حكم فوائد ودائع البنوك
يجب أن يعلم كل مسلم أن ربا البنوك الموجود الآن هو ربا الجاهلية، ربا النسيئة الذي حرمه الله تعالى في كتابه العزيز
البنك عند علماء الاقتصاد:
يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم: يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسُّلَف؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ132).
ويقول الدكتور محمد يحيى عويس: تتلخص الوظيفة الرئيسية للبنوك في المجتمعات في الجملة التقليدية إن البنوك تقترض لكي تُقرض؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ133).
يقول الدكتور علي السالوس بعد أن ذكر تعريفات عديدة للبنك عند علماء الاقتصاد: إن البنك يقوم بوظيفتين في إطار كونه تاجرًا للديون أو الائتمان، وهما: الاقتراض من المودعين، والإقراض للمقترضين، ويدفع للمودعين ثمنًا محددًا، وهو الفائدة على الودائع، ويتقاضى من المقترضين ثمنًا أعلى، هو فائدة الإقراض، والفرق بين الفائدتين، هو المصدر الأساسي لإيرادات البنك؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ134).
أخي المسلم الكريم، هكذا حَكَمَ الاقتصاديون على طبيعة عمل البنوك، أنها تقوم على الاقتراض من المودعين والإقراض للمستثمرين وغيرهم.
تعريف شهادات الاستثمار: هي الورقة التي تُثبت الحق في المبلغ المُودَع لدى المَصْرِف وديعة خاضعة لنظام القرض وللنُّظُم الخاصة بها، وغالبًا ما تُصدرُ المصارفُ هذه الشهادات بتوجيه مِن الدولة لاستخدام حصيلتها في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية؛ (ما لا يسع التاجر جهله ـ عبد الله المصلح ـ صـ 287).
معنى الربا:
الربا في اللغة:
الزِّيَادَةُ؛ قال ابن منظور: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوًّا ورِباءً: زاد ونما، وأَرْبَيْته: نَمَّيته؛ (لسان العرب، لابن منظور جـ3 صـ1572).
وفي التنزيل العزيز: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39]، ومنه أُخْذُ الربا الحرام.
الربا في الشرع: الزِّيَادَةُ فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ؛ (المغني لابن قدامة جـ1 صـ51).
حُكْمُ الربا:
الربا حَرَامٌ بدليل القرآن والسُّنَّة وإجماع عُلماء المسلمين.
أولًا: القرآن الكريم:
قَالَ الله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
وقَالَ جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [ البقرة: 278: 279].
ثانيًا: السنة:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ»)؛ (البخاري حديث 2766/ مسلم حديث 89).
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ؛ (مسلم حديث 1598).
ثالثًا: الإجماع:
أجمعَ عُلماءُ الأمة قديمًا وحديثًا على أن الربا حَرَامٌ؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق الدكتور التركي جـ6 صـ52).
عاقبة التعامل بالربا في الدنيا والآخرة:
لقد حذَّرنا الله تعالى من عاقبة التعامل بالربا، فأكَّد ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، وسوف أتحدث عن عاقبة الربا في القرآن الكريم والسُّنة المطهرة بإيجاز:
أولًا: عاقبة التعامل بالربا في القرآن:
(1) قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275].
قال ابن جرير الطبري (رحمه الله): قال جَلَّ ثناؤُهُ عَنْ الذين يأكلون الربا: {لَا يَقُومُونَ} فِي الْآخِرَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ: يَتَخَبَّلُهُ الشَّيْطَانُ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ، فَيَصْرَعُهُ مِنَ الْمَسِّ، يَعْنِي مِنَ الْجُنُونِ؛ (تفسير ابن جرير الطبري ـ جـ3 ـ صـ101).
• قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (رحمه الله): «يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَجْنُونًا يَخْنُقُ»؛ (تفسير ابن جرير الطبري جـ3صـ102).
(2) قال سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
• قال ابن كثير (رحمه الله): يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا، أَيْ: يُذْهِبُهُ، إِمَّا بِأَنْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْرمَه بَرَكَةَ مَالِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، بَلْ يُعَذِّبُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ (تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 صـ494).
(3) قال جل شأنه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279:278].
قال ابن كثير (رحمه الله): هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى تَعَاطِي الرِّبَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ)؛ أَيِ: اسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس قَالَ: يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}؛ (تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 صـ496).
ثانيًا: عاقبة التعامل بالربا في السُّنَّة:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ»؛ (البخاري حديث 2766، ومسلم حديث 89).
روى البخاريُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا، فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا»؛ (البخاري حديث 2085).
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ»؛ (مسلم حديث 1598).
روى الطبرانيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ، فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح الجامع للألباني حديث 679).
روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ»؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1844).
سبعون حوبًا: الحوب: الإثم، أي سبعون نوعًا من الإثم.
أيسرها: أي أخف تلك الآثام أن يجامِع الرَّجُل أمه.
روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1848).
أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا: أي أكثَر مالَه، وجمَعَه من الربا.
الفرق بين الربا والربح والأجر:
أولًا: الفرق بين الربا والربح:
الربح: هو الزيادة الحاصلة في المبايعة (أيْ نتيجة البيع)؛ (المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني صـ270).
ويختلف الربح عن الربا في أن الزيادة في التعامل الربوي ثابتة ومعلومة مسبقًا، وأما الربح في التجارة يكون غير ثابت وغير معلوم مسبقًا، بل هناك احتمال الخسارة، وهذه الخسارة يتحملها صاحب المال، وأما في المعاملات الربوية لا صلة لصاحب المال بالخسارة، يبذل صاحب المال الجهد في البيع والشراء، في حين لا يبذل صاحب المال في المعاملات الربوية أي جهد، بل يتقاضى زيادة مقابل الأجل الذي يبقى فيه ماله عند المقترض.
ثانيًا: الفرق بين الربا والأجر:
الأجر: هو ثمن المنفعة في العقد المتفق عليه بين طرفين، والأجر يكون مقابل خدمة يقوم بها شخصٌ، فلا يستحق هذا الأجر أحدٌ إلا بعد قيامه بالخدمة المطلوبة منه، وأما الربا فلا عبرة فيه بوجود هذه الخدمة، وإنما هو زيادة يأخذها صاحب المال مقابل الأجل؛ (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ 32:30).
الأشياء التي يحرم فيها الربا:
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ»؛ (مسلم ـ حديث 1584).
ويتَّضح من هذا الحديث الشريف أن أصول الأشياء الربوية ستة، هي: الذهب والفضة، والقمح والشعير، والتمر والملح.
علة تحريم الربا:
يقول السيد سابق (رحمه الله): هذه الأعيان الستة التي خصها الحديث بالذكر تنتظم الأشياء الأساسية التي يحتاج الناس إليها، ولا غنى لهم عنها، فالذهب والفضة هما العنصران الأساسيان للنقود تنضبط بهما المعاملة والمبادلة، فهما معيار الأثمان الذي يرجع إليه في تقويم السلع، وأما بقية الأعيان الأربعة، فهي عناصر الأغذية وأصول القوت الذي به قوام الحياة، فإذا جرى الربا في هذه الأشياء كان ضارًّا بالناس، ومفضيًا إلى الفساد في المعاملة، فمنع الشارع منه رحمة بالناس ورعاية لمصالحهم؛ (فقه السنة للسيد سابق ـ جـ4 ـ صـ79).
قال ابن قدامة (رحمه الله): مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ الرِّبَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، كَالْأُرْزِ، وَالدُّخْنِ، وَالذُّرَةِ، وَالْقُطْنِيَّاتِ، وَالدُّهْنِ، وَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَنَحْوِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (رحمه الله): هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، سِوَى قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ شَذَّ عَنْ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَقَصَرَ التَّفَاضُلِ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا انْعَدَمَ فِيهِ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالطَّعْمُ، وَاخْتَلَفَ جِنْسُهُ، فَلَا رِبَا فِيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58).
خلاصة القول:
إن عِلَّة تحريم الربا هي الثمنية، أو الكيل والوزن مع المطعومية، والادخار.
الثمنية:
كُلُّ ما يَصلح أن يكون ثمنًا لشراء الأشياء.
المطعومية:
كُلُّ ما يَقتات منه الإنسانُ غالبًا ويعيش عليه.
فإذا وجدت عِلَّة الثمنية في غير الذهب والفضة - كالأوراق النقدية الموجودة في وقتنا الحاضر - أخذ حكمهما، فلا يباع إلا مِثْلًا بمثل ويدًا بيد في نفس المجلس.
فإذا وجدت عِلَّة المطعومية مع الادخار في طعام آخر غير القمح والشعير والتمر والملح، أخذ حُكْمها، فلا يُباع إلا مِثْلًا بمثل ويدًا بيد في نفس المجلس؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ79).
قواعد مهمة لتجنب الربا المحرم:
هناك قواعد مهمة يجب على المسلم أن يتعلمها؛ لكي يتجنب الوقوع في الربا المحَرَّم، ونوجزها في الآتي:
القاعدة الأولى:
إذا اتفق البدلان في الجنس والعلة (الثمنية والمطعومية مع الادخار)، حَرُمَ التفاضل (أي الزيادة)، وحرُم النسيئة (أي تأجيل التقابض)؛ (المغني لابن قدامة، جـ6، صـ53)، (فقه السنة للسيد سابق، جـ4 ـ صـ79).
فائدة مهمة:
المقصود بالجنس: هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص، فهما جنس واحد، كأنواع التمر، وأنواع القمح، فالتمور كلها جنس واحد؛ لأن الاسم الخاص يجمعها، وهو التمر، وإن كثُرت أنواعه؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ76).
ولتوضيح هذه القاعدة أقول: إذا بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة، أو قمح بقمح، فإنه يُشترط لصحة هذا البيع شرطان:
الشرط الأول: التساوي في الوزن أو الكمية بصرف النظر عن الجودة والرداءة.
الشرط الثاني: التقابض في نفس المجلس، بمعنى آخر أنه يحرم تأجيل أحد البدلين، وذلك بدليل ما يلي:
روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا، [أي: لا تزيدوا] ، بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ [أي: الفضة] بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»؛ (أي: حاضر)، (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584).
روى الشيخانِ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ،[أي: خذ وهات]، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ»؛ (البخاري حديث 2174 / مسلم حديث 1586).
روى الشيخانِ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مِنْ أَيْنَ هَذَا»؟ قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ؛ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: «أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ»؛ (البخاري حديث 2312 / مسلم حديث 1594).
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا»؛ (مسلم، حديث 1588).
القاعدة الثانية:
إذا اختلف البدلان في الجنس واتَّحدا في العلة (الثمنية أو المطعومية مع الادخار)، جاز التفاضل، أي: الزيادة، وحَرُمَ النَّساء (أي: تأجيل التقابض)؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ61)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ80).
فإذا بيع ذهب بفضة أو قمح بشعير، جازت الزيادة بشرط أن يتمَّ التقبض في نفس المجلس، وذلك بدليل ما يلي:
روى مسلمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»؛ (مسلم ـ حديث 1587).
القاعدة الثالثة:
إذا اختلف البدلان في الجنس والعلة (الثمنية أو المطعومية مع الادخار)، جاز التفاضل، أي: الزيادة، والنسيئة، أي: تأجيل التقابض؛ (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ81).
فإذا بيع قمح أو شعير أو تمر أو طعامٍ بفضة، جاز التفاضل، أي: الزيادة، وجازت النسيئة (أي: تأجيل التقابض)، وذلك لما يلي:
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ؛ (البخاري حديث 2200).
• قال الإمامُ النووي (رحمه الله): أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز بَيْع الرِّبَوِي بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكهُ فِي الْعِلَّة مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الذَّهَب بِالْحِنْطَةِ، وَبَيْع الْفِضَّة بِالشَّعِيرِ وَغَيْره مِنْ الْمَكِيل؛ (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14).
بيع العينة:
المقصود ببيع الْعِينَةِ هو أن يبيعَ المسلم شيئًا ما بثمن محدد إلى أجلٍ مُسَمَّى إلى شخص ما، ويسلمها إليه، ثم يشتريه البائع مِن نفس المشتري (قبل قبض المال) بثمنٍ نقدٍ أقل مِن الثمن المؤجل، وسُميت بالْعِينَةِ؛ لأن البائع يشتري نفس العين التي باعها؛ (نيل الأوطار للشوكاني ـ جـ5 ـ صـ294).
هذا البيع حرامٌ؛ لأنه ذريعة إلى الربا وإن كان في صورته بيع وشراء؛ روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود للألباني حديث 2956).
البيع بالتقسيط:
يجوز بيع سلعة بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة عن ثمنها الحالي مقابل الزيادة في الأجل؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ 7 ـ رقم 1013 ـ صـ 2344:2341).
(فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ رقم 53/2/6 لعام 1410هـ /1990 مـ)
بيع وشراء الذهب والفضة:
الكثيرُ مِن المسلمين يقعون في الربا المحرم عند بيع وشراء الذهب والفضة، وذلك لعدم معرفتهم بأحكام الربا، ولذا سوف أوضِّح بعض الأمور الهامة التي يجب على المسلم أن يكون على معرفة بها عند بيع وشراء الذهب والفضة، فأقول وبالله التوفيق: لا يجوز استبدال الحُلي القديم من الذهب أو الفضة بحلي مثله جديد، مع دفع فرق الصنعة؛ روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّو (أي لا تزيدوا) بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ؛ أي: الفضة، بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ»؛ (أي: حاضر)؛ (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584).
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ»؛ (مسلم حديث 77).
أقوال العلماء:
سوف نذكر أقوال العلماء في تحريم استبدال حُلي الذهب أو الفضة بحُلي مثله جديد، مع إعطاء الصائغ فرق الصنعة.
(1) قال الإمامُ النووي (رحمه الله) قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِق بِالْوَرِقِ إِلَّا سَوَاء بِسَوَاءٍ»؛ قَالَ الْعُلَمَاء: هَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع أَنْوَاع الذَّهَب وَالْوَرِق مِنْ جَيِّد وَرَدِيء، وَصَحِيح وَمَكْسُور، وَحُلِي وَتِبْر، وَغَيْر ذَلِكَ، وَسَوَاء الْخَالِص وَالْمَخْلُوط بِغَيْرِهِ، وَهَذَا كُلُّه مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ (صحيح مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14).
(2) قال الإمامُ البغوي (رحمه الله) بعد أن ذكر هذا الحديث: لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَبِ): فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إِلا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَلا يَجُوزُ طَلَبُ الْفَضْلِ لِلصَّنْعَةِ؛ لأَنَّهُ يَكُونُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ مَعَ الْفَضْلِ؛ (شرح السنة للبغوي جـ8 صـ65).
(3) قال الإمامُ ابن حجر العسقلاني (رحمه الله): قوله صلى الله عليه وسلم: «الذَّهَب بِالذَّهَبِ»، يَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيع أَصْنَافِهِ مِنْ مَضْرُوبٍ وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْر وَخَالِص وَمَغْشُوش؛ (فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ4 صـ445).
(4) قال الإمامُ القرطبي (رحمه الله): الْفِضَّةُ الْبَيْضَاءُ وَالسَّوْدَاءُ وَالذَّهَبُ الْأَحْمَرُ وَالْأَصْفَرُ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ3 صـ351).
(5) قال الإمامُ ابن قدامة (رحمه الله): وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ، وَالتِّبْرُ وَالْمَضْرُوبُ، وَالصَّحِيحُ وَالْمَكْسُورُ، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ60).
روى أبو داودَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مُدْيٌ بِمُدْيٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى»؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 2864).
فائدة مهمة:
قَالَ الإمامُ الْخَطَّابِيُّ (رحمه الله): التِّبْرُ: قِطَعُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ وَتُطْبَعَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، وَاحِدَتُهَا تِبْرَةٌ، وَالْعَيْنُ: الْمَضْرُوبُ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ؛ (معالم السنن للخطابي جـ3 صـ59).
(6) قال الإمامُ أبو عمر بن عبدالبر (رحمه الله): أجمع العلماء على أن الذهب وعينه سواء، لا يجوز التفاضل في شيء منه، وكذلك الفضة، تبرها وعينها ومصنوع ذلك كله ومضروبه، لا يحل التفاضل في شيء منه؛ (الاستذكار لابن عبدالبر جـ19 صـ192 رقم 28702 / 28703).
روى مالكُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْمَكِّيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُ صَائِغٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنِّي أَصُوغُ الذَّهَبَ ثُمَّ أَبِيعُ الشَّيْءَ مِنْ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، فَأَسْتَفْضِلُ أي: أخذ زيادة - مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عَمَلِ يَدِي، فَنَهَاهُ عَبْدُاللَّهِ عَنْ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الصَّائِغُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ، وَعَبْدُاللَّهِ يَنْهَاهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى دَابَّةٍ، يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَهَا ثُمَّ قَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ لَا فَضْلَ بَيْنَهُمَا هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إِلَيْنَا، وَعَهْدُنَا إِلَيْكُمْ؛ (إسناده صحيح)، (موطأ مالك – كتاب البيوع حديث 31).
(7) قال الشنقيطي (رحمه الله): لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَصُوغِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِجِنْسِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهِ، وذكر الأدلة على ذلك القول، ثم قال بعد ذلك: وَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّنَاعَةَ الْوَاقِعَةَ فِي الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ لَا أَثَرَ لَهَا، وَلَا تُبِيحُ الْمُفَاضَلَةَ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصِّنَاعَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ؛ (أضواء البيان للشنقيطي جـ1 صـ223: صـ224).
الطريقة الشرعية لبيع الحلي القديم وشراء الجديد:
إذا أراد المسلمُ أن يبيع حُليًّا قديمًا ويشتري بدلًا منه حُليًّا جديدًا، يجب عليه أولًا أن يبيع الحُلي القديم ويقبض ثمنه، ثم يشتري ما يريد من الذهب الجديد، سواء من هذا الصائغ الذي باع إليه أو من غيره، ولا يجوز أن يكون بين البائع والمشتري مشارطة، بمعنى أنه يحرُم على الصائغ أن يشترط شراء الذهب القديم على أن يشتري منه البائع ذهبًا جديدًا؛ لأن ذلك في حُكم البيعتين في بيعة وهذا النوع نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
تنبيهات مهمة:
(1) بيع الذهب أو الفضة بالأجل محرم بإجماع علماء المسلمين لأنه ربا نسيئة.
(2) لا يجوز للصائغ الاشتراط على من يبيع له الذهب المستعمل أن يشتري منه ذهبًا جديدًا؛ لأن ذلك حيلة على بيع الذهب مع الزيادة، وهذا ربا محرم؛ (بيع وشراء الذهب لابن عثيمين صـ10: صـ11).
(3) كل قرض نقدي جَرَّ نفعًا مشروطًا، فهو ربا محرم؛ (السنن الكبرى للبيهقي جـ5 صـ350).
(4) يجوز استبدال عُمْلة نقدية بعُملْة أخرى بدون اشتراط التساوي في الكمية، ولكن يُشترط أن يتم التقابض في نفس المجلس قبل الافتراق.
(5) يجب تطبيق كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية بيع الذهب والفضة وغيرهما تعبدًا لله تعالى.
ربا الجاهلية وربا البنوك:
سوف أتناول الحديث بإيجاز عن كل من ربا الجاهلية وربا البنوك:
أولًا: ربا الجاهلية:
قال ابن كثير (رحمه الله): كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ - إذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْن ِ-: إِمَّا أَنْ يَقْضِي وَإِمَّا أَنْ يُرْبِي، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الْمُدَّةِ، وَزَادَهُ الآخَر فِي القَدْر، وَهَكَذَا كُلُّ عَامٍ، فَرُبَّمَا تَضَاعَفَ الْقَلِيلُ حَتَّى يَصِيرَ كَثِيرًا مُضَاعَفًا؛ (تفسير ابن كثير جـ3 صـ183).
ثانيًا: ربا البنوك:
يجب أن يعلم كل مسلم أن ربا البنوك الموجود الآن هو ربا الجاهلية، ربا النسيئة الذي حرمه الله تعالى في كتابه العزيز؛ حيث قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130].
إن معظم البنوك تأخذ من المقترض فائدة (ربا) بنسبة مئوية محددة مقابل تأخير المال المقترض، وتزداد هذه النسبة كلما تأخَّر الشخص المقترض في رد المال حتى تصبح الزيادة أضعافًا كثيرة، وقد تكون أكثر من رأس المال الذي تَم اقتراضه، وتقوم هذه البنوك أيضًا بدفع فائدة (ربا) بنسبة مئوية محددة ومسبقة كل عام للذين يضعون أموالهم في هذه البنوك؛ (الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي جـ4 صـ682).
وقفه مهمة للتأمل:
أخي المسلم الكريم، إذا لم تكن فوائد البنوك هي الربا الذي حَرَّمَهُ الله تعالى في كتابه العزيز، وحَرَّمَهُ رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المباركة، وأجمع على تحريمه علماء المسلمين، قديمًا وحديثًا، فأين هو الربا الحرام؟!
المضاربة في الشريعة الإسلامية:
تعريف المضاربة:
هي شركة بين صاحب رأس المال وعامل المضاربة، فصاحب رأس المال يشترك بماله، وعامل المضاربة يشترك بعمله، والربح يُقسم بين الاثنين بالنسبة المتفق عليها، والعامل يتصرف في المال باعتباره وكيلًا أمينًا، وليس مالكًا كالمقترض، وفي حال الخسارة، يخسر كل منهما جنس كما اشترك به، فصاحب المال يخسر مالًا، والعامل لا يأخذ شيئًا مقابل عمله، فهو يخسر العمل؛
(موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور علي السالوس صـ962).
من هذا التعريف السابق للمضاربة، نرى أن إطلاق لفظ المضارب على البنوك التي تأخذ أموال المودعين وتعطيهم على ذلك فائدة محددة مسبقًا، لا يجوز؛ وذلك لأن البنك يعتبر ضامنًا لأموال المودعين، ومن المعلوم أن المضارب ليس بضامن للمال إلا إذا ثبت إهماله أو خالف شروط العقد.
قال الإمامُ ابن قدامة (رحمه الله): مَتَى شَرَطَ صاحبُ المال عَلَى الْمُضَارِبِ (الشخص الذي يستثمر المال) ضَمَانَ الْمَالِ، أَوْ سَهْمًا مِنْ الْوَضِيعَةِ، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ المغني لابن قدامة جـ7 صـ176).
هل يجوز تحديد مقدار معين من الربح مُسبقًا لصاحب المال أو المضارب؟
يجب أن يكون من المعلوم أنه لا يجوز تحديد مقدار معين من الربح مسبقًا لصاحب المال أو المضارب (العامل الذي يشارك بجهده وعمله فقط في المضاربة).
روى الشيخانِ عَنْ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا، وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي (يؤجر) أَرْضَهُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي، وَهَذِهِ لَكَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ (هذه)، وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ (هذه)، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري حديث 2332، ومسلم، كتاب البيوع حديث 117).
روى الشيخانِ عن رَافِعِ بْنِ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا، قُلْتُ: مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ حَقٌّ، قَالَ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ»؟ قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ: «لَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا»، قَالَ رَافِعٌ: قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً؛ (البخاري حديث 2339 / مسلم حديث 114).
استدلالًا بهذين الحديثين، ذهب أهل العلم إلى عدم جواز تحديد قطعة من الأرض يأخذ صاحب الأرض ريعها، وكذلك عدم تحديد مقدار معين من الزرع يأخذه صاحب الأرض، بل يأخذ نسبة معينة من عموم ما تخرجه الأرض، وإذا كان هذا الكلام شرط لصحة المزارعة، فهو شرط أيضًا لصحة المضاربة وسائر أنواع الشركات.
أقوال أهل العلم:
(1) يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله): الْمُزَارَعَةُ مِنْ جِنْس الشَّرِكَة يَسْتَوِيَانِ فِي الْغُنْم وَالْغُرْم، فَهِيَ كَالْمُضَارَبَةِ؛ (عون المعبود شرح سنن أبي داود جـ9 صـ2002).
(2) قَالَ الإمامُ أحمد ابن تيمية (رحمه الله) (وهو يتحدث عن المضاربة الشرعية): وَمَا قَسَّمَ اللَّهُ مِنْ الرِّبْحِ كَانَ بَيْنَهُمَا؛ (أي بين صاحب المال والمضارب الذي يستثمر المال) عَلَى الْإِشَاعَةِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِرِبْحِ مُقَدَّرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا يُخْرِجُهُمَا عَنْ الْعَدْلِ الْوَاجِبِ فِي الشَّرِكَةِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمُزَارَعَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَشْرُطُونَ لِرَبِّ الْمَالِ زَرْعَ بُقْعَةٍ بِعَيْنِهَا وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَى الماذيانات (جوانب الأنهار)، وَإِقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: إنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَمْرٌ إذَا نَظَرَ فِيهِ ذُو الْبَصَرِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، أَوْ كَانَ قَالَ، فَبَيَّنَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ مُوجِبُ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَوْ شُرِطَ فِي الْمُضَارَبَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لَأَنَّ مَبْنَى الْمُشَارَكَاتِ عَلَى الْعَدْلِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا خُصَّ أَحَدُهُمَا بِرِبْحِ دُونَ الْآخَرِ، لَمْ يَكُنْ هَذَا عَدْلًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لِكُلِّ مِنْهُمَا جُزْءٌ شَائِعٌ، فَإِنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَغْنَمِ وَفِي الْمَغْرَمِ، فَإِنْ حَصَلَ رِبْحٌ اشْتَرَكَا فِي الْمَغْنَمِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ رِبْحٌ، اشْتَرَكَا فِي الْحِرْمَانِ، وَذَهَبَ نَفْعُ بَدَنِ هَذَا كَمَا ذَهَبَ نَفْعُ مَالِ هَذَا، وَلِهَذَا كَانَتْ الْوَضِيعَةُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ ذَهَابِ نَفْعِ الْعَامِلِ؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ20 صـ508).
البنوك الإسلامية ومجالاتها الاستثمارية:
إن البديل عن البنوك الربوية هو إنشاء الكثير من البنوك الإسلامية التي يمكن أن تستثمر أموال المسلمين بالطرق الشرعية التي أباحها الله تعالى وأباحها لنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهنا يأتي سؤال مهم: كيف تستطيع هذه البنوك الإسلامية أن تستثمر الأموال بالطرق الشرعية؟
فنقول وبالله تعالى التوفيق: يجب أولًا أن يكون لكل بنك لجنة من علماء الشريعة المتخصصين، يقومون بالإشراف على مشروعات البنك، ويراقبون تصرفاته ويوضحون كل ما هو حلال وحرام من المعاملات، وبالنسبة لكيفية استثمار الأموال، فهناك مجالات استثمارية كثيرة، تستطيع البنوك الإسلامية أن تستثمر فيها هذه الأموال، ومن هذه المجالات على سبيل المثال ما يلي:
شركة المضاربة الإسلامية:
وذلك بأن يأخذ البنك الإسلامي الأموال كمضارب (أي: عامل)، ثم يتاجر أو يصنع أو يزرع، أو يعمل أي عمل، يُقره الإسلام، وناتج الربح يُقسم بين البنك وبين أصحاب الأموال بنِسَبٍ متفق عليها، أما الخسارة فيتحمَّلها أصحاب المال وحدهم، ما لم يتبيَّن أن الإهمال كان من جانب البنك، ويخسر البنك عمله ومجهوده، ويمكن أن يدخل البنك في شركة المضاربة كصاحب رأس المال والعميل كمضارب، ويقسم الربح بينهما حسب الاتفاق، والخسارة يتحملها البنك وحده، ما لم يثبت إهمال المضارب، وأما المضارب نفسه فيخسر عمله ومجهوده؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس صـ531: صـ543).
فتاوى خاصة بفوائد البنوك:
(1) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: بكري الصدفي (رحمه الله) في 27 من المحرم عام 1325 هجرية السؤال التالي:
من السلطان محمد عماد الدين: في دراهم البنك: هل هي حرام أم لا؟ وفيما يؤخذ منها على سبيل التجارة هل يُعد ربًا أم لا؟
فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي:
الأخذ من دراهم البنك على سبيل التجارة بالفائض كما هو، معتاد الآن، لا شك أنه مِن باب الربا المحَرَّم إجماعًا؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ3 رقم 413 صـ825: صـ826).
(2) سُئل مفتي مصر فضيلة الشيخ: عبدالمجيد سليم (رحمه الله) ـ في 16 جمادي الأولى عام 1362 هجرية 20 مايو عام 1943 ميلادية - السؤال التالي:
لي مبلغ من النقود أودعته في بنك بدون فائدة؛ لأني أعتقد أن الفائدة حرام مهما كانت قليلة، وأعلم أن الله تعالى يمحق الربا، وقد مَنَّ الله عليَّ بحب التصدق على الفقراء والمساكين، وقد أشار عليَّ بعض الناس بأن آخذ الفائدة من البنك وأتصدق بها كلها على الفقراء، ولا حرمة في ذلك، فأرجو التكرم بإفتائي عما إذا كان أخذ الفائدة من البنك لمحض التصدق بها فيه إثم وحرمة أم لا؟
فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي: اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن أخذ فوائد على الأموال المودَعة بالبنوك من قبيل أخذ الربا المحرم شرعًا، ولا يبيح أخذه، قصد التصدق به لإطلاق الآيات والأحاديث الدالة على تحريم الربا، ولا نعلم خلافًا بين علماء المسلمين في أن الربا محرم شرعًا على أي وجه كان، هذا ولا يقبل الله تعالى هذه الصدقة، بل يأثم صاحبها، ثم ذكر فضيلته الأدلة على هذه الفتوى؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ4 رقم 618 صـ1289: صـ1290).
(3) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: عبدالمجيد سليم (رحمه الله) في 28 رمضان عام 1363 هجرية 16 سبتمبر عام 1944 ميلادية – السؤال التالي:
شخصٌ يعمل كاتبًا ببنك التسليف الزراعي، فهل عليه حرمة في هذا العمل، علمًا أنه محتاج إليه في معيشته، وأن جميع أعمال البنك تقوم على الفوائد والربا، وذلك مما حرَّمه الشرع؟
فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله)بما يلي: اطلعنا على هذا السؤال، ونفيد أن الربا محرمٌ شَرعًا بنص الكتاب والسُّنَّة وبإجماع المسلمين، ومباشرة الأعمال التي تتعلق بالربا مِن كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، فكل ما كان كذلك، فهو محرم شرعًا، وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ.
واللعن دليل على إثم من ذُكر في الحديث الشريف، وبهذا عُلم الجواب عن السؤال، والله تعالى أعلم؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ4 رقم 620 صـ1293: صـ1294).
(4) سُئِلَ شيخ الأزهر الأسبق فضيلة الشيخ عبدالحليم محمود (رحمه اللهُ) عن فوائد البنوك؟
فأجاب (رحمه الله): الفوائد على السلف والقرض ربا، سواء كانت هذه الفوائد يأخذها البنكُ مِن العملاء على السلف، أو يأخذها العملاءُ على أموالهم المودعة في البنوك؛ (فتاوى الإمام عبدالحليم محمود ـ جـ1 ـ صـ380).
(5) سُئل مفتي مصر فضيلة الشيخ: جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) في 30 ربيع الأول عام 1400 هجرية / 17 مارس عام 1980 ميلادية – السؤال التالي: ما حُكم اشتراط هيئة الأوقاف المصرية في عقد التمليك وملحقاته أن يدفع المشتري للوحدة السكنية نسبة 5 % من جملة الثمن المؤجل كربح نظير باقي الوحدة التي لم يُدفع ثمنها؟
فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي: إن أخذ نسبة 5 % على المؤجل من الثمن نظير التأجيل هو ربا النسيئة الذي حرَّمه الله تعالى في القرآن الكريم، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا قول الله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، ثم استفاض فضيلته في ذكر أدلة هذه الفتوى؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1249 صـ3314: صـ3318).
(6) سُئل فضيلة مفتي مصر الشيخ: جاد الحق علي جاد الحق (رحمه الله) في 10 صفر عام 1400 هجرية 9 ديسمبر عام 1979 ميلادية، بالطلب المقيد برقم 199 سنة 1979، المطلوب به الإفادة عما إذا كان عائد شهادات الاستثمار حلالًا أو حرامًا؟ وهل يعتبر هذا العائد من قبيل الربا المحرم، أو هو مكافأة من ولي الأمر في مقابل تقديم الأموال للدولة لاستغلالها في إقامة المشروعات التي تعود على الأمة بالنفع؟
فأجاب فضيلة المفتي (رحمه الله) بما يلي: إن الإسلام حَرَّم الربا بنوعيه - ربا الزيادة وربا النسيئة، وهذا التحريم ثابت قطعًا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبإجماع المسلمين منذ صدر الإسلام حتى الآن، ولما كان الوصف القانوني الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة، وكانت نصوص الشريعة في القرآن والسنة تقضي بأن الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل في نطاق ربا الزيادة، لا يحل لمسلم الانتفاع به، وأما القول بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولي الأمر، فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدمًا، لا سيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا في المائة؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1252 صـ3335: صـ3336).
(7) سُئِلَ فضيلة الشيخ: عطية صقر (رحمه الله) (رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر):
ما هو الحكْم الشرعي في شهادات الاستثمار ذات العائد المحدد، وهل يصدق عليها أنها وديعة أو من باب المضاربة كما يقول بعض الناس؟
فَقَالَ الشيخ (رحمه الله): لقد وُجِّهَ مثل هذا السؤال إلى الأزهر ونُشرت الإجابة في مجلة منبر الإسلام، عَدَد رمضان 1392 (أكتوبر 1972 م)، وعلى الرغم مِن أن حُكْمها قد سبق نشره فإن في إعادة نشره تأكيدًا له، وإبطالًا لدعاوى من يروجون لحِلِّ هذه المعاملة، وهذا نص الإجابة:
لقد صدرت الفتوى مِن الأزهر عقب ظهور هذا النوع من المعاملة، وجاء فيها أن ذلك من باب القرض الذي جر نفعًا، فهو بالتالي ربا؛ لأن عمليات البنوك في هذه الشهادات هي جمع الأموال وإعطاؤها للمؤسسات والهيئات وجهات الاستثمار الأخرى بفائدة كبيرة، وإعطاء أصحاب الشهادات فوائد أقل مما تحصل عليه من هذه الجهات، والفرق ربح لها، ولا صلة لها بجهات الاستثمار، فلها ربح محدَّد منها على المال الذي أخذته، فالأمر لا يعدو أن يكون قروضًا جاءت بفائدة.
وما يُقالُ مِن أن الأموالَ ودائع عند البنك وليست قروضًا، يُرَدُّ عليه بأن الوديعة إذا رُدَّت لصاحبها تُرَدُّ كما هي دون زيادة أو نَقص، بل قال العلماء: إنه لا يجوز التصرف في الوديعة خصوصًا بما يعرضها للتلف، فمن أين يستحل صاحب الوديعة هذه الأرباح؟ على أنها لا تأخذ شكل الوديعة؛ لأن الوديعة مطلوب حفظها لردها حين طلبها، وهذه موجهة أصلًا للاستثمار لا للحفظ، فهي سلْفَة جاءت مِن الناس إلى البنك، وهو بدوره يقرضها لجهات الاستثمار؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ9 ـ صـ 393)، (فتاوى عطية صقر ـ جـ2 ـ صـ67 ـ رقم:464).
وقال فضيلة الشيخ عطية صقر (رحمه الله):
القرض مِن البنك بفائدة حَرامٌ، بناءً على القول المأثور الذي تدعمه النصوص الصحيحة (كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًَا فَهُوَ رِبًا)؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ 9 ـ صـ402).
(8) قال فضيلةُ الشيخُ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله):
قد يقولُ قَائِلٌ: أنا مُضطر أن أتعامل مع البنك بالربا؛ لأني أريد أن أتاجر في مائة ألف جنيه وليس معي إلا ألف جنيه، وهذا ما هو حادث في كل الناس، هنا أقول: لا، عليك بالتجارة في الألف التي تملِكها، ولا تقُل: أنا مضطر للتعامل في الربا، فالمضطر هو الذي يعيش في مجاعة وإن لم يفعل ذلك يموت أو يموت من يعول، وقد رخَّص الشرع للإنسان الذي لا يملِك مالًا أن يقترض من المرابي إن لم يجد من يقرضه ليشتري دواءً أو طعامًا أو شيئًا يُضطرُّ إليه لنفسه أو لمن يعول، والإثم هنا يكون على المرابي، لا على المقترض لأنه مُضطر؛ (تفسير الشعراوي ـ جـ5 ـ صـ2926).
(9) فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي، المنعقد بجدة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 10: 16 ربيع الثاني عام 1406 هجرية الموافق 22: 28 ديسمبر عام 1958 ميلادية بشأن حُكم التعامل المصرفي بالفوائد.
كل زيادة أو فائدة على الدين الذي حَلَّ أجله وعجز المدين عن الوفاء به مقابل تأجيله، وكذلك الزيادة أو الفائدة على القرض منذ بدء العقد: هاتان الصورتان ربا محرم شرعًا؛(موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للسالوس صـ220: صـ221).
(10) فتوى مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الرابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة يوم السبت 20شعبان عام 1415 هـ الموافق 21 يناير عام 1995 بشأن الموضوع التالي: هل يجوز تحديد ربح رب المال في شركة المضاربة بمقدار معين من المال؟
لا يجوز في المضاربة أن يحدد المضارب لرب المال مقدارًا معينًا من المال؛ لأن هذا يتنافى مع حقيقة المضاربة، ويجعلها قرضًا بفائدة، ولأن قد لا يزيد على ما جُعل لرب المال فيستأثر به كله، وقد تخسر المضاربة، أو يكون الربح أقل مما جُعل لرب المال، فيغرم المضارب، وقد أجمع الأئمة الأعلام على أن من شروط صحة المضاربة أن يكون الربح مشاعًا بين رب المال والمضارب دون تحديد مقدار معين لأحد منهما؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ815).
التخلص من فوائد البنوك الربوية:
التخلص من فوائد البنوك الربوية يكون عن طريق إعطائها للفقراء والمساكين، أو إنفاقها في المنافع العامة التي تخدم المسلمين؛ كإنشاء الطرق وبناء المدارس والمستشفيات، وما أشبه ذلك، ولا يجوز إنفاق فوائد البنوك الربوية على إنشاء المساجد أو أي شيء يتعلق بالمساجد، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ 10 رقم 1303 صـ 3566:3565)، (فتاوى اللجنة الدائمة جـ13 رقم 16576، صـ354).
ختامًا:
أسألُ اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًاَ لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ، كما أسأله سُبحانه أن ينفعَ به طلابَ العِلْم، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ، وَأَصْحَابِهِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
_____________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق
- التصنيف: