أدوار المدرس في عالم متغير: الواقع والمأمول!
إن مستجدات الحياة المعاصرة تفرض أن تكون للمدرس أدوار مختلفة ومتميزة تبعًا لما تميله الطفرات النوعية التي تعرفها مختلف المجالات؛ إنْ على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو التقني أو الخبرات التعليمية.
إن مستجدات الحياة المعاصرة تفرض أن تكون للمدرس أدوار مختلفة ومتميزة تبعًا لما تميله الطفرات النوعية التي تعرفها مختلف المجالات؛ إنْ على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو التقني أو الخبرات التعليمية.
فالنظم التعليمية لا يمكن الارتقاء بها وتطويرها ما لم يعد النظر جذريًا في نظام تكوين المدرسين، وإلا فسيكون تعليمها غير مواكب لكل المستجدات إلا ما كان من اجتهادات فردية لا يظهر أثرها بارزًا وإيجابيًّا في منظومة المجتمع، ولا أدل على ذلك مما تعرفه النظم التعليمية في الوطن العربي التي تراوح مكانها، بل تتذيل القائمة في كل منافسة ومسابقة تربوية عالمية.
وفي هذا الإطار، ينبغي إعادة النظر في الأدوار الحديثة للمدرس، التي يحددها «وولفوك» في: «الأدوار التعليمية، والأدوار التربوية، والأدوار الإدارية، والأدوار الاجتماعية، والأدوار الإنسانية، مع إعداد تكوينات مستمرة للمدرس، تقدم الخبرات والأساليب التعليمية والكفاءات العامة والنوعية التي تتناسب مع هذه الأدوار وتتفاعل إيجابيًّا مع ما تفرضه التطورات الحديثة من تغيير وتطوير لأهداف التعليم ومحتواه ومصادره وأوعيته وطرائقه»[1].
لكن من يمعن النظر في واقع التعليم في الوطن العربي يجد ندوبًا وجراحات تخلخل المنظومة التربوية وتمس كيان وهيبة المدرس تدفع به إلى أرذل المقام بعدما كان نبراسًا وشعلة يستضاء بها! إذن، الإشكال المطروح: من المسؤول عن تراجع هيبة ومكانة المدرس؟ وما هي الأصناف الكبرى للمدرسين في ظل الاهتمام بالرسالة التربوية؟
وما أدوار المدرس الأساسية في ظل المتغيرات في شتى مناحي الحياة؟
أولاً: أسباب تراجع مكانة وهيبة المدرس: تعد مهنة التعليم من أرقى المهن في جميع المجتمعات، ولا شك أن العلم هو الركيزة الأساس لانطلاق وتطور الأمة في جميع مجالات الحياة، لكن - للأسف الشديد - في زماننا هذا تراجعت هيبة وكرامة المدرس وأصبح أيقونة للاستهزاء والسخرية وذليلًا مهانًا من طرف مجتمعه، فاقدًا قيمته بين متعلميه، لدرجة بلغت معها الجرأة حد الاعتداء عليه جسديًّا ولفظيًّا. إن تراجع مكانة المدرس تعود بالأساس إلى جملة من العوامل نذكر بعضها:
أ - العامل الاقتصادي، فراتب المدرس لا يكفي لسد حاجته، بالتالي يؤثر ذلك نفسيًّا عليه وعلى عطائه، وبرغم ذلك نجد المدرسين يبذلون قصارى جهدهم للخروج بالتعليم من عنق الزجاجة، أضف إلى ذلك عدم الاهتمام بواقع المدرس وعدم استفادته من الحقوق الأساسية (المادية والمعنوية)، بل يعد في منظومة التربية والتكوين، الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية، وتوجه له سهام الاتهام في فشل أي مشروح إصلاحي تعليمي.
ب - العوامل القيمية: اختلال منظومة القيم الأخلاقية نتيجة قصور في التشريعات والقوانين التي ترفع شعار جعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير والعمل، ثم في قلب العملية التعليمية، لكن في الآن نفسه تقلل من شأن المدرس ولا أدل على ذلك المذكرة الوزارية في المغرب الخاصة بالإجراءات التأديبية لمجلس القسم الذي منعته من توقيف المتعلم ولو أهان المدرس بل حتى لو أشبعه ضربًا.. مما يدل دلالة قاطعة على خلل في التشريعات القانونية المدرسية، التي تأتي من المكاتب المكيفة، دون أن تُعرض على مجهر الحياة المدرسة وعلى المدرس الذي يعيش هموم المنظومة برمتها، لكن أيادي خفية تعمل جاهدة على تركه في الهامش التربوي والاجتماعي حتى لا تقوم له قائمة!
ت - تراجع دور النقابة: فهذه المؤسسات الاجتماعية تراجع دورها بشكل كبير، وبناء على ذلك يفضل أغلب المدرسين عدم الانخراط في هذه اللعبة، ففي السابق كان دورها منصبًا على الاهتمام بهموم المدرس وانشغالاتهم، لكن حاليًا توجهت أنظارهم إلى العمل السياسي والتهافت على المناصب.
ث - العوامل التكنولوجية والمعرفية: أثرت التكنولوجيا الحديثة على أفكار المتعلمين وجعلهم غير مبالين بالتعليم، ويعدونه من قبيل مضيعة الوقت، خاصة في ظل الارتفاع الجنوني للمعطلين، بالإضافة إلى ضعف الحملات التوعوية الهادفة من الإعلام وجمعيات المجتمع المدني والأسرة التي فقدت بريقها؛ كل ذلك قلل من كيفية التعامل مع مدرسيهم، وأيضًا لا بد من معرفتهم للعقوبات التي تترتب على إساءتهم لأي معلم لكي لا يفكروا بالإساءة إليه. ج- ضعف تحسن ظروف الحياة المدرسية: من حيث بنية الأقسام والحيز البيداغوجي للمدرس من الحصص اليومية والأسبوعية، وضعف الإمكانات المادية والتقنية اللازمة لأداء عمله، والخلل في أنماط الحكامة الإدارية وأساليبها بما يعود سلبًا على المدرس في تحسين كفاءته ومن ثم مكانته. ولكن في الوجهة الثانية للعملة، نجد أن إتقان المدرسين لأدوارهم ومسئولياتهم يرفع لا محالة من مكانتهم الاجتماعية واكتسابهم رضا الجمهور المستهدف والمجتمع، برغم محاولات التشويه والتشهير.
فعلى سبيل المثال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية يقول روبرت رتشى[2]: لقد تمت أغلب الإنجازات (في مهنة التعليم) عن طريق مجهودات المدرسين الذين كرسوا وقتًا ثمينًا في العمل الجماعي على كافة المستويات.
ثانيًا: أصناف المدرس في المنظومة التربوية وفق التصور المجتمعي: في واقع ممارستنا التربوية، كثيرًا ما نسمع نعوتًا متعددة تطلق على المدرس، تنطلق من معايير وخلفيات مختلفة من ذلك: مدرس كفء، مدرس مجدد، مدرس تقليدي، مدرس ملتزم، مدرس مستهتر، مدرس صعب... وهلم جرًّا من النعوت.
وارتباطًا بصلب هذا العنصر، وما ينطلق به واقع الحال، يمكن الحديث عن ثلاثة أصناف[3]:
أ - المدرس المجتهد: ينشغل أساسًا بما يحرزه المتعلم من تقدم، فيجتهد في اقتراح الوضعيات الباعثة على التعلم، ويعنى بتسيير الأعمال، وتذليل الصعوبات، والحفز على تحرير طاقات المتعلمين، وحفزهم على الانطلاق في عالم التعلم المديد والرحب.
ب - المدرس المقتصد: يزاول مهنته باقتصاد، فيحرص على تنفيذ المقرر، بأقل جهد وأضعف كلفة، فيدبر وضعية التعلم، أو ينقل المعرفة.
ت - المدرس المقصر: ويتجلى تقصيره في الميل إلى التأخر، والجنوح إلى الغياب، والإخلال بمسئولياته، وتتسم عادة ممارسته المهنية بالاضطراب والتوتر والفتور، فلا تخطيط ولا إعداد ولا رؤية واضحة، فهو يسير بلا غاية. لكن كاميرا الإعلام والوزارة الوصية على التربية والتعليم مثلًا في المغرب، توجه إلى هذا الصنف الأخير - على قلته - فتشوه سمعة المدرس مهنيًّا وتربويًّا وتقلل من مكانته اجتماعيًّا وثقافيًّا، ويظهر ذلك من خلال البرامج التلفزيونية والمسلسلات الهزلية بل حتى وزير التربية الوطنية المغربي رشيد بلمختار، قال في مؤتمر صحفي، إن المدرس الكفء عملة نادرة إن لم نقل مفقودة! لهذا فإعادة الاعتبار للمدرس تكون بتبني رؤية استباقية تجعل من المدرس مركز ثقل أي إصلاح، من خلال اعتماد خطاب يثمن الإيجابيات والمجهودات التي يبذلها في إطار دوره وواقعه المدرسي والتربوي وتأهيله مهنيًّا وبيداغوجيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا وماديًّا وتمكينه من العدة الديداكتيكية التي تجعله يواجه الواقع التربوي ويبدع إزاءه ويرقى بممارسته التربوية خدمة للناشئة.
ثالثًا: الأدوار المختلفة للمدرس لمسايرة المستجدات: لكي يقوم المدرس في مهمته المنوطة به أحسن قيام، ينبغي أن يؤدي دوره التعليمي، وفي الوقت نفسه يتحتم عليه تقمص أدوار مختلفة والعمل فيها بفعالية: اجتماعية ونفسية وتربوية.
1 - الدور التربوي: وينفرد التعليم بكونه مهنة مقدسة لأن الله سبحانه وتعالى نسبه إلى ذاته العليا، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ 1عَلَّمَ الْقُرْآنَ 2 خَلَقَ الإنسَانَ 3 عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ١ - ٤]. كما اهتم الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالتعليم اهتمامًا كبيرًا، ووردت عنه أحاديث نبوية شريفة تؤكد ذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا»[4].
قال المناوي: «(إن الله لم يبعثني معنتًا) أي شقاء على عباده. (ولا متعنتًا): أي طالبًا للعنت وهو العسر والمشقة، (ولكن بعثني معلِّمًا)، ميسرًا من اليسر»[5].
وإذا كان للتربية والتعليم كل هذه الامتيازات والمكانة السامقة، فلا بد أن يتحلى المدرس بخصال تربوية حميدة تجعل محبوبًا لدى المتعلمين، فقيمة المدرس تتهاوى إلى الحضيض إذا صدر منه ما يخدش الحياء ويهدم الأخلاق، إذ كثيرًا ما سمعنا في وسائل الإعلام عن تحرش الأستاذ بتلميذاته بل اغتصابهن! فكيف يليق بهذا أن يكون القدوة والمثال للمتعلمين؟!
ولله در الشاعر إذ يقول:
يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْــــــــــــــــــرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيــــــمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى *** كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِــيــــمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّـــــــــــــــهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيـــمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَـــــــــدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصلُ التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَــــــــــــــــهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَـظِـيــــمُ
هناك أمور هي التي تحقق للمدرس هيبته منها[6]:
إيمانه بأن التعليم رسالة يؤديها في الحياة لا مجرد وظيفة يكسب منها لقمة عيشه، وفي سبيل أداء الرسالة يكون عظيم الصبر واسع الحلم. دماثة أخلاق المعلم وحب المتعلمين له هو الذي يمنعهم من التجرؤ عليه، ولو حدث أن تجرأ أحدهم فهو الشذوذ الذي لا تخلو منه قاعدة ولا يلغيها، وهو ما تعرض له المصلحون وعلى رأسهم الأنبياء عليهم السلام ولم تطعن في شخصيتهم ولا هيبتهم. زهده بما أيدي المتعلمين، إذ لما طغى الطمع والجشع على قلوب بعض المدرسين وجعلهم يتهافتون على الكسب المادي تحت سائر المبررات، وفتحوا باب الدروس الخصوصية وغيره من الأبواب، سقطت هيبة المدرس في أعين الكثير من الناس. كما أنه من مهام المدرس ترسيخ القيم وإشاعتها بين التلاميذ، حتى يتسنى الحد من المظاهر السلبية التي تنخر جسد المنظومة التربوية؛ كالعنف وتخريب المنشآت والتجهيزات داخل المؤسسة التعليمية.
2 - الدور التعليمي: من بين الأدوار الجوهرية التي ينبغي للمدرس أن يتسلح بها في ظل المتغيرات المعاصرة لتطوير أدائه التعليمي؛ إتقان مهارات التواصل والتكوين والتثقيف الذاتي (الاطلاع على مستجدات التربية والتكوين وما مدى تطبيقها في العملية التعليمية - التعلمية)، والتمكن من المادة المدرَّسة، وذلك بالتعمق في المادة العالِمة، والتمكن من التكنولوجيا الحديثة وتطبيقها ديداكتيكيًّا في الممارسة الصفية حتى يتأتى تنويع عرض المادة الدراسية وفي الآن نفسه لا يحس المتعلم بالملل الناجم عن التدريس التقليدي، بل الأكثر من هذا تهيئة الأجواء بالإدارة الصفية الفاعلة بتفعيل «البيداغوجيا الفارقية»، والقدرة على استخدام التقويم التكويني المستمر والتغذية الراجعة أثناء التدريس. «ولا تقتصر أيضًا أهمية المدرس على دوره المباشر في تنمية الإبداع وإنما تتعداه إلى ما يتبنى المعلم من اتجاهات إيجابية نحو الابتكارية، وهذا الأمر يتطلب إعادة النظر في تكوين المعلمين قبل الخدمة وتدريبهم أثناء الخدمة بأن يمتلك المعلم صفات المعلم المبدع، وهي: مرونة شخصيته، والثقة غير المشروطة في قدرات الطالب والإقلال من التقييم والنقد الخارجي، وإشعار الطالب بالأمان وعدم الخوف واستخدام التشجيع والإثابة، وإدراك الفروق الفردية بين المتعلمين وإثراء الموقف التعليمي بالأنشطة الإبداعية، وإظهار قيمة أفكار الطلاب، والإلمام بسمات الطلاب المبدعين، أو تشجيع الطلاب للتعبير عن أفكارهم الشخصية ومشاعرهم الذاتية وامتلاك القدرة على التسامح والبهجة والحرية»[7].
لتحقيق الدور المتغير للمعلم ينبغي تحقيق ما يسمى بالتعلم الفعال: فالتعلم الفعال هو التعلم الذي يلبي الحاجات الفردية لذلك فإن تحقيق الحاجات للمتعلم يستثير دافعيتهم للتعلم ويتم ذلك وفق ظروف الدروس التي يقدمها المعلم. وهكذا يفرض على المدرس استخدام إستراتيجيات مناسبة لتلبية حاجات المتعلمين الفردية، وبذلك تتم استثارة دافعيتهم للتعلم، ومن هذه الإستراتيجيات[8]:
- تشخيص الحاجات الفريدة، والميول، والأهداف للمتعلم. - مساعدة المتعلم لتحديد أهدافه الشخصية وربطها بهدف التعلم. - ربط هدف التعلم العام للمتعلم بحاجاته وميوله وهدفه. - صياغة أهداف التعلم وأنشطته لتحقيق نجاح المتعلم. - مساعدة المتعلم على صياغة أهداف التعلم. - أن تكون أهداف التعلم ضمن خصائص يمكن تحصيلها: معقولة، واضحة وقابلة للقياس، مرغوبة.
3 - الدور التعاوني: من خلال الانخراط في فريق تربوي - تعليمي، سواء في مجالس الأقسام لمناقشة الاختلالات التي تعرفها الممارسة الصفية، وتبادل الخبرات والتجارب بين المدرسين وأيضًا من خلال الأندية التربوية، التي تعد من الأنشطة الموازية التي تخرج المتعلم من التعلم التقليدي، وتنقله إلى أفق أرحب من الإبداع، بل قد تكتشف فيه المواهب المدفونة في الممارسة الديداكتيكية التقليدية، وقد بينت التجربة مدى تأكد نظرية «غاردنر» صاحب «نظرية الذكاءات المتعددة».
4 - الدور الاجتماعي: فهو رائد اجتماعي يسهم في تطوير المجتمع وتقدمه عن طريق تربية الأطفال تربية صحيحة تتسم بحب الوطن والحفاظ عليه، وتسلح تلاميذه بطرق العمل الذاتي التي تمكنهم من متابعة اكتساب المعارف وتكوين القدرات والمهارات وغرس قيم العمل الجماعي في نفوسهم، وتعويدهم على ممارسة الحياة والديمقراطية في حياتهم اليومية[9].
5 - الدور النفسي: فالمدرس لا ينبغي أن يقتصر دوره على عرض المادة الدراسية وتلقينها وتقويمها، بل ينبغي أن يكون قريبًا من المتعلم، للمساهمة في معالجة همومه ومشاكله التي تحول دون مسايرته الفاعلة والفعالة في التحصيل الدراسي. ولا أدل على ذلك من التجربة الرائدة في بعض المؤسسات التعليمية التي أنشأت ما يسمى بمراكز الإنصات للحد من الاضطرابات النفسية التي يعيشها المتعلمون نتيجة مشاكل أسرية واجتماعية واقتصادية.
6 - الدور التنموي: ينظر علماء «التنمية البشرية» للمدرس على أنه يشكل المصدر الأول للبناء الحضاري والاقتصادي والاجتماعي للأمم، من خلال إسهاماته الحقيقية في بناء البشر، والحجم الهائل الذي يضاف إلى مخزون المعرفة، وعبرت عنه نظرية «رأس المال البشرى» بأنه كلما نجح المدرس في زيادة المستويات التعليمية لأبناء الأمم، كلما ارتفعت معها مستويات المعرفة، ومن ثم ترتفع مستويات الإنتاج القومي العام، والذي بدوره ينعكس على زيادة مستويات دخل أبناء الأمم وتحقق الرفاهية الاجتماعية[10]. على ضوء ذلك، ينبغي إعادة صياغة برامج إعداد المدرسين في ضوء تحديات العولمة لجعلهم قادرين على أداء أفضل، والأخذ بمبدأ النمو المهني المستمر للمعلم وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمعلمين حتى يشعروا بالأمن الوظيفي ويتنافسوا في أداء رسالتهم وترسيخ مبدأ التعبد بالعلم[11].
وختامًا، فالمدرسة المبدعة والمواكبة للمستجدات، لا ينحصر دورها فقط في تغيير المناهج وإصدار كتب جديدة وإدخال التكنولوجيا الحديثة في التعليم، بل ينبغي أن يرافق كل ذلك تشبث المدرس بالقيم الراقية الراسخة في ديننا الحنيف، وثورة وتغيير في بيداغوجيته وطرائق تدريسه، من خلال التكوين الذاتي والمواكبة في التكوين المستمر من طرف الأخصائيين في علوم التربية والديداكتيك وعلم النفس التربوي، بالإضافة إلى تشجيعه ماديًّا وتحفيزه على إثر كل عطاء إبداعي.
:: مجلة البيان العدد 338 شوال 1436هـ، يوليو - أغسطس 2015م.
____________________________________________
[1] Woolfolk, A. (1998), Educational psychology (7th ed.). Boston, MA: Allyn & Bacon (660 pp.) [2] روبرت رتشي (1982) التخطيط للتدريس، مدخل للتربية، ترجمة محمد أمين الفقي وآخرين، الرياض : دار المريخ للنشر. [3] عبدالله زروال، المدرس وأسئلة المهنة، مجلة علوم التربية، العدد 2015، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ص 60-61. [4] مسلم، ح (1478). [5] فيض القدير المناوي 2/254. [6] عبدالله الكمالي (2008)، الطريق إلى التميز التربوي، دار ابن حزم، بيروت، لبنان، ط2، ص55. [7] شحاتة، حسن (2004): مداخل إلى تعليم المستقبل في الوطن العربي، الدار المصرية للكتاب، القاهرة، ص107. [8] يوسف قطامي، ونايفة قطامي (2000)، سيكولوجية التعلم الصفي، دار الشروق، ط1، عمان الأردن، ص269-270. [9] بشارة، جبرائيل (1986): تكوين المعلم العربي والثورة العلمية التكنولوجية، المؤسسة الجامعية للنشر والتوزيع، بيروت، ص 28، بتصرف يسير. [10] غنيمة، محمد متولي (1996) القيمة الاقتصادية للتعليم في الوطن العربي «دراسات وبحوث»: سياسات وبرامج إعداد المعلم العربي وبنية العملية التعليمية التعلمية، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، ص10. [11] أبو دف، محمد خليل (2002): مقدمة في التربية الإسلامية، مكتبة آفاق، غزة، فلسطين، ص203.
_____________________________________________
الكاتب: . د. مولاي المصطفى البرجاوي
- التصنيف:
- المصدر: