الأضحية: أحكام وحكم
إن الله عز وجل شرع الأُضحيَّة؛ توسعةً على الناس يوم العيد، وقد أمر الله أبا الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيلَ، فاستجاب لأمر الله ولم يتردد؛ فأنزل الله فداء له من السماء: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، وعمل بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فإن الله عز وجل شرع الأُضحيَّة؛ توسعةً على الناس يوم العيد، وقد أمر الله أبا الأنبياء إبراهيمَ عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيلَ، فاستجاب لأمر الله ولم يتردد؛ فأنزل الله فداء له من السماء: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]، ومنذ ذلك الوقت والناس ينحرون بهيمة الأنعام؛ امتثالًا لأمر الله بإراقة الدماء؛ لأنها من أفضل الطاعات، وفضلها عظيم.
والأُضحيَّة: اسم لما يُذبح من الإبل والبقر والغنم، يوم النحر، وأيام التشريق؛ تقربًا إلى الله تعالى؛ وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين؛ قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].
وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: «ضحَّى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشَينِ أملحَينِ، ذبحهما بيده، وسمَّى وكبَّر، وضع رجله على صِفاحهما».
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ذبح بعد الصلاة، فقد تم نُسُكَه، وأصاب سُنَّة المسلمين»؛ (رواه البخاري، ومسلم).
فقد ضحَّى صلى الله عليه وسلم، وضحَّى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأُضحيَّة سنة المسلمين؛ يعني: طريقتهم؛ ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم، واختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها؛ فذهب جمهور العلماء إلى أنها سُنة مؤكدة؛ وهو مذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما، وذهب آخرون إلى أنها واجبة؛ وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.
وتُجزِئ الشاة عن الواحد وأهل بيته، ولو كثُر عددهم؛ عن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطْعِمون»؛ (رواه الترمذي).
وتجزئ البَدَنَة والبقرة عن سبعة وأهل بيوتهم؛ لحديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، قال: «نَحَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البَدَنَة عن سبعة، والبقرة عن سبعة»؛ (رواه مسلم).
وذبح الأُضحيَّة أفضل من الصدقة بثمنِها، ولقد أصاب الناس مجاعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: «من ضحَّى منكم، فلا يصبحن بعد ثالثة في بيته منه شيء»، فلما كان العام المقبل، قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا وأطعموا وادخروا؛ فإن ذلك العام كان في الناس جهدٌ، فأردت أن تعينوا فيها»؛ (متفق عليه).
وتصح الأُضحيَّة عن الميت، إذا كانت إنفاذًا للوصية، أما أن يُفرِدَ الميت بأضحية تبرعًا، فهذا ليس من السُّنَّة، وقد مات عم النبي صلى الله عليه وسلم حمزة وزوجته خديجة، وثلاث بنات متزوجات، وثلاثة أبناء صغار، ولم يرِد عنه أنه أفردهم أو أحدًا منهم بأضحية، وإن ضحى الرجل عنه وعن أهل بيته، ونوى بهم الأحياء والأموات، شملهم جميعًا؛ (أحكام الأُضحيَّة والذكاة لابن عثيمين).
ويشترط للأضحية ستة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام؛ الإبل، والبقر، والغنم.
الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعًا؛ بأن تكون جَذَعَة من الضأن، أو ثَنِيَّة من غيره؛ أخرج مسلم في صحيحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تذبحوا إلا مُسنَّة، إلا أن يُعسَر عليكم، فتذبحوا جَذَعَة من الضأن».
والْمُسنة: الثَّنِيَّة فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك، فالثِّنْيُ من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما استكمل سنتين وطعن في الثالثة، والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
قال ابن عبدالبر رحمه الله: "وثني المعز إذا تمت له سنة، ودخل في الثانية، وثني البقر إذا أكمل له سنتان، ودخل في الثالثة، والثني من الإبل ما كمل له خمس سنين، ودخل في السادسة"؛ (الاستذكار).
قال الإمام ابن القيم في (زاد المعاد): "وأمرهم أن يذبحوا الجذع من الضأن، والثني مما سواه؛ وهي المسنة؛ أخرج البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر، قال: ((قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جَذَعَة، فقال: «ضحِّ أنت بها».
الشرط الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء؛ وهي أربعة: العور البيِّن، والمرض البين، والعرج البين، الهزال المزيل للمخ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند أحمد: «أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها، والعجفاء التي لا تنقي»؛ يعني: لا نقي فيها؛ أي: لا مخ في عظامها، وهي الهزيلة العجفاء، فلا يجزئ في الأُضحيَّة سوى السليمة من كل نقص في خِلْقَتِها.
الشرط الرابع: أن تكون ملكًا للمضحي.
الشرط الخامس: ألَّا يتعلق بها حق للغير، فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس: أن يضحي بها في الوقت المحدود شرعًا، ويبدأ وقت ذبح الأُضحيَّة من بعد صلاة العيد؛ لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة، فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، ليس من النُّسُكِ في شيء»؛ (رواه البخاري، ومسلم).
ويمتد وقت الذبح إلى آخر أيام التشريق؛ وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة؛ لحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل أيام التشريق ذبح»؛ (رواه أحمد).
ويجوز ذبح الأُضحيَّة في الوقت ليلًا ونهارًا، والذبح في النهار أولَى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لِما فيه من المبادرة إلى فعل الخير، ويُشرَع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويُهدي، ويتصدق؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28].
وقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36]، فالقانع: السائل المتذلل، والمعترُّ: المتعرض للعطية بدون سؤال؛ وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « {كلوا وأطعموا وادخروا} »؛ (رواه البخاري).
والإطعام يشمل الهدية للأغنياء، والصدقة على الفقراء؛ وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا وادخروا وتصدقوا»؛ (رواه مسلم).
ويستحب أن تقسم الأُضحيَّة ثلاثًا؛ يأكل أهل البيت ثُلُثًا، ويتصدقون بالثلث، ويُهدون لأصدقائهم ثلثًا، وإن لم يقسمها هذه القسمة، جاز كأن يتصدق بها كلها، أو يأكلها كلها، أو يهديها كلها.
وتجزئ الأُضحيَّة الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته، ومن شاء من المسلمين، ولا تجزئ الواحدة من الغنم عن شخصين فأكثر، يشتريانها فيضحيان.
ومن دخلت عليه عشر ذي الحجة، وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره، وأظفاره، حتى يضحي في وقت الأُضحيَّة؛ وذلك لِما روى عن مسلم في صحيحه، عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره»، وفي رواية: «فلا يأخذنَّ شعرًا ولا يقلمنَّ ظفرًا»، والحكمة في النهي: أن يبقى كامل الأجزاء؛ ليُعْتَقَ من النار، وقيل: التشبه بالمحرم؛ ذكره النووي.
مسألة: ما على من قطع الشعر وقلَّم الظفر؟
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: "فإنه يترك قطع الشعر، وتقليم الأظافر، فإن فعل، استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعًا، سواء فعله عمدًا أو نسيانًا".
من حكم مشروعية الأُضحيَّة:
١- التقرب إلى الله تعالى بها؛ إذ قال سبحانه: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، والنسك هنا هو الذبح تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى؛ وقال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37].
2- إحياء سنة إمام الموحدين؛ إبراهيمَ الخليلِ عليه السلام؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل، ثم فداه بكبش فذبحه بدلًا عنه؛ قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107].
3- إشاعة الرحمة والمودة، وإدخال السرور، والتوسعة على النفس والأهل.
4- إشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين لما يتصدق عليهم منهم؛ وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على التصدق منها فقال: «فكلوا وادخروا وتصدقوا»؛ (رواه الإمام مسلم).
5- تعويد للنفس على بذل المال في سبيل الله؛ لأن النفس جُبِلت على حب المال؛ كما قال سبحانه: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر: 20]، وبذل المحبوب في سبيل الله دليل على صدق الإيمان، وطاعة الرحمن.
6- شكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام؛ قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 36، 37].
فضل الأُضحيَّة:
لم يَرِدْ حديث صحيح في فضل الأُضحيَّة، سوى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها، وإنما وردت أحاديثُ لا تخلو من مقال، ولكن بعضها يعضد بعضًا؛ ومنها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملًا أحبَّ إلى الله عز وجل من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم لَيقع من الله عز وجل بمكان، قبل أن يقع على الأرض؛ فطِيبوا بها نفسًا»؛ (رواه ابن ماجه والترمذي، وحسنه).
وقوله صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له: ((ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُنَّة أبيكم إبراهيم»، قالوا: ما لنا منها؟ قال: «بكل شعرة حسنة»، قالوا: فالصوف؟ قال: «بكل شعرة من الصوف حسنة»؛ (رواه ابن ماجه، والترمذي).
ورُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنه سُئل: ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُنَّة أبيكم إبراهيم»، قالوا: ما لنا فيها من أجر؟ قال: «بكل قطرة حسنة»؛ (رواه ابن ماجه عن زيد بن أرقم).
ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما أُنْفِقت الورق في شيء أفضل من نحيرة يوم عيد»؛ (رواه البيهقي عن ابن عباس، والحديثان ضعيفان عند أهل العلم، لكن يُستأنس بهما مع الأدلة الأخرى).
ما يُسْتَحَبُّ عند ذبحها: ويُستحَبُّ أن يوجهها إلى القبلة، ويقول: (وجَّهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين)، ثم إذا باشر الذبح أن يقول: (باسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك)، والتسمية واجبة بالكتاب الكريم؛ قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121].
وعند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: ((... وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال: «باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد»، ثم ضحَّى به؛ فيه دليل لاستحباب قول المضحي حال الذبح مع التسمية والتكبير: «اللهم تقبَّل مني»، واستحب بعضهم أن يقول ذلك بنص الآية: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وكان من هديه أن يضحي بالمصلَّى؛ ذكره أبو داود عن جابر رضي الله عنه أنه شهد معه الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته، نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه بيده؛ وقال صلى الله عليه وسلم: «باسم الله، والله أكبر، هذا عني وعمن لم يضحِّ من أمتي»، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذبح وينحر بالمصلى"؛ أ.هـ.
قال ابن بطال: "الذبح بالمصلى هو سُنَّة للإمام، خاصة عند مالك؛ قال مالك فيما رواه ابن وهب: إنما يفعل ذلك لئلا يذبح أحد قبله، زاد المهلب: وليذبحوا بعده على يقين، وليتعلموا منه صفة الذبح.
قلت: والذبح قرين الصلاة في مواضعَ من كتاب الله؛ وذلك دليل على فضله وعظم التعبد لله به؛ قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أمر الله أن يجمع بين هاتين العبادتين؛ وهما: الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع، والافتقار إلى الله، وحسن الظن به، وقوة اليقين، وطمأنينة القلب إلى الله وعدته، عكس حال أهل الكِبْرِ والنفرة، وأهل الغِنى عن الله الذين لا حاجة لهم في صلاتهم إلى ربهم، ولا ينحرون له خوفًا من الفقر؛ ولهذا جمع الله بينهما في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]، والنُّسُك: الذبيحة لله ابتغاء وجهه، فإنهما أجَلُّ ما يتقرب به إلى الله، وأجَلُّ العبادات البدنية الصلاةُ، وأجل العبادات المالية النَّحْرُ، وما يجتمع للعبد في الصلاة لا يجتمع له في غيرها، كما عرفه أرباب القلوب الحية، وما يجتمع له في النحر إذا قارنه الإيمان والإخلاص من قوة اليقين، وحسن الظن - أمر عجيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرَ الصلاة، كثيرَ النَّحْرِ.
وكذا الإحسان حتى في الذبح: أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس إذا ذبحوا أن يُحسِنوا الذبح، وإذا قتلوا أن يحسنوا القتلة؛ كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث شداد بن أوس قال: ((ثِنْتان حفِظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسِنوا الذِّبحة، ولْيُحِدَّ أحدكم شفرته ولْيُرِحْ ذبيحته»؛ (رواه مسلم).
وكان صلى الله عليه وسلم يضع قدمه على صِفاحهما؛ يعني: صفحة عنق الذبيحة عند ذبحها؛ لئلا تضطرب، وهذه رحمة منه؛ كما ذكر أنس، وهو يشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم يذبح.
قال الإمام ابن حجر في الفتح: "واتفقوا على أن اضطجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن؛ ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها باليسار"؛ أ.هـ.
ويستحب أن يباشر المسلم أضحيته بنفسه، كما فعل صلى الله عليه وسلم، وإن أناب غيره في ذبحها، جاز ذلك بلا حرج ولا خلاف بين أهل العلم في هذا.
ولا يُعطَى الجازر أجرة عمله من الأُضحيَّة؛ لقول علي رضي الله عنه: ((أمرني رسول الله أن أقوم على بَدَنَة، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وجُلالها، وألَّا أعطيَ الجازر منها شيئًا، وقال: نحن نعطيه من عندنا))؛ (متفق عليه).
هذا ما تيسر جمعه من أحكام الأُضحيَّة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم، ومن المسلمين في كل مكان، وأن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
_____________________________________________
الكاتب: الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
- التصنيف: