنا يومئذ غلام والناس يقولون جاء محمد جاء محمد)، هكذا يردد الناس هذه الكلمات فرحا بمقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أحب الناس إليهم، فيا له من مقدم ملأ القلوب فرحا وسرورا وملأ الآفاق بهجة ونورا فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكل قبيلة من الأنصار تنازع الأخرى زمام ناقته النزول عندنا يا رسول الله في العدد والعدة والمنعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول دعوها فإنها مأمورة، وإنما أنزل حيث أنزلني الله - عز وجل - فلما انتهت به إلى مكان مسجده بركت فلم ينزل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى وثبت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أطلق لها الزمام فسارت غير بعيد ثم التفت خلفها فعادت إلى مكانها الأول فبركت فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- «هذا إن شاء الله المنزل»  وكانا هذا المكان لغلامين يتيمين فدعاهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فساومهما ليشتريه منهما فيتخذه مسجدا، فقالا: بل نهبه لك يا رسول الله! فأبى أن يقبله منهما هبة حتى اشتراه منهما، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أي بيوتنا أقرب» قال أبو أيوب أنا يا رسول الله! هذه داري وهذا بابي، قال: «فانطلق فهئ لنا مقيلا» ففعل ثم جاء فقال: قوما على بركة الله ثم جاء عبد الله بن سلام وكان حبرا من أحبار اليهود -أي عالما من علمائهم- فقال: أشهد أنك رسول الله وأنك جئت بحق وقد علمت يهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني أسلمت فإنهم إن علموا بإسلامي قالوا في ما ليس في فأرسل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- إلى اليهود، فآتوا إليه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا معشر يهود ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا وأني جئتكم بحق». قالوا : ما نعلم ذلك.

قال: «فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام» ؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا قال: «أرايتم إن أسلم». قالوا: حاشا لله ما كان ليسلم، فأعاد عليهم قوله، فأعادوا قولهم وكان عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قد اختبأ لينظر ما يقولون. فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم- «يا ابن سلام اخرج عليهم فخرج». فقال: يا معشر اليهود اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله وأنه جاء بحق.

فقالوا له: كذبت فأخرجهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عبد الله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ألم أخبرك يا رسول الله أن اليهود قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور). هذه أيها المسلمون هذه هجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- خرج من بلده الذي هو أحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إلى رسول الله، خرج من مكة ليقيم في المدينة ويصلح بها عباد الله، وكان من جملة إصلاحاته واهتماماته إقامة المساجد قبل المساكن، فقد بنى - صلى الله عليه وسلم - مسجده قبل أن يبني بيوت أهله فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فاتقوا الله عباد الله واتخذوا من هذه الهجرة عبرة واصبروا على دينكم واثبتوا عليه فان العاقبة للمتقين.

 

  • 21
  • 0
  • 8,366

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً